خطاب قائد الجهاد والتحرير في نيسان - الحزب الرسالي .. المضامين والغايات

﴿ الجزء الثاني ﴾

 

شبكة المنصور

الأستاذ الدكتور كاظم عبد الحسين عباس  / أكاديمي عراقي

في امة اراد لها الله سبحانه واصطفاها لحمل كل رسالات السماء بواسطة انبياء كلهم من ابناء هذه الامة، بثوا في ارجاء المعمورة ما يعتد به بني البشر دونما خلاف من الديانات السماوية والكتب المقدسة وما تأسس عليها من تقويم للفطرة البشرية والبدائية والارتقاء بها الى حيث اراد لها الله سبحان وتعالى من الرقي والتحضر ورفعة الخلق .. في مثل هكذا امة عبقرية ولود للحضارات والفكر والفن والثقافة, لا يمكن لاية حركة سياسية او حزب ان يدّعي الانتماء الى اصالتها وعبقريتها وجوهر وجودها وحاجاتها التاريخية، الاّ اذا ارتقى في فكره وتطبيقاته الى ما يوصف بالمستوى الرسالي .. ولا يكون لولادته اصلا اي  معنى الا اذا كانت لتحقيق اهداف رسالية. والمقصود بالمستوى الرسالي هو ان تكون العقيدة والاهداف والغايات المرتبطة بها ذات معاني ودلالات وهياكل بناء تنظيمي سامية, شفافة, اخلاقية الغايات والوسائل ومستديمة النهل من محيطات ارث الامة وقادرة على اشتقاق رسالة متجددة بعد كل مرحلة تاريخية تحقق فيها رسالة تاريخية ..

 

ان تحرير فلسطين لايتم الا بعمل رسالي

وان تحقيق وحدة الامة لايتم الا بعمل رسالي

وان تحقيق الحرية والعدل لايمكن ان يتم الا بعمل رسالي

وهذه الغايات العظيمة للتصدي للمعضلات التي انتجتها مراحل الانحطاط والتخلف والاستلاب لامة الرسالات وحدها كافية لاستثارة عبقرية الامة ونبع فكرها الصافي كي تشتق من روح العروبة (الاسلام)، وان تحمّل رحمهُ ولادة رسالية جديدة تثوّر العرب وتضعهم امام حقائق حياتية جديدة تستنهض فيهم اسلامهم وقيمهم وارثهم الاصيل للنهوض من جديد دون ان تحمل الولادة الجديدة برقعا دينيا، ذلك انها تضع الدين ومعطياته في اطار مقدس هو اطار الروح والوجدان والضمير والصلة بالخالق سبحانه، وتضع متطلبات ميدان السياسة وتطبيقاته في اطر تنبثق مستلهمة هذه الروح دون ان تغرقها في خضم وقائع متغيرة ومتجددة، مع ايمان عميق ان الاستنباط والتحليل والتركيب ليست محرمة بل هي جزء لا يتجزء من انفتاح ديننا الحنيف الفكري والعملي على متغيرات طبيعية تتوائم مع كونه خلاصة مباركة لارادة الله سبحانه في الوحي والتنزيل. وليس عيبا او كفرا ان نقف عند هذه النقطة ونقول ان الاسلام هو رسالة الختم السماوية المباركة والقرآن هو آخر معجزات الوحي وان الولادات الفكرية التي تعالج ما لم يكن ضمن اطار المعالجات السماوية الواردة في القرآن والسنة هي ليست انكارا للاسلام ولا تنكرا له ما دامت تحوم وتدور وتتفاعل بعلاقات عضوية جدلية مع اصول وفروع الدين، ولا تأتي ببدع وخزعبلات تمزق الدين واهله بل تتعامل مع مخترعات واكتشافات فكرية تماما كما يتعامل العلم مع معطيات واشارات عظيمة في القرآن الكريم ولكنه لا يتوقف عندها بل ولم يتعارض جلها على كثرتها مع القرآن وايمانه المطلق بقدرات العقل البشري على الاختراع والاكتشاف ...

