خطاب قائد الجهاد والتحرير في نيسان - البعث حزب النضال و حزب الجهاد

﴿ الجزء الاول

 

شبكة المنصور

أ.د. كاظم عبد الحسين عباس / أكاديمي عراقي

نزعم ان مصطلح النضال قد استخدم في ادبيات الفكر اليساري عموما والفكر القومي العروبي المسلم خصوصا للدلالة على العمل الدؤوب لانجاح العقيدة السياسية للحزب عن طريق التعبئة الجماهيرية والتثقيف والانتاج الفكري والتصدي لنقل العقيدة السياسية الى واقع التطبيق ومحاولة تحصينها من الانحرافات والشطط والسطحية المتوقعة اثناء التطبيق في ظل الطبيعة االتعليمية والثقافية السائدة المتخلفة في العادة ومعطيات الواقع العشائري البدائي وفي ظل الفهم القاصر لعوامل الدين والاقتصاد ومستلزمات التنمية. ان مفردة النضال وبكل دلالاتها المحتملة تتعامل مع حركة عمل ومعطيات سلمية ومدنية المضمون والمحتوى والفعل, فهو يعني فيما يعنيه سبل التصدي لواقع التخلف مثلما يمكن النظر اليه على انه المضمون والمحتوى العلمي لمفهوم الانقلابية عند البعث. ان فكرة الانقلاب ليست كما يظنها السطحيون والمسطحون على انها تعني الانقلابات العسكرية او شبه العسكرية التي تعتمد القوة العسكرية لاحداث تغيير في نظام الحكم, بل هي اعمق واغنى من ذلك بكثير اذ هي بايجاز مكثف تعني جوهر التغيير الثوري الشامل.

 

الانقلاب عند البعث يعني مناضلة النفس ومجالدتها بدءا للتغلب على مكونات التخلف والجهل والوهن والاستلاب الفكري والحضاري. وبذا يكون الانقلاب قضية اخلاقية فردية تستمد مددها وقوة فعلها من قول العزيز الرحيم (لا يغير الله ما بقوم حتى يغييروا ما بانفسهم). ويتشكل من مجموع الذوات المناضلة للانقلاب الطليعة المنقلبة ومن ثم شعب منقلب تحقق انقلابه من خلال مقارعة الآفات الاجتماعية الفتاكة التي تعمل على توطين الوهن الناتج عن عملية الاستسلام البليد للواقع الواهن والمعاقرة البلهاء لنتاجه من الامراض والاعاقة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.

 

لقد آمن البعث ان تشكيل الطليعة يتم من تجمع طبيعي ممنهج لمن تحقق فيه النضال وصولا الى الانقلاب ليكون بذلك مؤهلا لممارسة النضال على صعيد الموضوع وهو ساحة القطر العربي الذي تصبح الطليعة فيه مؤهلة لهذا الدور المقدس. ومنه واعتمادا عليه تنطلق عمليات البناء الافقي في دوائر الخلق الاجتماعي _ السياسي الجديد والمتجدد.

 

ان المجتمع المنقلب هو جوهر نضال البعث وهو وسيلته في تحقيق التجانس بين مختلف اقطار الامة كعامل حاسم لا يمكن تحقيق اهداف البعث في الوحدة والحرية والاشتراكية من دونه ولا يستطيع المجتمع العربي لا بطليعته التي حققت بالنضال واقعا جديدا ولا بتشكيلاته العامة ان يحمل بجد معاني الرسالة الخالدة التي هي في جانب منها عنوانا من عناوين الولادة المتجددة لروح العروبة وهو الاسلام الحنيف.

 

وحين نقول ان النضال بجل مدلولاته انما يلامس عملا انقلابيا مدنيا سلميا فلأنه هو هذا خط الحزب في فلسفته وعقيدته وفكره السياسي المنطلق من رحم اصالة الامة وحاجاتها المتجددة لانطلاقة حضارية متجددة, فاننا سنجد انفسنا ملزمين للتوقف بموضوعية وبروح علمية ازاء تجربة البعث في العراق. ان الآفاق العامة للتجربة بما فيها صفحة التغيير التي انطلقت فجر السابع عشر من يوليو/ تموز عام 1968، قد اخذت طابعا سلميا، وان جميع خطط التثوير والنمو والتطور اللاحقة كانت ذات طابع سلمي تؤطرها مفردة (نضال) في كل حيثياتها.

