تجارب العراق والجزائر بين التسلط والقيادة

 
 

شبكة المنصور

عراق المطيري
لم يكن في نيتي أن ادخل في مماحكة أو جدل مع الأخ فاضل الربيعي لأني والى حد قراءتي لمقالته التي تحدث فيها عن ربط في أوهامه ومخيلته بين أوجه شبه افترضي يحمله في دواخله ورثه عن خلفيته السياسية التي جبل عليها هو يؤسس للمقارنة بين ما جرى في تجربة القطر الجزائري الشقيق وما جرى ويجري في العراق خلال هذه الفترة وما يتوقعه لمستقبل العراق القريب بعد إذلال المحتل وإخراجه , وقد وجدته يصدق في شيء واحد فقط هو التشابه في طريقة الإصرار على مجاهدة العرب المسلمين للغازي المحتل في حين يحتفظ الشعب في كلا القطرين بخصوصيته في أساليب الجهاد وما يصل إليه في المحصلة النهائية كما في باقي الأقطار العربية على امتداد ساحة الوطن العربي .

 
ولست بصدد تقيم مقالته لأنها لا تعنيني وأبناء شعبنا على السواء في الجزائر أو العراق أو في أي مكان من العالم في شيء لما تحوي من أوهام فارغة ومغالطات لا تستحق مراجعتها ونقاشها بقدر ما أجد أنها ظاهرة بدأت تطفو إلى السطح في الآونة الأخيرة وأخذت مدى أكثر مما ينبغي يتبناها قسم ممن يحسبون أنفسهم على القوميين العرب أو من أتباع التيارات اليسارية العربية ممن يعتبرون أنفسهم ذوو تاريخ في الوطنية لست معني بتقييم آراءهم وطروحاتهم هنا أمثال الأخ فاضل الربيعي والأخ خيري الدين حسيب وغيرهم ممن يقتفي أثرهم في محاولة نشاز لتيئيس الشعب العراقي والعربي ودعوته إلى الاستسلام للواقع الذي فرضه الغازي المحتل وتروج لها الحركات المعادية للأمة العربية وما أكثرها أو المنفلتة أو ذات التوجهات والمقاصد المشبوهة والمدعومة من جهات أجنبية أو عربية  في الوقت الذي أصبح فيه العدو غير قادر على تسديد فواتير كتاباتهم أو مؤسساتهم ويكاد  أن يسقط وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة ويبحث له عن مخرج ينقذه من ورطته ويحفظ له جزء من هيبة خسرها وعاجز حتى عن لعق جراحه نتيجة الفعل المقاوم البطولي الذي تؤديه فصائل الجهاد في عموم الساحة العربية وبالتحديد الساحة العراقية التي أصبحت مثالا رائعا للبطولة العربية والإسلامية , بمعنى إن هذا الاتجاه بدأ يروج وينشر ثقافة توحي بنجاح مشروع الغزو الأمريكي للعراق ولابد من التعامل معه على ذلك الأساس كأمر واقع لا يمكن تغييره فيطلب منا أن نلتحف ثوب الذل الذي وضع نفسه فيه ونتشرنق في دائرة الاستسلام للعدوان, ومن الغريب أن نجد أمثال هؤلاء يسعون لوضع أنفسهم في خانة الأذلاء بنظر شعبنا فيحاولون استصغاره بطرح تفاهاتهم التي أصبحت للندرة والطرافة في الأحاديث الخاصة والعامة من جهة ويثبتون من خلالها أنهم أبناء عاقون وناكري الجميل لا لانتماءاتهم الفكرية فحسب بل لحزب مناضل قاد مرحلة مهمة من نضال شعبنا في العراق ولعب أدوارا حسمت الكثير من المواقف لصالح الشعب العربي وكانت سببا في أن تستهدفه أقوى هجمة في تاريخ الإنسانية .

 
إن من يريد أن يتحدث عن حزب البعث العربي الاشتراكي الذي لا يعرف عنه إلا المواقف الوطنية والقومية لابد أن يضع في حساباته إن الأجيال التي عاصرته لازالت موجودة على قيد الحياة وهي جزء فعال في حركته التي صنعت بالأمس تاريخ مجيدا لامتنا كانت في حاجة له ولازالت تواصل الجهاد في الوقت الذي كانت المشاريع المطروحة في الساحة العربية تعمل على الرجوع بها إلى فترة الانحطاط والتخلف وهي نفس القوى التي استهدفت الحزب اليوم وأصبح أمثال السيد فاضل الربيعي جزء منها ونماذج يروجون لمزايدات ومراهنات لحملة التضليل الجديدة .