 

لم نكفّر اي عالم مخترع او مكتشف في اي علم من العلوم .. وفي كل مرة نقف اجلالا لاكتشافات العقل البشري ونطالب بالمزيد، وعليه فان انتاج الفكر السياسي الذي يعالج معطيات متجددة يمكن ان ندخله في ذات الاطار تماما ولا يعامَل على انه فكر منحرف ويكفَّر!. ويجب ان يكون الايمان بالله سبحانه وباصول الدين وفروعه هي الخطوط الحمراء التي لا يجوز للمسلم عبورها.

 

الرسالة قيمة اخلاقية لا تعلو عليها قيمة وهي تعني فيما تعنيه الانتماء الى قضية, والقضية في حياة الامم والشعوب لا يمكن ان تكون الا امرا جللا وخطيرا ولا تطالها السطحية والبدائية قطعا، بل هي حاجة او حاجات مصيرية للامة وابناءها.

 

وهذه باختصار هي العناوين الجوهرية لولادة حزب البعث العربي الاشتراكي ومن اجل ذلك توصف هذه الولادة وما ترتب عليها من خط سير نضالي وجهادي اثّر وما زال يؤثر في تفاصيل حياة الامة بكونها امة رسالية.

 

وحيث ان الاسلام الحنيف قد كان صفحة الختام المباركة كما اسلفنا, في رسالات السماء وخاتم الاديان والنبوات، فان افق التحول والاكتشاف والاختراع العلمي التي جادت بها عبقرية السماء ونقلها الوحي الى العربي الهاشمي الامي الصادق الامين محمد صلى الله عليه وآله وسلم تتطلب ان يكون المسلم بهذا القدر وهذا المستوى من القدرة على ابتكار الرسائل (اي القضايا والوسائل) التي تتماهى مع هذه العبقرية المتجددة المنتجة, المفكرة المبدعة، والا فان غير هذا الطرح يعني ان الاسلام متحجر حاشاه.

 

وحيث ان الاختراع في الفضاء والفلك وعلوم الفيزياء والحياة والكيمياء والطب والصيدلة والهندسة والرياضيات كلها تجد هذا الصدى او ذاك في القرآن المجيد وعلومه المباركة كما يمكن ان يفهم من:

 

ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يرى ... ودلالاتها الالكترونات والبروتونات والنيوترونات والبوزترونات كدقائق ذرية اصغر من الذرة ..

 

وما اوتيتم من العلم الا قليلا .. ودلالات تواصل الاكتشاف والاختراع مما لم ينص عليه القرآن المجيد..

وفوق كل ذي علم عليم .. ودلالاتها تدرج البشر في قدرات انتاجهم المعرفي، ويبقى العزيز الماكر الجبار المقتدر سبحانه فوق الجميع في قدراته الخارقة على خلق هذه الطبيعة وبسطها امام قدرات من اصطفاهم من خلقه وهم بنو البشر ليجوبوا في مكوناتها تعرفا وتعلما واكتشافا.

 

ان الله لا يستحي ان يضرب مثلا ما بعوضة وما فوقها .. ودلالاتها اكتشاف الانسان هذه الايام ان هناك حشرة تعيش فوق ظهر البعوضة !!! الى جانب معجزات خلقية للبعوضة ترتقي الى هذا الوصف والوقفة الربانية ازاء هذا المخلوق الصغير.

 

وعليه فان ولادة فكر سياسي ليس دينيا بمعنى التمسك الحرفي والتحجر عند ما ورد في القرآن المجيد من امور ومسائل تتعلق بادارة شؤون الناس في الدولة الحديثة، يجب النظر اليها على انها امر طبيعي وبديهي من بديهيات الانتاج الفكري الموازي لفكرة الانتاج العلمي في الاكتشاف والاختراع ... ومن غير المعقول ان نقبل بالاختراع العلمي ونرفض الاختراع الفكري السياسي. وكما ان الانتاج المعرفي الذي يتجاوز ما ورد في اساس الاسلام في جوانب علمية فان الانتاج المعرفي المرتبط بالعلوم الانسانية ومنها العلوم السياسية والاقتصادية يدخل في ذات الاطار، وهكذا فَهم يجعل توجهات وعقائد التكفير والعداء للقومية العربية التي يتعكز عليها اصحاب الفكر والحركات الدينية الطائفية، لا يمت الى الاسلام بصلة، بل هو محض غطاء لحراك سياسي يعادي القومية العربية المؤمنة وفكرها التحرري الثوري التقدمي وطليعته البعثية.

