مؤسسات للنصب والاحتيال اسمها مؤسسات استثمارية

 

 

شبكة المنصور

د. محمد رحال / السويد
مازالت صورة انتفاضة ابناء البانيا عالقة بذهن العالم كله , وكيف اسقطت الجماهير الغاضبة الحكومة المنتخبة عقابا لها على سكوتها على الفساد المالي لشركات المال الاستثمارية والتي نهبت اموال الشعب الالباني الفقير , وكيف عوقبت الحكومة ومعها شركات الاستثمار في تلك البلاد , ولم تكن تلك هي الانتفاضة الوحيدة في العالم على سارقي اموال الشعب وذلك بسبب نمو الجشع الانساني للانقضاض على ممتلكات الغير  ونهبها تحت ذرائع الاستثمار , ولنعترف وبصراحة ان استحلال اموال الغير هي من اكبر الجرائم , كما ان تسليم الاموال لهذه العصابات المجرمة بسبب الطمع الانساني يعد في عرف الشريعة الاسلامية والتي ننضوي نحن وبحمد الله تحت مظلتها , يعد من اكبر الجرائم الشرعية وذلك بسبب قبول الكسب الحرام والمبني على الجشع المادي والدنيوي , ويشترك في ذلك صاحب مكتب الاستثمارات والتي تكون في العادة شركات وهمية بمباركة حكومية , ومعهم اصحاب الاموال المودعة وهم اكثر شرا من اصحاب هذه المكاتب , ويضاف لهؤلاء علماء الشرع الذين شاهدوا هذا المنكر العظيم وكانوا كالاباليس ساكتين على هذا الباطل فلا هم لهم الا الدعاء للسلطان الحاكم ومنحه المزيد من الاسماء ذات الربوبية المطلقة , وفوق هذا كله ياتي دور السلطة الحاكمة والتي تعرف ان هذه المكاتب الاستثمارية ليست الا اوكارا للنصب والاحتيال , وثبت للعقلاء ان السلطات الحاكمة متورطة حتى قمة الراس في هذه العمليات المختصة بالنصب والاحتيال في غالبها , وذلك من اجل نهب مابقي لدى الشعب بهدف الاستمتاع برؤية هذا الشعب الفقير يتضور من الجوع , وليقدم السلطان العربي فيلقي عليه ببعض الفتات وكسرات الخبز , مع الوعيد ان السلطة العادلة ستاخذ حقوق ابناء الشعب الذين نهبت مقدراتهم , ولقد شاءت اقدار الله ان التقي باحد مدراء البنوك في احدى الدول الغربية منذ سنوات مضت والذي اسر لي ان نجل احد رؤساء الدول العربية كان وراء عدة شركات استثمار في تلك الدولة العربية , واستطاع ان يجمع اكثر من ثمان مليارات من الدولارات من هذه الصناديق الاستثمارية المحلية , والتي اعلن فيما بعد عن افلاسها وسكت فيها المودعون سكوت البط الوديع  في الوقت الذي كان المال قد اودع في هذه الدولة الاوروبية وباسم هذا الولد المدلل للزعيم العربي  , وهذا حال الكثير من الدول العربية والتي يسير الملايين من ابناء الشعب العربي بمظاهرات التاييد تحية لحكامها حفظهم الله لنا وحفظ لنا طلتهم البهية وطلة اولادهم الابهى , وللقاريء العربي هذه الاقصوصة عن بعض مكاتب الاستثمار في احدى هذه الدول العربية من بلدان البط العربي السعيد:


لم يصدق اهالي بلدة (ج) اذانهم ان عبود الطشم غادر  البلدة , وذلك بسبب قضايا السرقة والاحتيال والتعدي التي طالت اهل البلدة منه , ولم يسلم منه حتى قطط البلدة , وكانت فرحة كبيرة تناقلها اهل البلدة بسرور وفرحة وشغف , ولأشهر بقي اهل البلدة يتسامرون في لياليهم المقمرة اخبار عبود الطشم ويتندرون بها باعتبارها صارت من الماضي.
عبود لم ينس اهل بلدته من خلال مراسلاته مع اهله من غربته الجديدة , فكل مايعرفه الاهل انه انه صار من الميسورين في بلاد الغربة , وهو امر تنفرج له الاسارير في بلدان المشرق فلم يعد من الاولويات ابدا ان يسال الناس عن سبب النجاح المادي , او عن اصل اي ثروة هبطت على اصحابها فجأة حتى ولو كانت من التجارة بالعاهرات او المخدرات , فالتجارة في بلدان العرب صارت شطارة , ويكفي ان تصبح ميسور الحال لكي تبيض صحائفك السوداء مهما كان سوادها , وهذا ماجرى لعبود الذي قلب اهل البلدة صحيفته السوداء ليتحول وهو في مغتربه الى اسطورة البلدة في شطارته وبراعته وفهلوته على الناس , وانقلبت كل السيئآت الى حسنات , ولم يبق لاهل البلدة الا ان يقلدوه وسام الشرف الاول في البلدة , ولهذا فان عبود الطشم حين عاد الى بلده بقشرته الجديدة وجد اعدادا لاباس بها في استقباله , وبقي بيت اهله لايام يعج بالزائرين المرحبين بالثري الجديد الذي عاد من غربته ليحقق لهم رغباتهم , واستغل عبود موقع بيت اهله في وسط البلدة على الشارع الرئيس ليعلق لوحة كبيرة بطول العمارة المؤلفة من خمس طوابق , والتي رسم عليها صورته البهية والى جانبها اعلانا عن انشاء مكتب للبورصة في بلده , وفي تاريخ الافتتاح كان عبود قد جند اكثر من ثلاثين شخصا رابطوا امام الباب وبايديهم صررا واكياس ادعوا ان فيها مدخرات العمر , ينتظرون فتح باب المكتب الجديد ,

