الوحدة العربية مطلب جماهيري أم هدف رسمي .... نبذة تاريخية

 
 
 

شبكة المنصور

عراق المطيري
مركز القادسيتيين للدراسات والبحوث القومية

لم تكن الوحدة العربية في يوم من الأيام على مدى التاريخ العربي هدف أو مطلب مرحلي تفرضه كشرط ظروف آنية , بل هو حالة مستمرة تستمد وجودها من وجود الشعب العربي , ككيان قائم يتفاعل مع أمم العالم ويساهم في تطوير الحضارة الإنسانية ورافد من روافد الفكر والعطاء , ولم تكن الأمة العربية في يوم من الأيام شوفينية أو عنصرية , ولطالما استوعبت شعوب العالم ومنحتهم من العلم والتطور والحضارة الشيء الكثير , أيام كانت الحواضر العربية منارات للعالم , وحتى حين نشر العرب فكرهم ومعتقدهم (( الدين الإسلامي , وهم من شرفهم الله ليكونوا مادته وحملت رايته )) لم يعملوا على محاربة القوميات المفتوحة وصهرها ضمن القومية العربية , إلا ما يخالف الشريعة الإسلامية , كدين سماوي , على العكس مما مارسه الاستعمار منذ انهيار دولة العرب , وسقوط بغداد على يد المغول سنة 1258 م (1) حتى الوقت الحاضر, فقد تعرضت الأمة العربية للعديد من محاولات الشرذمة والتفتيت , وتقطيع أوصالها , ولم تكن صحوة العرب اليوم وليدة ساعتها , بل عملت على تأجيجها ظروف المنطقة , وجاءت كرد فعل لتلك الظروف , ففي أواخر أيام الحكم العثماني وظهور جمعية تركيا الفتاة , التي تميزت بانتهاج سياسة التتريك إزاء الشعوب التي استعمرتها الدولة العثمانية , وخصوصا المنطقة العربية التي كانت تمثل موردا اقتصاديا وبشريا بالنسبة لها , والسياسة القاسية التي انتهجها سيء الذكر جمال الدين السفاح , ضد الرموز الوطنية والقومية والدينية , جعل العرب ينصرفون إلى التفكير بالخلاص من ذلك الحكم والتكاتف والتلاحم من اجل إعادة أمجاد الدولة العربية , التي تمتلك كل مقومات النهوض (2), ولم تكن صحوة العرب هذه مقصورة على المشرق العربي , بل راحت تغذي مغربه بكل ما يرفد الثورة من أسباب الاستمرار والديمومة(3), ذلك لان عناصر مقوماتها اقوي من الوجهة النظرية منها في كثير من القضايا القومية الحديثة وخاصة الأوربية , فهي قامت على أساس وحدة اللغة والموطن والعواطف والمصلحة , على اختلاف القوميات الأوربية التي لم تملك من ذلك شيء , وعلى هذا فان اليقظة العربية الحديثة , استهدفت النهوض بالعرب على امتداد وطنهم من مشرقه إلى مغربه , واستهدفت إنشاء كيان قومي موحد , تنصهر فيه كل الكتل التي تمتد إلى أصل واحد أو تقطن في هذه البلاد , وتتكلم بلغة واحدة , وتشترك في المصالح والأهداف (4) .  

 

***********************************************            

1) خيرية عبد الصاحب وادي – الفكر القومي العربي في المغرب العربي – بغداد– دار الرشيد للنشر -- 1982– ص 5.   

2) د. إبراهيم خليل احمد – – تاريخ الوطن العربي الحديث – دار الكتب للطباعة  والنشر– الموصل-- د.ط--.د.س – ص 422.

3) خيرية عبد الصاحب وادي - مصدر سابق – ص 39..

4) محمد عزيز دروزة – حول الحركة العربية الحديثة—المكتبة العصرية الحديثة— بيروت1949- مجلد1-3 – ج1– ص7.

 

إبان هذه الفترة ومع غياب الاستقلال الواضح للأقطار العربية وحيث كانت الحكومات العربية تمثل الإدارات الاستعمارية التي نصبتها , وتدين لها بالولاء , وتعارض مصالح تلك الإدارات فيما بينها من جهة , واختلاف مصالح الأقطار العربية مع تلك الإدارات من جهة أخرى,بل وتعدى الصراع في بعض الأحيان ذلك إلى اختلاف وجهات النظر بين الدول الاستعمارية وصنيعاتها في الأقطار العربية , وهذا لا يعني بالضرورة إلغاء بعض المواقف الوطنية التي كانت تمليها الظروف الآنية للزعماء العرب , وفي حالة مثل هذه , لابد للشعب من أن يأخذ دوره في تأدية واجبه بنفسه في الحفاظ على ديمومة وجوده وتلبية مصالحه في حياة حرة كريمة تلبي حاجاته , لأنه المتضرر الأكبر في هذه المعادلة التي أصبحت جدا قاسية, فكان جناح المشرق العربي أكثر سبقا من المغرب العربي , فكانت الانطلاقة الأول في الثورة العربية الكبرى , التي لها الأثر الأكبر في الكثير من الأحداث التي جاءت بعدها , كالثورة العراقية الكبرى عام 1920م(1), وثورة الشعب الفلسطيني عام 1922م , وإعلان المملكة الأردنية(2) , والثورة السورية الكبرى عام 1925 , وما تبعها من تشكيل الحكومات في أقطار المشرق العربي (3) .

 

في وسط تناقضات وتحديات مثل هذه التي عاشتها الأمة العربية , وفي وسط انقسام العالم إلى محورين متناحرين بشدة في ظل الحرب العالمية الثانية , كان لابد للشعب العربي وبمختلف أقطاره أن يحقق مصلحته الذاتية والصمود بوجه انهياره المحتوم والوصول إلى حالة الإنعتاق المنشود , أضف إلى ذلك إن الأسباب الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية التي تدعم النضوج القومي في شتى البلاد العربية لم يعد بالإمكان فصلها (4).

