صحابيون يتامى من اصل بعثي

 

 

شبكة المنصور

صلاح المختار

إذا طعنت من الخلف فاعلم أنك في المقدمة

مثل عالمي

                                                        

تلقيت الكثير من الرسائل منذ عام 2004 بعثها لي مواطنون عرب واجانب ، من اوربا وامريكا الشمالية واستراليا ، وكان السؤال المشترك والمتكرر فيها هو : ما هو  السر الذي جعل البعث يبقى ويتجدد ويتسع شعبيا وتنظيميا ويحمل السلاح ويقاتل الغزاة ، رغم انه تعرض لحملات ابادة لم يتعرض لها اي حزب او جماعة في الوطن العربي وفي اغلب بلدان العالم وكان يعتقد في كل منها انه زال وابيد ؟  والبعض تسائل ايضا في رسائله : لم زالت احزاب وطواها النسيان ، بعضها كان اقدم من البعث وبعضها كان اكبر من البعث تنظيميا ، وبعضها كانت لها عقائد معروفة ، وبقي البعث كالعنقاء ينبعث من رماده كلما احرق وابيد الالاف من مناضليه ، ويقدم للشعب العربي اجيالا من القادة العظام كلما اغتيل القادة او ماتوا ، ويغذ السير على طريق تحرير الامة العربية وبناء حضارتها الجديدة تحت راية الله اكبر ؟

هذا السؤال المتكرر يدور ، دون ادنى شك ، حول هوية البعث والتي تحدد حقيقته ومكوناته ( الجينية ) واسرار بقاءه رغم الحملات ( الصليبية )* الدموية الشاملة والمتكررة التي شنت ضده في العقود الخمسة الماضية ، خصوصا حملات امريكا وايران والكيان الصهيوني التي اتخذت ، في اخر طبعة لها ، شكل غزو مشترك ، امريكي – ايراني – صهيوني ، للعراق في عام 2003 وتنفيذ اخطر واوسع هولوكوست ضد الامة العربية هو هولوكوست البعث ، كانت ابرز مظاهره وصول عدد شهداء البعث الى اكثر من 150 الف شهيد بعد غزو العراق فقط ، وهي خسارة لم يتعرض لها اي حزب او جماعة عربية على الاطلاق ، بل انه رقم اكبر من اعضاء اي حزب في الوطن العربي ، دون اي استثناء ، واكبر من عدد اعضاء كل الاحزاب في العراق سواء كانت عميلة او وطنية ، قديمة او حديثة .

 

ان الاسئلة  مهمة جدا وموحية بعمق والجواب عليها يقدم للعالم الحقيقة الكاملة حول طبيعة البعث وهويته الحقيقية التي اراد العدو المشترك التعتيم عليها ، بعد ان فشل في تزويرها عبر خطة معروفة وشهيرة اطلقت عليها تسمية ابليسية هي ( شيطنة البعث ) تقوم على تشويه صورته بنسج الاكاذيب حوله وترويجها على نطاق واسع ، مع حرمان البعثيين واصدقاءهم من حق الدفاع والرد . لذلك فان افضل طريقة للاحتفال بالعيد الثاني والستين لميلاد البعث هي اهداء هذا التحليل ، الذي يوضح اسباب خلود البعث وانبعاثه كلما جرت محاولة لاغتياله ، الى محبي البعث في الوطن العربي واصدقاءه في العالم ، ومن لديه فضول كبير مشروع حول تفسير سر بقاءه وتجدده وانبعاثه كلما ظن البعض انه اغتيل او دفن .

 

من هم أعداء البعث ؟

 

لكي نفهم الطابع الاستثنائي والفريد لقوة من يعادي البعث علينا ان نعيد التذكير بهم : ان اعداء البعث ، وكما اثبتت التجربة التاريخية في نصف القرن الماضي ، هم الغرب ( الولايات المتحدة الامريكية واوساط اوربية نافذة خصوصا بريطانيا ) والصهيونية العالمية والنخب الفارسية الحاكمة في ايران ، ومن يتبع هؤلاء من عرب وعجم . وبما ان الغرب والصهيونية تمثلان اعظم  قوى العصر الحديث ، عسكريا واشدها شراسة سلوكيا واكثرها تقدما علميا وتكنولوجيا وثراء ، فان عراق البعث واجه ، والبعث بعد احتلال العراق يواجه ، حربا شاملة ومستمرة هي الاشرس والاخطر والاصعب في التاريخ كله ، يشنها عليه تحالف قوى مضادة يتكون من حوالي اربعين دولة  عظمى وكبرى ووسطى وصغرى ، وهو تحالف يملك الثروة الاعظم في العالم ، ولم يواجه اي طرف اخر او دولة او تحالف دول في التاريخ كله مثل هذا التحالف على الاطلاق من حيث سعته وقوته وتفوقه ، فلا النازية ولا الشيوعية ولا الفاشية واجهت اعداء بهذا العدد وبهذا التقدم وبهذا الثراء وبهذه القوة العسكرية الجهنمية وبهذا التقدم التكنولوجي المذهل .

ان القوى التي حاربت النازية والفاشية والشيوعية اقل بكثير واضعف اكثر من التي حاربت وتحارب العراق ومن يريد ان يفهم الحقيقة المخفية التي تحرك الصراع الرئيسي في منطقتنا وهو الصراع العراقي - الامريكي لابد له من الانتباه الى ما سبق وقلناه ، واذا كان هناك من يشك بصحة ذلك ليقدم لنا مثالا واحدا عكس ما قلنا .

