قل ولا تخف

 
 
 

شبكة المنصور

علي السوداني
ولقد وقعت في غير يوم وليلة على ضرب من ألأدباء ، الشعراء منهم والرواة والقصصة والنقدة ، واحدهم ومثله واحدتهم ، ان قال كذب وأن ذكر نفسه اطنب في مديحها وان شرب كأساَ مال وصال وان اكل في ماعونك لم يترك لك وذرة لحم ومصّة عظم ، وان نزع نعاله عند عتبتك ، بانت جيفته ، وان عطس اصابك بمقتل وان اخرج من عينك شعرة فقد اطفأها ، وان فرشت له مقاماَ فوق سطح دارك بال فجاء بوله فوق رأسك ، وما زلت على هذي الحال وقلة المال ولجة السؤال حتى حط على سور مائدتي السكرانة في حانة الشرق بوسط عمون ، رجل داهية من أهل الأدب والعلم والفقه والفتوى والخلق العظيم ، له في التفسير ما له في التأويل وما عليه في ألأجتهاد . باسني فشعت لحيتي بعطر جنة ورفع كأسه ففعلت مثله فقام بضرب كأسه بشفة كأسي فقلت له : رعاك الرحمن الكريم وأنجاك من عتاة البخلاء انما نحن قوم نضرب الأكؤس من أوساطها ، قال : أدري وحقك لكني ابتغيت الشفة في هذا الموضع من الكرع لأنها باب من بيبان العوافي .

 

قلت هذا ما سأكون عليه في مقبلات الليالي . تنهد وتحسّر وتوجّع وقال اني والله لأرى صفرة تصبغ وجهك وناراَ تأكل حشوك وكدرة تعجن روحك وما كنت على هذه الحال من قبل . قلت : هي حزن ما أرى ووجع ما أسمع ومهانة ما أقرأ ومثلها شحة يمين وضيق نزل ووحشة وطن ومثلها بخل بخيل وكذب كذاب ورمية نذل وبرودة سيّاف ، ومثلها ما سيجعلك تزوع بطنك وتهجر كأسك وتتلف كبدك . قال : هي كما ترى وتسمع لكنها ليست كل ما ترى وكل ما تسمع . قلت وقد أعيتني الحجة : ان هذا ما أمسي عليه واصبح ، قال عليك بالصفوة ، قلت لقد ذهبوا أجمعين ، قال أرح ركابك أذن في مضارب العوام ، اقرأ لهم من جميل الكلم وبديع الضحك وقص عليهم ما شاء المخيال من سهل الحديث وسلس اللسان ، قلت لم يبق في الحيل ما يشتلني على دكة التهريج وتصنيع التدبيج وأستدعاء التخريج قال : الخلوة دواء . قلت : القبر أرحم . قال بل هذه من عظيمات فصل الحكمة والتصوف .

 

قلت بمستطاعي القعود بين سبعين فلا أرى واحداَ منهم ولا أسمع واحدة . قال تلك علامة من علامات الصفوة فأجعلها دينك ونهجك . قلت : ما أنا بقادر على ذاك وان كنت من الصادقين . قال : هذه عليك وليست لك كما هي ألأيام . قلت : فأما أيامي فواحد لي وعشرة عليّ . قال فما وحشتك ؟ قلت طريقي . قال : لكنه الحق . قلت : تآكل سالكوه . قال تلك نعمة اخرى وصبر جميل واني لأراك وقد قسّمت جسمك في جسوم كثيرة . قلت : انت أتيتني رحمة وحبّاَ يقصّر العمر . قال بل اني أراني فيك . قلت فما أحسن الشعر والكلم عافاك ربي ؟ قال اشرفه . قلت وما اشرفه ؟ قال أوجعه . قلت وما قياسك على هذا ؟ قال قيامي وقعودي ولوبي وأنيني وحنيني أوان السماع . قلت : لكن للنقدة فيه قول ومصطلح ؟ قال : المصطلح تزيين لما ذهبنا اليه .

 

قلت لكنه بحر علم ودراية وفحص ؟ قال هو كذلك لكن ليلتنا لا تحتمل ثقيل الكلام ، وروحك صاعدة نازلة لائبة ، فأنصت الى هذا الرست المنوّط على شعر أبن معصوم المدني . قلت : والله يا صاحبي ما بي حيل على هذا النوح ، قال سيغسل روحك . قلت فأطلب أذن من الساقي ان يدير العجلة . قال اطلبها انت لأن الحان حانك وصاحبه صاحبك والمريدون أحبابك . قلت : لقد صاروا الى السح والدح والردح يمرحون . قال : فلنعش ليلة مثلهم . قلت : لم يعيشوا ليلة مثلنا . قال : ألا تعرف التكتكة . قلت : هذه طامة من خلق الساسة الذين يسوسون الناس . قال : وما قولك فيهم الآن ؟ قلت : هؤلاء في منزلة الكذابين النهابين السلابين الجالسين مجلس نفاق المانعين الماعون الرادين اليتيم الساهرين في ماخور القوادة . قال فلنقم الآن . قلت : ما زلنا في أول الليل . قال : ان للحيطان آذانا . قلت خذني معك .

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الخميس / ٢٥ جمادي الاولى١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢١ / أيــــــار / ٢٠٠٩ م