 

العرب ميالون إلى الوحدة بالفطرة(5), وقد ناضل الشعب العربي من اجل الوصول إلى غايته الكبرى المتمثلة في وحدة أقطاره التي أدرك إنها سبيله إلى التحرر الفعلي والخلاص من الاستعمار من خلال حشد طاقاته لتصب في مشروعه, فتفاعلت لتحقيق وسائل الضغط الجماهيري على السلطات بمختلف شرائحها , الأحزاب السياسية , والطلاب والمثقفين , والجيش , وكافة الطبقات الشعبية الأخرى , كل من موقعه وحسب إمكانياته , فراحت الأحزاب السياسية التي قادتها النخب الاجتماعية المثقفة والواعية تمارس دورها المنشود , ففي العراق حرص نادي المثنى على تقويم الحركة العربية القومية ووضعها في مكانها الحقيقي على الصعيدين القومي والقطري بعد أن أوقفت تطورات الأحداث في العراق والمشرق العربي العمل القومي على الصعيد الرسمي لأنه يضر بمصالح الدولتين الرئيسيتين صاحبتي النفوذ ( انكلترا وفرنسا ) (6) , فقد استقطب نادي المثنى الحركة القومية في

 

**************************************************                     

1)  د. علي الوردي – لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث – مطبعة الشعب–  بغداد 1974 – جـ 4- ص 3.

2) عبد الله كعوش وواصف الشيخ ياسين – المملكة الأردنية الهاشمية في عهد الملوك الهاشميين العظام- مطبعة دار الأيتام الإسلامية- القدس – د.س- د. ط- ص 35.

3)  د. محمد شيا - جدلية التفتيت والوحدة في المشرق العربي(1970- 1990)- معهد الإنماء العربي – بيروت1991-ص15

4) قاسم حسن – العرب والمشكلة اليهودية – مطبعة المعارف – بغداد 1946 – ص 140.

5) هنري.أ. فوستر – تكوين العراق الحديث -  ترجمة عبد المسيح جويد – مطبعة الشعب – بغداد 1937 – ص 24.

6) د. عماد احمد ألجواهري – نادي المثنى وواجهات التجمع القومي في العراق1934- 1942- مطبعة دار الجاحظ- بغداد 1984- ط1- ص 11.

 

العراق ,وأصبح مركز استقطاب للعديد من قادة الفكر القومي , وكثيرا ما وزع المنشورات التي خاطبت المواطن العربي على امتداد الوطن وتدعو إلى الوحدة ونبذ التجزئة , والجود بالمال والنفس لتحقيق هذا الهدف , فكانت منشوراته تكتب بخط اليد وتوزع على شكل إعلانات دعاية لسكائر الحرية , كما عقد النادي الندوات التي خاطبت العقل القومي المثقف للاستفادة من آراء هذه الشريحة في تطوير أساليب العمل , وتوسيع ساحتها وسبل الوصول إلى ذلك (1).

 

أما حزب الاستقلال فقد كان يأمل في جامعة عربية تكون عاملا في تكوين نظام اتحادي بين الدول العربية , وعلى هذا فهي أداة لا هدف , وهي خطوة من خطوات التقارب وتستطيع أن تبرهن على حيويتها وأثرها متى ما استلهمت أعمالها من آمال الشعب العربي وجدت في سبيل تحقيق أهدافه في الوحدة والاستقلال , وإذا فشلت الجامعة في ذلك , فلابد من العمل على تشكيل جامعة شعبية تقف إلى جانب الجامعة الرسمية وتعمل لخير البلاد العربية في مجالات ابعد مدا وأكثر فائدة وهي متحررة من القيود الرسمية التي تقيد الجامعة العربية(2), وكذلك فعل الحزب الوطني الديمقراطي حيث كان من بين أهم أهدافه , تحقيق اتحاد البلاد العربية بجميع الأمور المشتركة بينها في إدارة موحدة , أو قيام نظام مشترك مع احتفاظ كل دولة فيها بإدارة شؤونها المحلية (3).   

 

لم تكن الجماهير في العراق هي وحدها صاحبة الضغط القومي على الحكومة , فقد كان القوميون السوريون سباقين في المناشدة والدعوة القومية القوية إلى تحقيق الوحدة العربية , ومبتدئين بأية صيغة ممكنة , وكانت الأستانة قد سربت الفكرة القومية وأججتها في الشام والعراق , خصوصا بعد أن توج الملك فيصل بن الحسين على سوريا , فبعد طرد العائلة الهاشمية من الحجاز وانتقال ثقلها إلى سوريا , ثم العراق , نقلت الحركة القومية العربية توجهها من الجزيرة العربية إلى العراق , الذي وضعت أملها القومي فيه , حيث لا تتربع فيه العائلة التي قادت الثورة العربية الكبرى عام 1916 فقط , بل أيضا يحتل الأعضاء العراقيون الأوائل في الحركة القومية العربية مراكز القرار الحاسم في السلطة "  ومن ضمنها الجيش " , وبقيت الحركة العربية القومية في فرعها الأصلي وتفرعاته في باقي الأقطار العربية , تعمل ضمن الحدود التي سمح بها الاستعمار البريطاني للسلطة المحلية العراقية (4), ومعروف دور الملك فيصل الأول وموقفه من المسألة القومية وتمثيله لوالده في الكثير من المباحثات , ومن ثم بعد اعتلاءه عرش العراق , وقد عمل على دعم الحركة القومية من خلال اهتمامه بالمثقفين العرب واستقدام المدرسين والأساتذة العرب , كما اهتم بالأدب بصورة عامة والشــعر بصـــورة خاصـــة الذي ســــــاهم

 

***********************************************       

1)  المصدر السابق – ص 187- 200.

2)  د. عبد الأمير هادي المكام- تاريخ حزب الاستقلال العراقي 1946- 1958- دار الشؤون الثقافية العامة – بغداد 1986- ط2 – ص 121.

