المقاومة العراقية
فكر استراتيجي للتحريرالشامل وليست مرحلة تكتيكية ضاغطة لأجندات سياسية فاشلة

 

 

شبكة المنصور

د.عمر الكبيسي
مامن شك أن مقاومة حرب تحرير شعبية فاعلة ومؤثرة لمجابهة غزو غاشم وجيوش متحالفة محتلة بقيادة اميركا صاحبة أقوى وأحدث الجيوش في العالم ؛فعل باهض الثمن في الارواح والتكاليف وليس بالهيٍّن بل ملئ بالتعقيدات والاختراقات والهنًّات ؛ ولو أستعرضنا تاريخ مقاومة الاحتلال والامبريالية و الدكتاتورية المعاصرة لوجدناها مليئة بالأنجازات والإنتصارات الى جانب تعرضها لإخفاقات واختراقات وخسائر دامية .


يبقى أنتصار أية مقاومة حرب تحرير شعبية مرهوناً بعمق الفكر المقاوم الذي يتأصل بشرعيته السماوية و الوضعية بوجود قضية سامية وهدف نبيل وبهذا تكون المقاومة فكراً استراتيجياً لا خيار عنه ولا بديل لتحقيق الهدف المنشود ؛بهذا المعنى يختلف مفهوم المعارضة عن مفهوم المقاومة فالمعارضة السياسية قد تناور في الاساليب وتغيير الاهداف وأستنباط التكتيكات المناسبة لكل موقف ومناسبة بل وقد تتناقض مع الاستراتيجية العامة للتحرير- ظاهرياً أو حتى حقيقياً أحياناً ؛ بل كثيرا ما تفتقد استراتيجيتها خلال مسيرتها السياسية اذ من المعروف ان التكتيك يجب أن يخدم الاستراتيجية والا أضاع الهدف العام ؛ ولكن من الثوابت أيضا أن الاستراتيجية يجب ألا تخدم التكتيك ولا تبرره على الدوام حيث ان لكل منهما مجالاته وأطره وآفاقه وتحولاته كما هي حال ومصاب ومرض قادة المعارضة العراقية قبل الاحتلال حين برَّرت هذه المعارضة المحبطة واللاجئة اصدار قانون تحرير العراق وتنفيذه بغزو أستعماري كان جزءً من مشروع تدميري فكانت النتيجة هي كل ماحلَّ بالعراق من دمار وما تواجهه أقطاب تلك المعارضة التي جاءت معه مستبشرة من أحباط وإنهيار مخز في عراق اليوم ؛لأن جلًّ ما أستطاعت التعلق به هو دور الوكيل للمحتل . واسباب ذلك تتعلق بالتاكيد لكونها معارضة تفتقد أبسط أسس وقواعد وحتى مقومات ’’ معارضة وطنية محررة‘‘ والى إنعدام وجود – ناهيك عن تحديد - هدف شعبي نبيل ؛أو دور ولو صغير في المشروع الذي جندت نفسها له . ومن العبث التساؤل عن أستقطاب تلك المعارضة الطفولية الهزيلة عن أستراتيجية فكرية ملتزمة بطبيعة الهدف وقد اتضح ذلك جليا حينما هوى المفهوم الاسلامي واليساري العلماني بكل نظرياتهما المسطحة لتبرير الأرتماء في احضان الغزاة والمحتلين .وكذلك اسهام تلك القيادات الفاشل والخادع بالتاسيس لعملية سياسية شكلية ومدمرة وفاسدة لا هم لها شوى شرعنة الأحتلال وقوانينه من اجل مصالح ومفاسد شخصية وحزبية تافهة .


بعد مرور ست سنوات على غزو العراق وما أرتكبته الولايات المتحدة من جرائم شنيعة ودمارشامل بالارواح والبنية والثروة اضافة الى استهداف كيان ووجود الدولة العراقية والدولة وهويتها وحقيقة أرتباطها بالامة العربية وتعريضهما الى احتلالات وتدخلات دولية وأقليمية لا تقل شأنهما وخطرهما في الدمار والتخريب عن دور الغزو ذاته بات من الواضح ان السلطة القائمة لا تمثل بالفعل والواقع كيان دولة بل لم تبادر بمشروع وطني لتاسيس دولة عصرية بعيدة عن الطائفية والمحاصصة وبناء الجيش المهني وقوات امن متخصصة بل ان الحكومة بطبيعة تاسيسها وترشيح وزرائها وخلاصات خدمتهم ومتابعة سيرتهم لاتنطبق عليها مواصفات حكومة اعمار وبناء وباعتراف المالكي ذاته الذي يبدو بوضوح عاجز عن اجراء أي تغيير جذري فيها في حين لا يستطيع وزرائها اقالة او تغيير يمس موظفي وزارته او المفسدين فيها.


