تبقى المرأة العراقية تاج فوق الرؤوس

 
 
 

شبكة المنصور

قطر الندى / كاتبة عراقية
قبل فترة قليلة عرضت إحدى القنوات الفضائية برنامجا تناول موضوعا في غاية الخطورة حول (النساء العراقيات في سوق النخاسة). الغرض كما يبدو واضحا وهو الإساءة الى المرأة العراقية بشكل عام من خلال تلك الشريحة الضالة، و هو الأمر الذي أثار حفيظة العراقيين في كل أصقاع الأرض لإدراكهم البديهي بأن الهدف من البرنامج هو النيل من سمعة المرأة العراقية والطعن بها، في وقت يعيش فيه العراق ظروف صعبه ناتجه عن الاحتلال الغاشم وضعف الحكومة التي نصبها لإدارة البلاد والتي ينخب في أركانها السوس ليؤيلها الى السقوط. فالأحتلال كما هو معروف قمة المفاسد وخاتمة الشرور. فمنذ أن وطأت أقدام قوات الغزو العراق تعرض البنيان الأخلاقي فيه الى تحديات خطيرة إنعكست على القيم والمثل العليا إضافة الى العادات والتقاليد الإجماعية وأحدثت شرخا خطيرا في جدرانها رغم قوتها ومناعتها.


كعراقية شهدت ظروف بلدها المريرة وكنت شاهد عيان على مخازي أفعال قوات الغزو، لم استطيع أن أتمالك نفسي وأنا اشاهد البرنامج المشبوه، وإن إكاد أجزم ان عرض البرنامج في مثل هذه الظروف الصعبة كان مقصودا ومبيتا وللتمويه عن أمور أخرى! بعد أن دمر العراق بماضية الحضاري الذي يمتد الى أكثر من سبعة آلاف سنة كل شئ. وهدم الحاضر فتوجهت النوايا الى تحطيم مستقبله أمام صمت العالم الرهيب الذي وقف متفرجا على هذه الكارثة الأنسانية دون أن يحرك ساكنا. ولم يكتفوا بالإبادة البشرية التي تعرض لها الشعب العراقي وتدمير ركائز البلد الأقتصادية ومسخ هويته العربية وثقافته الأصيلة ونسيجه الأجتماعي المتين فإنصرفوا هذه المرة الى الطعن بالمرأة العراقية، المرأه التى نافست النبي أيوب على صبره وتحملت من جسائم الأمور ما لم تتحمله أمرأة في العالم كله سواء كانت الأم والزوجه والأخت أو البنت.


نكأ الجراح لا يمكن أن يكون الغرض منه العلاج وإنما زيادة النزيف والمعاناة والآلام هكذا نفهم الأمور. وإن كان هناك ظاهرة البغاء محور البرنامج ظاهرة حقيقية فهذا يعنني إننا لا ننكرها البته! ولكن هل يجوز أن تؤخذ هذه الشريحة كمعيار للحكم على المرأة العراقية؟ وحتى هذه الشريحة نفسها هل يجوز الحكم عليها دون الرجوع الى أصل الظاهرة وظروفها واسبابها من وجهة نظر أقتصادية وسياسية واجتماعية ونفسية؟ سيما ان الظاهرة بدأت تأخذ مسارات خطيرة بعد الغزو الأمريكي للعراق. وهل هذه الظاهرة تعد غريبة عن العالم او العالم العربي وهي فوق المنطق بالنسبة الى بلد محتل منذ عام 2003 اختلت فيه الموازين وتغيرت فيه القيم والمقاييس؟ حيث يمارس فيه المحتل شتى أنواع الوحشية والعنف والفساد ضد شعب مسالم آمن؟


هل الأمر غريب أو شاذ في ظل إحتلال جاثم على صدور العراقيين وحكومة منصبة من قبله؟ حكومة محاصصة طائفيه كقطعة قماش متهرئة لا تستر جسمها فكيف تستر الآخرين؟ ودولة يسود فيها قانون الغاب وتتحكم فيها الميليشيات الطائفية وتتدخل في شؤنها معظم دول العالم دون رقيب أو حسيب؟ ولكل مـأربه فماذا ننتظر منه؟


هل يمكن تحقيق حياة آمنة و كريمه يمكن أن يعيشها الانسان في هكذا ظروف؟ وكيف؟ حتى نفأجئ بعد كل هذا بقناة فضائيه والمصيبة عربية تعرض علينا برنامج يمس المرأه العراقيه في مقتل أمام الملأ وأمام ثلاثمئه مليون عربي.