3)  كامل الجاد رجي – من أوراق كامل الجاد رجي – بيروت – دار الطليعة للطباعـــة والنشـــر – 1971 – ط1- ص 149.    

4) ياسين الحافظ – في المسألة القومية الديمقراطية – دراسات الفكر العربي – الهيئة القومية للبحث العلمي لمعهد الإنماء العربي – بيروت 1990- ص 52؛ وانظر أمين سعيد- المصدر السابق – ص 88.   

 

إلى حد كبير في إلهاب مشاعر الجماهير العربية , وبلورة الفكرة القومية , وإنضاج العمل ليصب في مصلحة الوحدة العربية (1) , حتى بلغ من العنفوان وقوة الإرادة حد التحدي , ففي ذروة التسلط الاستعماري الفرنسي بكل مشاريعه وإغراءاته وضغوطاته , رفض مجلس النواب السوري المنتخب سنة 1928 م أن يقسم يمين الولاء للوطن " أي لسوريا – لأنها ليست الوطن الحقيقي " أو الأخير , فتلك هي صلابة الموقف القومي ورسوخه في الثقافة والسياسة العربية وفي مرحلة تعتبر من بواكير الصياغة للفكرة القومية , والصراع العربي – الاستعماري الحديث ومحاولات إثبات الوجود لكل طرف (2), وحتى عشية الاستقلال السوري لم يكن هناك حزب سياسي واضح في منهجه , سوى الحزب الشيوعي السوري الذي ضم مجموعة غير كبيرة من الشباب المثقف , وكانت هناك مجموعات سياسية صغيرة تجمعت في جبهة وطنية سميت بـ " الكتلة الوطنية " وقد تزعم هؤلاء الشباب , النضال في سوريا في مرحلة الثلاثينات وبداية الأربعينات من القرن العشرين , وقد قاموا بالتفاوض مع حكومة الجبهة الشعبية " حكومة ليون بلوم " في فرنسا عام 1936 من اجل التوقيع على معاهدة للسير بسوريا نحو الاستقلال , إلا إن هذه الاتفاقية لم تصدق من قبل البرلمان الفرنسي , وعلى اثر سلخ لواء الاسكندرونه من سوريا عام 1939 بمساعدة الفرنسيين , ضعف نفوذ الكتلة الوطنية, وسارت موجة من العداء ضد الفرنسيين , وحتى تم جلاء القوات الفرنسية من سوريا كانت الكتلة الوطنية قد استهلكت سياسيا وضعفت نتيجة الانقسامات داخلها واختلاف قادتها (3).

 

أما في مصر فقد كانت المسألة القومية لدى المواطن المصري سرا مبهما يجمع الكثير من التناقضات ومن الصعب الوصول معه إلى الوحدة العربية قبل أن تحصل الأقطار العربية على استقلالها إلا لدى جمهور محدود من المثقفين والسياسيين , مثل الدعوة التي أطلقتها جمعية الوحدة العربية في القاهرة سنة 1936 حيث كانت تطالب بتحرير الأمة العربية وإقامة دولة قوية لا دينية بحيث تتعدد أساليب عملها لإثبات إنسانية العرب , فتكون العروبة هي وسيلة النجاة (4),في الوقت الذي كانت تعلو في الأفق الصيحات الدينية التي كانت تقودها حركة الإخوان المسلمين , بعد تعرضها للكثير من الأحداث العصيبة والتي امتد تنظيمها ودعوتها إلى سوريا ولبنان(5), بينما ظهرت دعوات أخرى تنادي بوحدة وادي النيل " وحدة مصر والسودان " وكذلك الدعوة إلى الأمة المصرية ذات الأصل الفرعوني (6), كما جــاء

 

**************************************************                                 

1)  عبد الرحمن البراز – من وحي العروبة – منشورات معهد الدراسات العربية العالمية – دار القلم – القاهرة – 1963- ط2 – ص72- 76.

2) د. محمد شيا – المصدر السابق – ص 62.

3) د. شفيق عبد الرزاق السامرائي – المشرق العربي , القسم الأول— دار الكتاب  للطباعة والنشر--- الموصل – 1980 – ص 86.

4) اسعد داغر – مذكراتي على هامش القضية العربية – دار القاهرة للطباعة – د.ط – د.س – ص 35.

5) المصدر السابق- ص95؛ وانظر سامي ألكيالي – الفكر العربي بين ماضيه وحاضره – مطبعة المعارف بمصر – القاهرة 1943 – ص 64.

6) الكاتب العربي ( أ ) – اتحاد السودان مع مصر – آراء في دعوة العراق للاتحاد العربي – د. ناشر – د.ط – عن جريدة الحياة البيروتية - دون مكان 1954 – ص 6؛ وانظر إسماعيل الأزهري _ رسائل وفد السودان – دفاعا عن وحدة وادي النيل – مطابع دار الكشاف – بيروت – د.س- د.ط – ص4 ؛ وانظر د. ممدوح الدوسان – المصدر السابق – ص 84 .

 

ذلك في دعوة عبد الرحمن عزام (1) , وبطبيعة الحال هذا لا يشكل مثلبة أو مأخذا على الشعب العربي في مصر, فهو كغيره من الأقطار العربية قد نكب بالاستعمار الذي عمل وبشتى الوسائل للحيلولة دون وصول الفكر العربي القومي إليه , وانتشاره فيه , ومع بروز مظاهر ومعالم النهضة العربية في أغلب الأقطار العربية, وخصوصا في المشرق منه , بروزا قويا لا تكاد تشوبه شائبة , كانت العاطفة في مصر , هي عاطفة الفكر الإسلامي أولا, وكانت مصر تحت تأثير معنى الكيان المصري ثانيا , وقد لعب الانكليز دورا بارزا في إبقاء مصر بعيدا عن التيار القومي ومنطوية في كيانها المحلي ويراقبها في خطواتها العلمية والاجتماعية والثقافية والسياسية(2) .