كما بات واضحاً أن تجمعات سياسية بعضها في داخل العراق ومشاركة في العملية السياسية كالشيخ خلف العليان والدكتور صالح المطلك وقيادات الحزب الاسلامي بعد اقرراهم للاتفاقية الامنية وما أطلقوه من تصريحات بدعوة المقاومة المسلحة للدخول بالعملية السياسية القائمة من جهة ؛ وكذلك تلبية بعض الشخصيات السياسية التي كانت تحسب نفسها معارضه بالخارج الى بغداد لدعوة المالكي وتبني عمليته السياسية وترديدها في خطابها بأن دور المقاومة المسلحة قد انتهى وقد أن الأوان للتحول الى بدأ النضال السياسي والمعارضة البرلمانية بعد أن وفر لها المحتل وأقزامه في المنطقة الخضراء الأمن والحرية وجميع الأجواء الديمقراطية ؛وبتبرير أن فوز المالكي ودويلته القانونية ولو بأغلبية صوت واحد في أنتخاب مجالس المحافظات قد أسدل الستار على جميع مجار وكوارث الأحتلال. وأن المرحلة الحالية هي مرحلة سياسية لا تجيز ولا تبرر حمل السلاح !؛ مع أن كل الاطراف آنفة الذكر كانت ممن أدعت وتظاهرت يوماً ما بمناهضة العملية السياسية (ظاهرياً على الأقل) وعدًّتها فاشلة وأنها كانت تقرٍّ على الاقل بشرعية المقاومة المسلحة لا بل ان قسماً منهم راح متشبثا او متلبسا ينظر لهذه المقاومة وربما يحسب نفسه عليها ؛وإن لم يكن قد حضي أحدهم بقبول لتنظيره او تشبثه من فصائل هذه المقاومة او عناوينها في يوم من الايام.


وصل التيه باحدهم ان كتب مقالاً بصحيفة (القدس العربي) يسَّفه به ويتطاول على اراء كل الذين تبنوا ومازالوا شرعية المقاومة وينعتهم بالقتلة والحالمين !.في حين ان احدهم كان ينعت حكومة المالكي بحكومة (الخضران) جهارا نهارا وتكرارا في اروقة الفضائيات شاهدته وهو يقبل جبهة المالكي ويطريه مدحاً .

هولاء الاشخاص ومن وراءهم وحقيقة دوافعهم وتجمعاتهم و مشاريعهم وأستنهاضاتهم برؤاهم الجديدة الحالمة والمدفوعة الثمن والمتلبسة بالوطنية أو الدين أو اليسار او العشيرة او الصحوة او الاسناد لايملكون من مقومات النقد والتنظير والتجريح الا صفة الانتحال والأجترار و الاحتراف السياسي ؛هولاء جميعا من السهولة تذكيرهم بثوابت كرد لما صرحوا به او كتبوا ونشروا حوله لابهدف ثنيهم عن التساقط الذي اطاح بهم في اعين المقاومين والمناهظين ولكن بهدف تذكيرهم بعمق المستنقع الذي وقعوا فيه وحجم الشطط الذي اقترفوه يمكن اختصاره ضمن العناوين التالية:


أ . لقد أجمعت المقاومة المسلحة العراقية بكل فصائلها وعناوينهاعلى شرعية جهادها ونضالها منذ انطلاقتها , وأنها ماكانت تحمل في مشروعها الا أستراتيجية حرب التحرير الشعبية والتطهيرالكامل للتراب العراقي من كل الغزاة و المحتلين والعملاء ووكلاء الاحتلال وموظفيه. وهي لاتحمل مشروعا سياسيا يتناقض مع الذي يحمله كل المناضلين والمناهضين الذين ألتفوا حولها وشاركوها جميع منطلقاتها لتحقيق هذا الهدف السامي والنبيل.


ب . الاحتلال والغزو الاجنبي مستمر بتدمير البلاد والعباد بشكل مباشر وبمساعدة سلطته وحكومته المنصبة وأن العملية السياسية والاتفاقية الامنية ومسرحيات الانتخابات والحكومات المنَّصبة واطروحة الجيش البديل وكل ما سيعقبها من تشريعات وتنصيبات كلها نتاجات فاسدة فاشلة تندرج بالجملة والتفصيل تحت مضمون الاحتلال و تنظيراته ؛ وان أي عمل تكتيكي سياسي للف او الدوران للمشاركة او الاقرار بواقع الاحتلال ومؤسساته وتحت أي مبرر أو أسلوب أو مسمى يتقاطع بالنظرية وبالتطبيق مع استراتيجية حرب التحرير الشعبية والمقاومة ولا يخدم او ينسجم مع تحقيق هدف التحرير الشامل الذي تنشده القوى الوطنية المناهضة وبالتالي فان مجرد التقاطع مع مناهج و استراتيجية المقاومة بشرعية الهدف النبيل يجرد كل القوى والكتل والشخوص السياسية والعشائرية من مضمون المناهضة للاحتلال ومن أي دور وطني ويؤكد في الوقت نفسه ذيليتها وأنضوءها وركوعها تحت مظلتة .


