برلمانيوا العراق ولعبة ... هيا بنا ننهب

 

 

شبكة المنصور

ضحى عبد الرحمن / كاتبة عراقية
لدينا مثل عراقي يقول "ان كنت لا تستحي فأفعل ماشئت" فالحياء شعيرة من شعائر الغيرة والضمير ومسوؤلية اخلاقية تجاه بقية البشر، إنها أيضا ذوق وكياسة وشجاعة وموقف يتناسب مع الظرف الزماني والمكاني للحدث, ومن لا حياء له يفعل ما يحلو له دون مراعاة حقوق الأخرين ومشاعرهم وقد يتجسد الحياء بفعل أو كلمة او تصرف أو إيماءة أوتورد الوجنتين أو التصبب عرقا وغير من العلامات التي يختلف التعبير عنها من شخص لآخر لأسباب نفسية أو اجتماعية أو ثقافية وغيرها, والحياء ليست صفة فردية فأحيانا يتحول الى صفة إجتماعية تتسم بها أسرة أو فصيلة أو عشيرة او قبيلة, ورغم تأثيرها على الآخرين لكنها أقل خطورة عندما تتسم بها السلطة التشريعية والتنفيذية المتمثلة بالبرلمانات والحكومات.


منذ الغزو الأمريكي للعراق سقطت الكثير من الثوابت والقيم الأخلاقية والإجتماعية والثقافية وهي حالة طبيعية عندما تستعبد الشعوب من قبل الطامعين وتذل بطريقة بشعة، وترتقي حثالة المجتمع الى مناصب قيادية، ومع هذا السقوط سقطت قطرات الغيرة من جباه بعض العراقيين المحسوبين على الوطن الغالي ظلما وغدرا حيث سقط منهم الحياء والغيرة والكرامة بإنضمامهم لطابور العمالة ورفعوا شعار" لنجعل من العراق جحيما لا يطاق" وفعلا بذلوا كل جهودهم لتطبيق هذا الشعار وتفننوا بحرق اليابس والاخضر فحولوا الوطن الى جحيم كما اراد اسيادهم وربما أكثر مما أرادوا وهي لم تكن بالمهة العسيرة عليهم، فمن السهل ان تكون عميلا لكن من الصعب أن تكون مواطنا شريفا وغيورا على أمتك وشعبك.. السقوط دائما أسهل من الصعود!


بالتأكيد ان إدارة الأحتلال لم تختار أي كان لتضمه الى صفوف العملاء فهناك شروط قاسية لا يقدر عليها المواطن الشريف بل حتى الذي يمتلك ذرة من الشرف والغيرة والحياء وربما لا يستطيع أن يوفي بتلك الشروط المجرمون أيضا فالعمالة جريمة ترضع بقية الجرائم. ومن الصفات المطلوبة ان يكون العميل خسيسا تضاهي خساسته المياه الآسنة، وان يكون لئيما كلؤم عقرب صفراء, وان يكون مكروها بكراهية الذباب الذي يلتصف بالوجه، وأن يكون حقيرا أكثر حقارة من بعوضة تمتص دم طفل رضيع نائم، وأن يكون عفنا أشد عفونة من رائحة أبط في صيف قائض, وأن يكون فاسدا كفساد البيض، وأن يكون ذليلا اذل من عبد يكرم زوجته لسيده الأقطاعي. وأن يكون ملعونا ألعن من أبي لهب. بمعنى آخر أن يكون ميت الحياء والغيرة ففي مستنقع العمالة تطوف الاسماك الميتة فقط.


كرم الشعب العراقي البرلمانيين بأصابعهم الملطخة بالحبر البنفسجي الأمريكي الصنع ورغم معرفة الجميع بحقيقة الأنتخابات وما جرى داخل وخارج الكواليس من زيف وخداع وغش، لكن هذا لا يلغي بأن البعض شارك فعلا في الأنتخابات فلطخ سمعته مثلما لطخ أصبعه بإنتخاب هذه الشلة من العملاء والمأجورين، وهذا ما سيتبين في موقف البرلمانيين ممن انتخبوهم وكيف ردوا لهم الجميل؟ هنا سنستخدم معيار الحياء للحكم! فهل كان عند أعضاء البرلمان حياء تجاه من إنتخبهم؟ ألا يصدق عليهم قول المتنبي" وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا"؟ ماذا قدم البرلمان الى الشعب العراقي بأستثناء بضاعة الثرثرة وهي بضاعة تافهة فاسدة لاتغني ولا تسمن؟ هل فكر البرلمانيون بمصالحهم أم بمصالح الشعب؟ وهل دافعوا على حقوقهم أم على حقوق الشعب؟ من هنا سنوجه لهم التهمة وكما قال الإمام علي(رض) "من وضع نفسه مواضع التهمة ، فلا يلومن من أساء به الظن"!


من البديهي ان البرلمان العراقي يفتقر الى الحياء ناهيك عن بقية السمات المعروفة! ففي الوقت الذي يعاني الشعب العراقي من جريمة الإبادة الجماعية ويتضور ألما وجوعا، ويشرب من الماء الملوث ويعاني من مشكلة ملايين اليتامى والأرامل ويفتقر الى الخدمات الأساسية وتسلب ثرواته بالمليارات وتتسرب الى الخارج متحولة الى عمارات لقصور, وتباع فتيات العراق في سوق النخاسة العربية باسعار زهيدة لاتعدل عشر ما يتسلمه البرلماني من راتب. فمثل هذا البرلمان الذي يكنس أرضيته من حقوق الشعب ويمسحها بمزايا تخص اعضائه فقط لجدير بأن يكنس ويرمى في سلة الزبالة.