 

منذ عام 1991 وجد العراق بقيادة البعث نفسه في مواجهة مصيرية مع اعظم قوة في التاريخ ، واكثرها وحشية وعنفا وسفكا للدماء ، وهي الولايات المتحدة الامريكية ، مدعومة باغلب اوربا ، وبدول اسيوية وافريقية وامريكية لاتينية عديدة وبقدرات الصهيونية العالمية ، وبمنظمات دولية واقليمية كالامم المتحدة والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الاسلامي ، وبحقد ايراني عنصري توسعي . هذا التحالف الدولي – الاقليمي الاكبر والاقوى والاعظم في كل التاريخ الانساني شن حربا شاملة على العراق ما زالت مستمرة رغم مرور 18 عشر عاما على اندلاعها . مرة اخرى نذكر بان الحلفاء والمحور ، وهما الطرفان اللذان تحاربا في الحرب العالمية الثانية ، لم يكونا بقوة وباتساع التحالف الذي تكون ضد عراق البعث ، عدديا ونوعيا ، رغم ان الحلفاء والمحور كانا يتكونان من دول متقدمة تحكمت في العالم وقتها ، خصوصا بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة من الحلفاء ، والمانيا واليابان من المحور .

 

ان السؤال المهم هنا هو : ماهو وزن العراق السكاني والمالي والصناعي والعسكري والتكنولوجي مقارنة بوزن المانيا واليابان اللتان خاضتا الحرب الحرب العالمية الثانية ضد الحلفاء في حرب استمرت اربعة سنوات ؟ ان الجواب واضح وهو ان العراق كان قطرا ناميا ، صغير عدديا محدود الامكانيات المادية مقارنة بالتحالف الدولي والاقليمي الذي حاربه ، ولا يملك قاعدة صناعية متطورة ولا موارد ضخمة غير النفط ، ولا حلفاء اقليميين ودوليين ، ومع ذلك خاض الحرب لمدة ثمانية عشرعاما وصمد وغير وجه العالم بصموده في الصفحة الثانية من الحرب الطويلة وهي صفحة حرب العصابات التي بدأت بدخول القوات الدولية الضخمة ارض العراق في عام 2003 .

 

هل هذا كل شيء ميز عظمة عراق البعث ؟ كلا فالمتحاربين في الحرب العالمية الثالثة ضد العراق استخدموا اسلحة وخدمات تكنولوجية متقدمة جدا تعد تكنولوجيا واسلحة الحرب العالمية الثانية مقارنة بها اسلحة وتكنولوجيا بدائية جدا . كان القمر الصناعي ومازال هو رمز الحرب الحديثة حيث تدار المعارك عبره وبواسطته ، وتطلق الصواريخ وتوجه الطائرات به ، وتحدد مواقع العدو بدقة بنظاراته ، ولو ان فرنسا او امريكا واجهتا طرفا يملك اسلحة مشابهة لما ملكته امريكا ، واستخدمته بكامله ضد العراق ، لكان بالامكان تصور هزيمة فرنسا في يومين وامريكا في 3 ايام ، كما اعترف قادة ستراتيجيون امريكيون واوربيون ، وكما تؤكد كل الوقائع الميدانية .

 

اذن الحرب العالمية الثالثة المستمرة حتى الان منذ 18 عاما ، التي تدور بين العراق وتحالف دولي واقليمي ضخم جدا ، تطرح تساؤلات منطقية لا يجوز لمن يمتلك ذرة موضوعية ان يقفز من فوقها وهي : مالذي جعل هذا التحالف الدولي والاقليمي يقف ضد العراق ويصر على محاربته كل هذا الزمن ، معرضا العالم برمته للاضطرابات الخطيرة ، واهمها مؤخرا الانهيارات المالية العالمية وتحطم سمعة امريكا والغرب عموما نتيجة الوحشية المتطرفة في التعامل مع العراق ، والفشل الفضائحي في دحر المقاومة العراقية الباسلة ؟ هل العراق تحت قيادة البعث دولة عظمى ونووية ؟ هل عدد سكانه وحجم موارده يوازي عدد وموارد من يحاربونه ؟ وهل هو متطور عسكريا وتكنولوجيا بحيث يحفز ذلك التحالف المضاد له لخوض حرب هي الاكثر تكلفة في تاريخ الحروب كلها ؟ لقد قدرت تكلفة الحرب على العراق بحوالي 3 – 4 تريليون دولار حسب عالم اقتصاد امريكي حصل على جائزة نوبل ، وحرب فيتنام ، وهي اكثر حروب الاستعمار الامريكي تكلفة ، لم تصل تكلفتها الى تريليون واحد !

 

 ان العراق قطر صغير سكانه عددهم 26 مليون نسمة ، بقدر سكان ولاية كاليفورنيا الامريكية تقريبا ، وموارده اقل من موارد كاليفورنيا ، وتطوره العسكري محدود جدا مقارنة بتطور امريكا ، لذلك يبقى السؤال المحير لمن لا يعرف هو لم هذ الحرب المستمرة ضد العراق اذن ؟ لم هذه التكلفة الفريدة التي تتجاوز كثيرا حسابات امريكا اخذين بنظر الاعتبار ان الحروب بالنسبة لامريكا هي حروب نهب ولصوصية وليست حروب استنزاف لها ؟

 

والسؤال الاخر المهم هو : هل امريكا وبريطانيا وايران بشكل خاص ، وهي ابرز القوى التي تحارب العراق منذ عام 1991 ( ايران ابتدأت الحرب على العراق ، بتشجيع ودعم امريكي – صهيوني اصبح ثابتا الان ، في عام 1980 كممهد للحرب العالمية الثالثة ) ، تخوض حربا ( عبثية ) ضد العراق لا هدف لها ولا فهم لكوارثها وخسائرها ؟ ام انها تدرك ما تفعل وتقدم التضحيات الضخمة في سبيل اهداف كبيرة وذات طبيعة ستراتيجية تتعلق بمستقبل النظام الاستعماري العالمي ؟ كما ان سؤالا اخرا مهما يفرض نفسه وهو : لم تتحد امريكا وايران وتتعاونان ضد العراق رغم ادعاءهما وجود تناقضات كبيرة بينهما ؟ الا يعني ذلك عمليا ان عراق البعث تعده امريكا العدو الاول لها وليس ايران ؟ الا يعني هذا ان العراق تعده ايران العدو الاول لها وليس امريكا ؟  

 

هل يوجد اصدقاء دوليين للبعث ؟ هذا السؤال مهم ايضا فكل القوى التي تحاربت في العصر الحديث كان لها حلفاء ولم تقم حربا عالمية على الاطلاق ضد دولة واحدة ، ومع ذلك فان الواقع يشهد ان عراق البعث يخوض حرب الوجود العربي منفردا ، وهي حرب عالمية منذ 18 عاما لم يسبق لها مثيل ابدا ، بلا حلفاء ولا اصدقاء حقيقيين .

