القانون دولة أم أئتلاف

 

 

شبكة المنصور

سرمد فاضل قاسم الصالحي

مر على العراق سابقاً وفي العمق التأريخي المتأصل بالجذور اليعربية الكثير من المصائب والظروف القاسية منذ 8000 سنة وهذه البقعة المقدسة التي شرفها الله عز وجل بنزول آدم عليه السلام واستقرار الفلك بعد طوفان نوح عليه السلام وولادة أبراهيم عليه السلام وضم بين اترابه فلذة كبد فاطمة بنت رسول الله وخاتم انبياءه صلى الله عليه وآله وسلم  لازالت تتعرض لشتى واشرس الاعتداءات وكأنه أختار ان يكون مختلف الطبع والطباع في زمن يسوده الكلاب وتحكمه الضباع فمنذ وصول اولى المدرعات الامريكية الغازية الى بغداد صبحية التاسع من نيسان 2003 وما جرى بعد ذلك من عمليات نهب وسلب وقتل نفذتها بنجاح وتفوق عصابات الجلبي وعناصر فيلق بدر المجرمة وقوات البيشمركة العميلة ، غير ضعاف النفوس من عملاء مخابرات العالم اجمع فأصبح العراق قصعة تهافت عليها الاكلون من كل حدباً وصوب وقد لايخفى على المستطلع للاخبار ان ما جرى على العراق والعراقيين كان ضمن مخطط مرسوم منذ اواخر الستينات وبروز دولة البعث كمنهج للاشتراكية العربية ومتحدياً للرأسمالية والرجعية العربية واتخاذه لشعار نفط العرب للعرب واستخدام النفط كسلاح في المعركة كان لابد من أجراء تعديل شامل وجذري في المنطقة وبشكل  خاص  في العراق فكان التخطيط لتحرك الاكراد (الجيب العميل كما كان يطلق عليه في السابق ) معلنين العصيان ضد دولة القانون انذاك وسحبه الى حرب تضعفه من الداخل لابعاده عن الساحة العربية والدولية ولو لحين وخاصة بعدما تمكن العدو الصهيوني من احتلال كامل الاراضي العربية في الجولان وغرب سيناء منتصف عام 1967 ورغم خطورة الوضع في شمال العراق والتهديد المستمر بالانفصال بقيت عجلة البناء والتقدم تدور في هذا البلد فكان قرار تأميم النفط منتصف عام 1972  كضربة صاعقة لكل أوجه التأمر والعمالة في الوطن العربي والشرق الاوسط وكما هو معروف لم يتوقف العصيان الا بتوقيع اتفاقية تقاسم شط العرب مع حكومة الشاه عام 1975 كحالة واضحة للجميع بأن الجار الشرقي للعراق كان ابرز اللاعبين في مسلسل الــتأمر عليه.

 

بعد أفول نجم القاهرة وخروجها من الصف العربي نتيجة لتخليها عن القضية المركزية للوطن العربي وتوقيعها لاتفاقية كامب ديفيد 1978  سيئة الصيت سطع نجم العراق كقائد للمرحلة الجديدة فكان لابد من اشغاله مرة ثانية  فكانت دول الخليج هي اللاعب الابرز في هذه المؤامرة فكانت حرباً بالنيابة عن الرأسمالية العربية التي تسترت تحت عباءة القومية العربية استنزفته لمدة طويلة خرج منها العراق اقوى وأفضل من السابق نتيجة لما اكتسبه من قدرات عسكرية هائلة جعلته الدولة الاقوى في المنطقة والاخطر على الصهاينة فتحركت اصابع الامبريالية مرة اخرى لتضع حد لنمو وبروز العراق فقررت ان تخوض اللعبة بنفسها فستجمعت جميع الخيوط والادوات وجرى على العراق ما جرى بعدها مروراً بأحداث عام 1990 و1991 وفرض العقوبات الدولية الصارمة عليه وخلق منطقتي الحظر التي قسمت العراق برغم وجود سلطة مركزية قوية الى ثلاث مناطق (شمال - وسط - جنوب ) وما يريده سياسيو اليوم منذ ليلة الاربعاء السابع من صفر 1423 والموافق لتاسع من نيسان 2003  الترويج لمبدأ الحرية والديمقراطية امريكية الصنع حيث تبنته جهات واحزاب وكتل وشخصيات وصلت على ظهر دبابات ابرام وحاملات الطائرات لنكولن و واشنطن مبدأ الترويح عن النفس وحق الشعب العراقي في استرجاع كافة حقوقه  المسلوبة آبان حكم الدولة المركزية.

