استلهام الدروس بين الواقع العربي والواجب
  في ذكرى معارك تحرير الفاو

 

 

شبكة المنصور

عراق المطيري
أثبتت الأحداث خلال القرن من الزمان المنصرم بما لا يقبل الشك إن الفارسية حركة عنصرية شوفينية توسعية لها أطماع بكل الاتجاهات وتتركز أطماعها باتجاه الوطن العربي بشكل خاص مع مراعاة لخصوصية أطراف هذه المعادلة وقد تبنت وطورت مشروع جديد وتحالفت مع القوى العالمية الكبرى من اجل توحيد جهودها لتحقيق أطماعها بينما عمقت تحالف قديم مع الحركة الصهيونية كلاعب إقليمي قوي مدعوم ومؤثر في المنطقة أهم مميزاته انه عدو تقليدي للعرب وفق مبدأ المصالح المشتركة في الوقت الذي يعمل النظام الرسمي العربي بقصد أو دون قصد للمساهمة في خدمة هذه المشاريع الأجنبية ويضرب أي حركة قومية تعمل على تكريس النضال القومي من اجل النهوض بالأمة العربية .

 

وقد استطاع العراق الدولة العربية الوحيدة التي تجاور إيران وتتقاسم معها بريا وبحريا بشكل مباشر وعلى امتداد مسافة تزيد عن الألف كيلو متر وهي مسافة حدودية طويلة جدا بين بلدين في الحقبة الزمنية المعاصرة إفشال التمدد الفارسي بمختلف صفحاته وبمختلف الوسائل فبعد أن كان شاه إيران محمد رضا بهلوي يلعب دور الشرطي الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط وداعما وراعيا لكل حركات التمرد في المنطقة العربية  استطاع الحكم الوطني العراقي إفراغ أطماعه من محتواها والحد من تطلعه نحو المنطقة من خلال عقد اتفاقية الجزائر عام 1975 فكانت سببا رئيسيا دفع بالولايات المتحدة الأمريكية إلى التخلص منه ( أي الشاه ) والعمل على إيجاد بديل يحقق لها أطماعها ويكون شرطيها ويدها التي تحارب بالنيابة عنها فكان انسب بديل له رعاية الحركة الخمينية ( التي ظلت حبيسة مخيلة مبتدعها ) التي ترتدي العباءة الإسلامية وهي انسب أسلوب ويتمتع بدرجة عالية من القبول عند شريحة واسعة ومهمة من المسلمين ( الشيعة – بتوفر الإمكانيات المادية والحجة وطريقة الإقناع المناسبة ) ممكن أن يفرض تغلغله في منطقة الشرق الأوسط ويمتد في أواسط آسيا والشمال الأفريقي على أنقاض نظام الشاه العلماني والمنفتح إلى العالم الغربي .

 
والحركة الخمينية ظاهرة مطورة أنجبها الفكر ألصفوي من رحم الحقد الفارسي على القومية العربية  ( خصوصا لأنها منبع الفكر الإسلامي وحاضنته الطبيعية رغم أنها حملت المشاعل الأولى لانطلاقة هذا الفكر باختيار من الله عز وجل ) بما تحمل من مفاهيم ومدلولات أخطرها ولاية الفقيه وهو ما يدعو إلى الانقياد الأعمى إلى الولي الفقيه وقد أنكرها اغلب العلماء المسلمين من جميع الطوائف وهي تطرف ديني مذهبي استطاع استجداء عواطف الناس تحت ذريعة الانتصار لمظلومية أهل البيت عليهم السلام وقضية الحسين بن علي عليهما السلام وهي اكبر الوسائل التي استخدمها سيء الذكر خميني لإطالة العدوان الفارسي على العراق والامتداد به لأكثر من ثمانية سنوات ذهب ضحيته مئات الآلاف من شباب الطرفين وأنفقت فيه مليارات الدولارات رغم العروض السخية التي كانت القيادة السياسية العراقية تطرحها من موقع القوة والاقتدار وكانت تستجيب لرغبات المجتمع الدولي في إنهاء نزيف الدم هذا.