 

ومن حق من انتبه لما سبق ان يطرح سؤالا منطقيا وهو : هؤلاء البعثيون ( اليتامى ) عربيا وعالميا هل كان بامكانهم الصمود وتحقيق الانتصارات بالمقاومة المسلحة لو لم يكونوا صحابة العصر الحديث الذين يذكروننا بصحابة الرسول محمد ( ص ) وتضحياتهم وبطولاتهم وتنكرهم للذات ؟ وهل كان بامكان صحابة العصر الحديث ، وانموذجهم الاول سيد شهداء العصر الصحابي الجليل صدام حسين ، تحقيق الانتصارات وايصال اعظم القوى في التاريخ الانساني الى الانهيار والهزيمة العسكرية لولم يكن الشعب العراقي قد تبناهم ودعمهم بلا حدود ؟

 

هنا نتوقف عند تساؤل اخير : لم يتعرض البعث لحروب وتحديات لم تتعرض لها اي قوة او دولة او حزب في التاريخ ؟ ما لذي فعله البعث كي يحتل هذه المكانة في الصراعات الدولية والاقليمية ؟

 

مميزات البعث

 

ان الاجوبة على الاسئلة والتساؤلات السابقة نجدها في مبادئ البعث وعقيدته وفي سياسات البعث ومانفذه في العراق اثناء حكمه له في الفترة بين 1968 و2003 واهمها ما يلي :

 

1 – امم النفط وبذلك مس ( قدس الاقداس ) بالنسبة للقوى الاستعمارية الغربية التي كانت تنهب نفط العراق ولا تعطي لشعبه سوى حصة تافهة ، ويحدد تفاهة هذه الحصة  السيد تايه عبدالكريم وزير النفط العراقي الاسبق بالقول ان موارد العراق من النفط قبل التاميم كانت حوالي 400 مليون دولار واصبحت بعده اربعين مليار دولار ! ان تأميم النفط عد من قبل القوى الاستعمارية الغربية اكبر تحد لها ولمصالحها غير المشروعة في الوطن العربي لانه اعاد المال للشعب العراقي ، فاستحق العراق من وجهة نظرها ان يعامل كعدو خطير .

 

2 – سخر البعث موارد النفط لاعادة بناء الانسان العراقي ثقافيا وعلميا وتكنولوجيا واجتماعيا وعسكريا ، فتقدم العراقي الى العرب والعالم بعد سنوات انسانا مختلفا عن الانسان التقليدي في العالم الثالث حيث الاعتماد الطفيلي على الغرب ، والتبعية التامة له . عراق البعث بفضل ثروة النفط اصبح متقدما وخاليا من الفقر والامية والتعليم فيه مجاني كليا والزامي ، والطب العلاجي والوقائي يقدم لكل انسان بلا ثمن . والاخطر ان موارد النفط مكنت البعث من انشاء اعظم واخطر جيوش العرب وهو ( جيش العلماء والمهندسين والفنيين ) الذي قدر عدد افراده ديفيد كي ضابط المخابرات الامريكية ورئيس فريق التفتيش النووي باربعين الف مؤهل . بنشوء هذا الجيش في العراق ادرك الغرب ان عراق البعث تجاوز كل الخطوط الحمر التي وضعها هو والصهيونية للعرب ، واهمها منعهم من الحصول على العلوم الحديثة والتكنولوجيا المتقدمة ، كي يبقوا تابعين وطفيليين لا دور بارز لهم في العالم .

 

3 – رسخ البعث التزام الشعب العراقي التقليدي بالرابطة القومية العربية وناضل من اجل الوحدة العربية ، وخصص جزء من ثروته للعرب الفقراء ، ووضع خطط تنمية عربية تكاملية تمهد لقيام دولة الوحدة العربية ، واصر على رفض التفريط بحقوق العرب في فلسطين واهمها تحريرها من البحر الى النهر . وهكذا مس قدس اقداس الصهيونية التي عدته العدو رقم واحد .

 

4 – وضع البعث اسس مجتمع عادل يتجه نحو الاشتراكية التي تكفل منع عودة الفقر والامية بعد ازالتهما كليا من العراق ، وجعل العدالة الاجتماعية تتمثل في دولة الخدمات المجانية او شبه المجانية ، ورفض العبودية الطبقية وكافة اشكال الاستغلال . لقد طور البعث مفهومه القومي للاشتراكية الذي فصل الاشتراكية عن الالحاد وجعل الايمان مكون اساسي للفكر الاشتراكي – القومي . وهكذا قدم البعث اشتراكية تجتذب الفقراء وتعزز ايمانهم الديني بنفس الوقت ، فحل التناقض المفتعل بين الاشتراكية والايمان الذي وقعت في فخه الشيوعية .

 

5 – اعد البعث الشعب العراقي لمواجه القوى المعادية فسلحه بالثقافة القومية من جهة ، ودربه على القتال بكافة اشكاله من جهة ثانية فامتلك العراق حوالي عشرة ملايين عراقي مدرب على حروب الشوارع والعصابات واصبح في كل بيت عراقي اكثر من قطعة سلاح ، هكذا طبق البعث مفهوم الشعب المقاتل بكامله ، وجعل من العراق قوة جبارة معنوية وعسكرية .

