جذور مخططات تقسيم العراق في ملفات الاستعمار البريطاني - الامريكي

﴿ الحلقة الثانية

 
 

شبكة المنصور

ا.د. عبد الكاظم العبودي
ان كتابات المؤرخين البريطانيين، ومنها كتابات المس بيل نفسها، تعترف بوضوح: (ان القبائل العربية النازلة على طول شط العرب قد ساعدت القوات التركية بشئ من المساعدة إذا لم تكن قد عملت شيئا آخر أيضا). وفي مواقع اخرى من كتاباتها: تشير بنوع من التفصيل الى مقاومة العشائر العربية لتقدم الجيوش البريطانية وفي ما سمته (الحرب المقدسة ضد الكفار). وتقول هناك بما نصه: (تم تحشيد العرب وقيادتهم في الحرب المقدسة ضد الكفار. وقد بذلت جهود حثيثة في جميع انحاء الامبراطورية العثمانية لإثارة العصبية الاسلامية بإعلان الجهاد، فأصابت تلك الجهود بعض النجاح في العراق. ثم عبئت قوات الاسلام الدينية، وألح رؤساء الدين البارزون من الشيعة في النجف وكربلاء على شيخ المحمرة بأن يساهم في مقاتلتنا).


لكنه في العكس من ذلك ؛ فان الشيخ خزعل أعلن إنه يتصرف : (... ان التزاماته، بصفته رجلا من رعايا الدولة الايرانية، تجعله يقف على الحياد). ذلك ما أمن للبريطانيين حماية مصفى النفط، العائد لشركة النفط البريطانية- الايرانية في عبادان، واستمرار عمله، خلال كل فترة الحرب؛ وبذلك أصبحت عبادان واحدة من أهم النقاط الاستراتيجية الواجب حمايتها لإدامة الحرب وتوفير الزيت المجهز والنفط للامبراطورية البريطانية وجيوشها الغازية في العراق ومكنها من التقدم شمالا لاحتلال العاصمة العراقية بغداد.


 هكذا كان الحال في الضفة الشرقية من شط العرب، عند الجانب الايراني، اما على الجهة الغربية، وحسب وصف "المس بيل" نفسها فكان العكس : (...غير أن رجال القبائل في الفرات ودجلة، التي إستثارها الامل بكسب الغنائم الوفيرة، أكثر مما استثارها ثواب الآخرة، تواردوا بطريق النهرين ليصدوا تقدمنا على شط العرب، فكانوا جمعا متوحشا، تفرق شمله في اول إشتباك وقع لهم معنا...)، وهي هنا رغم استهانتها وتشويهها لدوافع مقاومة العشائر العربية لقوات الاحتلال، نجدها تعترف بنفسها وتصف في مكان آخر من كتاباتها ضراوة المعركة بين فلاحين وجيش بريطاني كان الأحدث في العالم، جاء مدججا بترسانة من السلاح، وعن لسان من ساهم بتلك المعركة من ضباط الانجليز نقرأ شيئا عن ذلك السلاح وجبروته : (...أما مدافع الانجليز، فقد ملئت الجو بقصفها، وحفرت الارض، واقتلعت النخيل).


ومع تقدم الجيوش البريطانية على هذه الصورة في قصف وحرث وحرق كل من يقاومها، يمكن تصور بشاعة ما سمي بعد كل غزو بريطاني للعراق "تحريرا".


كانت محاولات كسب الشيوخ، وفرض الولاء لهم لقوى المحتل وسلطاته، مقابل المصادقة لهم على منح الاموال والاراضي الاميرية التي تركتها الادارة العثمانية، هي سياستهم الجديدة لتوطيد الاحتلال البريطاني للعراق.


في 9/12/1914 تم الاستيلاء على القرنة، وأمامها إشتدت روح المقاومة والدعوة للجهاد. وجه العلماء أقصى جهد للتعبئة الشعبية في الولايات المجاورة  للبصرة، بدءا من لوائي المنتفك والعمارة. سرت عدوى الدعوة عن طريق العشائر الى السكان بجوار مناطق أهوار الحويزة وما جاورها، حتى وصلت الى مناطق شيخ المحمرة نفسه في أراضي الاحواز العربية المحكومة من قبل الشيخ خزعل.


وهكذا اشتعلت الثورة العراقية، والبريطانيون لم يضعوا بعد كامل اقدامهم او تثبيتها على ارض العراق. ثم تصاعدت بعد أن وصلت استغاثة من وجوه أهل البصرة الى سائر المدن العراقية الاخرى، وخاصة الى مدن العتبات المقدسة وإلى بغداد. يقول نداء الاستغاثة ما نصه : (... ثغر البصرة، الكفار محيطون به. الجميع تحت السلاح، نخشى على باقي مدن الإسلام، ساعدونا بأمر العشائر بالدفاع.).


