المعادلة الأمريكية بين العراق وفلسطين

 
 
 

شبكة المنصور

عراق المطيري

تعتبر في كل المقاييس منطقة الشرق الأوسط من أهم المناطق الساخنة في العالم وتأتي أهميتها تلك من مجموعة اعتبارات في المقدمة منها الموقع الذي تتميز به هذه المنطقة وما تمتلك من ثروات متجددة وغير قابلة للنضوب الأمر الذي جعلها مطمع أكثر من غيرها من المناطق في العالم للقوى العظمى إضافة إلى أنها مركز انطلاق الإنسان الأول ومهبط اغلب الرسالات السماوية وهذه الاعتبارات مجتمعة أو منفردة كانت سببا مهما في إن تكون هذه البقعة من الأرض أكثر من غيرها مسرحا لكل أنواع الصراعات البشرية وحقلا لتجارب الأسلحة التي أفرزتها تلك الصراعات .

 

ولن نختلف في إن العامل الاقتصادي هو رديف لصراع الحضارات الذي تطور إلى ما نراه اليوم واخذ أسماء وأشكالا مختلفة قد ترتفع حدتها أو تنخفض لتصب الآن في بؤرة نهايتها وجود الكيان الصهيوني مغتصبا لأرض فلسطين العربية التي تعتبر موطئ القدم الذي اعتمدته القوى الطامعة في المنطقة وما ترتب عليه من دعم وإسناد لا حدود له ومن اجل ديمومة هذا الوجود وتقويته , فقد تولدت تحالفات إقليمية أو دولية تتمم وتديم إبقاء امتنا العربية وهي محور الصراع على هذا الوضع أو الاتجاه بها نحو التذويب والنهاية ومن اجل أن يتحقق هذا الهدف يجب العودة إلى موضوع التحالفات الإقليمية والدولية .

 

بلا منازعة ولا اختلاف فان أهم لاعب يتحكم في ملف المنطقة العربية كغيره من الملفات الدولية هو الولايات المتحدة الأمريكية والتي تسيطر على الإدارة فيها اللوبيات اليهودية الصهيونية بحكم سيطرتها على رؤوس الأموال الضخمة التي تدير مؤسساتها والتي دفعت بالإدارة الأمريكية إلى الوقوع في فخ لم يتم حساب نتائجه بشكل جيد فانساقت أمريكا إلى حرب غبية أرهقتها كليا وانهارت في ظاهرها الدولة العراقية الشرعية وتمخضت عنها مردودات عكسية لا تتوقف عند أفول الشمس الأمريكية ونهاية أسطورتها كمتفردة في القوة العالمية والقرار العالمي كما انتهت قبلها إمبراطوريات يذكرها التاريخ بكثير من الاشمئزاز والسخرية وتلعنها الإنسانية بعد هذا التطور الذي يجب أن يستخدم في بناء مجتمعات مؤتلفة أكثر مما هي متعادية تجنح إلى السلام والتفاهم والتعاون في حل خلافاتها بدل الحروب , ومما تقدم نلاحظ أن العامل الاقتصادي هو العامل المحوري وهو ما تسبب في إنجاب الكيان الصهيوني الذي اقتضى تأمين الحماية لديمومة وجوده أي إضعاف الأمة العربية المغتصبة وقد اخذ هذا الإضعاف أشكال وأساليب وطرق عدة كان خاتمتها غزو العراق ونتائجه السلبية المعروفة على المنطقة وعلى العالم .

 

للحفاظ على هذه المعادلة التي استمر وجودها طيلة القرن الماضي أي منذ ما قبل إعلان وعد بلفور المشئوم كانت بريطانيا العظمى ترعى الصهيونية ثم انتقلت بعد شيخوختها وترهلها إلى الإدارات الأمريكية  التي أصبحت تتحين الفرص لتنمية وجود الكيان الصهيوني وترسيخ وجوده وعندما وصل جورج بوش الأب إلى الموقع الأول في الإدارة الأمريكية كان يسعى ليختلق الأسباب التي يهاجم بها العراق ويحطم قوته العسكرية كأكبر قوة إقليمية يحسب لها ألف حساب خصوصا بعد أن نجح في صد العدوان الفارسي , تنافس أو تفوق قوة الكيان الصهيوني وهذا بحسب قياساتهم تجاوز لكل الخطوط الحمر التي رسموها لإبقاء إسرائيل رافعة لعصا التهديد في المنطقة بالتفوق العسكري بما فيها التفرد بامتلاك القدرات النووية  لتفرض ما يناسبها من شروط يجب أن يخضع لها العرب أكثر من غيرهم من قوى المنطقة تحقيقا للهدف المذكور وبالتالي تمكين الكيان الصهيوني من توطين اكبر قدر ممكن من اليهود المهاجرين والامتداد جغرافيا على حساب العرب وأخيرا طي موضوع القضية الفلسطينية إلى الأبد .