 

بهذه الخطوات التاريخية احدث البعث انقلابا جذريا في اوضاع العراق وكانت ابرز نتائجه تحرير الانسان العراقي من كافة انواع الاستغلال ومعوقات النهضة والتقدم والابداع الحضاري ، ورسخ الدعوة القومية العربية ، باضافة اساس مادي متين لها ابعدها عن الضبابية والشعارات العامة ، واسس قاعدة صلبة وقلعة حصينة للدفاع عن حقوق العرب في الاراضي المحتلة خصوصا في فلسطين والاحواز . لقد ولد المارد العربي الجبار القادر على تحقيق حلم الاباء والاجداد في قيام دولة عربية واحدة من المحيط الاطلسي الى الخليج العربي ، قوية ومتقدمة تربط الماضي العظيم للعرب بواقعهم الحالي .

 

وهذا الانقلاب الجذري والثوري في العراق الحر اصطدم بستراتيجيات ثلاثة اطراف مهمة :

 

أ – اصطدم بالمطامع الاستعمارية لامريكا وبريطانيا وغيرهما ، لان استعادة الثروة بتاميم النفط يعد ضربة رئيسية للقوى الاستعمارية ، وبما ان المطامع الاستعمارية اساسية وجوهرية ولا يمكن الاستغناء عنها ، وما ( مبدأ كارتر ) الا التعبير العملي عن اهمية الخليج العربي والجزيرة العربية والعراق والذي يقوم على اعتبار النفط العربي خطا امريكيا احمرا اذا مس تتدخل امريكا فورا ، فان التاميم والاستقلال الاقتصادي العربي عد اعلانا للحرب على الاستعمار من قبل العراق .

 

ب – اصطدم بالمخططات الصهيونية والتي قامت على احتلال فلسطين لتكون منطلقا لغزو المنطقة بين الفرات والنيل وتأسيس امبراطورية صهيونية تتحكم بالوطن العربي كله ، انطلاقا من منطقة الثراء والخير والخصب المحصورة بين الفرات والنيل ، فالعراق القوي الملتزم بتحرير فلسطين يسقط المخطط الصهيوني ويوقف عملية تعاقب خطوات توسعه نحو اقامة ( اسرائيل التوراتية ) ، ثم يحاصر الاحتلال في فلسطين كمقدمة لتحريرها كليا . عراق البعث عزز الميزة العراقية المعروفة وهي ان العراق لم يعترف بالكيان الصهيوني لا مباشرة ولا ضمنا ، وتقدم خطوات ستراتيجية كبيرة اهمها اقامة كيان وطني تتحكم به الهوية القومية العربية مما جعل تحرير فلسطين مهمة وطنية عراقية وليس فقط القضية القومية المركزية .

 

ج – اصطدم بالمطامع التوسعية للاستعمار الايراني الذي بنى ستراتيجيته على السيطرة على العراق والاندفاع منه لاقتطاع اراض عربية وتدمير اي محاولة لتحقيق نهضة عربية عصرية ، فالعراق القوي والمتقدم يساوي حرمان ايران من التوسع على حساب العرب .

 

د- اصطدم بالسياسات الاستعمارية الغربية التي قامت منذ مطلع القرن العشرين على منع تحقيق اي نوع من انواع الوحدة والتضامن العربي ، منذ سايكس بيكو الاولى التي قسمت الامة الى اقطار ، الى سايكس بيكو الثانية التي بدات مع وصول خميني للسلطة وقامت على تقسيم الاقطار العربية على اسس طائفية دينية وعنصرية ، لان وحدة العرب وتقدمهم يضمن لهم ردع من يريد التوسع على حسابهم او احتلال اراضيهم ، او نهب ثرواتهم ، ويمكّن العرب من لعب دور عالمي واقليمي رئيسي وفعال يسمح لهم بالمشاركة في قيادة العالم وتحديد توجهاته وانجازاته الحضارية .

ما معنى هذه الاصطدامات  عمليا وتاريخيا ؟

 

البعث حركة تاريخية عظمى

 

ابتدأ البعث حركة تاريخية لكنه تطور واصبح حزبا عظيما منظما تنظيما راقيا قل نظيره . والان البعث يعود حركة تاريخية ولكنه يبقى حزبا تاريخيا في نفس الوقت . لنفسر هذه الفكرة المهمة جدا .

 

1 – حركة البعث كانت فجر البعث حيث بدأت الدعوة للبعث بصيغة نشاط فكري مهد للعمل التنظيمي وتأطير الجماهير . لقد بدأ المرحوم القائد المؤسس احمد ميشيل عفلق عمله هو ورفاقه المؤسسين الاوائل بتوضيح معنى البعث ورسالته وضرورته واساليب تحقيق الانقلاب البعثي المطلوب . وبعد بضع سنين وجدت حركة نخبوية جديدة في النصف الثاني من اربعينيات القرن العشرين تدعو للبعث بروح رومانسية نقية وبزخم هائل مكنها من اكتساح الشارع السوري اولا ثم الشارع العربي في المشرق ، خصوصا في العراق والاردن ولبنان ثانيا . لقد انتمى البعثيون الاوائل طربا وانتشاء بوجود حركة جسدت احلام الاجداد في قيام الوحدة العربية والتحرر والاسهام في الحضارة الانسانية ، ولذلك كان البعثي الاول حالما بقد ماكان مناضلا .

 

2 – بوضع دستور الحزب ونظامه الداخلي وتحول النشاط التبشيري البعثي من مرحلة الاعداد الى مرحلة الجهاد ، انتقلت الحركة من حركة تاريخية الى حزب تاريخي تحكمه مؤسسة التنظيم القوي ، المستند على قواعد جماهيرية كبيرة فرضت عليه ان يضع تقاليد تنظيمية صارمة وسرية غالبا لانه كان ومنذ بداية دعوته القومية – الاشتراكية يحارب من قبل الانظمة العربية . لقد بدأ العمل بالانتقال من الاهداف النظرية الى التطبيق ، وبرزالبعث حزبا سريا زاحم من سبقه واثار مخاوف الانظمة العربية الفاسدة ، ثم تصدر ساحة النضالين الوطني في اغلب الاقطار العربية والقومي العربي .