 

وعليه .. فان حزب البعث العربي الاشتراكي حزب رسالي واهدافه ورسالته هي نتاج معرفي قومي عروبي مسلم ومن روح الاسلام الحنيف وجوهره في التوحد كطريق لا بديل له لانجاز المهام الكبرى التي يمكن للحالة الجمعية اداءها بيسر وسهولة مقارنة بحالة التفتت والقطرية الغريبة على وحدة الجسد العربي المسلم وجوهره في تحقيق العدالة الاجتماعية وما يتشابك معها عضويا من نماء اجتماعي واخلاقي وعمراني ومادي وتربوي وصحي وخدمي وكذلك في توقه الى امتلاك نواصي الكرامة عبر الحرية والتحرر والادارة الحرة المعبرة عن جوهر ذاته الانسانية.

 

وبهذا تكون القومية ورسالتها براء من الشوفينية والتعصب بل وتقف في النقيض والضد منهما وتكون الوحدة نزوع طبيعي للسير في طريق تحقيق الدور الرسالي للهوية والذات القومية الاخلاقية النبيلة الذي يتحقق بعوامل الجمع الايجابي الخلاق المعزز بالعوامل القومية التي لم يتنكر لها حتى خالق الاكوان العظيم (ان هذه امتكم امة واحدة وانا ربكم فاعبدون).

 

ونستضئ هنا بعبارات منتقاة من خطاب شيخ الجهاد والمجاهدين حماه الله في نيسان النهوض التحرري الجهادي المبارك للاستدلال على ما اردنا التعقيب عليه في هذا الخطاب التاريخي الموجه بالاساس الى فيلق الكلمة المجاهدة:

 

أيها المثقفون الثوريون نتحدث اليوم معكم ومن خلالكم إلى المجاهدين البواسل في القيادة العليا للجهاد والتحرير.

والى الرجال الرساليين في حزب الرسالة نتحدث اليوم معكم عن البعث الخالد عن حزب الرسالة المجيد وعن حقيقة دوره الطليعي في مسيرة الجهاد المقدس للتحرير والاستقلال.

 

*******************

 

لقد حاول الغزاة بكل فعلهم العسكري والسياسي والاقتصادي والإعلامي والمخابراتي ان يغيبوا دور البعث ويطمسوه في محاولة مستميتة لتيأييس جماهير الشعب والأمة التي بنت وتبني عليه الآمال الكبرى في التحرير والاستقلال والبناء، فأبى الله القوي العزيز إلا أن يحق الحق ويبطل الباطل.

 

*******************

 

ولم يعلموا أن البعث هو قدر الأمة وإرادتها القوية التي لا تلين، ولم يعلموا أن البعث هو روح الأمة وقلبها النابض، ونسوا وتناسوا تاريخه المجيد وتراثه العزيز ودوره الطليعي الرائد في مسيرة الأمة على امتداد أكثر من ستين عاما من الكفاح البطولي وما قدم من التضحيات، وما حقق من انجازات تاريخية هائلة على طريق النهوض الحضاري الإنساني للأمة، وعلى طريق خلق الإنسان الرسالي المؤمن وتفجير طاقاته الخلاقة المبدعة .