ونتساءل وهذا من حقنا كعراقيات عن الهدف الحقيقي الكامن وراء إثارة هذا الموضوع؟ فالنخاسه ليست في العراق وأسواقها رائجة في دول عربية سواء كان في العلن أو في السر وهذه حقيقة يدركها الجميع بما فيهم القناة الفضائية. وليس من الصعب أن يجد المرء أي موضوع للبحث فيه سواء لغرض المدح أو الذم أو الشهرة أو التشهير أو لفت إنتباه المشاهدين وكما قيل " كل إناء ينضح بما فيه". فحتى في أكثر البلدان إستقرارا وأمانا نجد ونسمع الكثير من القصص ذات العلاقة بموضوع البرنامج، ولكن يبدو ان معدي البرنامج وجدوها فرصة للاستقواء على شريحة ضعيفة من مجتمع لا يوجد فيه ما يمكن ان يردعهم عن ذلك. فهل كانوا يستطيعون إثارة الموضوع لو كانت هناك حكومة فعلية وقانون في العراق؟


ألم يكن من الأسلم وحرصا على وضع المرأة العراقية أبان الغزو اللئيم ان يعرضوا جوانب معاناتها اليومية؟ فهناك الكثير مما يمكن قوله في هذا المجال على سبيل المثال وليس الحصر:


• معاناة الأرامل في المجتمع العراقي اللواتي تجاوزن المليونين.
• معاناة العراقيات في ظل الظروف الإقتصادية القاهرة وصعوبة تأمين لقمه العيش والحياة الكريمة.


• معاناة المرأة والأيتام الذي زاد عددهم عن ثلاثة ملايين بعد ان بلعت آفة الحروب معظم الشباب وأكمل عناصر الميليشات على ما تبقى منهم.


• الإغتصابات البشعة لتي تعرضت لها المعتقلات في سجون الأحتلال والحكومة والتي كشفتها منظمات حقوق الإنسان. وعلي سبيل المثال موضوع الشهيدة عبير قاسم حمزة التي اغتصبت من قبل قوات الاحتلال واحرقت مع عائلتها وتزامن موعد البرنامج مع الحكم على المجرمين في محكمة امريكا.


• معاناة الأم العراقيه التى فقدت اولادها وهم في ريعان الشباب .
• وجود أكثر من خمس ملايين عراقية يجهلن القراءة والكتابة بعد أن كنس العراق أرضه زبالة الأمية.


الا يظن معد ومقدم البرنامج أن هذه الأمور وغيرها هي أكثر أهمية من موضوعهم وتستدعي إلقاء الضوء عليها أكثر من غيرها لأنها تخص الملايين من النساء العراقيات وليس شريحة بسيطة.


ان المرأه العراقيه كانت ولا تزال تعاني من صعوبة الحياة في ظل نقص الامدادات الغذائية وعدم توفر الكهرباء والماء الصالح للشرب والوقود وشحة الأدويه ناهيك عن الأوضاع الأمنيو المتدهورة. وتلك الحاجات تعد من أساسيات الحياة للبشــر وليس للعراقيات فقط . لقد أستنزفت هذه الأوضاع الشاذة طاقات الخلق والأبداع عند العراقيات فأصبح همهن الرئيسي هو البحث عن أبسط الأمور لآبقاء عائلتها على قيد الحياه.


كان يفترض أن يعرض البرنامج معاناة المرأه العراقيه ويقارنها بما وصلت اليه النساء في الدول الاخرى. لقد أثار عرض البرنامج في نفوسنا شجونا مقرحة تدفعنا لأن نسأل حكام العراق الجدد في ظل الديمقراطية المزعومة: إنظروا للحال الذي أوصلتمونا إليه! إنكم تنتقدون النظام السابق بإستمرار ولكن أليس الحقيقة في أن كرامة المرأة كانت محفوظة آنذاك! لا قتل ولا إغتصاب ولا خطف ولا تهجير.


هل كانت المرأه تضطر كما هو الوضع الآن للوقوف في المساطر باحثه عن عمل بأجرة كما يفعل الرجال ؟
هل كنا نسمع كما هو الحال اليوم عن تجارة البشر وتعدد المافيات المتخصصة بتجارة الرقيق الأبيض والأعضاء البشرية وبيع الأطفال؟


في الختام نود ان نوجه كلمة أخيرة للفضائة العربية بأن هناك أسبقيات كان يمكن للبرنامج أن يلتزم بها عند الحديث عن العراقيات دون المساس بما يسيء لهن.. ونقول لدعاة الديمقراطية إنظروا للحال الذي وصلنا إليه. ونقول لحكومة العراق وبرلمانه قليلا من الغيرة. و نقول للجميع بتحدي وإصرار...إن المرأة العراقية الماجدة ستبقى تاجا فوق الرؤوس.

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاحد  / ٠٥ جمادي الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٣١ / أيــــــار / ٢٠٠٩ م