 
وإثباتا لحسن نية العراق شعبا وقيادة فقد انسحبت القوات العراقية إلى الحدود الدولية حسب الاتفاقيات المبرمة بين البلدين وآخرها اتفاقية الجزائر فكان رد فعل الفرس إنكار هذا الصنيع البطولي الإنساني الذي نم عن الشجاعة والفروسية العراقية المعهودة وإثباتا لما يضمرون من حقد ونية سوء في التوسع فقد اندفعت أعداد كبيرة منهم إلى العمق العراقي في العديد من الجبهات ليكونوا قرابين مجانية تنحر إرضاءا للحقد المجوسي على العرب الذي تجمع في نفس شيطانهم الدجال الأكبر خميني وفعلا نجحوا في اختراق أكثر من خط دفاعي عراقي ومنها عبور شط العرب باتجاه مدينة الفاو وحوضها التي شهدت اعنف المعارك وأقساها والتي كانوا يراهنون على أن تكون موقع قدمهم لاحتلال العراق وسهم الانطلاق نحو الأمة العربية .

 
لقد أرادوا الشر وأراد الله الخير وإرادة الله هي الغالبة فكانت معارك الفاو بقدر ما هي إثبات للقدرة العراقية والعربية على مواجهة اعنف التحديات كانت بداية لان يتجرع خميني سم الاقتناع بانكسار مشروعه ويعلن استسلامه فتلتها معارك شهدت انهزامات للإنسان الفارسي ومشروعه الذي دعمته فيه الامبريالية العالمية والصهيونية ومعهم كل الإمكانيات التي وفروها من اجل ذلك وحينها بدأت صفحة جديدة من صراع العرب من اجل الوجود انحاز إلى الطابع الاقتصادي دون العسكري .  

 
تحت فكرة ولاية الفقيه استطاع خميني أن يؤسس للمشروع الفارسي الامبريالي الجديد وبناء قاعدة انطلاق مترامية الأطراف منحت دعما لمن خلفه بانتهاجها وأصبحت يافطة عريضة للتغلغل الطائفي ركزت نشاطها وفق تقاسم الأدوار في المنطقة العربية حصرا ونجحت إلى حد كبير في إضعاف انتماء المواطن لبلده مقابل الطائفية والمذهبية وبدأت تنمو بشكل أصبح يدق أجراس الخطر بعد الغزو الأمريكي للعراق فأصبحت ظاهرة لا يخجل أصحابها من الجهر بها وبنواياها ومشاريعها المستقبلية كظاهرة حسن نصر الله وحزبه في لبنان وطريقة انتشاره التي يعمل بها كالتي تنفذه المليشيات والعصابات الإجرامية في العراق  أو التي حصلت في مصر مؤخرا والحوثيين في اليمن والقلاقل والحملات الإعلامية ضد السعودية ودول الخليج أو ما يحصل في السودان أو المغرب العربي وغيرها والغريب في الأمر نجد من بين العرب ممن يحسبون على الخط الثوري التحرري على المستويين الشعبي والرسمي من يروج لها وينادي بها ويمجدها ويفرضها أمرا واقعا مسلم به يوجب التعامل معه بايجابية.

 
لقد أصبح لزاما علينا كأمة أن نستلهم من تجربتنا المعاصرة ما يحفظ لنا هويتنا ويثبت وجودنا ويدعم وحدتنا فلعدونا المشترك أكثر من ثوب وأكثر من أسلوب ويقيس بأكثر من مكيالين تخدم تكتيكاته ولا غاية له إلا ابتلاعنا بعد تذويبنا وتفتيتنا .

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الجمعة / ٢١ ربيع الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١٧ / نـيســان / ٢٠٠٩ م