 

وانطلاقاً من هذا المبدأ وخوفاً على الشعب العراقي وبحركة لطيفة ومنظمة من قبل السيد باني البيت الشيعي العراقي دكتور القاصات ولص البنوك أحمد الجلب......ي صدرت اوامر للجيش الامريكي بعدم التعرض لاي عراقي يروم السير على الاقدام باتجاه العتبات المقدسة والمراقد العلوية الشريفة في كربلاء والنجف حتى لايصاب بصدمة عصبية نتيجة عدم الترويح عما في داخلهم من مشاعر مكبوتة بسبب منع السلطات السابقة تسيير مسيرات ومواكب العزاء في ذكرى استشهاد الامام الحسين عليه السلام كانت  المسيرات والمواكب تزحف نحو الرياض الحسينية والحيدرية والعباسية المقدسة تتوالى رغم استمرار العمليات العسكرية في مناطق متفرقة من العراق الامر الذي جعل الكثير من السذج والسطحيون والمستفيدون من بيع الخرافة والجاهلية يستقتلون من أجل إبقاء قوات الاحتلال والتي تحول اسمها الى قوات الائتلاف ليضفي شريعة لوجودها في العراق لمدة اطول رغم اعلان دجال العصر المضروب بالقندرة الارعن بوش وقف العمليات العسكرية منتصف نيسان 2003  وإعلان احتلال العراق كحالة مؤقتة من اجل إرساء العملية الديمقراطية وخلق حالة جديدة في الشرق الاوسط لذا فأن مسألة بقاء القوات الامريكية والبريطانية والمتعددة الجنسية الغازية في العراق مجرد وقت وانهم سوف ينسحبون فوراً متى طلبت منهم الحكومة العراقية الجديدة ذلك بشكل رسمي ومنذ تشكيل اول حكومة منتخبة على انقاض دولة السيادة والقانون والمدعومة من قبل قوات الاحتلال مع بداية عام 2004 الى هذه اللحظة لم تقدم الحكومة او اي شخص محسوب عليها اي طلب رسمي بانسحاب القوات المحتلة من العراق لا بل انهم وضعوا اساس شرعي لبقاء هذه القوات لفترة طويلة بحجة ان العراق بحالة لا تسمح له بأن يكون خارج الوصاية الدولية ويمكن للديمقراطية الجديدة ان تسحق من قبل اطراف دولية واقليمية داخلية وخارجية متناسين عمق الانتماء العراقي كمكونة اجتماعية وموقع جغرافي جعلته على رأس المصفوفة العربية والشرق اوسطية والمتحكم بثلث أحتياطي النفط في العالم وكان ولأخر ساعة من نهار 9 نيسان 2003 الممول الاول والوحيد للمقاومة المسلحة العربية في فلسطين وجنوب لبنان وكان شوكة خاصرة اعداء العرب فكان لابد من أزالة هذه العقبات مهما كان الامر فختلقوا له الحجج والاسباب الكفيلة بجعله مصدر للارهاب في المنطقة والشريك الرسمي لتنظيم القاعدة رغم علمهم ضعف الحجة على وجود مثل هذه الشراكة مع نظام بغداد حيث لايخفى على نظام بغداد ان القاعدة تنظيم من صنيعة الساحر الاكبر وقد انقلب السحر على الساحر وفلت الحبل من يد الادارة الامريكية والتف بقوة حول رقبتها فكان لابد من اجراء سريع وانتقامي لنقل المعركة الى منطقة الخليج الغنية بالموارد التي تستخدم بتمويل حروب الادارة الامريكية من اجل السيطرة على المنطقة لتكون قريبة من اسرائيل فأسقاط نظام البعث بقيادة الشهيد الخالد صدام حسين  رحمه الله هو مفتاح تحول ميزان القوى الاقليمي لمصلحة اسرائيل وبشكل حاسم فقد سمحت ظروف احتلال العراق بتملص اسرائيل بقيادة حزب الليكود من الايفاء ببنود عملية السلام في اوسلو واخضاع الضفة الغربية وغزة والجولان وجنوب لبنان مضافة الى حدود اسرائيل قبل عام 1967 واعلان ما يسمى بالمملكة النظيفة وعاصمتها القدس وبهذا يكون المجرم الارعن بوش قد انجز الهدف الاول والرئيس من غزو العراق واسقاط دولة البعث وازالة حجر العثرة امام مخططات الامريكان والتي سبق وان وضعوا سيناريو لتقسيم العراق لثلاث مناطق كما ورد اعلاه بعد العدوان الثلاثيني الغاشم عام 1991 حيث دعا هنري كيسنجر عام 1975 الى تقسيم العراق الى 3 دويلات ويعتبر كيسنجر عراب عملية السلام بين اسرائيل والعرب وهو ايضاً صاحب نظرية اعطي العرب نصراً وخذ منهم ما تشاء عام 1973 فكان النصر العربي المؤجل والناقص على الصهاينة وكأن الحرب كانت فقط لتحرير الجزء الغربي من شبه جزيرة سيناء وعبور القناة وهي كما يتضح احدى الخطط التي استخدمتها امريكا بداية السبعينيات للولوج في قلب المنطقة العربية لتكون اقرب الى منابع النفط وتكون اقرب اليها من منافسها انذاك الاتحاد السوفيتي والذي قام هو ايضاً بمد جذور للتقارب مع دول المنطقة وغازل الدول التي تميل الى