ولمثل هذا النداء وغيره، استجاب العلماء والاعيان في بغداد والكاظمية والنجف وكربلاء وسامراء ومدن أخرى. وأعلن الافتاء بالجهاد من قبل بعض المراجع، وكتب بمضمونه الى العشائر في سائر أرجاء العراق.


كان أبرز المهتمين بحركة الجهاد في مدينة الكاظمية، من لبى النداء ودعى الى الانخراط في الجهاد العلامة السيد مهدي السيد حيدر، الذي خرج فعلا الى الجهاد يوم 12 محرم 1333هـ، وفي صحبته الشيخ عبد الحميد الكليدار، والشيخ مهدي الخالصي، وحشد كبير من المجاهدين، بينهم عدد كبير من اقارب العلامة الحيدري نفسه، ومنهم أبناؤه الثلاثة، وأبناء أخيه الاربعة، وإثنان من ابناء عمه، استشهد أحدهما في الجهاد.


 توارد على الكاظمية العديد من علمائها، بقصد السير تحت راية وقيادة الحيدري، منهم شيخ الشريعة الاصفهاني، والسيد علي الداماد، والسيد مصطفى الكاشاني، والشيخ جعفر الشيخ عبد الحسن النجفي، والشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، والشيخ عبد الكريم الجزائري، والشيخ حسن علي القطيفي، والشيخ عبد الرضا آل الشيخ راضي... وغيرهم كثيرون.


 ومن سامراء، أرسل العلامة محمد تقي الشيرازي إبنه الشيخ محمد رضا لينضوي تحت راية السيد الحيدري. تشكلت في الكاظمية جمعية باسم "الجمعية الرشادية". بدأت بجمع التبرعات لاجل دعم ونصرة المجاهدين. واستجابت جميع أرجاء بغداد بكل محلاتها الشعبية وجوامعها ومساجدها، من دون مسميات طائفية ومذهبية فاستمعت الجماهير الى فتاوي العلماء، فانضم عدد كبير من أهاليها الى المجاهدين، وكان أبرز المتطوعين لنصرة الجهاد الحاج داود أبو التمن، جد الشخصية الوطنية المعروفة جعفر ابو التمن.


جهز الحاج داود ابو التمن، حملة خاصة ترأسها وقادها بنفسه. كان قوامها حوالي 400 مجاهد، ومولها من ماله الخاص، وسار بها نحو القرنة، فاشترك في موقعة مزيرعة، وفيها تم أسره من قبل الانجليز، ومن ثم نقله الى البصرة. وظل أسيرا في سجون الاحتلال الى ان وافاه الاجل رحمه الله شهيدا محتسبا الجهاد في سبيل العراق.


اما على مستوى النجف فقد خرج منها حشد يتقدمه العلامة السيد محمد سعيد الحبوبي، والشيخ عبد الرزاق الحلو. وكان ممن خرج معهما من الشباب آنذاك والتحق بهم الشخصية الوطنية المعروفة لاحقا، الشيخ محمد رضا الشبيبي، والشيخ باقر الشبيبي وغيرهما.


التحق المجاهدون على الجبهات حيث وجود القوات البريطانية، ضمن خطة القائد العثماني سليمان عسكري، التي كانت تستهدف تحرير واسترجاع البصرة؛ انطلاقا من قاعدة الناصرية، وإشغال المحتل في القرنة. كما تعاهد المجاهدون على اشغال جيش العدو الانجليزي وقواته في جبهات اخرى، كالحويزة، وسائر مناطق"عربستان" الاحواز.


اقلت المراكب النهرية العلامة الحيدري وقواته الى العمارة. ومن هناك إشترك المجاهدون بقيادته في جبهة القرنة، وانتصروا في معركة الروطة يوم الاربعاء 5 ربيع الاول.1333 هـ. كان على جبهة الحويزة الشيخ مهدي الخالصي، وبصحبته ابنه الكبير الشيخ محمد الخالصي، والشيخ جعفر الشيخ راضي... وآخرين. وقد وُفق هؤلاء في اشغال قوات الانجليز وإقلاقهم من خلال قطع خط النفط، وهددوا مؤسساته في عبادان. وكان هؤلاء، يتبعون لقيادة محمد فاضل باشا الداغستاني، الذي عهدت اليه قيادة العشائر والمجاهدين المدنيين.


