حرث فلسطيني في الماء الأميركي

 
 
 

شبكة المنصور

نقولا ناصر / كاتب عربي من فلسطين

لا يمكن بأي تحليل إخراج تأليف حكومة د. سلام فياض الجديدة في رام الله من السياق العام للحراك الدبلوماس والسياسي العربي والدولي نحو إقناع إدارة باراك أوباما الأميركية الجديدة بتبني خطة سلام أميركية جديدة تبني على المرجعيات نفسها التي أوصلت خطط السلام الأميركية السابقة إلى الطريق المسدود الذي بدوره أوصل المنطقة الى الوضع المتفجر الذي تعيشه اليوم ، والقضية الفلسطينية إلى المفصل التاريخي الحاسم الذي تواجهه الآن ، والوضع الفلسطيني إلى حالته المتردية الراهنة ، في إصرار من المفاوض الفلسطيني والعربي على أن يلدغ من الجحر الأميركي مرات وليس مرتين ، إصرار لا يمكن وصفه إلا بالمكابرة في تكرار تجربة المجرب لمواصلة الحرث الفلسطيني في مياه أميركية لا تقبل السباحة فيها إلا للكائنات التي تعيش بأوكسجين إسرائيلي فقط .

 
فكل المؤشرات التي تؤكدها التصريحات الرسمية ، أو في الأقل لا تنفيها ، تتحرك باتجاه بلورة "عملية سلام" أميركية جديدة للخروج من الطريق المسدود الذي وصلت إليه عشرون سنة من المفاوضات الفلسطينية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي ، عن طريق تعويم الحل الثنائي للصراع بتعريبه وأسلمته ، في سياق استراتيجية إقليمية أميركية – إسرائيلية توظف الحل المنشود في عملية جديدة عمادها دمج دولة الاحتلال كحجر زاوية في منظومة إقليمية تعيد رسم خريطة الوطن العربي والعالم الإسلامي ، وهذا هو نفسه مشروع الشرق الأوسط الجديد أو الكبير الذي أعلنته إدارة المحافظين الجدد الجمهورية السايقة وفشلت في إخراجه إلى حيز الوجود قبل أن تلتقط إدارة أوباما الديموقراطية الجديدة المشروع الآن علها تنجح في ما فشلت فيه إدارة جورج بوش الإبن السابقة .

 
وإذا كان هناك من لا يزال يشك في هذا الإطار الإستراتيجي ل"حل الدولتين" ، أو يشك في الدور الوظيفي للدولة الفلسطينية المنشوده في خدمته ، فإن عليه مراجعة ترتيب أولويات باراك أوباما في المؤتمر الصحفي المشترك الذي عقده مع رئيس دولة الاحتلال الزائر ، بنيامين نتنياهو ، في الثامن عشر من الشهر الجاري ، وفي رؤيته لموقع دولة الاحتلال في هذا المشروع .

 
فقد تحدث أوباما أولا عن العلاقات الثنائية ، فإيران ، ثم المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية ، ليصف محادثات الرجلين بأنها كانت "سلسلة مثمرة بصورة استثنائية من المحادثات" ، التي استغرقت أربع ساعات منها ساعتان على إنفراد ، ويصف العلاقات الثنائية ب"الاستثنائية" و "الخاصة" و "التاريخية" و "العاطفية" أيضا ، ويشيد بدولة الاحتلال ك "حليف راسخ" يمثل "الديموقراطية الحقة الوحيدة" في الشرق الوسط ومصدرا "لإعجاب وإلهام" الشعب الأميركي ، ويتعهد بضمان أمنها ك"دولة يهودية مستقلة"ويؤكد بأن أمنها يحتل المرتبة الأولى "في سياساتي" باعتباره جزءا من الأمن القومي الأميركي ، قبل أن يمتدح "المهارات السياسية" لنتنياهو و"رؤيته التاريخية" ، ويعد بانه سوف يكون أهلا للعمل من أجل "الهدف طويل الأمد ... ليس (من أجل) سلام على مضض ، وليس من أجل سلام مؤقت ، بل سلام إقليمي واسع النطاق" ، ولم يبق إلا أن يصفه -- كما وصف سلفه بوش رئيس وزراء دولة الاحتلال الأسبق آرييل شارون -- بأنه "رجل السلام" في المنطقة !

 
غير أن هذه الرسالة الأميركية الواضحة قد غيبها المفاوض العربي والفلسطيني بالتركيز على تكرار أوباما الممجوج لالتزام سلفيه ب"حل الدولتين" وتكراره لأسطوانة أسلافه المشروخة بالدعوة منذ عام 1967 إلى وقف الاستيطان ، ليشغل تركيزه هذا عناوين الأخبار في كل وسائل الإعلام العربية المقروءة والمسموعة والمرئية في انتقائية ساذجة حولتها عمليا إلى وسائل إعلام تنقل بصورة انتقائية أيضا رسالة أميركية مجتزأة تسعى إدارة أوباما والمراهنون العرب والفلسطينيون عليها إلى نقلها ، باللغة العربية ، وبطريقة تعتم على المضمون الحقيقي للخطة الأميركية .