تطبيق الاشتراكية من خلال التبرع المعلوماتي والاستخباري وغير ذلك من وسائل الدعم العسكرية والاقتصادية بل تطور الامر حين شعر بقرب الامريكان من منابع النفط قرر وبحركة مباغتة التوغل في افغانستان واحتلالها بالكامل عام 1979  وسارت الاحداث بعد ذلك كما هو معلوم للجميع وما اقدمت عليه الولايات المتحدة الامريكية لرد الخطر الشيوعي عن منطقة الخليج وزرعت له الالغام داخل نظامه حتى تفجر نهاية عام 1991 وكما استحدثت مجاميع الجهاد المرتبطة بالسعودي الامريكي بن لادن وصنيعة الاخوان المسلمين المصري أيمن الظواهري فكان لابد من القيام باجراء احترازي لمواجهة ما يسمى الارهاب الدولي  تم رصد ملايين ملايين الدولارات من اجل القضاء على اقوى حكم وطني  عربي  قومي في الشرق الاوسط من خلال ايجاد الذرائع والمسببات لربطه بهذا التنظيم او ذاك واذا كان الدفاع عن الارض والسيادة والقانون ودعم الدول التي تواجه اخطار قومية ومصيرية ارهاب من وجهة نظر امريكا فأن العراق وبنظامه وجيشه اكبر داعم للارهاب في التأريخ لانه يخوض معركة مصيرية تأريخية ضد أخطار التوسعات الصهيونية والصفوية الفارسية على حساب ارضه وشعبه من المحيط الى الخليج ومن الجبل الى البحر  ووفقاً لمقتضيات المرحلة الاولى من الحرب ضد الارهاب او عملية احتلال الحوض النفطي ومنابع ومصبات النفط العالمية وصولا الى بحر قزوين شمالا وافريقيا الوسطى جنوباً فكان لابد من الاصرار على إنجاح سياسة دجال العصر المضروب بالقندرة الارعن بوش واضفاء الشرعية على جميع قراراته بما يخص احتلال العراق وما رافق ذلك من أخفاقات جعلت العراق لقمة سائغة بفم الصفويين والارهابيين وتجار الموت الذين وجدوا ضالتهم في الانفلات الامني الذي خلفه احتلال العراق واقتسام السلطة بين الفرقاء السياسيين واطيافه المستوردة من الخارج الذين جاءوا ليستحكموا العراق ويذيقوا أهله ألامرين حتى بعد توسم بهم من توسم الخير وجدهم كسراب بقيعة يحسبهم الظمآن ماءاًً واستنجد به المواطن وطلبهم حثيثاً لم يجد بهم شيء يذكر فكانت اتفاقية 27 تشرين الثاني 2008 كالورقة الرابحة على طاولة قمار بالنسبة لكل من وافق عليهابصورة او بأخرى ، وبصرف النظر عن الاسباب المباشرة والفعلية لاتفاقية الصوفا (اتفاقية الانسحاب المجدول للقوات الاجنبية من العراق) وما تريد الولايات المتحدة الامريكية ان تتعاطى معه هو الاستحواذ الامني والاقتصادي على العراق من خلال تقييده بمعاهدات خارج القرارات الدولية والاستئثار بقانون النفط والغاز الذي لازال يدور بحلقات نقاش البرلمان العراقي المتأزم بسبب عدم انتخاب بديل لرئيسه المستقيل قبل شهرين اواكثر ورغم تصريح الوزير الشهرستاني ان العقبات التي تواجه تطبيق قانون النفط والغاز هي تلك العقود التي وقعتها حكومة اقليم كردستان مع شركات امريكية واجنبية ومن ناحية اخرى صدرت تعليمات وزارة الداخلية العراقية باعتقال كل اجنبي دخل العراق من منافذ اقليم كردستان هذه التعليمات صدرت مع ظهور النتائج الاولية للانتخابات مجالس المحافظات وبروز قائمة ائتلاف دولة القانون بقيادة المالكي بحصولها على اغلبية الاصوات في جميع المحافظات تقريباً رغم كون انتخابات مجالس المحافظات بداية لنقل السلطة المركز (بغداد) الى الاقاليم تمهيداً لقيام دولة اتحادية وهو ما يريده ساسة اليوم فقد قامت مجاميع الشمال بالنزوح الى المحافظات الجنوبية المجاورة وكذا بالنسبة لمجاميع الجنوب التي بدات تنزح الى محافظات الوسط المجاورة وهناك مناطق حرام واسلاك شائكة والغام قد تبدأ بالتفجر في كركوك والموصل ولا تنتهي بالبصرة رغم قيام القائمة الفائزة بالانتخابات بتريشيح محافظين من أصول ايرانية او ايراقيين جدد لكسب ود دجال القمم، والواضح ان الادارة الامريكية الجديدة ليست افضل من سابقتها فيما يخص سياستها مع العراق فبتعيينها لجوزيف بايدن عراب مشروع تقسيم العراق سوف تعمل على اساس ان الحل الممكن بين حليين اكثر تعقيداً هو تقسيم العراق لان الانسحاب الكامل للقوات الامريكية سوف يقدم العراق على طبق من ذهب لجيرانه ليفترسوه لذا فأن تقسيم العراق هو الحل الوسط وهو يسمح بأقامة قواعد عسكرية امريكية دائمة في المنطقة واستثمار النفط كذلك بخسائر اقل .

