هل يستحق العرب تضحيات العراقيين

 

 

شبكة المنصور

سعد السامرائي

إذا ما اضطر عزيز النفس إلى الخصومة تراه لا يحيد عن الحق والشرف ,فهذه الخصومة بالعادة تقوم على الوسائل المعلنة الواضحة وليس على الوسائل الملتوية وهذه هي صفة المتخاصمين الشرفاء إذا ما تخاصما , بحيث وان خسر احدهما فان ذلك لن يعتبر تقليلا من شأنه  .. قدر ما يزيده ربما شرفا إذا ما تقبل الخسارة واعترف بها ..هذا مستوى الحروب بين الشرفاء الذين لا يلجئون إلى غير آداب هذا الصراع  . بيد إننا لن نختلف مع أي قارئ إذا وصف كلامنا أعلاه بأنه حديث خيالي أو حديث الأولين أو وصفنا بأننا نسعى وراء مثاليات لا وجود لها فزمن الشرف قد اضمحل إن لم نقل انتهى ! , على الأقل في هذا المجال .. وقد أعجبني مقطع قديم يحاكي ما أقوله انقله إليكم وهو - جاء في كتب السير أن رجلاً في أيام صفين قام على معاوية-رضي الله عنه- وقال له: اصطنعني فقد قصدتك ..من أجبن الناس, وأبخلهم, وألكنهم?.


فقال معاوية: من الذي تعنيه؟
فقال الرجل: علي بن أبي طالب.
فقال معاوية: كذبت يا فاجر, أمَّا الجبن فلم يك قط فيه, وأمَّا البخل فلو كان له بيتان بيت من تبر وبيت من تبن لأنفق تبره قبل تبنه, وأما اللكن فما رأيت أحداً يخطب أحسن من علي إذا خطب, قم قبَّحك الله. ومحا معاوية اسم الرجل من ديوانه. إذن لم يكن الخلاف بينهما سببا ليحيد احدهما عن عزة النفس في قول الحق وعدم مواربة المنافق والمتطفل في مسعاه..

 

وقد وجدت ضرورة أن أدعم المقال هنا ببيتين شعر للإمام علي رضي الله عنه

يقول في ذهاب الوفاء بين الناس:

ذهبَ الوفاءُ ذهابَ أمس الذاهب ** فالنـاس بـيـنَ مـُخـاتـل ومـواربِ
يُفشـون بينهمُ الـمـودةَ والـصـّفا ** وقـلـوبُـهم محـشـوّةٌ بـالـعـقـاربِ

 

وهذان البيتان هما مقصدنا هنا من ذهاب الشرف واضمحلاله في ما يتعلق بالصراع على المناصب والسلطة اللاتي أوصلتنا ما وصلنا إليه نحن الشعب العربي من حالة ليس يرثى لها فحسب بل تشمئز منها النفوس ..

 

لسنا دعاة مشاكل و قلاقل أو ممن يخوضون في الماء العكر ولسنا ممن يعمل على خلق الفتن والمحن أو يقلب الاستقرار والنعيم إلى جحيم ,, ولكنا  ممن يرفض الواقع الأليم المشين و نريد استبداله واستبدال الحالة المزرية التي نعيشها فإلى متى هذا السكوت والى متى هذا الخنوع والى متى تخيم علينا حالة القنوط ,, لقد أصبح جل هم الغالبية من امتنا العربية والإسلامية هو البحث عن لقمة العيش وفي سبيلها هانت كل الأمور !! وفي المقابل فان حكام العرب يتشاطرون في طرق إضاعة أموال المسلمين والعرب ولا من محاسب  وأضحت دنيا العالم العربي تتدحرج للأسفل من سيئها إلى أسوئها حتى صار السوء لا قاع له , فالانحدارات تتوالى ولا من يوقفها  لقد أصبح هم الإنسان العربي والمسلم إشباع بطنه فحسب ولأجلها  تناسينا كثيرا من القيم التي كان إنساننا قبل منا بفترة طويلة نسبيا  يعتز بها ,  فبدلا من طلب العلم لغرض التنور و السعي في الأرض أصبح طلبه مقصورا كي يزيد الواحد منا دخله ليعيش مترفا وليتسنى له الحال ممارسة الاحتيال ربما لزيادة دخله لا يهمه ما اقترف من أخطاء أو ما سيقترف وتبدلت القيم شيئا فشيئا وتحولت الأخلاق الروحانية  إلى المادية التي زالت منها المشاعر الحسية وكأن الجميع متفق في القول المأثور:

 

يُغطّي عيـوبَ الـمرءِ كـثرةُ مـالـهِ ** يُصـدّقُ فـيـمـا قـالـه وهو كـذوب
ويُزرى بـعـقـلِ الـمرءِ قـلـّة’مـالـهِ ** يُحـمّـقــــهُ الأقــوامُ وهـو لـبـيـب


لقد تناسينا أن المال مقسوم بيننا قسمه لنا الله العادل وضمنه ويكفي العبد السعي قدر مستطاعه ولا يركن فانه آتيه لا محال فلم كل هذه التنازلات من اجله ولم ابتعد الناس عن قول الحق و أغمضوا أعينهم وعقولهم عن كثير من الماسي, أين انتم يا من تسعون للمال وتسهرون الليالي من أموال العرب والمسلمين التي يمحيها الحمقى ممن يمتلكون الحرية المطلقة في التصرف بها ,, مليارات ومليارات من الدولارات ضاعت بسبب وجود السلطة عند غير أهلها .. فإلى متى يبقى الشعب العربي يعيش خنوعا ذلولا  لحكامنا الملتصقين وراثيا بمقاعدهم لا من يحاسب ولا من رقيب  أين أيامكم  خلفائنا الراشدين في قول نحن منكم ولسنا خير منكم ومن رأى منكم فينا منكرا فليغيره .. ألم تسمعوا قول الشاعر في :

 

رَأيْتُ الدهرَ مختلفاً يدورُ * فلا حُزْنٌ يدومُ ولا سرورُ
وقد بَنَتِ الملوكُ به قصوراً * فلم تبقَ الملوكُ ولا القصورُ  

جميعنا مصيرنا الذهاب ليوم الحساب فماذا سنقول ؟ !

 

أخي العربي لا تقل من أين أبدأ طاعة الله هي البداية و لا تقل غدا سأبدأ ربما غدا تأتي النهاية.. والحل موجود تعالوا جميعنا ننظر لحالة الولادة الحقيقة التي تجري في العراق وكيف أن كل قوى الشر والطغاة من دول وأفراد تحاول إبادة وإطفاء شعلة بعث الروح والقيم الحميدة من جديد ومقارعة الاستعمار والخيانة والخنوع , هذا العراق دافع و لا يزال يدافع عن الأمة العربية رغم انه محتل ورغم القتل والتهجير الذي يمارس يوميا ضده .. هذا العراق لولا شعبه المقاوم بحق والذي لم تنقطع مقاومته لأنها صادقة بأهدافها ولأنه بدون مبالغة يخوض حربا عالمية فريدة بين قوى الشر والرذيلة وبين أقطاب الإيمان والفضيلة ومثلما كان العراق مهدا للحضارات والثقافة ها هو يعود من جديد بحمل هذه الرسالة بتكليف رباني جديد ليعطي تفسير آخر لسر بقاء الإنسانية ونهوضها –أما من يندهش من كلامي فحسبه التعلم من هذه الشعب فهو بابه الوحيدة للتخلص من الخنوع والذل ,لولى العراق لتغيرت أنظمة الدول العربية التي قريبة منه  ولكانت محتلة من قبل الأمريكان أو تابعة لها في النظام الشرق الأوسطي الجديد الذي اخمد نوره مقاومة الشعب العراقي  ولأننا غاسلي أيدينا من حكامهم لأنهم بكل سهولة ينطبق عليهم المثل اتق شر من أحسنت إليه , فلذلك نحن هنا نخاطب الشعب العربي للوقوف مع العراق بأرضه وشعبه وان ينصره بالمال والرجال والسلاح .. سؤال راح يحيرني ويدور في عقلي منذ بداية كتابة الموضوع وهو هل سيجد مقالي هذا آذان صاغية ملبية ؟!! .. الإجابة عندكم..

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الجمعة / ١٤ ربيع الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١٠ / نـيســان / ٢٠٠٩ م