 

لقد سخرت الإدارة الأمريكية ويقع ضمنها هنا بموجب هذا الرأي وفي كل الاعتبارات الإرادة الصهيونية التي تهيمن عليها وتديرها ومعنية بشكل مباشر بقراراتها وتوجهاتها السياسية والعسكرية , نقول لقد سخرت كل أسلحتها وأجهزتها الاستخباراتية بما فيها وسائل الإعلام وتحكمها  بعملائها وحلفائها في المنطقة لتخويف شيوخ النفط في محميات الخليج العربي من خطر عراقي غير حقيقي ولا وجود له واستطاعت بعد ذلك فعلا زجهم في المعركة كجزء من الأسلحة ضد العراق على اعتبار أنهم المعني الأول في الهجوم على العراق وتحطيم قدراته وتهديم دولته .

 

إن مأزق إدارة بوش يأتي من حقيقة الدفع الصهيوني لها وتوجيهها للعدوان على العراق قد أوقعها في محنة الضائقة الاقتصادية التي وضعت ترتيباتها بالخروج منها بسهولة بالاعتماد المطلق على توفر ثاني اكبر احتياطي نفطي في العالم تضمه الأراضي العراقية إضافة إلى ما تقدمه مشايخ الخليج العربي كجزء من التزامها المقابل للجهد العسكري الأمريكي وهو حجر الزاوية الضامن للأمن القومي الأمريكي وبذلك كانت تضن أنها ستحقق أكثر من هدف من بينها استنزاف الثروات العربية وهو ما دفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى احتضان الحركة الصهيونية العالمية بعدما زرعتها بريطانيا العجوز لنفس الغرض داخل جسم الوطن العربي , فأصبحت الآن تزداد تفاقما وتعرضا للخطر جراء السلوك الطائش للإدارة الأمريكية، أي السلوك الذي تجاوز أهداف ومصالح الشعب الأمريكي الخاصة من خلال التبعية المطلقة للإرادة الصهيونية التي انطلقت من غايات وأهداف واضحة تخص المنطق الصهيوني وحده فإسرائيل النووية تريد أن تبقى متفوقة ومهيمنة لضمان مشروعها التوسعي كما أنها تريد أن تبقى كذلك عبر التهديد والوعيد والضعف العام العربي والعالمي إزاء صلفها وغطرستها وهما ما يجعلان مجلس الأمن والمنظمة الدولية متعثرا في قراراته البائسة التي لا ترضي الطموح الإنساني بخصوص النظر في المصالح العربية في الوقت الذي يمارس سطوة تسلطا عجيبا في قراراته التي تخدم المصالح الصهيونية .

 

لقد أدرك الشعب الأمريكي هذه الحقائق فصوت لصالح اوباما الذي طرح مشروع يخدم مصالحه وبعد انقضاء أكثر من ربع العام الأول فان خطواته بدت متعثرة وبدأ  يفقد بريقه وقدرته على الالتزام بمشروعه بسبب السيطرة اليهودية على المؤسسة الحاكمة بينما الأزمة المالية لازالت تتصاعد حدتها على الرغم من الإسناد الذي قدمته الرأسمالية العالمية وخصوصا تلك التي ارتبط اقتصادها بالسياسة المالية الأمريكية بينما لجأ اوباما إلى استخدام الدهاء والحيلة للحفاظ على هيبة دولته بدل العنف مرغما بسبب انهيار القدرة العسكرية الأمريكية وعدم قدرتها على مجارات تطور أساليب المقاومة العراقية وما رافقها من خسائر كبيرة جدا استمرت الإدارة الجديدة في إخفاء أرقامها الحقيقية ورغم قناعتنا المطلقة بتطابق المصالح الأمريكية الصهيونية الإيرانية فان الإحداث أصبحت الآن أكثر تفصيلا وواضحة وتسير بخطوط متوازية فالمشروع العسكري والنووي الإيراني ينمو في حين ترتفع حصيلة هدر أموال الخليج في صفقات سرية تفضح القسم منها عمليات الرشاوى والفساد المالي وفي الاتجاه الثالث تنهار القضية الفلسطينية وسط خلافات السياسيين يؤول إلى مزيد من التنازلات التي يقدمها النظام الرسمي العربي وتشدد للحكام الصهاينة الجدد وفي كل الأحوال فان النتائج لازالت تشير إلى أن الحركة الصهيونية هي الرابح الأكبر والشعب العربي هو الخاسر الأكبر ما لم يتغير هذا الواقع ليس بمعجزة بل بتوحيد التحرك الشعبي العربي  .

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الجمعة / ٢٦ جمادي الاولى١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢٢ / أيــــــار / ٢٠٠٩ م