أَبْنَاء العِرَاقِ َلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ

 

 

شبكة المنصور

حديد العربي
{وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (سورة البقرة، الآية:195) واحدة من الآيات التي أراد بها أو بجزء منها وعاظ الكراسي والمتربعين عليها أن يلووا حروف الكتاب ليهلكوا بها الجُهال الذين لا يفقهون من أمر دينهم شيئا، فصارت متلازمة يطلقها كل من دُعي لجهاد المحتلين الغزاة من الكفار وأتباعهم المنافقين، وأُريد له بذلك أن يظفر برضى الله تعالى بعد أن يستجيب لأمره القائل عزّ من قائل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (سورة المائدة، الآية: 35)، فإن قيل له فرضٌ عليك من الله جهاد الكفار من المغضوب عليهم والضالين المغتصبين لأرض العرب المسلمين ومقدساتهم في فلسطين، أجابك بما يشبه البديهة { وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ }، وإن قيل له واجبٌ عليك جهاد الكافرين من المغضوب عليهم والضالين والمنافقين المحتلين لأرض الجهاد والرباط، قاعدة نهوض الأمة من سباتها الطويل، موطن العلم والعمل، منبت الحملة الإيمانية الحقة، ساحة جهاد الأمة وفضاء راياتها العلية، عراق القائد الشهيد صدام حسين رحمه الله، ردّ عليك المعمم منهم والحاسر بقول الله تعالى: { وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ }، ومثلها يردد المُضللين على كل ساحات الأمة وثغورها، وما علموا أنهم بهذا يلقون بأنفسهم إلى التهلكة حقا، بفعل دسائس اليهود والفرس على مرّ العصور، وحملات تشويههم للإسلام ومحاولاتهم لحرف قيمه وأحكامه، فتعال معي أخي العربي المسلم لنستجلي  حقيقة هذه الآية العظيمة وكيف حُرّف حكمها من حالٍ إلى حال أخر مناقض له تماما.


1.  بدأت الآية بقول الله تعالى {وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ } ومعلوم أن أجلّ الانفاق في سبيل الله وأعظمه ما كان للجهاد في سبيله، فقد قدمه الله تعالى على الأنفس بقوله: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} (سورة التوبة، الآية: 20)، وقوله تعالى: {انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} (سورة التوبة، الآية: 41)، وقوله: {لاَ يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ} (سورة التوبة، الآية: 44)، وقوله تعالى: {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللّهِ وَكَرِهُواْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} (سورة التوبة، الآية: 81)، وقوله تعالى: {لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (سورة التوبة، الآية: 88)، وقوله عزّ من قائل: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} (سورة الحجرات، الآية: 15)، وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (سورة الأنفال، الآية: 72)، وقوله تعالى: {لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} (سورة النساء، الآية: 95)، وهذه كلها أدلة قاطعة على أن الآية الكريمة موضوع الدرس هي حث على الجهاد وليس التقعيد أو التخلف عنه.


2. وردت التهلكة في سورة الحاقة في الآية (5) تخبر عن ثمود {فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ}، والآية (6) تخبر عن عاد {وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ}، فالهلكة هنا واضحة في معناها أن ثمود وعاد قد أهلكوا إلى النار لكفرهم وشركهم، وعلى هذا فإن التهلكة ليست هي المخاطر كما ادعى المحرفون بل هي نار جهنم بما تستوجبه أفعال العباد والعياذ بالله.


