سيادة المكيالين

 
 

شبكة المنصور

نزار السامرائي
يوم الأحد الخامس والعشرين من نيسان / أبريل 2009، شهد تحركات عسكرية للقوات الأمريكية في العراق ، امتدت من محافظة نينوى إلى التأميم وصلاح الدين وبغداد و الأنبار و واسط ، تم اعتقال المئات وقتل العشرات من العراقيين .


في كل العمليات كانت قوات حكومة الاحتلال الرابعة ترافق القوات الأمريكية ، إما خطوة وراء خطوة ، وإما عربة وراء عربة ، من قتل في بيجي قارب العشرة ، ومن قتل في الضلوعية يتنافس مع من سبقه في انتزاع الرقم القياسي ذلك اليوم ، أما في بغداد فقد شهد شمالها وجنوبها حملات واسعة لاعتقال ( المطلوبين ) أو المشتبه بهم ، وفي الكوت قتل مواطنان وتم اعتقال خمسة آخرين وكل هذه الدماء خسارة للعراق الجريح ، ولكن حكومة الاحتلال الرابعة مجسدة بالمالكي ، حاولت التعتيم على ما جرى في مدن العراق كافة ، وركزت على ما جرى في الواقعة الأخيرة .


من اطلع على ردود فعل المالكي ووزير دفاعه الذي أصدر أمرا بإلقاء القبض على آمر اللواء وآمر الفوج المسؤولين عن تسهيل مهمة القوات الأمريكية ، يخيل إليه في هذه ( الانتفاضة ) أن العراق أصبح واحة لتطبيق القوانين ومبادئ حقوق الإنسان كما لم يحصل في أي بلد آخر في العالم ، وربما يذهب به الخيال إلى الاعتقاد بأن المالكي امتشق حسامه الصارم وأوشك أن يهوي به على رأس الجنرال أوديرنو قائد القوات الأمريكية في العراق ، وذلك بسبب تحريك قوة أمريكية دون أخذ الإذن من أحد موظفي مكتب المالكي ، الذي ربط تحرك القيادة العسكرية الأمريكية في العراق بموظف صغير في مكتبه .


لا أحد يدري هل أن أوديرنو بات يحسب الدقائق لمغادرة منصبه مكسورا بعد أن غضب عليه المالكي أم أنه سيسّير حملة من أطراف العملية السياسية للظفر بعفوه ، مع تعهد قاطع بعدم العودة إلى مثل هذه المعصية  .


على العموم مازالت العصمة بيد المالكي ، وله أن يعاقب أوديرنو بالجلد ، أو يربت على كتفه بعد أن وجه له صفعة نادرة فقبل بها عن طيب خاطر منه ، فكان كالكلب يحرك ذيله طربا إذا أغضب سيده ثم استرد رضاه .


المالكي رأى في فعلة القوة الأمريكية خرقا لمضامين الاتفاقية الأمنية بين واشنطن بوش وحكومة المنطقة الخضراء ، لأن تحركا للقوات الأمريكية دون أخذ الموافقة من حكومة الاحتلال يعد مسا جوهريا بالسيادة الوطنية ، و لاشك في أن من سمع هذا التوصيف دون أن يعرف حقيقة ما يجري ، ستأخذه العزة وتطغى عليه مشاعر الفخر ، ولكن وفي واقع ما يحصل هل يستطيع المالكي مقابلة أحد ضباط القيادة الأمريكية وبعيدا عن شكليات العمل الواجهي ، دون موعد سابق قد يستغرق تحديده أسبوعا على الأقل ، هذا في حال وافق ذلك الضابط الالتقاء بالمالكي  .


للموضوع في العين العراقية رؤية اخرى ، فالعراقيون يرون في تحركات القوات الأمريكية في عموم المدن العراقية ، مسا بكرامتهم وكأن العربات العسكرية لا تمشي فوق شوارع مدنهم ، وإنما مثل خناجر تجرح عيونهم وتترك أخاديد فوق ضمائرهم ، ويستوي في ذلك إذا كانت تلك التحركات بعلم حكومة المالكي أو دون علمها ، ولا يرى العراقي فرقا إذا وقع الفعل في شارع في الرصافة ، أو في الضلوعية أو أبو غريب أو في مدينة الكوت ، ولهذا فمن حق العراقي أن يستهجن وبأقوى المشاعر والعبارات ، ما جاء على لسان المالكي حول ما وقع في الكوت وأهمل بقية الحوادث ، لأنه أراد غرس شجرة اخرى للفتنة الطائفية وكأن ما زرعه هو وأشباهه منذ ربع قرن ليس كافيا ، لتقطيع أوصال بلد لو كان غير العراق لكان الآن جزء من ماض غابر ، وليس بلدا ينهض من بين الركام ليزيل أبشع ما حاولت يد خائنة أن تزرعه فوق ربوعه .


السيادة غير قابلة للتجزئة ، والدم العراقي غير قابل للتمييز على أساس العرق أو المذهب أو الدين أو اللون ، ولذا فقد كان منكرا أن يحزن المالكي على دم اثنين من أبناء الكوت ولا يفعل الشيء نفسه مع أبناء بغداد ونينوى والتأميم وصلاح الدين والأنبار ، ولكن قيل في المأثور من القول إن العرق دساس ، فما بالك والعرق لا يجري فيه دم بقدر ما يجري فيه حقد لئيم وطائفية لعينة ، وعمالة رخيصة ، ورحم الله امرءا عرف حده فتوقف عنده  .

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاحد / ٠٧ جمادي الاولى١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٣ / أيــــــار / ٢٠٠٩ م