 

أما بالنسبة إلى الطلاب , فقد انخرطوا في المطالبة بالوحدة العربية , كونهم جزء مهم من هذه الأمة ويشعرون بحاجاتها ويعملون على قوتها , ورغم إن الاستعمار لم يسمح بالعمل بشكل كافي , ليس في مجال التعليم فحسب , بل في كافة المجالات على التوسع والتطور إلا بما يخدم مصالحه , ورغم قلة أعداد الطلاب بالتناسب مع جماهير الشعب والارتقاء به إلى مستوى التعليم العالي بشكله الذي يجب أن يكون عليه , إلا إنهم ولكونهم يمتازون أكثر من غيرهم بالوعي والثقافة والتفرغ إلى حد ما , إضافة إلى روح الشباب , فقد شكلوا جماعات ضغط قوية ألهبت الحماس في كثير من المواقف لدى جماهير الشعب دفعت الحكومات باتجاه تلبية المطلب القومي , وقد تنوعت أساليب ضغطهم من المشاركة في التظاهرات إلى الاعتصام , وحتى الاصطدام المباشر(3), فقد استعد قادة الحركة الطلابية في العراق بعد مقتل الملك غازي في 3 نيسان 1939 , الذي يعتبر من رموز الحركة القومية , للقيام بمظاهرة عارمة إثر حالة الهياج الشديد , والهجوم على السفارة البريطانية التي كانت تشير إليها أصابع الاتهام بالمشاركة بمقتله , مما استدعى تدخل رئيس الوزراء آنذاك نوري السعيد شخصيا والالتقاء بقادتهم للعدول عن نيتهم (4) .

 

إن الاستعمار اكتشف بالملموس مخاطر الشعور القومي الناهض على وجوده في المنطقة , فلجأ إلى أقصى ما أمكنه من محاولات التجزئة والتفتيت ألكياني , واستخدم ما وسعه من حيل وذرائع لتدمير ما أمكنه تدميره من مقومات الوحدة القومية في هذه الكيانات " العراق , سوريا , لبنان , فلسطين " ولجأ إلى شتى الطرق للوصول إلى غايته في شرذمة الأمة وبعثرتها , فكان وعد بلفور وما أسس عليه لسلب فلسطين وإقامة الكيان الصهيوني , ثم نشوء شرق الأردن , إمارة شبه مستقلة وعلى حساب أراضي اقتطعت من سوريا والعراق والسـعودية

 

************************************************

1)  أول من شغل منصب أمين عام جامعة الدول العربية(1945- 1952) وكان قد انتخب عضوا فــــي أول مجلـــس نيابــــي   مصري (1924), شغل عدة مناصب سياسية وكان عضوا في الوفد المصري لوضع ميثاق الجامعة وكان من رواد دعـوة اتحاد مصر والسودان؛ انظر: موقع www @CNN Arabic comعلى الانترنت.

2) جعفر عباس حميدي – جعفر عباس حميدي / التطورات السياسية في العراق / النجف الاشرف – مطبعة النعمــان – 1975 - ط1– ص160؛ وانظر ياسين الحافظ – المصدر السابق – ص97- 122 , حيث يناقش وبإسهاب العوامل التي أدت بالشعب العربي في مصر إلى إن لا يواكب المشرق العربي في الاتجاه القومي الوحدوي .

3) د. شفيق عبد الرزاق السامرائي – المصدر السابق – ص 111.

4)  سعاد رؤوف شير محمد – المصدر السابق – ص69 .

 

وجرى تقسيم سوريا إلى ثلاث أو أربع دويلات مستقلة " دولة العلويين , ودولة جبل الدروز, ودولة سوريا , وأحيانا دولة حلب كذلك " , وحاول الانكليز في العراق ضم الموصل إلى تركيا , كما فعل الفرنسيون بعد ذلك في الاسكندرونة, وشجعوا على إقامة دولة مستقلة في البصرة , كما اقتطع إقليم الاحواز من الجسم العربي وتم ضمه إلى إيران , فكان رد الفعل الجماهيري ابتداء من ثورة 1920 , وثورة 1923 في العرق , وثورة 1922 في فلسطين , والثورة السورية الكبرى 1925, حتى مؤتمر الساحل المنعقد في لبنان بتاريخ16 تشرين الثاني 1933 الذي انتهى إلى معارضة تجزئة سوريا والمشرق العربي لا لأسباب قومية صرف فحسب , وإنما للأسباب الاقتصادية التي تترتب على تقسيم البلاد الواحدة(1)

 

لقد تعامل الشعب العربي مع موضوع وحدته باندفاع كبير لم تستطع الحكومات أن تصل إليه , وقد بلغ حد ذروته في العراق , فالتهبت المشاعر وجاشت فتمخضت عن تلاحم الجيش مع الجماهير الشعبية , خصوصا وانه يعتبر من الجيوش العقائدية وممثل لإرادة الشعب (2) فكانت ثورة مايس1941 على اعتبار إن الجيش هو صاحب القوة التي تمثل الحسم , فقد كان معظم قادة الجيش من القوميين , وضد الحلفاء بصورة عامة , والبريطانيين بصورة خاصة, لأنها صاحبة اليد الطولي في الخراب الذي لحق بالمنطقة , وصاحبة الوعود الكثيرة الرنانة , والكاذبة , لذلك لم تتمكن بريطانيا " كما حصل مع حكومة علي ماهر في مصر " من إجبار العراق على إعلان الحرب على دول المحور , بل على العكس فقد أصبح العراق مركز استقطاب للدعوة القومية العربية والمطالبة بحقوق العرب في استقلالهم ووحدتهم , وزاد من أهمية وقوة العراق في هذه المرحلة لجوء العديد من قيادات الحركة القومية العربية إليه من فلسطين وسوريا ولبنان , بقيادة المفتي الفلسطيني , الحاج محمد أمين الحسيني , خصوصا بعد الثورة الفلسطينية عام 1936 , الذي شكل مع الضباط والسياسيين الوطنيين العراقيين(3), جبهة قوية بدأت تطالب باستقلال سوريا وفلسطين وإقامة    