 

في المرحلتين التاريخيتين ، مرحلة الحركة ومرحلة الحزب ، كان البعث يجتذب الشباب العربي بسحر شديد القوة ، فهذا الوليد الجديد يجمع داخله ماوجد متناثرا كتناثر الامة في عدة احزاب منفصلة وربما متناحرة ، فهو حزب قومي لانه يدعو للوحدة العربية بصفتها شرط نهضة وقوة الامة العربية ، وهو حزب قطري لانه يناضل من اجل حل القضايا القطرية في قطر عربي ، وهو حزب اشتراكي لانه يؤمن بان الاشتراكية هي وحدها القادرة على تحرير الانسان من عبودية العوز والفقر والفوارق الطبقية الكبيرة ، وهو حزب ديمقراطي لان الديمقراطية هي الضمانة الضرورية لمشاركة الجماهير في تقرير نوع الحكم وسياساته .

 

لقد جمع الحزب في هويته ومبادئه الخصائص المميزة للاحزاب الرئيسية التي كانت قائمة عند ظهوره ، فلقد تجاوز الاحزاب والحركات القومية المجردة من الفكر والاهداف الاجتماعية كالاشتراكية ، وتجاوز الاحزاب الشيوعية لانها كانت اشتراكية لكنها لا قومية تحركها رابطة اممية ، وتجاوز واحدة من اهم مثالب الشيوعية وهي الالحاد فاكد البعث انه حزب مؤمن وان الاسلام هو روح العروبة ، وتجاوز الاحزاب الوطنية القطرية لان مهامه كانت قطرية لكنها محكومة بالاطار القومي العام ، وتجاوز الاحزاب الديمقراطية والليبرالية لانه اعتمد ديمقراطية شعبية تتناسب مع اوضاع الامة العربية .

 

البعث بهذا التوصيف النظري وبهذا التحديد العملي جمع كل المهام والوظائف والافكار التي توزعت على احزاب مختلفة قبل نشوءه : فهو في ان واحد حزب وطني قطري ، كالحزب الوطني الديمقراطي في العراق وحزب الوفد في مصر ، وهو حزب قومي عربي كحزب الاستقلال في العراق لكنه يملك تنظيما قوميا على المستوى العربي وهو ما لم يكن حزب الاستقلال يملكه لانه كان حزبا قوميا في قطر واحد ، وهو حزب اشتراكي لكنه قومي الحدود الجغرافية وليس امميا كالاحزاب الشيوعية ، وهو حزب اشتراكي لكنه حزب مؤمن بالله ورسله وليس ملحدا كالحزب الشيوعي فابعد الاشتراكية عن الالحاد وجعلها موقفا ايمانيا يستند على روح الاسلام ، وعزل الاحزاب الاسلاموية التي كانت تريد تمييع هوية الامة العربية القومية وتكفير القوى القومية ،  وهو حزب ديمقراطي شعبي لذلك جعل من الديمقراطية قوة جماهيرية هائلة تخدم اهداف التحرر من الاستعمار وتحقيق الوحدة العربية وبناء الاشتراكية واخرج الديمقراطية من قوقعة الجدل البرلماني فقط .

 

هذا الحزب الفريد الهوية مثّل تطلعات وطموحات الجيل العربي بغالبيته الساحقة لانه غطى كل مطامح وتطلعات ورغبات واهتمامات وامال الشعب العربي ، وتجاوز بقية الاحزاب التي لم تفهم طبيعة المشاكل في الوطن العربي ، وهي مشاكل متعددة ومركبة ولا يجوز ان تختصر بهدف واحد او اثنين منها . هذه التوليفة البعثية الرائعة كانت على مستوى العمل تحديا كبيرا وخطيرا لانها وضعت البعث امام عداء اطراف متعددة داخلية ، وهي الانظمة الفاسدة التي رات فيه تهديدا لوجودها في السلطة ، وللقوى الاقليمية الطامعة في الارض والثروات العربية واهمها واخطرها ايران ، والقوى الاستعمارية التي وجدت في الوطن العربي ثروات هائلة لابد من السيطرة عليها ، وللقوى الصهيونية التي قررت اقامة كيان يهودي في فلسطين وطرد شعبها .

 

هل نسينا تحديات اخرى واجهها البعث ؟ كلا فالاحزاب العربية التي كانت موجودة قبل البعث وجدت في البعث نفيا لمبرر وجودها بعد ان برز حزب يحمل نفس اهدافها ومبادئها ، فالقومي العربي القطري كحزب الاستقلال وجد في البعث حزبا قوميا استولى على الكثير من كوادره وضمها الى صفوفه في نهاية الاربعينيات ومطلع الخمسينيات ، والاشتراكي الاممي كالشيوعي وجد في البعث حزبا اشتراكيا لكنه قومي الحدود الجغرافية وايماني النزعة لذلك استقطب المثقفين الثوريين وذوي النزعات الاشتراكية وضمهم الى صفوفه ، فوجدت الاحزاب الشيوعية ان البعث يشكل نفيا لمبرر وجودها . والاحزاب الاسلاموية وجدت في البعث قوة هائلة الجذب للشباب لانها ايمانية وتحمل رسالة خالدة روحها الاسلام لكنها قومية الهوية واشتراكية العقيدة الاجتماعية ، فاصبح البعث ضوءا يكشف الخلل في الاحزاب الاسلاموية . والاحزاب الديمقراطية والليبرالية وجدت في البعث بديلا جذابا عنها لانه واقعي ويفسر الديمقراطية وفقا لظروف الوطن العربي وخصوصياته ، لذلك اصبح الحديث عن الديمقراطية والليبرالية محض لغو فارغ في ظل وجود حزب شعبي كبير يناضل من اجل الديمقراطية الحقيقية .