 

وحين لاحت افاق المواجهة بين الانجاز الثوري للبعث سواءا في صور الانقلاب الفردي في صعد بناء الانسان  كقيمة عليا وغاية وهدف الانقلاب و الجمعي او في صور التغييرات العملاقة في مواضيع الواقع التربوية والتعليمية والتصنيعية والخدمية والعمرانية وبين تيارات الضد التي اخذت صورا كثيرة لاغتيال او تحجيم حركة الانقلاب البعثي بالنضال واخذت هذه الافاق طابعا عسكريا في صيغة التمرد شمال الوطن وصولا الى مواجهة العدوان الايراني الغاشم ... لم يتغيّر مع كل هذه التحديات خطاب النضال، وبقي هو الحفاز الذي يحرك مفاصل الحزب والشعب، واهم من ذلك انه حتى عندما صار مناضلي البعث جزءا من قدرات العراق العسكرية في الدفاع عن الوطن والامة وخياراتها واستقلالها في معارك فُرضت عليه لتغييب الانقلاب البعثي وانهاء زخم نموذجه واشعاعه المشرق في حياة العرب والمسلمين ظل البعث متمسكا بخطابه الاصيل المعبر عن خطه الفكري في التغيير والمواجهة، ولم يقحم الدين ومفاهيمه في التعبئة والتحشيد رغم ان البعث يتشكل في فكره الرسالي والعقيدي وتطبيقاته الميدانية من روح الاسلام الحنيف.

 

السؤال الآن .. هل يمكن ان يتواصل خطاب النضال والدافعية الاعتبارية والموضوعية التي يحققها ويتفاعل معها هذا الخطاب عضويا ام يتوجب الانتقال الى مضمون ومعنى آخر من معاني النضال اعم واشمل، ألا وهو (الجهاد) في ظروف جديدة تماما على البعث ألا وهي ظروف الانخراط في حركة كفاح مسلح تحرري ضد الاحتلال بعد الغزو والاحتلال المجرم؟

 

اليقين ان مضمون (الجهاد) التعبوي والعملي التنفيذي في ظروف ما بعد الاحتلال هو المضمون الاكثر شمولية ونفاذا الى عقل وضمير العربي المسلم، وهو خط فعل شرعي وليس محض شعار سياسي يخترق المألوف في معايير التضحية المطلوبة ويغلب العام (الاسلام الحنيف) على الخاص (حركة سياسية عقائدية وضعية)، وبمعنى آخر ان الجهاد هو الوعاء الاكبر تحت ظروف القتال من اجل التحرير من مفردة النضال التي تصلح لظروف العمل السياسي السلمي، وان استخدام الجهاد في هذا الظرف لا يتطفل على الاسلام الحنيف بل يقدم له ما يعزه .ورغم ان البعث وشعب العراق قد خاض نضالا بطوليا عبر ثلاثين عام واجه فيها كل قوى الكفر والظلالة والردة والعمالة، الاّ انه لم يعطي لكفاحه ذاك اطارا شرعيا قد يثقل كاهل الاسلام ويضعه في خانات الاتهام وقد يلصق به ما ليس فيه رغم ان جانبا مهما من نضال البعث وجماهيره ونظامه الوطني في العراق قد واجه التدليس والتزييف والفتنة والفرقة التي حاولت الاحزاب الصفوية وغيرها من الحركات الطائفية بثها في العراق كوجه من وجوه التآمر على العراق وعروبته واسلامه. بكلام آخر مباشر ان البعث لم يركن الى التدليس والزيف ليرتدي ثوبا اسلامويا في ممارساته وهويته السياسية رغم انه حزب مؤمن ويتعامل مع الاسلام كجوهر وروح للقومية العربية.

 