 

**************************************************                           

1)    د. محمد شيا – المصدر السابق – ص 16؛ وانظر أمين سعيد – الوطن العربي – مطبعة دار الهلال – د.م – د.س – د.ط – ص 173, ( وقد ربط السيد عبد الرزاق الحسني دخول الاستعمار الحديث إلى منطقة الشرق الأوسط بالفكر السياسي الحديث وربط دول المنطقة بتحالفات إلى جانبهم كرست التقسيم , لتيسير النصر لهم من خلال نظام الانتداب , وهناك مقارنة يجريها السيد الحسني بين ما حصل في المنطقة العربية من تفتيت , وما حصل في الدول الأوربية التي خسرت الحرب ( دول المحور ) واستخدام الدول الكبرى المنتصرة في الحرب لنظرية حق تقرير المصير , ونظرية التوازن الدولي في مناطق معينه من العالم , وقد استفادت كل من تركيا وإيران من هذا الحق , تبعا لمصالح دول الحلفاء المنتصرة في تطويق الاتحاد السوفيتي والفكر الشيوعي آنذاك , بينما اضطر العرب للتسليم بتقسيم وطنهم , فكل جزء من الوطن العربي اخذ يتحفز للتحرير بكل قواه , ووجدت حركة المقاومة في كل جزء منه عطفا شاملا من الأجزاء الأخرى ؛ انظر السيد عبد الرزاق الحسني – المصدر السابق – ص 275- 279 ) .

2)    عبد الجبار محسن – ( ضابط التوجيه السياسي في الجيش العراقي أثناء الحرب العراقية – الإيرانية " 1980- 1988")- لقاء تلفزيوني من على قناة الشرقية البغدادية – الخميس 27 حزيران 2007- الساعة الحادية عشر صباحا.

3)    جفري ورنر – العراق وسوريا 1941دراسة وثائقية في الأبعاد القومية والعسكرية والسياسية لثورة نيسان – مايس في العراق خلال الحرب العالمية الثانية – ترجمة وتقديم د. محمد مظفر الادهمي – مركز البحوث والمعلومات – بغداد- د.س – ص13؛ وانظر د. عقيل ناصر – الجيش والسلطة في العراق الملكي 1921- 1958 دفاعا عن ثورة 14تموز – دار الشؤون الثقافية العامة – بغداد 2005 – ط2 – ص61؛ وانظر السيد عبد الرزاق الحسني – الأسرار الخفية في حركة السنة 1941 التحررية – مطبعة العرفان – صيدا- لبنان – 1971 – ط3 – ص40 ؛ وانظـــــــــــــــرWWW@ Google.Net- مدونات مكتوب: وثائق لقمان اسكندر- أمين الحسيني. 

 

حكومة وطنية فيهما , وكذلك حاولت بريطانيا فرض إرادتها على الحكومة المصرية , برئاسة علي ماهر , بإعلان الحرب ضد دول المحور والتحرك لضرب القوات الايطالية في ليبيا , وحين رفضت ( أي الحكومة المصرية ) , لوح السفير البريطاني للملك فاروق الذي أيد حكومة على ماهر بالعزل في حالة عدم إقالة الحكومة والتدخل المباشر في عزل وتعيين رؤساء الحكومات المصرية , فلجأ علي ماهر إلى مجلس الشيوخ في 27 يونيه – تموز 1940 ليعلن استقالته بعد فضح ذلك التدخل (1) .

 

على أية حال فان جميع عناصر الوحدة العربية أو العمل العربي المشترك كانت مهيأة شعبيا , بحيث لم يعد بالإمكان التحكم بالتيار الشعبي القومي المندفع نحو الوحدة فيما لو انتهت الحرب العالمية الثانية دون التوصل إلى نوع من الإجماع العربي على صورة من صور الوحدة , ولقد كان الحلفاء وخصوصا البريطانيين مدركين لهذا , فرأوا أن يأخذوا زمام المبادرة , وهم أدرى الناس بما بين الحكومات العربية من خلافات , وإذا كان الشعب العربي متفقا , بل متلهفا للوحدة العربية ويضغط من اجلها , فان الحكومات العربية كانت مختلفة في كل شيء , فمن حيث المبدأ ونزولا عند رغبة بريطانيا , اتفقت الحكومات على الوحدة , ولكن لكل غايته, فنوري السعيد الذي كان له الكتاب الأزرق كمشروع أولي للوحدة , كان يعتبر نفسه المبادر الأول وصاحب الفكرة , ولا يريد أن يفقد مكانته بين القادة العرب القوميين كمصلحة شخصية له , بينما يحاول إقناع البرلمان العراقي بضرورة حصول العراق على منفذ على البحر المتوسط , وقد طرح في أكثر من مناسبة , إن الشعب السوري يرحب باحتلال العراق لبلاده لتخليصه من الاستعمار الفرنسي , والحقيقة إن نوري السعيد كان قد بذل جهودا مضنية من اجل إقناع الأطراف المعنية بأفكاره, فقد كان يلوح لبريطانيا بميل العرب إلى دول المحور الذين دعموا الاتجاهات الوحدوية العربية , ويغريها بضم الشام إلى مستعمراتها العربية والتخلص من النفوذ الفرنسي , وبسهولة توفير الحبوب والنفط العراقي إلى دول الحلفاء أثناء الحرب , ويغري الهاشميين بتوحيد تاجهم على بلاد الشام والعراق(2).