 

وهنا سرت في البلدة موجة من الاشاعات التسونامية وهي ان الارباح التي يعطيها عبود من خلال عمل البورصة شيء يفوق الخيال , وفي اليوم التالي كان ربع سكان البلدة قد سجلوا اسمائهم مستثمرين لدى عبود بيك , والذي غير اهل البلدة اسمه من عبود الطشم الى عبود بيك , وباع الكثير من اهل البلدة بيوتهم ومزارعهم من اجل الربح الهائل الذي بدأ يتقاطر عليهم , ونكش العجائز تحويشة العمر من تحت بلاطات الارض والقوا بها بين يدي عبود بيك والذي كان مرحابا وكريما الى درجة لايصدقها عقل , وخلال شهر تحول عبود الطشم الى اهم شخصية في البلدة بعد ان استطاع ان يجذب اغلب اهالي البلدة الى بورصته , وكانت اسماء الشركات العالمية لديه , ومع هذا فقد ترك اهل البلدة البسطاء له حرية اختيار الاسهم العالمية التي يرى هو ان فيها ربحا وفيرا وعميما , وتحولت احاديث البلدة وتغيرت وتبدلت عما كان في السابق , وصار الحديث العام بين البسطاء من الناس هو اي الشركات العالمية افضل , وكثرت النزاعات والخصومات حول بعض الشركات بعد ان تكون راي عام وانصار لكل شركة , وتابع اهل البلدة اخبار النشرة الاقتصادية في قناة العربية باعتبارها متخصصة في مكافحة الارهاب والنشرات الاقتصادية , وابراز مفاتن المذيعات , وجاء شهر رمضان المبارك على البلدة كغير عادته , فقد ترك اغلب اهالي البلدة قيام الليل وصلاة التراويحوصاروا يقومون الليل على متابعة اخبار الاسهم , وشحت موارد الصدقات والزكاة , وانقطت صلة الارحام ولم يدفع اهل البلدة حتى زكاة افطارهم, وتقشف الناس في طعامهم حرصا على توفير المزيد من المال كي تعطى الى عبود باشا , فتزيد اسهمهم في الحياة الدنيا والاخرة , وبهذا فانهم يلاقوا وجه ربهم يوم القيامة وصحائفهم كلها اسهم مالية .


وخلال اقل من عام ارتفع عدد اصحاب البورصات في البلدة الى ربع المحال التجارية’ وتغير الخطاب العام للاطفال , والذين صار هدفهم من التعليم هو افتتاح بورصة , وتغير الخطاب السياسي في البلد الى دعم الاستثمار وتشجيع البورصات, ومعهم تغير الخطاب الديني من الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وصلة الارحام الى التجارة بالاسهم وفضلها  , ولم يعد اهل البلدة يطالبوا بارباحهم من البورصة حفاظا على المزيد من الارباح , وساهم رجال الدين الاتقياء في انغماس عامة الناس في هذه التجارة السهلة بان اشتروا ايضا اسهما في هذه البورصات , ليخلعوا عليها ثوبا من الشرعية والحلالية المباركة , ولم يتورع مسؤولوا البلدة من ان يكون لهم نصيب في هذه الاسهم ,  وتحولت البلدة من بلدة عاملة الى بلدة ضربها الخواء الا من احاديث الاسهم.


وحدها الازمة الاقتصادية التي ضربت العالم عرت هذه المكاتب , والتي تبين ان تجار هذه المكاتب هم مجموعات من اللصوص سرقوا اموال البلدة كلها واضاعوها على مجونهم وترفهم ورشاويهم للحكام في تلك البلاد, وفجأة انكشفت مآسي البلدة التي ضرب الفقر اطنابه فيها , وفجاة اكتشف الناس ان عبود باشا لم يكن باشا وانما هو عبود الطشم المحتال , وفجاة اكتشفت السلطات ان الامر مجرد نصب واحتيال , وفجاة اكتشف مشايخ البلدة ان هذه المكاتب والبورصات ليس فيها من الحلال ذرة واحدة , وان من يعمل في هذه المكاتب مجموعات من عديمي الاخلاق والضمير , وفجاة اكتشف اهل البلدة ان الاخلاق ضربت ضربة ماحقة في المجتمع والذي تحول من مجتمع الاخلاق والتعاون والايثار الى مجتمع الاسهم المفلسة ومعها العري البشري المرافق دائما لهذه الحركات المالية , وفجأة اكتشف اهل البلدة ان عبود الطشم غادر بلدته سرا الى مهجره  الذي علمه الاحتيال على اهله وبلده ووطنه ودينه بعد ان اغرق الجميع في وحل التردي والقيم الساقطة  لسجل هذه الجرائم ضد معلوم مجهول , وليسجل التاريخ ان المودعيين لم يخرجوا كما خرج ابناء البانيا من اجل اسقاط الحكومة , وانما خرج البعض يتلمس طريق السلطات في الدولة يطلب احسانها .

 

تحرير العراق وفلسطين واجب شرعي فساهم في هذا الشرف الرفيع

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاربعاء / ١٢ ربيع الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٨ / نـيســان / ٢٠٠٩ م