لم يعد واقع الساحة السياسية العراقية يتحمل منطقة وسطى بين المقاومة والاحتلال . واذا كان هناك من انجاز كبير حققته المقاومة العراقية في مرحلة سنوات الاحتلال يفوق بالمعاني ما الحقته بالمحتل من خسائر بشرية ومادية كبيرة فان هذا الانجاز بوضوح يكمن اليوم بأن المقاومة تعدُّ هي الحد الفاصل بين الوطنية والعمالة وبين التحرير والاستعمار.


ج . أن الوعي العراقي المتنامي والمتصاعد المناهض للاحتلال حقيقة باتت جليَّة للعيان ؛ولم يعد من السهل أن تتغافلها مؤسسات البحوث ومراكز الدراسات وأن تصاعد هذا الوعي لم يعد حصراً على مكون أو طائفة من مكونات الشعب العراقي دون اخرى كما لاتحده منطقة جغرافية معينة ؛ فحالة الاستنكار والمناهضة والتحدي تتنامى بأضطراد كلما بانت بوضوح أهداف ومخططات الغزاة وتفاقمت ويلاته و نتائج همينته ودماره وبالتالي تخبطه وهزيمته واستسلامه المحتوم .أما حال المقاومة على الارض فان تصاعد فعلها أو انخفاضه ونجاح المحتل وأعدائها بأختراقها أوتفتيت بعض أجنحتها أو فصائلها ؛ أو فشلهما . كذلك الحال مع أنكار هذا النفر أو ذاك لفعلها أو تمسكه بها. وسواء حوصرالعمل المقاوم عسكرياً واقتصاديا او انتعش واستفحل ؛أو انكمش فعلها في جانب واتسع في جانب أخر ؛كفل هذا لن يؤثر ولن ينعكس على الهدف الأستراتيجي الأكبر ألا وهو : التحرير الشامل ؛والذي يمثل رمز بقائها وصمودها و أنتصارها. وبهذا النهج لن تكون هذه المقاومة اداة لمساومة فئة سياسية او الة ضغط لتنظيم معين أو واجهة لفكر محدد أو لحزب معين أو طائفة اوعرق مشخص ؛ كما لامكن ان تكون اداة لتعبير موقف ضاغط او لتحقيق هدف واهن او مقصد آني يبتعد عن طبيعة استراتيجية التحرير الذي تنشده.


د . واذا كان الغزاة قد صمًّموا على الخروج او الانسحاب اليوم أو غد؛ ببياض أو سواد الوجه (Exist strategy؛ أستراتيجية خروج)؛ مع أزلامه وآذنابه أو بدونهم ؛بطريقة منظمة أو بفوضى عارمه ؛بالتوافق مع حليفته أيران وقوى أقليمية متنفذة أخرى او بدون توافق ؛بدعم عربي او بدونه؛ من خلال جهد عالمي وأممي أو بدونه ؛فان المقاومة ومشروعها التحرري المناهض ستبقى هي الطرف الاقوى والمهيمن في واقع الساحة ؛والاجدربفرض منطقها ومنطلقاتها وبالتالي بتحقيق التحرير الاشمل والانصع لقبول الامة والاكثر حظاً بالتحقيق والنجاح والامثل في التوفير بالزمن والتكاليف والخسائر والامتن في ضمان الامن القومي والاقليمي والدولي المتوازن.
وكل ما تتكلم عنه وتطرحه السلطة والاحتلال والساسة والهيئات والاحزاب والمعارضات المتشرذمة الأخرى من حلول وأمن وأوهام وأمان وأمنيات وأعمار وبناء بعيداً عن مظمون استرتيجية المقاومة في التحرير الشامل سيبقى مجرد أوهام من نسج الخيال.


هـ . يبقى امل المقاومة المنشود يكمن بان تتجمع على منهجية التحرير الشامل كل القوى الوطنية المناهضة للاحتلال بجبهة سياسية وطنية ينصب جهدها السياسي على التصويب في عملية البناء لمستقبل عراق واحد مستقل قوي وحكم مدني ديمقراطي عصري متحضر في حين يبقى امل الساسة المناهضين ان تنعكس استرتيجية التحرير الشامل كثابت وطني تتجمع عليه كل فصائل المقاومة المسلحة وعناوينها يسَّهل عليها تعبويا وعمليا مجابهة الخصم وانجاز الحسم مصداقا لقوله تعالى "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ".

 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الثلاثاء / ١١ ربيع الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٧ / نـيســان / ٢٠٠٩ م