 
نعم الحزب يقود الجماهير وهو أمر واقع ومفروغ منه وليست أنباء عن اتصالات أو مناورات تجري معه فالحزب قاد الدولة العراقية الشرعية والرسمية منذ ما قبل عام 1968 إلى هذه اللحظة وان شاء الله سيبقى يقودها وإذا كانت قيادته للجماهير في المرحلة السابقة للبناء والنهوض فهو الآن يقودها في الجهاد للتحرير باختيارها وبالتفافها حوله وحول قياداته ولولا هذه القيادة وهذا التأثير في صناعة القرار الجماهيري لما كان طرح الربيعي أو غيره بهذا الشكل ولغيب اسم الحزب وإذا عدنا للمقارنة مع شعبنا في الجزائر فكل من الشعبين يشكل امتدادا تاريخيا للآخر كما هو مع باقي أبناء الأمة العربية وإذ نشترك في مقارعة المحتل وأعوانه فليس بالضرورة أن تستنسخ تجربتها ونصل إلى نفس النتيجة فيما وصلت إليه الثورة الجزائرية وإذا كانت قد اتجهت صوب زاوية معينة فان الثورة في العراق لازالت قائمة رغم العدوان والغزو الذي يقوده معسكر من الغباء أن ينكر احد قوته وسطوته وهذا دليل كاف على صلابة عود الحزب وقوته التي يستمدها من جماهيره وسعة قاعدته وأصالة نظريته .

 
إن العودة إلى إفرازات الاحتلال وما تمخض عنها توضح أسباب انتشار العنف الطائفي في العراق فلم يكن الشعب في يوم ما يعرف التمايز بل كنا نسيج اجتماعي متجانس لنا كحزب البعث دور كبير في هذا التوحيد وحتى أعدائنا الذين كانوا ينسبون أنفسهم إلى ما كانوا يسمونه معارضة فما أن رافقوا المحتل وهرولوا خلف دباباته حتى كشروا عن أنيابهم القبيحة وتشتتوا شراذم وبانت أطماعهم فاختلفوا في كل شيء ابتداء من تقاسم السرقات إلى درجة الولاء إلى الأجنبي وخيانة شعبنا فخلقوا فوضى عارمة شملت كل مفاصل الحياة معروفة للجميع لا يعنينا الخوض في تفاصيلها في هذا المجال إلا أنهم توحدوا في شيء واحد هو الانحناء للعصا الأمريكية والانصياع لأوامرها.

 
إن حزب البعث العربي الاشتراكي يستمد مبادئه من الإسلام منذ نشأته الأولى ومن يشك في ذلك يستطيع العودة إلى أدبيات الحزب ونظرياته وقد ترجمها الرئيس الشهيد الخالد صدام حسين إلى واقع عملي وهناك الكثير من القرارات التي قرنها فعل القيادات البعثية في كافة المستويات فحفظت ذلك الطابع وإذا كنا اليوم كحزب نستلهم سيرة أجدادنا العرب المسلمين الأوائل في جهاد المحتل وعملائه فهذا ديدنا وتلك تعاليم ديننا ولن نتقمص الإسلام لنساير المد الشعوبي أو ما تفرضه توجهات تنظيمات القاعدة التي فرضها ظرف احتلال قطرنا العزيز.

 
إن من الغباء أن يضن البعض كما يطرح فاضل الربيعي ومن على سجيته , الذي أصبح الآن يبحث عن مدخل للمنطقة الخضراء أو حفنة من الدولارات من هذه الجهة أو تلك أو تجديد إقامة يحصل عليها في هذا البلد أو ذاك أن من بين القيادات البعثية الحقيقية من يتنصل ويتخلى عن مبادئ الحزب ويسعى إلى السلطة إلا من كشفته المرحلة فسقط في حضيض الخيانة فأصبح منبوذا من الجميع وهذا أمر طبيعي في كل الحركات السياسية , فالسنوات الست من عمر الاحتلال البغيض قد أفرزت الكثير من المعطيات أهمها ثبات الحزب قيادات وقواعد وجماهير على موقف واحد لا يتغير بتغيير الظروف هو مقارعة الاحتلال وعملاءه ولا مساومة على الثوابت والقيم والانتماء إلى الإسلام والعروبة والبعث وكنتيجة طبيعية للغزو فان التخلخل الذي أصاب المنطقة العربية قد أدى إلى أن تطفو إلى السطح قوى ساهمت إلى حد كبير نتيجة ممارساتها التي تخدم المحتل الغازي في ترسيخ قناعات لدى المواطن العربي في صحة النهج ألبعثي وصلاحيته لقيادة جهادها والحفاظ على موروثها العقائدي وهو ما سيؤول إلى النتيجة الحتمية التي يحاول البعض تجاهلها إلى عودة الحزب لممارسة دوره الطبيعي القيادي في البناء والجهاد , أما الحكومات التي نصبها الاحتلال وتعمل لتنفيذ أهدافه فلابد أنها زائلة ومصيرها مزبلة التاريخ فلا يصح إلا الصحيح وان كانت للباطل جولة .

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

السبت / ٠٦ جمادي الاولى١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٢ / أيــــــار / ٢٠٠٩ م