ضبابية الاهداف والتوجهات في برلمان الاحتلال

 

 

شبكة المنصور

د. مثنى عبد الله / كاتب وباحث عراقي
بعد فشل متكرر وسجالات طويلة ومساومات على الوطن وعمليات بيع وشراء للمصالح , ولد برلمان غلمان الاحتلال مواطنا بريطانيا رئيسا له, ولاغرابة في ذلك في ظل قوانين العملية السياسية التي جلبت الخراب والدمار لشعب العراق. فالمؤسسات كلها هجينة مشوهة , والقوانين والاعراف جميعها عرجاء , والدستور البريمري مازال الحاكم الفعلي للبلاد بالرغم من احتوائه الاف الالغام التي تهدد العراق وطنا وشعبا وتاريخ وحضارة, بالانشطار عموديا وافقيا والتشتت الى حكومات واقاليم وكانتونات , وبذلك فان حال مايسمى بالبرلمان العتيد انما هو من حال الوضع العام والذي بات ينطبق عليه تماما قول شاعرنا الكبير:


علم ودستور ومجلس أمة كل عن المعنى الصحيح محرف
أسماء ليس لنا سوى الفاضها أما معانيها فليست تعرف


بل لعل هذا البرلمان هو من المؤسسات البرلمانية القليلة في العالم التي كرست الفرقة والتناحر بين مكونات الشعب , فالذي ينظر اليه اليوم نظرة متمعنة يجد وبصورة جلية حقيقة قيامه بدور تخريبي من خلال ترسيخه المعادلة الاثنية والقومية والطائفية سياسيا وفكريا واجتماعيا على الواقع العراقي مساوية تماما لما حصل في الواقع السياسي اللبناني والصومالي , فالكتل فيه متناحرة تكيد لبعضها الاخر وكل يسعى لجمع أوراق ضغط على الاخرين أستعدادا لمساومات قادمة , حتى اصبح من السهولة بمكان أن نكتشف حجم الضغينة والحقد بين الجميع , فالصراع واضح بين الدعوة والمجلس, وبين أطراف التوافق , وبين الاحزاب الكردية , وبين الحزب الاسلامي والعشائر, وبين الجميع على كرسي رئاسة البرلمان, حتى أكدت هذه الازمة بالدليل القاطع على حجم المحاصصة وديمومتها وغياب مايسمى بالحل الديمقراطي بمضمونه المتمثل(الاكثرية والاقلية) بل اصبحت المحكمة الاتحادية هي الفاصل في كل المنازعات كبيرها وصغيرها بعد أن كانوا يهرعون للاستعانة بالامريكان لحل خلافاتهم السياسية حتى اصبح أمرا مقززا ., فلقد غاب عن وعي ( النواب) الاجلاء بان العملية الديمقراطية التي يدعون تمثيلها أنما تتطلب قبولا بالاخر ووعيا وثقافة وليس حضورا سياسيا فقط , وهذه كلها مفقودة لديهم لانهم مجرد لصوص يحاولن الفوز بنصيب أكبر من الغنيمة , بل لعل القضية الاخيرة التي أثيرت ضد النائب محمد الدايني كانت مثالا بارزا على أن هؤلاء ليسوا في واد الذين تورطوا في انتخابهم , بل أنهم يكرسون جهودهم لمتابعة بعضهم الاخر ويتصيدون الاخطاء والسلبيات بعضهم ضد بعض كي يشهروها في أوقات الازمات , والا مامعنى أن يصرح النائب جلال الصغير متشفيا بان لديه دلائل ووثائق تدين الدايني وعدد اخر من النواب !! هل هو يدير مؤسسة أستخبارية أو جهاز أمن أم أنه نائب في البرلمان؟