 

*******************

 

أيها المناضلون أيها المجاهدون لقد سُئل القائد المؤسس لحزبنا حزب البعث العربي الاشتراكي الرفيق أحمد ميشيل عفلق أسئل الله العلي القدير أن يسكنه فسيح جناته ويجزيه عنا وعن الأمة العربية أفضل ما جازى قائدا عن أمته سألوه عن تعريف مختصر للقومية العربية فقال القومية حب قبل كل شيء، واعلم أيها المناضل الثوري والأخ المجاهد واعلموا أيها الرفاق والأخوة لا تكون القومية حب قبل كل شيء إلا أن تكون مؤمنا حقا ولا تكون القومية حب قبل كل شيء إلا أن تكون إنسانية حقا ولا تكون القومية حب قبل كل شيء إلا أن تكون خالدا.

 

فان كانت قوميتنا المؤمنة الإنسانية الخالدة حب قبل كل شيء فحزبنا حب وعشق قبل كل شيء لان بعثيتنا هي جوهر قوميتنا وروحها وقلبها النابض وإرادتها الحرة القوية التي لا تلين .

 

*******************

 

ولد  حزبنا مجبولا على الحب والمحبة وعلى العشق والتعشق لكل المعاني الإيمانية الإنسانية السامية التي جبلت عليها الأمة واتصفت بها لتكون كما هي خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله لتكون أهلا لإنجاب الأنبياء والمرسلين من آدم عليه السلام إلى خاتمهم وعزهم وفخرهم نبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم ولتكون أهلا لإنجاب الصديقين الصالحين والقادة الأفذاذ المبدعين المجددين لحياتها ونهضتها حتى تقوم الساعة، ولتكون أهلا لحمل رسالات السماء والرسالة الخالدة الخاتمة إلى الناس كافة ولتكون أهلا لأداء الشهادة على الأمم .

 

*******************

 

يا أحرار العراق و العروبة هكذا كانت أمتنا مختارة أمتنا رسالية إنسانية خالدة بخلود رسالتها الإنسانية الخالدة فهي عندما تكبو وتنهض وعندما تغيب وتغيّب تعود وتنتفض وتثور وتجدد دورها الرسالي، هذه هي أمتنا التي ولد حزبنا من رحمها الطاهر على قدر وعلى موعد واستجابة لإرادتها في الثورة والتجدد والانبعاث،

 

*******************

 

وليثوّر فيها كل معاني الأخلاق الربانية التي أتمها لها ابنها البار وحبيبها ونبيها ورسولها المختار صلى الله عليه وسلم قال عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) إن بعثنا المجيد قد ولد من رحم هذه الأمة التي أتم الله خلقها لحبيبه صاحب الخلق العظيم صلى الله عليه وسلم يقول جل جلاله لحبيبه صلى الله عليه وسلم: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، فصارت أمته على خلق عظيم وصار حزبها وطليعتها وقائد مسيرتها على خلق عظيم، واعلموا أيها الأحرار الرساليون إن الخلق العظيم هو الذي يهدي إلى الحق والى طريق المستقيم وهو الذي يهدي إلى الإيمان بالله الواحد الأحد وهو الذي يهدي إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو الذي يفجر كوامن ودواعي الخير والإبداع والتجدد والبطولة والفداء في الأمة وهو سر الحياة الخالدة فيها:

 

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت      فان هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

 

ارتكز أيها الإعلامي أيها المثقف أيها السياسي المقاتل في جهادك ضد أعداء البعث و الشعب والوطن والأمة على ثوابت البعث والمقاومة وعلى استراتيجية البعث الجهادية وعلى منهج التحرير والاسقلال، وانطلق وروح القدس يؤيدك ويبلج حجتك ويصوب كلمتك، تمسك مع رفاقك في الميدان ولا تنفرد واعلم أن يد الله مع الجماعة وكن متبعا ومبدعا ومبادرا ولا تكن مبتدعا، إن هدف البعث المقاومة هو التحرير الشامل والعميق لبلدنا العزيز من كل أنواع الاحتلال والسيطرة والهيمنة والاستغلال

 

*******************

 
 
 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاربعاء / ٢٦ ربيع الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢٢ / نـيســان / ٢٠٠٩ م