 

فأذا كان هذا هو توجه حكومة العراق الساعي لتوحيد العراق واخراجه من عنق الزجاجة مستندة على اساس تمكين المركزية وقيام دولة القانون والمؤسسات وما اظهرته النتائج الاولية لانتخابات مجالس المحافظات من فوز قوائم الكتل اللبيرالية وفشل الراديكالية والطائفية فلماذا الاصرار أذا على انجاح المخططات الخارجية وتعويم ثقافات مستوردة من خلال اضفاء الشرعية على وجود الاحتلال عن طريق استخدام ادواته في رسم سياسة الدولة والمؤسسات والسماح لبعض الاصوات النشاز العزف على قيثارة الحكومة بأختراع اطلقه حديثاً اعضاء بعض الكتل والقوائم التي لم تحقق نتائج مرضية بالاقتراع واستحداث ما يسمى بديمقراطية التوافق حيث تتم بموجبها اشراك القوائم التي لم تحصل على نتائج جيدة بالعمل السياسي ووفق مبدأ معكم معكم شئتم أم ابيتم (فيها لو أخفيها ) وفي حال رفض هذا المبدأ سيدفع بالغرماء السياسيين الى الاسراع في اعلان الانفصالية وتكوين الدويلات الفدرالية التي ستجعل من كل محافظة دولة مستقلة بحد ذاتها (فقيرة او غنية ) (سنية أو شيعية) ( عربية أو كردية ) كذلك زرع المفخخات والعبوات داخل وخارج مناطق الطوق الامني في بغداد والمحافظات وبعبارة اخرى سيكون العراق عبارة عن منظومة مفتتة غير مسموح لها من ان تقرر مصيرها بنفسها تاركة للحكومة المحلية ما تبقى من امور متناسية ان مشروع التقسيم هذا سيفتح ابواب جهنم على العراق والعراقيين حيث سيؤدي التقسيم الى عنف طائفي مذهبي يستثمر من قبل تنظيم القاعدة وكذا المخابرات الايرانية  الجاهزيين لذلك  الامر الذي يوضح لنا ان جميع الاحداث التي مربها العراق كانت تصب في مصلحة توقيع الاتفاقية الامنية ، وانها الحل الاكثر نجاحاً في سلسلة الحلول المكتوبة والغير مكتوبة .

 

الايام القليلة القادمة سوف تحمل الادلة القاطعة على هذا التوجه.

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاحد / ١٦ ربيع الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١٢ / نـيســان / ٢٠٠٩ م