 

هؤلاء جميعا ادركوا ان البعث يلغي مبرر وجودهم عمليا حتى لو لم يفصح عن ذلك كلاميا ، وبالفعل فان الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي شهدت البعث وهو يكتسح الاقطار العربية ويحل عمليا محل اغلب الاحزاب التقليدية التي سبقته في الوجود ، اما بزوالها التلقائي كحزب الاستقلال في العراق الذي صار حزبا لبضعة افراد قبل وفاته بعد ان انضم اغلب كادره الى البعث ، او بتقلص فرص انتشارها وتحولها من احزاب رئيسية الى احزاب ثانوية القوة والدور كالاحزاب الشيوعية العربية التي لعب البعث الدور التي كانت تلعبه وهو دور المناضل من اجل الاشتراكية .

 

موضوعيا وعاطفيا هذه القوى ، او بعضها او افراد منها ، نظروا الى البعث بصفته طرفا استولى على دورهم وصادر طموحاتهم واضعف او الغى أهليتهم السياسية ، لذلك ناصبوه العداء رغم ان هذا الموقف خاطئ وطنيا ومدان اخلاقيا .

 

وثمة عامل مضاف كان له دور مزدوج ومتناقض وهو ان البعث بعد الغزو لم ينجح فقط في تحمل اثار الهولوكوست الذي تعرض له والنهوض مجددا وهو يحمل السلاح ويشكل اعظم مقاومة مسلحة في التاريخ بل هو ايضا عاد حركة تاريخية فتية تمتزج فيها الورمانسية بالعمل . البعث اليوم يشهد اعظم تدفق جماهيري للانضمام اليه في العراق وفي الوطن العربي كله ، ففي العراق عاد الابناء القدماء الى الحضن الدافء لامهم البعث بعد ان وجدوا انفسهم خارجه لاسباب شتى ، لقد عاد هؤلاء الى الحزب مقاومين اشداء لينضموا الى رفاقهم الذين حافظوا على هوية الحزب ، وهناك دفق هائل من الكسب الجديد في العراق ، الاف الشباب الذين لم يكونوا بعثيين قبل الغزو اصبحوا الان بعثيين منظمين ، وخارج هؤلاء ثمة الاف من الناس غير البعثيين او البعثيين السابقين يحيطون الحزب بنطاق حمايتهم ودعمهم .

 

وفي الاقطار العربية يعيش البعث عصره الذهبي ، فالبعثيون العرب اليوم يشعرون بالفخر لانتماءهم لحزب حمل راية الشرف قبل المبادئ ، وقدم اروع صور البطولة والصمود والتضحيات من اجل العراق والامة العربية ، وصورة استشهاد القائد صدام حسين تكفي لوحدها لترجمة حقيقة البعث المشرفة .

 

من انتقدوا البعث في الستينيات ووصفوه بالرومانسية عليهم اليوم ان يروا كيف ان الرومانسية البعثية تسير جنبا الى جنب مع توأمها الحتمي وهو الهدف العملي اي تحرير العراق واعادة بناء وحدة الامة . نعم يشرفنا اليوم ان نكون رومانسيين لان الرومانسية هي كلمة السر التي تفتح بوابات البديل وتصوره والوصول اليه عبر الجهاد ، بالتطلع الرومانسي البعثي السائر على قدمين راسختين ، هما البندقية والمبادئ العظيمة ، نحقق النصر على الاحتلال في العراق ، بدون الرومانسية تغيب حلاوة تصور البديل وتصور النصر . لا يعيش الانسان بالرياضيات وحدها فلابد من الشعر وخياله وفسحة التخيل الروائي ، بشرط ان لا نشطح وان نبقى داخل قلعة المبادئ . احمد ميشيل عفلق كان اول رومانسي حالم لكنه كان اول العاملين واول من تجذرت قدماه في الارض . الطب اليوم يقول بان الانسان يحتاج لوقت للتأمل يوميا من اجل ان يبدع ويطلق ملكة التخيل لتقوم بدورها الخلاق .

 

اليوم البعث يواجه مشكلة تاطير الكسب الجديد الضخم ، وهذا يذكرنا بمرحلة عام 1959 حينما جرت محاولة اغتيال الديكتاتور عبدالكريم قاسم رحمه الله ، من قبل نخبة من مناضلي البعث كان من ابرزهم الشهيد القائد صدام حسين ، فواجه البعث مشكلة تدفق الاف العراقيين وطلبهم الانضمام له ولم يكن بالامكان تنظيمهم كلهم لضخامة عددهم . اليوم نواجه مشكلة مشابهة عراقيا وعربيا ، وهي ان من يريدون الانضمام للبعث خصوصا في العراق اكبر من قدرة الحزب على تنظيمهم كلهم . فما العمل ؟ هنا نضع الاصبع هلى ظاهرة عودة البعث حركة جماهيرية اكبر من التنظيم الحزبي . لقد ولد البعث مجددا ، وهو اليوم اكثر فتوة مما كان قبل استلامه للسلطة في عام 1968 ، ولكن ميزة هذه الولادة الجديدة للبعث هي انها تحدث في ظل الاحتلال ، لذلك فان البعث يجد نفسه امام مسؤولية تاريخية فريدة وهي تحرير العراق واعادة بناءه وبنفس الوقت تأطير الجماهير المرتبطة وجدانيا بحركة البعث .