 

أما موقف الحكومة المصرية , فان مصطفى النحاس رئيس الحكومة كان معروفا بميوله الانعزالية , وانه يفضل العمل منفردا على العمل مع الدول العربية , فقد عرض عليه اللورد كيلرن(( وزير الدولة البريطاني)) عام 1937 بالانضمام إلى السعودية والعراق وسوريا واليمن , لتكوين جبهة عربية متحدة لمعارضة مشروع تقسيم فلسطين المقترح , فكان رده , انه لا يميل إلى الاشتراك في هذه الجبهة , وانه يرى إن بقاء يده حرة يعطيه قوة في معارضة المشروع , كذلك صرح الملك فاروق في 25 شباط 1943 , بان الروابط بين الأقطار العربية , هـــــي الروابـــط

 

******************************************************                       

1) عبد الخالق لاشين – المصدر السابق – ص 223؛ وانظر د. ممدوح الدوسان – العراق وقضايا الشرق العربي القومية 1941 – 1958 – المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت 1979.

2) سعاد رؤوف شير محمد – المصدر السابق – ص 259- 261.  

 

الثقافية وعلاقات طيبة تربطنا بهذه الأقطار , فإذا ظهرت من وقت لآخر أشياء عن سياسة عربية مستقلة , فإنها لا تدل في الوقت الحاضر إلا على أماني ورغبات , أما نصيب هذه الرغبات فهو أن نرى العالم العربي قد تخلص من كل إرهاق ويعيش في هناء وعلى أتم وفاق وأطيب علاقات الصداقة والحب بعضه مع البعض, والوحدة العربية موجودة في قلوب جميع العرب , إلا إن أحدا لا يستطيع أن يقرر متى تسمح الظروف بتحقيقها , والحرب من العوامل التي تغير المبادئ والآراء من كل نوع , فيكون إذا من غير المناسب الادعاء بوجود سياسة مستقلة معينة لا تقبل التبديل, وبصرف النظر عن ذلك فقد كان هناك عدة اعتبارات ودوافع أملت على مصطفى النحاس موقفه هذا خاصة ومصر بصورة عامة في ضرورة تزعم حركة الوحدة العربية , إضافة إلى الاعتبارات الشخصية المتمثلة في الوجاهة سواء داخل مصر أو خارجها , والتنافس بين النحاس والملك فاروق في هذا المجال مع العلم إن الدعوة إلى الوحدة العربية كانت تلقى تأيدا محدودا من الرأي العام المصري , بما قد تهيئه هذه الوحدة من الفرص لتلبية حاجات مصر النامية على الجوانب الاقتصادية والثقافية , ومن الجدير بالذكر إن السفير البريطاني في القاهرة كان يضغط على الملك من اجل تسوية خلافات مصطفى النحاس , الذي كان يترأس حزب الوفد مع خصومه لتوفير المزيد من الدعم لحكومته التي كانت بريطانيا تضغط من اجلها (1) .   

 

أما موقف الحكومة الأردنية فقد مثلته آراء الأمير عبد الله , أمير شرق الأردن وطرحها رئيس وزراءه أبو الهدى , فانه يرى ضرورة استقلال كل من سوريا ولبنان وفلسطين بالإضافة إلى الأردن , ومن ثم إقامة دولة الوحدة بينها , أو تحقيق وحدة سوريا الكبرى , وان جميع هذه الأقطار ترمي بعد التخلص من قيودها إلى الاتحاد , ثم تدخل هذه المجموعة في الاتحاد العربي الذي يتألف من مصر والعراق وغيرهما من الدول العربية , وكان أبو الهدى يطمح إلى الحصول على تأييد ودعم مصطفى النحاس لهذا الاتجاه , بينما كان نوري السعيد من الداعمين والداعين إلى هذه الفكرة مع ملاحظة إن الأردن بلدا صغيرا وفقيرا ولازال يعتمد في نفقاته على معونة الانكليز(2).

 

أما سوريا ولبنان اللتان خضعتا للانتداب الفرنسي فقد تم الاعتراف رسميا باستقلالهما عام 1941 , ولكن امتيازات السيادة الجوهرية , في السلطتين التشريعية والتنفيذية الكاملتين , والسيطرة على القوات المسلحة , كان لابد من انتزاعها شيئا فشيئا من الفرنسيين خلال السنوات الأربع التالية , وموقف الحكومة السورية لخصه سعد الله الجابري رئيس وزراءها , حيث أكد إن دمشق تحرص على الاحتفاظ بمكانتها التي استحقتها بطبيعتها وبتاريخها , وإنها لا تــرضــى عـــن         

 

*********************************************************             

1) د. ممدوح الدوسان – المصدر السابق – ص 88 ؛ وانظر د. عبد الخالق لاشين – المصدر السابق – ص 207 .

2) د. علاء نورس – المصدر السابق – ص28 ؛ وانظر د. طالب محمد وهيم وآخرون – المصدر السابق – ص 559؛ وانظر د. جلال يحيى – المصدر السابق – ص 95.

 

نظامها الجمهوري بديلا, وإنها حريصة على إقامة أحسن الروابط بينها وبين البلاد العربية, وان تكون هذه الروابط على أحسنها بين جميع البلاد العربية , كذلك فان سوريا لن تكون سببا لأي خلاف بين بلد وآخر , وبطبيعة الحال فان هذا رد واضح بالرفض لمشروع الأمير عبد الله , وقد أوضح رأي لبنان رئيس وزراءها رياض الصلح في أول حكومة بعد الاستقلال بأنه يتمنى للوحدة العربية كل النجاح على آن يبقى لبنان بلدا مستقلا (1).

 

أما السعودية فإنها كانت ترفض أي اتحاد من الممكن أن يقوده البيت الهاشمي , سواء على امتداد سوريا الكبرى أو بإضافة العراق إليها لما يمكن أن يشكل ذلك من ثقل لهذه العائلة في المنطقة , وامتداد تأثيره إلى الجزيرة العربية , وكانت تفضل الوحدة الاقتصادية والثقافية للأقطار العربية على وحدتها السياسية , وان يكون اشتراك الأقطار العربية على قدم المساواة التامة بعضها مع البعض واستبعاد فكرة الحكومة المركزية , وكذلك كان موقف اليمن , متطابقا إلى حد كبير مع الموقف السعودي في استبعاد الحكومة المركزية واحتفاظ كل بلد باستقلاله , وكلا البلدين كان يأمل في توسيع نطاق الحلف العربي (2).  