بالإضافة الى الرواتب المليونية فان لكل برلماني مخصصات بحوالي(15) ألف دولار! وتؤمن خزينة الدولة لكل منهم حماية بما لا يقل عن(20) عنصر, وعندما يحيلوا على التقاعد فان 80% من رواتبهم البالونية اللعينة تستمر لغاية رحيلهم الى الحجيم! رغم ان خدمتهم في الدولة لا تزيد عن (4) سنوات قضوها في باحة البرلمان! لكن خدمة العمالة والتسكع والشحاذة على ابواب المخابرات الاجنبية اعتبرت لهم كخدمة مميزة أضيفت لأغراض التقاعد! وأمنوا لأنفسهم جوازات دبلوماسية طيلة حياتهم الذليلة ليأمنوا عدم مسائلتهم مستقبلا عن نهب أموال الشعب! وزيادة في الخيبة أمنوا لعوائلهم كذلك جوازات دبلوماسية في حالة شاذة لا يمكن قبولها أو تبريرها! رغم ان عوائلهم لا يعيشوا في العراق الديمقراطي بل ان بعضهم لا يعرف اللغة العربية ولم يزور العراق لحد الآن! ولشراهتهم المفرطة خصصوا لأنفسهم قطعة ارض سكنية لا تقل عن(600) متر في أرقى احياء بغداد وبأسعار رمزية تثير السخرية ولا تمثل 10% من قيمة الأرض الحقيقية! وطبعا هذه الأرض تباع فور إستلامها لأن معظمهم يمتلكون جنسيات اجنبية وسيرحلوا من العراق بإنتهاء مهامهم ويعرفوا كراهية الشعب لهم، ومن لا يستطيع ان يغادر المنطقة الخضراء لا يمكن ان يجاور شعبه. إضافة الى الحج السنوي على نفقة الدولة للتكفير عن خطاياهم اليومية؟ ولكن بسبب نقص الحياء فإنهم لم يقتنعوا بكل تلك الأمتيازات التي تضاهي أمتيازات أعضاء مجلسي النواب والشيوخ لأسيادهم الأمريكان لذلك فهم يتزاحمون للحصول على المزيد من المكتسبات قبل ان يغادروا البرلمان ليعودوا للبلدان التي استوردهم الأمريكان منها، لكن هذه المرة ليس كمتسكعين وشحاذين وشراذم بل دبلوماسيين ومن اصحاب الملايين! وربما سيشرع بعضهم لتأليف كتب بعناوين ( كيف تصبح مليونيرا خلال أربع سنوات) أو ( أمتيازات العمالة والخبانة) أو ( أبسط الطريق لتعلم فنون خداع الشعب) أو ( البنفسجي أفضل الأحبار في زمن الديمقراطية) أو ( الشراهه عنوان النقاهه) إنها الديمقراطية على طريقة العم سام عليه وعليهم لعنة الله ولعنة الملايين من الشعب العراقي المخدوع بهم. البرلمانيون يعرفون قبل غيرهم إن قيمتهم عند الأمريكان كعملاء لا تتجاوز ارتفاعا بساطيل المرتزقة, وستسقط أوراقهم خلال الإنتخابات القادمة كسقوط الاوراق اليابسة خلال الخريف. لذلك فأنهم يتسابقون مع الزمن للحصول على أكبر قدر ممكن من الأمتيازات قبل أن تزف ساعة الرحيل.


من المثير إن البعض يطالب بتنفيذ قانون المسائلة بحق البرلمانيين وأعضاء الحكومة وفق مبدأ " من أين لك هذا" ولكن من يلاحق من؟ ومن يحاسب من؟ هل المفوضية العليا للنزاهة؟ كلنا نشهد بإنها من نتاج المحاصصة الطائفية! مخاط افرزته أنوف الكتل السياسية المزكومة الموجودة على الساحة السياسية! كيان هجين ينخر به سوس الفساد المالي والإداري أكثر مما ينخر في البرلمان وحكومة الإحتلال!


ويطالب البعض من الحكومات اللاحقة بتجميد أموال أعضاء البرلمان وملاحقتهم قضائيا! لكن المشكلة ان معظمهم يمتلكون جنسيات أجنبية وسوف يغادر العراق مع إنتهاء ولايتهم! ولنا في غازي الياور وليث كبة وايهم السامرائي وحازم الشعلان أسوة سيئة!


أما حجز أموالهم فتلك أشبة ما تكون بنكات الحشاشين فهم اذكى من أن يحتفظوا بها في العراق لاسيما أن عوائلهم تعيش في الخارج وان جميع استثمارتهم في خارج العراق ولا يستطيع اي كان تجميدها! ولذلك أصروا على الحصول على الجوازات الدبلوماسية مدى العمر! إنهم سيرحلون بحقائب بسيطة الى حيث تنتظرهم ملايين الدولارات شاكرين الأصابع البنفسجية التي إستغفلوها بأسم الديمقراطية، متندرين بالقول" من خلصت زفة البرلمان جت الرعنة تهلهل"، وربما سيودعون من إنتخبهم برسم علامة معيبة باصابعهم. لا غربة! فان كنت لا تستحي إفعل ما تشاء.

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الخميس / ٢٧ ربيع الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢٣ / نـيســان / ٢٠٠٩ م