3. ورد في صحيح البخاري كتاب تفسير القرآن (عن حذيفة ، وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة قال : " نزلت في النفقة ") كما ورد في سنن أبي داوود في باب الجهاد، وفي كتاب السير من سنن البيهقي وصحيح ابن حبان في كتاب السير وسنن الترمذي، الجامع الصحيح والنسائي في سننه الكبرى ( عَنْ أَسْلَمَ أَبِى عِمْرَانَ التُّجِيبِىِّ قَالَ كُنَّا بِمَدِينَةِ الرُّومِ فَأَخْرَجُوا إِلَيْنَا صَفًّا عَظِيمًا مِنَ الرُّومِ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِثْلُهُمْ أَوْ أَكْثَرُ وَعَلَى أَهْلِ مِصْرَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ وَعَلَى الْجَمَاعَةِ فَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ فَحَمَلَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى صَفِّ الرُّومِ حَتَّى دَخَلَ فِيهِمْ فَصَاحَ النَّاسُ وَقَالُوا سُبْحَانَ اللَّهِ يُلْقِى بِيَدَيْهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ فَقَامَ أَبُو أَيُّوبَ الأَنْصَارِىُّ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تَتَأَوَّلُونَ هَذِهِ الآيَةَ هَذَا التَّأْوِيلَ وَإِنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِينَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ لَمَّا أَعَزَّ اللَّهُ الإِسْلاَمَ وَكَثُرَ نَاصِرُوهُ فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ سِرًّا دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّ أَمْوَالَنَا قَدْ ضَاعَتْ وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعَزَّ الإِسْلاَمَ وَكَثُرَ نَاصِرُوهُ فَلَوْ أَقَمْنَا فِى أَمْوَالِنَا فَأَصْلَحْنَا مَا ضَاعَ مِنْهَا. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم يَرُدُّ عَلَيْنَا مَا قُلْنَا { وَأَنْفِقُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} فَكَانَتِ التَّهْلُكَةُ الإِقَامَةَ عَلَى الأَمْوَالِ وَإِصْلاَحَهَا وَتَرَكْنَا الْغَزْوَ فَمَا زَالَ أَبُو أَيُّوبَ شَاخِصًا فِى سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى دُفِنَ بِأَرْضِ الرُّومِ) قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ.وورد في سنن البيهقي كتاب السير (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِى قَوْلِهِ (وَأَنْفِقُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ) الآيَةَ قَالَ يَقُولُ : لاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ لاَ أَجِدُ شَيْئًا إِنْ لَمْ يَجِدْ إِلاَّ مِشْقَصًا فَلْيَجْهَزْ بِهِ فِى سَبِيلِ اللَّهِ (وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)، وفي مصنف ابن أبي شيبة  - كتاب فضل الجهاد( عن مدرك بن عوف الأحمسي ، قال : كنت عند عمر إذ جاءه رسول النعمان بن مقرن فسأله عمر عن الناس فقال : أصيب فلان وفلان آخرون لا أعرفهم فقال عمر : لكن الله يعرفهم , فقال : يا أمير المؤمنين ورجل شرى نفسه فقال مدرك بن عوف : ذلك والله خالي يا أمير المؤمنين , زعم الناس أنه ألقى بيده إلى التهلكة , فقال عمر : كذب أولئك ولكنه ممن اشترى الآخرة بالدنيا )، وورد في حلية الأولياء من حديث القاسم بن مخيمرة ، وقد تليت عنده هذه الآية : (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة فتأولها بعض من كان عنده على أن الرجل يحمل على القوم ، فقال القاسم : لو حمل رجل على عشرين ألفا لم يكن به بأس إنما ذلك في ترك النفقة في سبيل الله)، وورد في الزهد والرقائق لابن المبارك  - باب ما جاء في ذكر عامر بن عبد قيس (عن مستلم بن سعيد الواسطي قال : أخبرنا حماد بن جعفر بن زيد - أراه قال : العبدي - أن أباه أخبره ، قال : خرجنا في غزوة إلى كابل ، وفي الجيش صلة بن أشيم ، قال : فنزل الناس عند العتمة ، فقلت : لأرمقن عمله ؛ فأنظر ما يذكر الناس من عبادته ، فصلى العتمة ، ثم اضطجع ، فالتمس غفلة الناس حتى إذا قلت : قد هدأت العيون وثب ، فدخل غيضة قريبا منا ، ودخلت في إثره ، فتوضأ ، ثم قام يصلي فافتتح الصلاة ، قال : وجاء أسد حتى دنا منه فصعدت في شجرة ، أفتراه عذبه حردا حتى سجد ؟ فقلت : الآن يفترسه ، فلا شيء ، فجلس ، ثم سلم ، وقال : أيها السبع ، اطلب الرزق من مكان آخر ، فولى وإن له لزئيرا ، أقول : تصدع الجبال منه ، فما زال كذلك يصلي ، حتى لما كان عند الصبح ، جلس ، فحمد الله بمحامد لم أسمع بمثلها إلا ما شاء الله ، ثم قال : اللهم إني أسألك أن تجيرني من النار ، أو مثلي يجترئ أن يسألك الجنة ؟ ثم رجع فأصبح كأنه بات على الحشايا ، وأصبحت وبي من الفترة شيء ، الله به أعلم ، فلما دنا من أرض العدو ، قال الأمير : لا يشذن أحد من العسكر ، فذهبت بغلته بثقلها فأخذ يصلي ، وقالوا له : إن الناس قد ذهبوا , فمضى ، ثم قال لهم : دعوني أصل ركعتين ، فقالوا له : إن الناس قد ذهبوا ، قال : إنهما خفيفتان ، فدعا ، ثم قال : اللهم إني أقسم عليك أن ترد إلي بغلتي وثقلها ، فجاء حتى قامت بين يديه ، قال : فلما لقينا العدو ، حمل هو وهشام بن عامر ، فصنعنا بهم صنيعا ضربا ، وقتلا ، فكسرا ذلك العدو ، وقالوا : رجلان من العرب صنعا بنا هذا ، فكيف لو قاتلونا ؟ فأعطوا المسلمين حاجتهم ، فقيل لأبي هريرة : إن هشام بن عامر - وكان يجالسه - ألقى بيده إلى التهلكة ، وأخبر خبره ، فقال أبو هريرة : " كلا ، ولكنه التمس هذه الآية {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رءوف بالعباد} " )


إذن فهذه الآية الكريمة ليست مما يصح أن يتستر به المتخاذلون من أجل أن يولوا الدبر، تغريهم ملذات الدنيا ونعيمها عن النهوض بواجباتهم الشرعية في منافحة أعداء الله مغتصبي أرض العرب والمسلمين، الذين أعلنوا حربهم على الله ورسوله يوم قرروا غزو العراق واحتلاله، بل هي من نُذر الخالق سبحانه لمن لا يجاهد في سبيل الله تعالى بالمال قبل النفس.


فهل يكف مرضى القلوب وضعاف النفوس عن ترديد هذه الآية كلما دعاهم داع الجهاد، يبررون بها زورا وبهتانا نكوصهم وتخاذلهم، وخلافا لمراد الله وأمره في الذود عن حياض دينه وحرمات عباده؟


وهل ينصاع هؤلاء لأمر الله ويقتفوا أثر حداة الركب الجهادي فيطبقوا على المحتلين وأذنابهم وجواسيسهم فيطهروا أرضهم ويحرروا هاماتهم وشرفهم ودينهم الأسير بقيود الأدعياء ممن تولوا الغزاة الكافرين؟

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الخميس / ١٣ ربيع الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٩ / نـيســان / ٢٠٠٩ م