 

مما تقدم كان واضحا موقف الشعب العربي من مسألة الوحدة والكفاح القومي وتحديه للتسلط الأجنبي العثماني , ليس من اجل إبداله بالاستعمار الأوربي وتقسيم البلاد العربية , إنما كان ابتغاء تحقيق الاستقلال التام والوحدة . ولم يدرك العرب إن معركتهم مع الاستعمار لا تنتهي عند هذا الحد , فتصوروا إن مجرد استقلالهم سيؤدي حتما وبالضرورة إلى إقامة دولتهم الواحدة(3), فالدول الاستعمارية الكبرى كانت هي صاحبة القرار الفيصل في هذا الأمر وطبقا لمصالحها القومية ولإستراتيجياتها في المنطقة , دون أدنى اعتبار للمصلحة القومية العربية , فان قيام دولة عربية واحدة امتدادها على طول مركز العالم من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي , ولها كل المقومات المعروفة , فإنها ستكون بالضرورة من يمتلك زمام الأمور , وستكون خلال وقت قياسي دولة قوية تستطيع التحكم باقتصاد العالم , فعلى هذا التشرذم والتفتت الذي كانت عليه إبان الحرب العالمية الثانية ,كانت الدول المتنازعة تخطب ودها وتغازلها في الظاهر , وتلعب بأكثر الأوتار حساسية , بينما في الحقيقة كانت تحارب وحدتها , فقد حاولت ايطاليا , وألمانيا , من دول المحور " رغم ما معروف عنهما من التشدد العنصري – آنذاك " استقطاب الضباط في العراق أثناء قيام ثورة مايس 1941 , فأسرعت إلى تطمين العرب على استقلالهم فقدمت كتابا إلى رئيس الوزراء العراقي , أكدت فيـــه إن ايطاليـــا طبقا للسـياســـــة

 

******************************************************                       

1) د.علاء نورس – المصدر السابق – ص 35- 40 ؛ وانظر د. شفيق عبد الرزاق السامرائي – المصدر السابق – ص 86.

2) ( الحلف العربي هو معاهدة عقدت بين العراق والمملكة العربية السعودية في نيسان 1936 , وانضمت إليها اليمن في حزيران 1937 , ونصت المعاهدة على السعي لتقوية الصلات السياسية والاقتصادية والثقافية , والعمل على تحقيق استقلال الأقطار العربية المجاورة الأخرى وفق أماني أهلها ) ؛ انظر سعاد رؤوف شير محمد – المصدر السابق –ص55 – ص 262 ؛ وانظر د.علاء نورس – المصدر السابق – ص 32؛ وانظر السيد عبد الرزاق الحسني – تاريخ الوزارات العراقية – جـ 4 – بيروت 1982 – ط6 – ص 190- 194.

3) سالم آل عجام – القاعدة القومية – شركة الطبع والنشر الأهلية ذ.م.م – بغداد 1964- ط1- ص 26.

 

التي تتبعها ترمي إلى تأمين الاستقلال التام , والاحتفاظ السياسي لكل من سوريا ولبنان والعراق والبلاد الواقعة تحت الانتداب البريطاني , ولهذا فان ايطاليا ستقاوم كل ادعاء بريطاني أو تركي لاحتلال الأراضي سواء كان ذلك في سوريا أو لبنان أو العراق , كما أصدرت ألمانيا بيانا أعلنت فيه عطفها على الأماني القومية للعرب, وكذلك فعلت ألمانيا (1) , وقد تعاونت حكومة رشيد عالي الكيلاني مع دول المحور , وحتى نوري السعيد , المعروف بولائه المطلق لبريطانيا , حاول أن يقيم رأس جسر مع الألمان , ومن اجل ذلك اتصل بمجموعة من القوميين العرب , ومنهم موسى العلمي , ومفتي فلسطين أمين الحسيني , للسفر إلى عواصم دول المحور , خصوصا بعد انهيار فرنسا , للوقوف على سياستها تجاه القضايا العربية, ولكنهم رفضوا التدخل (2) , ولكن بعد هذا الموقف الذي أبداه العرب من رفض إعلان الحرب ضد دول المحور في كل من مصر والعراق تأخرت وترددت " أي دول المحور" في مد يد العون والمساعدة عندما احتاجوها العرب (3),بل إن جل ما قدموه أن وعدوا بالمساعدة , الأمر الذي أدى إلى تدخل عسكري بريطاني في العراق لإسقاط حكومة ثورة مايس 1941 , كما هددت بريطانيا , الملك فاروق لإقالة حكومة علي ماهر في مصر , كما وقفت ايطاليا ضد مقترحات القوميين العرب لوقوفهم إلى جانب دول المحور كشرط بالاعتراف بالاستقلال غير المحدود للدول العربية , لان ذلك لا يتفق مع مصلحة ايطاليا حسب تعبير وزير خارجيتها , لان العرب كما قال غير قادرين على تنظيم وإدامة ثورة واسعة النطاق (4) .

 

لقد تسارعت الأحداث وكان لابد للأمور أن تأخذ شكلا واضحا , ومع اقتراب الحرب العالمية الثانية من نهايتها , حيث أصبحت كفة الحرب أكثر ميلا إلى الحلفاء حيث تراجعت قوات دول المحور في الشمال الأفريقي , بدأت تتكشف للعرب وبوضوح أكثر مواقف الدول العظمى المنتصرة ,ففي أمريكا التي أصبحت حاضنا مهما للحركة الصهيونية ومتأثرا بإرادتها , خطب السيناتور فاكنر في الكونغرس , وطلب من الولايات المتحدة بان تستخدم مساعيها الحميدة في تأسيس دولة يهودية في فلسطين (5), وجاء مؤتمر طهران بين أقطاب الحلفاء الثلاثة , بريطانيا وأمريكا وروسيا , لكي يدفع بالعرب إلى سرعة العمل وقبل ضياع الوقت , فقد بدأت تتكشف ملامح تنصل الحلفاء عن وعودهم للعرب وخاصة أمام وضوح هيمنة الأخطار الصهيونية في فلسطين(6),وقد أدركت الحكومات العربية ذلك مثلما أدركــه

 

*************************************************      

1)  جعفر عباس حميدي – المصدر السابق – ص26؛ وانظر جفري ورنر- المصدر السابق – ص 15.