ان ظروف الغزو والاحتلال المجرم وتقويض الدولة العراقية وزرع الفتن في جسد الامة قد فرضت على البعث ان ينتقل من مستويات النضال الى مستويات الجهاد سواءا على مستوى الفكر والتنظير ام على مستوى الفعل العسكري المقاوم، ذلك لان الجهاد الى جانب ما ذكرنا يحمل مضامين القدسية الكافية لتطهير النفوس واعتلاءها مستويات التوحد مع ارادة الله سبحانه في بذل النفس دفاعا عن الدين وعن الوطن كواحدة من منطلقات الدين وقيمه واصوله ويعطي للمتوحدين في دروب القتال من اجل الحرية والتحرير وحدة مادية وروحية، نحن بأمس الحاجة اليها. ويمكننا ان ننطلق في اطار الجهاد منطلقين من موقف شهيد الحج الاكبر في رسالة وجهها للعراقيين بعد انسحاب الرجال الى ساحات القتال غير النظامي، حين قال ما معناه أنْ قاتلوا المحتلين بكل الوسائل وانطلقوا من كل الاماكن .. انطلقوا من المساجد .. وكان اعتصام سيادته رحمه الله بكتاب الله العزيز وتوسده له من لحظات انسحابه من كرسي قيادة الدولة الى مواقع شرف الجهاد والنضال بالسلاح برهان كبير واشارات ذات دلالات عميقة بهذا الاتجاه لم يظهرها القائد قبل ذاك التاريخ رغم ان القرآن المجيد، كان يشكل مهماز الايمان المتجذر في نفسه الطاهرة رحمه الله, أي ان الحاجة السياسية وفي اقسى ضروراتها لم تدفع شهيد الحج الى أي تمترس دنيوي سياسي مجرد خلفَ هالة كتاب الله العزيز حفاظا على قداسته ورفعة له عن حاجات آنية للدولة والسياسة.

 

ان ملاحقة خطب الرفيق المجاهد عزة النفس والعرب عزة الدوري تضعنا امام التعمق المطلوب في تسييد مفاهيم الجهاد كطريق مقدس شرعي ووطني في مرحلة مواجهة الغزو المجرم عندما كان يقود قاطع عمليات الشمال ابان الغزو المجرم وهو الرجل المتصوف الذي ما غادر يوما معاني الاسلام الجليلة ونعرف كل مفرداته وعباراته في خطبه واحاديثه وتوجيهاته عبر الدولة او عبر الحزب وخاصة تلك التي كان يلقيها في احتفالات المولد النبوي الشريف في النجف الاشرف ومولد الامام علي عليه السلام في كربلاء اذ كانت كلها تفوح بشذى الايمان وعبق الفهم الشامل لصلة البعث بالعروبة والاسلام ودلالات تواصله مع روح الفعل العربي المسلم من لحظة الوحي الشريف والى ما اراد الله سبحانه لرسالة العرب القومية التحررية ان تظل رمزا لولادة نهضة مسلمة للفكر الذي قدم للاسلام اجل التضحيات واعظم النتائج دون ان يحملّه وزر خطأ واحد قد يصدر من الملايين من معتنقيه ورواده والمصرفين له في الميدان مع التاكيد المتواصل بان البعث حزب وضعي وعقيدته السياسية وضعية ولم يكن يوما ولن يكون ابدا حزبا دينيا. ومن هنا نلاحظ ايضا التسمية الجليلة لأكبر جبهات الكفاح المسلح والمقاومة البطولية التي يقودها برباط وصبر وشجاعة نادرة تتحدى الاهوال والمحن والظرف الشخصي، ألا وهي جبهة (الجهاد والتحرير)، حيث ان الواو هنا كما هو معلوم اداة عطف توحد بين المفردتين كما توحد اهل الرباط من رجالها من قوميين ووطنيين واسلاميين حماهم الله وبارك خطوهم.

 

وساستعير هنا بعض نصوص خطاب شيخ المجاهدين وقائد خطوهم نحو ذرى المجد التليد والحرية السرمدية ونحو نيل احدى الحسنيين باذن رب السماوات والارض القادر المقتدر الماكر المعز المذل سبحانه:

 

أيها المثقفون الثوريون نتحدث اليوم معكم ومن خلالكم إلى المجاهدين البواسل في القيادة العليا للجهاد والتحرير.