 

في حركة البعث اليوم الاف البعثيين القدماء الذين وجدوا انفسهم خارج الحزب قبل الغزو لاسباب مختلفة ، وهؤلاء يريدون العودة للحزب مناضلين ملتزمين بخط الحزب الجهادي ، وفي حركة البعث الاف مؤلفة من العراقيين الذين لم يكونوا بعثيين قبل الغزو لكنهم اكتشفوا بالتجربة بان البعث هو الخيار المنسجم مع مصالح العراق والامة العربية ، لكن تنظيمهم كلهم يصطدم بعقبة محدودية الفرض التنظيمية في ظل الاحتلال وممارسة الكفاح المسلح . لقد وحد الجهاد جماهير الامة ، وخلق الجهاد البيئة الطبيعية لمعالجة جراح الحزب القديمة .

 

وهذا ما اشار اليه المناضل امام الجهاد والمجاهدين عزة ابراهيم الدوري في رسالته الموجهة للسيد تايه عبدالكريم الذي انتقد نفسه على اخطاء وقع فيها ، فمد الحزب اليه يد الانقاذ وصفح عنه ، عزة الدوري بهذا الموقف يلتزم بنهج رباني ، فالله ابقى باب التوبة مفتوحا لذلك لا يمكن لاي انسان ان يغلقه ، والبعث اليوم وهو يقترب من تحرير العراق بحاجة لكافة ابناءه المشردين حزبيا والمشردين من الوطن والمشردين داخل الوطن ، وعليهم ان يغتنموا فرصة فتح باب النقد للماضي .

 

مسوغات الاسئلة

 

 

والان اصبح ضروريا ان نطرح الاسئلة التي تدور باذهان الملايين العربية وفي العالم ، واهمها :

 

1 – لماذا اندثرت مئات الاحزاب ، وعشرات الشخصيات الوطنية والقومية والاشتراكية والليبرالية ، وبقي البعث رغم ان الاوائل لم يتعرضوا لو لجزء بسيط مما تعرض له البعث من ابادة منظمة شاهدها الاحدث هو اصدار امريكا لقانون فاشي واجرامي لم يسبق صدور مثله ابدا حتى ضد الحزب النازي الالماني وهو قانون ( اجتثاث البعث ) ؟

 

2 – لماذا اتفقت قوى الشر في المنطقة العالم كلها على معاداة البعث رغم كل تناقضاتها كتناقضات النظام الايراني مع امريكا ؟ الا يؤكد ذلك ان التناقضات بين امريكا والصهيونية وايران مثلا تناقضات ثانوية مقارنة بتناقضاتهما مع عراق البعث ؟

 

3 – لماذا اتحدت قوى عالمية واقليمية واتفقت ، كما لم تتفق او تتحد من قبل ، على خوض سلسلة حروب متتابعة ومستمرة ومتنوعة ( اقتصادية وعسكرية ونفسية واستخبارية وسياسية ) وتوجت بالغزو المسلح للعراق ؟ لو كان البعث حزبا عاديا ، ولوكان نظامه نظاما عاديا كباقي النظم هل يستحق حزب عادي كباقي الاحزاب ونظام عادي كباقي النظم شن هذه الحروب المهلكة والمدمرة للبشر والعمران لكلا الطرفين ؟ الا يدل اتفاق قوى عالمية واقليمية متناقضة ولا تلتقي الا حول ضرب العراق على امر محدد وهو ان البعث ونظامه الوطني كانا حزبا استثنائيا باهميته ونظاما استثنائيا بانجازاته ودوره ؟ هل تخوض امريكا وهي دولة لا تغزو الا لتحقيق مكسب مادي ، الحروب من اجل هدف ثانوي ؟ هل تخوض الحرب للمتعة او لشهوة الانتقام كما روج تضليلا ؟ ام انها تعرف ماتريد حينما عادت عراق البعث وحالفت ايران الملالي ؟

 

4 – بعد الغزو ظن البعض من الوطنيين ان البعث انتهى فبادروا لتاسيس بديل تنظيمي عن البعث لملأ الفراغ الذي تصوروا انه سيحدث ، لكن والان وبعد مرور ستة اعوام على الغزو مازل هؤلاء يتخبطون وبقوا عبارة عن نخبة بلا جماهير ، وزادت ازمة هؤلاء بعودة البعث بسرعة مجاهدا صلبا استقطب الشارع العراقي مجددا . ان السؤال المهم هو لماذا فشلت كل محاولات بناء بديل وطني عن البعث رغم ان ظروف الاحتلال تساعد على ذلك ؟

 

ان الجواب موجود في ما ذكرناه في هذا المقال ، لكننا ولاجل تثبيت الصورة لابد من تأكيد مجموعة حقائق :

 

1 – ان البعث حزب عقائدي له عقيدة واضحة وتفصيلية تحدد اهدافه البعيدة ومبادئه القومية والوطنية والاشتراكية ، لذلك فهو حزب تاريخي وليس حزبا عابرا ، حزب يبقى لمئات السنين تحمل رسالته اجيال متتابعة ومتصلة ومتواصلة من عقد الى عقد ومن قرن الى قرن حتى يحقق اهدافه الاساسية وهي الوحدة العربية بعد تحرير الاراضي العربية المحتلة ، والحرية والاشتراكية .

 

2 – ان اهداف البعث حينما تتحقق تحدث انقلابات جذرية في الوطن العربي والعالم برمته ، فوحدة العرب وعقلنة استثمار ثرواتهم وبناء مجتمعاتهم على اسس عصرية وعادلة ، تعني بروز قوة عظمى عالمية وليس اقليمية ، تذكروا ان العراق وحده كان قوة اقليمية عظمى ، والقوة العربية الموحدة العظمى ستغير خارطة العالم وتفرض توازنات جديدة تنهي عصر المركزية الغربية ويعود العرب بناة حضارة وسادة وطنهم العربي .

