العرب واتخاذ القرار الصعب
 بين الاعتذار من الشعب العراقي والاستجابة للضغوط الأجنبية

 

 

شبكة المنصور

عراق المطيري
كنا منذ البداية نتحدث عن علاقات وثيقة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية وكنا حينها نبدو كمن يغرد خارج السرب فالشعب العربي على امتداد ساحة وطنه وحتى خارجه يقسم نفسه إلى مؤيد لما ذهبنا إليه ولكن يسكت عازف عن إعلان تأيده لأسباب عديدة أو معارض شحذ لسانه وسيفه وانبرى يقاتل بشدة فانتقى أقسى الكلمات لينهال بها على من يتناول عمق تلك العلاقة وذلك التعاون فيتهمه بسخرية بالعمالة وإثارة الفتنة الطائفية داخل المجتمع العربي والتطرف أو ربما ذهب إلى ابعد من ذلك فيأتي حاملا سلاحه ليقتل من يذكر إيران بسوء وكأنه فارسي أكثر من الفرس.

 

ورغم إن موقفنا ثابت لأنه مبني على أساس متين من الحقائق التي أفرزتها الأحداث القريبة وليس الافتراض فإننا نعيد التأكيد على عمق الهدف الذي يقوم عليه التحالف الأمريكي الصهيوني الفارسي للنيل من الأمة العربية وتفتيتها وإيقاف عجلة التحرر وليس التطور الحضاري الذي لا يمكن أن يقوم دون تحرير الإنسان العربي والأرض العربية  التي أصبحت اليوم مستباحة للجميع بفضل النظام الرسمي العربي المنقسم أيضا أو بفضل الأحزاب التي تم تشكيلها ودعمها من قبل هذا النظام والتي انقسمت هي الأخرى لتلبي أهداف من يدعمها سواء كان عربي أو إقليمي أو عالمي فكل له مشروعه الذي يلبي مصالحه إلا العرب فغير مسموح لهم بالتفكير في مصالحهم .

 
في بداية الغزو الأمريكي للعراق كان النظام الرسمي العربي مفتاح ذلك الغزو فاستخدمت قوات الاحتلال الأرض العربية كنقطة مثابة وانطلاق دون غيرها فرفضت تركيا استخدام أراضيها رغم أنها عضو في حلف شمال الأطلسي الذي يحتم عليها فتح مطاراتها وإيران كانت تحافظ على صورة لعداء غير حقيقي مع أمريكا , ولكي تبدو الحالة للرأي العام العالمي إن العرب أكثر رغبة في إسقاط النظام الوطني الشرعي العراقي , وسواء كانت الحكومات العربية راغبة أو مدركة لخطورة الموقف الذي تبنته وسلبية نتائجه على المنطقة أم غير ذلك فقد لعبت دورا مهما في إنجاح ذلك الغزو الذي لم يستهدف العراق فحسب بل كل الأمة العربية لان العراق كان وسيبقى يشغل حيزا مهما في قوة الصمود العربية ومانعا لا للتغلغل الفارسي ألصفوي في المنطقة فقط بل داعما رئيسيا للخطوط الجهادية العربية في كل الجبهات الداخلية منها والخارجية .  

 
ولسنا بصدد الحديث عن الدور الخبيث الذي لعبته إيران في العراق وتمزيق نسيجه الاجتماعي وما رافق ذلك من انهار الدماء البريئة الطاهرة التي سالت كجزء من ذلك الدور إلا إن تداعيات ذلك الدور التي لم يعلنها احد في المنطقة وظل الجميع يعمل عليها بصمت ويطور صورة يؤسس عليها قواعد انطلاق لعمله المستقبلي تفضي إلى أن المشرق العربي أصبح الآن يسير باتجاهين مختلفين لم تنفع معه كل محاولات الترميم الصامتة التي مثلتها جهود القمم العربية خصوصا بعد وصول باراك أوباما إلى رأس إدارة السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية وما طرح في حملته الانتخابية من شعارات سحب قوات الغزو الأمريكية من العراق وبالذات شعار تسليم القطر إلى أهله وتصريحات أركان إدارته المتذبذبة حول موقفها من أركان حكومة الاحتلال التي يقودها نوري المالكي المتعدد الولاءات .

 
الاتجاه الأول يشعر بالخطر الذي يحمله الوجود الإيراني وما يتصف به من مفاهيم تركز الطائفية الذي تمركز في أحشاء العرب يمثله في لبنان حزب الله وحركة أمل وتغازله حماس ( رغم الاختلاف المذهبي بين حماس وإيران ) ويتلقى الإسناد العربي من قطر وسوريا وقسم من مشايخ الخليج التي تعي إن إيران ستحاول التهامها في يوم من الأيام كما يعلن أركان نظام الملالي ويمتد تأثيره إلى السودان بشكل غير قليل والمغرب العربي بحدة اقل ويتبنى شعارات الثورية والمقاومة ومجاهدة المحتل على غرار تصريحات حسن نصر الله الرنانة لاستقطاب الجماهير العربية التي أعياها الخنوع والذل والهوان وتبحث عن قيادة عربية وطنية تتجه بها إلى شاطئ الحرية , والثاني  معارض لذلك تقوده المملكة العربية السعودية ومصر وباقي دول الشرق العربي وهو الآخر له امتداداته في باقي الدول العربية ولكنه لا يستطيع أن يتخلص من الهيمنة الأمريكية لأسباب خاصة بطبيعة وجوده وغير خافية على احد.

 
ورغم إن أحدا لم يلمس من صحة وعود باراك أوباما وتمسكه بها شيء إلا إن النظام الرسمي العربي يتوجب عليه الآن أن يدرك إن انسحاب القوات الأمريكية أمر مفروغ منه ولابد أن يتم آجلا أم عاجلا وهي مرغمة عليه قبل أن يكون خيارها إذا كانت إدارة اوباما تحرص على إبقاء أمريكا موحدة مع شيء من القوة وترغب في الحفاظ على هيبتها بين دول العالم نتيجة لضربات المقاومة العراقية التي يعترف بعنفها وتأثيرها الجيش الأمريكي نفسه وبفعل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تشير بوضوح إلى فشل التوجهات الأمريكية واتجاهها نحو نهاية أسطورة قرنها وان موقف العرب يجب أن يكون مبني على أساس احترام خيار الشعب العراقي الرافض والمقاوم لأي وجود أجنبي وعبر عنه بحجم تضحياته وجسامتها وليس الانصياع إلى الضغط الأجنبي والتسابق للاعتراف بحكومة الاحتلال بأشكال عدة ومن خلال الزيارات التي يقوم بها رؤساء الأنظمة العربية وان يضعوا في حساباتهم إن سلطة الاحتلال نفسها وبإمكانياتها القتالية لم تصمد فكيف تصمد حكومة نصبتها سلطات الاحتلال تفتقد إلى أدنى مقومات الحكم .

 
ومع تسارع الأحداث رغم محاولات الأمريكان الإبطاء فيها فان النظام الرسمي العربي بحاجة إلى اتخاذ قرار عربيا جريئا يعيد للعرب هيبتهم ويخلصهم من أي تدخل أجنبي ليوحد نضالهم نحو قضية العرب المركزية فلسطين يسبقه اعتذار من الشعب العراقي.

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الثلاثاء / ١٨ ربيع الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١٤ / نـيســان / ٢٠٠٩ م