والى الرجال الرساليين في حزب الرسالة نتحدث اليوم معكم عن البعث الخالد عن حزب الرسالة المجيد وعن حقيقة دوره الطليعي في مسيرة الجهاد المقدس للتحرير والاستقلال، لقد حاول الغزاة وعملاؤهم ومن اصطف في خندقهم من الحاقدين على البعث وحساده، لقد حاول الغزاة بكل فعلهم العسكري والسياسي والاقتصادي والإعلامي والمخابراتي ان يغيبوا دور البعث ويطمسوه في محاولة مستميتة لتيأييس جماهير الشعب والأمة التي بنت وتبني عليه الآمال الكبرى في التحرير والاستقلال والبناء، فأبى الله القوي العزيز إلا أن يحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون والعملاء والخونة والمنافقون والحاقدون، ولم يعلموا أن البعث هو قدر الأمة وإرادتها القوية التي لا تلين، ولم يعلموا أن البعث هو روح الأمة وقلبها النابض، ونسوا وتناسوا تاريخه المجيد وتراثه العزيز ودوره الطليعي الرائد في مسيرة الأمة على امتداد أكثر من ستين عاما من الكفاح البطولي وما قدم من التضحيات، وما حقق من انجازات تاريخية هائلة على طريق النهوض الحضاري الإنساني للأمة، وعلى طريق خلق الإنسان الرسالي المؤمن وتفجير طاقاته الخلاقة المبدعة لمواصة الثورة الكبرى للأمة حتى تحقيق أهدافها في الوحدة والحرية والاشتراكية.

 

أيها المناضلون أيها المجاهدون لقد سُئل القائد المؤسس لحزبنا حزب البعث العربي الاشتراكي الرفيق أحمد ميشيل عفلق أسئل الله العلي القدير أن يسكنه فسيح جناته ويجزيه عنا وعن الأمة العربية أفضل ما جازى قائدا عن أمته سألوه عن تعريف مختصر للقومية العربية فقال القومية حب قبل كل شيء، واعلم أيها المناضل الثوري والأخ المجاهد واعلموا أيها الرفاق والأخوة لا تكون القومية حب قبل كل شيء إلا أن تكون مؤمنة حقا ولا تكون القومية حب قبل كل شيء إلا أن تكون إنسانية حقا ولا تكون القومية حب قبل كل شيء إلا أن تكون خالدة.

 

فان كانت قوميتنا المؤمنة الإنسانية الخالدة حب قبل كل شيء فحزبنا حب وعشق قبل كل شيء لان بعثيتنا هي جوهر قوميتنا وروحها وقلبها النابض وإرادتها الحرة القوية التي لا تلين. هكذا ولد حزبنا أيها المجاهدون المثقفون الثوريون والفنانون المبدعون والشعراء المؤمنون والإعلاميون المقاتلون ولد مجبولا على الحب والمحبة وعلى العشق والتعشق لكل المعاني الإيمانية الإنسانية السامية التي جبلت عليها الأمة واتصفت بها لتكون كما هي خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله لتكون أهلا لإنجاب الأنبياء والمرسلين من آدم عليه السلام إلى خاتمهم وعزهم وفخرهم نبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم ولتكون أهلا لإنجاب الصديقين الصالحين والقادة الأفذاذ المبدعين المجددين لحياتها ونهضتها حتى تقوم الساعة، ولتكون أهلا لحمل رسالات السماء والرسالة الخالدة الخاتمة إلى الناس كافة ولتكون أهلا لأداء الشهادة على الأمم { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} هكذا يقول جل جلاله { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ}، ونجد ذات الدلالات العميقة في:

 

اذ المطلوب من جميع القوى المجاهدة اليوم التآلف والتوافق بل الاتحاد والاتفاق الكامل على ثوابت المسيرة الجهادية المقدسة... وانا لا اعتقد مثل هذه التصرفات تصدر عن مجاهد مسلم مؤمن حقا, ولافرق عندي بين البعثي والاسلامي في الجهاد , بل اخذ بمبدأ (ان اكرمكم عند الله اتقاكم) واقول للاسلامين في فصائلهم وتنظيماتهم انكم تمثلون ركنا اساسيأ من اركان المقاومة وان البعث المؤمن الذي أغنته التجربة الطويلة ومحصته هذه المحنة الكبيرة, لم يعد يقبل ويجاهد من اجل دنيا او حكم او جاه او مال وانما جهاده خالصا" لله والوطن وهو اليوم صاحب الرسالة الخالدة رسالة العروبة والاسلام وليس طائفيا" ومذهبيا" وليعلم الجميع اننا لا نريد وليس من شيمنا الايمانية العربية والاسلامية ان نتفاخر على احد من رجال مسيرة العراق والامة وكلهم ابطال مؤمنون مجاهدون نتفاخر بهم ونفتخر بجهادهم , اما الاداء الجهادي والتضحيات  فان علمها عند الله علاّم الغيوب وهو الذي يحصيها وهو الذي يثيب عليها.

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاحد / ٢٣ ربيع الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١٩ / نـيســان / ٢٠٠٩ م