 

3 – البعث يعتمد على ستراتيجية قومية في التنمية تقوم على اقامة انموذج جذاب وايجابي للوحدة العربية من خلال حل مشاكل الجماهير الاساسية كالقضاء على الفقر والامية ومجانية الطب والتعليم ورخض الخدمات العامة وضمان حياة ومستقبل الناس من قبل الدولة ...الخ ، وتجربة بناء العراق في ظل البعث تقدم صورة قريبة مما يحلم به كل عربي ، وهذه الستراتيجية تضمن ازاحة العقبات التي توضع امام اقامة الوحدة العربية ، فيصبح القطر الانموذج جاذبا لكل العرب اليه بفضل مزاياه الايجابية وليس بالقوة او الاجبار .

 

4 – البعث تميز عن باقي الاحزاب بتمسكه التام باصوله الفكرية القومية – الاشتراكية ولم تهزه تغيرات وانقلابات العالم ، التي غيرت الشيوعية وحولت اغلب الشيوعيين من معاداة الراسمالية الى خدمتها ، لقد ثبت البعث على اقدامه القوية وبقي يشرب مياه دجلة والفرات والنيل ويأكل من تمر القيروان وجبال الاوراس ، متمسكا بعروبة سبتة ومليل والاحواز والاسكندرون والجزر العربية الثلاثة وقبل الجميع بعروبة فلسطين . البعث بقي قوميا عربيا ولم تغيره ريح الغرب العولمية ولا ريح الشرق الاممية ، وقدم الثمن الباهض مئات الالاف من الشهداء والاسرى والمعذبين ، وخسر الحكم من اجل نقاوة المبادئ ، وبقي واقفا ولم ينحني للعواصف . البعثي الاصيل اليوم هو ذاته البعثي الاصيل قبل ستة عقود لا تغيير في ملامحه وفي لكنته وفي اسمه .

 

هذا هو الحزب الذي يصنع التاريخ ويعيد بناء الحضارة ويدحر الاعداء مهما كانوا اقوياء ، وينجب من الشهداء بقدر ما فيه من رمال ومياه ونخيل واحلام .

 

5 – البعث تنظيم قومي حديدي يستند الى تقاليد عريقة تؤمن وصول قيادات منتخبة دوريا لذلك فانه قادر على تجديد نفسه وابقاء دفق الحيوية مستمرا بلا توقف ، يذهب جيل من القادة استشهادا ووفاة ويأتي جيل اخر ليكمل المسيرة دون توقف ، وحينما يحصل خروج على الخط العام لاي سبب سرعان ما يصحح الحزب مسيرته استنادا الى اصوله الفكرية والتنظيمية . وهكذا فانه ليس نزوة فرد ولا رغبة فئة بل هو خيار امة كاملة . ان الاصولية البعثية ، المتمثلة في مبادئه وقواعده التنظيمية ، هي الضمانة الا ساسية للمحافظة على هوية الحزب وانسجام مسيرته التاريخية وتسليم الراية بصورة منظمة من الجيل الراحل الى الجيل الاتي .

 

6 – البعث له رموز يحترمها ويسير خلفها واهم رمز واعلى رمز هو الامين العام للحزب ، وهو مجسد وحدته وحامي هويته ومبادئه ، وتزداد اهميته في ظروف الطوارئ حيث يمسك بكافة حلقت الكادر الحزبي ويصبح هو المرجع الاول ويمنح كافة صلاحيات القيادة القومية وهي اعلى قيادة في الحزب ، ولا يعلوه مرجع الا المؤتمر القطري والمؤتمر القومي .

 

هنا يكمن سر خلود البعث وديمومته وتجاوزه للمحن وعمليات الابادة الجماعية التي تعرض لها : البعث مؤسسة سهلة ومعقدة التركيب في نفس الوقت ، سهلة لمن عاش فيها مناضلا جادا وملتزما ، ومعقدة لانها تنجح في حرمان المتامرين من اللعب على الحبال وتعزلهم فورا ، ولذلك فهي مؤسسة مستقلة عن اي فرد في الحزب وتحكم اي عضو وتتحكم فيه ، مهما كانت درجته الحزبية ، وهي قادرة على تصحيح الاخطاء بفضل اليات العمل الحزبي والنظام الداخلي . وهذه الحقيقة هي التي تجعل البعث كيانا عصيا على الاختراق وقادرا على التجدد كلما ضرب او تعرض لازمة ، وفيه عوامل الديمومة ومواصلة العمل من اجل الاهداف العظمى . ان البعث بفكره القومي – الاشتراكي وبتقاليده التنظيمية وبثقله الجماهيري وباصوليته الواضحة قادر على مواصلة التحدي والدفاع عن الامة وقضاياها ومصالحها في اي وقت وتحت اي ظرف ، من هنا فان معاداته نتيجة طبيعية بالنسبة لمن يعادي الامة العربية ويبني خططه على حساب الامة العربية .

 

-  تحية اعتزاز لذكرى الراحل الكبير الاستاذ احمد ميشيل عفلق مؤسس البعث وواضع الاصولية البعثية .

- المجد لشهداء الحزب من قادة وقواعد وفي مقدتهم من اكمل فضائل البعث بتطبيق المبادئ الشهيد القائد صدام حسين

- تحية اعتزاز واحترام للرفيق المجاهد عزة ابراهيم الدوري الامين العام للحزب وهو يقود الشعب ومقاومته الباسلة نحو تحرير العراق .

- تحية للرفاق المجاهدين اعضاء القيادة القومية للحزب وفي مقدمتهم الرفيق نائب الامين العام للحزب د. عبدالمجيد الرافعي .

- تحية للرفاق المناضلين الصامدين في القطر العراقي .

- تحية لكل بعثي يجاهد في ساحته من موريتانيا حتى عمان .

- عاش البعث امل الامة العربية وقوتها الضاربة .

- النصر او النصر ولا شيء غير النصر .

 
 
*الصليبية لا تعني مفهوما دينيا هنا بل هي ، لغويا وعرفيا ، تعني الحملات الشاملة والدموية والمستمرة لاجتثاث الاخر بلا تراجع .
 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الثلاثاء / ١١ ربيع الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٧ / نـيســان / ٢٠٠٩ م