2)  سعاد رؤوف شير محمد – المصدر السابق – ص 110؛ وانظر جعفر عباس حميدي – المصدر السابق –ص 28.

3)  جعفر عباس حميدي – المصدر سابق – ص56.

4)  جفري ورنر – المصدر السابق – ص 16.

5) د. مؤيد إبراهيم الو نداوي – العراق في التقارير السنوية للسفارة البريطانية 1944- 1958 – دار الشؤون الثقافية العامة-  بغداد1992- ط1 – ص23.

6) د. جلال يحيى – المصدر السابق – ص 118.

 

الشعب ,ففي رسالة نوري السعيد إلى ريتشارد كيسي قال له : ولما كنتم الآن جدا منهمكين في إشغالكم فلا أتوقع منكم مطالعة تفاصيل العهود والوعود المقطوعة قبل أربع وعشرين عاما , ولا مطالعة جميع المناقشات التي جرت منذ ذلك الحين(1) .

 

أدركت بريطانيا العظمى التي كانت تتزعم دول الحلفاء أن المد القومي لدى العرب قد وصل إلى أقصى مداه , فرأوا أن يأخذوا بيدهم زمام المبادرة في هذا الأمر , وهم أدرى الناس بما بين الحكومات العربية من خلافات , فكانت المبادرة الانكليزية بالدعوة إلى الوحدة العربية من خلال تصريح آيدن (2) وزير الخارجية البريطاني في 29 مايس 1941 , أي في نفس اليوم الذي صفيت فيه حركة الكيلاني , وفيه أبدى آيدن تأييد وعطف بريطانيا على ما يرجوه مفكرو العرب للشعوب العربية من وحدة اكبر مما تتمتع به وقت ذاك قائلا : انه من الطبيعي ومن الحق وجوب تقوية الروابط الثقافية والاقتصادية بين البلدان العربية , وكذلك الروابط السياسية أيضا , وختم تصريحه قائلا : وحكومة جلالته من ناحيتها سوف تبذل تأييدها التام لأية خطة تلقى موافقة عامة (3) .

 

إن العالم كان يعيش في تلك الفترة مجموعة من الإحداث الساخنة , والحرب العالمية الثانية كانت أهم تلك الإحداث وأقساها على العالم بشكل عام , وعلى المنطقة العربية بشكل خاص , ذلك لان العرب لم يكن لهم فيها ناقة ولا جمل , فلم يكونوا طرفا فيها , إلا لكونهم مستعمرين من قبل الدول العظمى التي كانت تتناحر فيما بينها من اجل مصالحها هي وبسط نفوذها حسب ذلك , وكانت المنطقة العربية لضعف إمكانياتها ضمن نفوذ تلك الدول , وقد وصلت الأمور من القسوة حتى طلبت بريطانيا من مصر ضرب ليبيا لوجود القوات الايطالية فيها , وهذا السبب كان من بين أهم الأسباب التي بموجبها رفضت حكومة على ماهر إعلان حالة الحرب على المحور , مما أدى بالتالي إلى عزلها على الرغم من إن مصر قد أوفت بجميع التزاماتها الواجبة عليها ضمن الاتفاقية المصرية – البريطانية في عام 1936(4) .

 

*******************************************   

1) سعاد رؤوف شير محمد – المصدر السابق – ص251.

2) روبرت أنتوني آيدن , ولد في 12 حزيران 1897 ( في مقاطعة درم – في بريطانيا ) , وتوفي في 14 كانون الثاني 1977 , وبعد الخدمة في الحرب العالمية الأولى , درس لغات شرقية ( العربية والفارسية ) في جامعة أكسفورد , وانتخب عضوا في مجلس العموم سنة 1923 , ثم عين وكيل لوزارة الخارجية سنة 1931 , وفي حزيران 1935 أصبح وزيرا لشؤون عصبة الأمم ثم وزيرا للخارجية في كانون الأول 1935, ولكنه استقال في شباط 1938 احتجاجا على قيام رئيس الوزراء البريطاني آنذاك " تشمبرلن بإتباع سياسة التهدئة مع ألمانيا النازية وايطاليا الفاشية , وبعد اندلاع الحرب العالمية الثانية في أيلول 1939 , دخل آيدن ضمن وزارة تشمبرلن كوزير للمستعمرات , وعندما أصبح تشرشل رئيس للوزراء في 10 نيسان 1940, أصبح آيدن وزيرا للحرب ثم وزيرا للخارجية , من 23 كانون الأول 1940 لغاية الهزيمة التي لحقت بالمحافظين في تموز 1935 , وان تشرشل قد نصح الملك جورج السادس بأنه فيما إذا تعرض للإصابة في الحرب , فانه يرى أن يخلفه آيدن كرئيس للوزراء , ويمكن تحديد الفترات التي شغل فيها آيدن منصب وزير الخارجية (1935 – 1938 ) , ( 1940 – 1945 ) , ( 1951 – 1955 ) , ورئيسا للوزراء من ( نيسان 1955 – كانون الثاني 1957 ) ؛ انظر د. علاء نورس المصدر السابق – ص 15 .

3) د. ممدوح الدوسان المصدر السابق – ص 84 .

4) د. عبد الخالق لاشين – المصدر السابق – ص 223.

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الخميس / ١١ جمادي الاولى١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٧ / أيــــــار / ٢٠٠٩ م