لقد فهم الشعب العراقي اللعبة جيدا منذ بدايتها لذلك لم يكن ينتظر من البرلمانيين ولا من رئيسهم السابق شيئا والذي لم يكن يجيد سوى لغة التنكيت والاهانات والسخرية , حتى أسقط غير مأسوفا عليه بمؤامرة قادها شركائه في جبهة التوافق الاسلامية , وتمت بطريقة لم تعرفها كل برلمانات الدول الاكثر تخلفا في العالم حيث تمت محاصرة بناية البرلمان بالدروع والدبابات كي ينتزع من كرسيه . واذا كانت الفترة السابقة من عمر (البرلمان) قد شهدت مناقشة قوانين وقرارات ليس لها علاقة بالواقع الماساوي الذي يعيشه المواطن العراقي بل أن غالبية مانوقش من قرارات وقوانين انما كانت تصب في مصلحة المحتل أولا ومصالح أعوانه بضمنهم أعضاء البرلمان والتي توجت بالموافقة عللى اتفاقية الذل والعار مع المحتل , ومناقشات أخرى تناولت زيادة مخصصات الاعضاء والرئاسات الثلاث في الدولة ورواتبهم وأمتيازاتهم التي فاقت أمتيازات رؤساء دول كبرى في العالم من حيث الصرف ومقدار الراتب وتمتع عوائلهم بجوازات سفر دبلوماسية دائمية وسيارات مدرعة يتنقلون بها بين مقرات عملهم وسكنهم داخل المنطقة الخضراء , حتى باتوا يزاحمون أثرى أثرياء العالم فيما يمتلكون من أموال منقولة وغير منقولة , بينما تؤكد الاحصائيات الرسمية الاممية وجود 8 مليون عراقي بحاجة الى مساعدات أغاثة , و68% يعانون من البطالة ووصلت زيادة الاسعار الى نسبة 70% وان كل الاسر العراقية تقريبا تعيش بدخل يومي قدره 1,8 دولار وان 2 مليون أسرة تعيش باقل من 1 دولار وان هنالك 2,5 مليون يتيم يصرح الناطق باسم الحكومة بان مؤسسات الدولة غير قادرة على أستيعابهم والتكفل بهم.


لقد أنتصرت الديمقراطية وتعززت بهذه العبارات تم الاعلان عن توصل (البرلمان ) الى رئيس جديد له, بعد صراع مستميت دام أربعة أشهر وتصريحات وشكاوى لدى المحاكم المختصة وأتهامات متبادلة , وحالما أحتل الرئيس الجديد موقعه , حتى أوضح أجندته التي تثير الشفقة والسخرية في وقت واحد, فهو يحاول الضحك على ذقون الناس عندما يؤكد بانه( سنقوم بالتعاون مع هيئة الرئاسة والكتل البرلمانية واللجان على تطوير المجلس تحقيقا للمهمات التي أناطها الدستور للمجلس) لان أي مراقب سياسي يعرف جيدا بان هذه المؤسسات التي يدعي بانه سيتعاون معها أنما هي مؤسسات مستفيدة أساسا من هذا الوضع وهي لاتريد أن تتحول هذه المؤسسة الشكلية الى مؤسسة حقيقية تراقب وتحاسب حصصهم ورموزهم الوظيفية في مؤسسات الدولة , بل ان من المستحيل حدوث ذلك في ضوء أنهيار المنتظمات والاطر السياسية التشريعية والتنفيذية في العراق , لكن الرئيس الجديد أصاب كبد الحقيقة عندما قال ( سنعمل على تشريع قانون النفط والغاز) فهذه هي المهمة الرئيسية المطلوب منه تنفيذها لارضاء حلفاء كتلته التي تساوموا معهم من أجل فوزه برئاسة البرلمان , كي يتم بعد ذلك تبديد ثروة الشعب وجعلها حصصا لهذا وذاك مع الاخذ بالحسبان حصة المحتل الذي أجلسهم على كراسيهم , كما أن المرحلة الثانية للرئيس الجديد وفي ضوء أجندة حزبه الطائفية أنما هي مرحلة توزيع العراق وفق المقاسات التحاصصية مثلما جرى توزيع الوزارات وفق ذلك , وهو مااكد عليه حليفهم السابق خلف العليان أثناء أنسحابه من جبهة التوافق عندما أتهم الحزب الاسلامي بقيادة مؤامرة أطاحت برئيس البرلمان السابق(محمود المشهداني) بغية سيطرته على رئاسة البرلمان لتنفيذ أجندته وللذهاب منفردا في تفاهمات أوسع حول القضايا الرئيسية مع الطائفيون الاخرين.


أن شد خيمة مايسمى(البرلمان العراقي) الى الوتد الطائفي والوتد القومي والوتد الاثني والوتد المناطقي والوتد الحزبي أنما يبقيه نسيجا مهلهلا لايمت الى شعب العراق بصلة كما هو حاله اليوم , وان نيات البعض من أعضائه الوطنية والخيرة لن تنقذه مما هو فيه , لان بناء الاوطان لايتم فقط بالنيات الحسنة , انما بالافعال الجبارة التي ترقى الى مستوى شعب العراق ذي الارث الحضاري والفكري والانساني التي يمثلها الفعل الوطني المقاوم , لذلك فان المطلوب الان هو فضح كافة المخططات والاجندات المشبوهة التي تزور أرادة المواطن العراقي وتدعي تمثيله بون وجه حق , وهذا هو هدف المقاومة الوطنيةوالقومية والاسلامية العراقية.

 
 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الثلاثاء / ٢٥ ربيع الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢١ / نـيســان / ٢٠٠٩ م