 
إن الخطوط العامة لخطة أوباما الفلسطينية يجري تسريبها على جرعات تمهيدا لإعلانها في خطابه الموعود منذ فوزه بالرئاسة إلى العالم الإسلامي من القاهرة في الرابع من حزيران/يونيو المقبل ، وهي تتلخص -- حسب ما نشرته عنها القدس العربي اللندنية ويديعوت أحرونوت العبرية وغيرهما خلال الأسبوع الماضي – بإعلان دولة فلسطينية خلال أربع سنوات ، عاصمتها في شرق القدس ، تكون مجردة من السلاح ، وتدويل البلدة القديمة في القدس ، وإسقاط حق اللاجئين في العودة إلا لهذه الدولة ، ومكافأة من لا يريد هكذا عودة بالتجنيس حيث هم ، وإعطاء السيادة على الحرم القدسي الشريف لمنظمة المؤتمر الإسلامي مقابل اعترافها بدولة الاحتلال والتطبيع معها ، وإجراء مبادلات واسعة في الأراضي لضم المستعمرات الاستيطانية الكبرى ، وبخاصة في القدس ومحيطها إلى دولة الاحتلال ، ويلفت النظر هنا عدم الإشارة إلى تفكيك هذه المستعمرات والإشارة فقط إلى تفكيك البؤر الاستيطانية التي تزعم حكومات الاحتلال المتعاقبة أنها بنيت دون ترخيص منها بالرغم من بنائها بحماية قوات الاحتلال .      

 
لقد تبنى ثلاث رؤساء أميركيون وثلاث رؤساء وزراء إسرائيليون "حل الدولتين" للصراع الفلسطيني مع دولة الاحتلال باعتباره المدخل الفلسطيني الذي لا مهرب منه لمشروعهم الشرق أوسطي ، لكن هذا الصراع ما زال يتفاقم والحل الذي ارتأوه له يبدو اليوم أبعد منالا من أي وقت مضى ،لكن الرئاسة الفلسطينية تبدو مصممة على اللهاث وراء حل الدولتين إلى ما لا نهاية ، بمنطق أن أفضل طريقة لتلافي الدهس بالقطار الأميركي هي ركوبه .

 
ومن الواضح أن استمرار الانقسام الفلسطيني هو شرط موضوعي مسبق لتمرير هذه الخطة فلسطينيا ، لأن الوحدة الوطنية ستقود إلى شبه إجماع على رفض هذه الخطة ، وليس فقط إلى طلب "توضيحات" لها كما قال الناطق باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة إن الرئيس محمود عباس سيفعل عندما يستقبله أوباما في البيت الأبيض في الثامن والعشرين من أيار/مايو الجاري .

 
فتأليف حكومة فياض الجديدة في رام الله لم يعمق فقط الانقسام مع حماس بل إنه هدد أيضا جولات الحوار الوطني معها في القاهرة ، وخلق انقساما جديدا في حركة فتح بين المعارضين لها وبين المشاركين فيها من أعضاء الحركة ، ناهيك عن الانقسام بين الفصائل المؤتلفة في إطار منظمة التحرير بين معارض وبين مؤيد لتأليفها . وإذا أضفنا إلى ذلك مؤشرات كعودة الرئاسة إلى اللغة التي تكرس الانقسام ، مثل حديث عباس أمام المؤتمر الخامس للاتحاد العام للمرأة الفلسطينية يوم الخميس الماضي عن "إنهاء الانقلاب" ، فإن الرئاسة الفلسطينية تبدو مصممة على الاستمرار في الحرث منفردة في المياه الأميركية الآسنة والوضع الفلسطيني في أضعف حالاته .

 
وتبدو هذه الرئاسة لا مبالية بحقيقة أن التشرذم الفلسطيني الراهن إنما يشجع حكومة الاحتلال وحليفها الجديد في الأبيض على إجراء ما يصفونه ب"تحسينات" على مبادرة السلام العربية لتكييفها بحيث تتلائم مع خطة أوباما الجديدة لإطلاق مبادرة أميركية جديدة لا جديد فيها غير مواصلة النهج الأميركي المعروف في حلة جديدة ، تمهيدا لأربع سنوات جديدة من العبث التفاوضي ، قبل أن "يطوي النسيان" مبادرة أوباما الجديدة لتنضم إلى سابقاتها ، كما كتب المعلق الإسرائيلي عكيفا إلدار مؤخرا !

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاحد / ٢٨ جمادي الاولى١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢٤ / أيــــــار / ٢٠٠٩ م