وعلى جبهة الشعيبة، الجبهة الرئيسية للمعركة، فقد انضمت اليها قوة العلامة محمد سعيد الحبوبي، والعشائر، وعلى رأسها الشيخ عجمي السعدون، وابن عمه فالح السعدون. قُدر عدد المجاهدين الذين التحقوا بسليمان عسكري بك حوالي 13000 مقاتل، كان من ضمنهم حوالي 1500 مجاهد من الاكراد الذين كانت تدفع لهم مرتباتهم من الحكومة التركية.
كانت اسلحة القوات التركية بسيطة، ولا يمكن مقارنتها مع قوة واعتدة جيش الاحتلال البريطاني الأحدث والأكثر فتكا. وكانت تكاليف حملات المجاهدين، التي خرجت من النجف والكاظمية من تمويل الامامين الحبوبي والحيدري يصرفان عليها من مواردهما الخاصة، وقد رفضا ان يستلما أي شئ من القيادة العامة للاتراك تعويضا عن ذلك المال المبذول.
عاد من الجهاد بعد إنكسار الجيش العثماني الامام الحيدري الى الكاظمية يوم28 ذي الحجة 1333هـ. اما الامام الحبوبي، فقد توفي في الناصرية متأثرا بالانتكاسة التي اصيب بها جيش المسلمين في الشعيبة بعد معركة الشعيبة في 12 نيسان، وانتهاء المعارك وانحسارها على جبهة الاحواز، التي قطعت خط النفط على يد القبائل.


تواصلت المعارك التي انتهت نحو احتلال العمارة في يوم 23حزيران ووصول اللواء "غورينج". ويلتحق به في التأييد، شيخا قبيلة البومحمد المدعو محمد العريبي، ومجيد الخليفة، اللذان عادا الى بيوتهما قبل سقوط القرنة وإغتنما الفرصة لمراسلة رئيس الحكام السياسيين البريطانيين. ألم يعيد التاريخ نفسه عندما يتحول أبنائهما وأحفادهما بنفس الموقف الخياني فيصبح احدهما وزيرا للعشائر والآخر رئيسا للمحكمة الجنائية الخاصة خدما لقوات الاحتلال الامريكي بعد غزوة القوات البريطانية والامريكية 2003 للعراق.


باحتلال الشعيبة والقرنة والعمارة تباعا، وباحتلال العمارة والناصرية انتهت واحدة من اهم مراحل الغزو والاحتلال البريطاني للعراق من خلال سعي قوات الاحتلال الى إستكمال احتلال جميع اطراف ولاية البصرة، ووقوعها في قبضة البريطانيين والشروع بتنظيم الادارة فيها.


ركز البريطانيون جهودهم في بادئ ألأمر على خط نهر دجلة لاحتلال كوت العمارة، فوصلت القوات البريطانية إلى ناحية علي الغربي في تموز 1915. وتعلمت كيف تشتري ولاء الشيوخ، وتغيير ولاءآتهم السابقة نحو الدولة العثمانية بالمال والوعود ومنح الاراضي الاميرية، إضافة الى التهديد بالقوة والسلاح، وهكذا إستولوا على كوت العمارة في ايلول1915. وبذلك المسار، ظن البريطانيون ان الطريق نحو بغداد العاصمة أضحت سالكة ؛ لكنهم فوجئوا بخسائر جسيمة، غير متوقعة في منطقة سلمان باك في تشرين الثاني، أمام قوة فاقتهم عددا، رغم اختلاف موازين ونوعية التسلح، حيث غيرت من موازين القوى والنفوذ عندما عادت القبائل لتقف لتواجه هذا المنتصر البريطاني المتقدم نحو بغداد، أين اشتدت جذوة المقاومة من جديد وإستمرت العشائر في مهاجمة فلول قطعات البريطانيين، تقتلهم، وتجردهم من معداتهم، وحتى ملابس قواتهم من القتلى الذين تُركوا في ساحات المعارك.


وهكذا سقطت القوة البريطانية المتقدمة في محنة وحصار في مدينة الكوت في السابع من كانون الاول/ديسمبر1915.
فشلت جميع النجدات والمحاولات العسكرية والإمدادات عن فك الحصار الذي استمر 143 يوما؛ لتجد القوات البريطانية الاشهر الاولى من عام 1916 نفسها وهي تتجرع كأس الهزيمة والجوع والإذلال، مما اجبر الجنرال البريطاني "طاوزند" على الاستسلام، طالبا من القائد التركي شرطا واحدا، هو ضمان عدم التنكيل بالقبائل والسكان الذين تعاونوا مع البريطانيين خلال فترة الحصار.


لكن القائد التركي، وحال ما دخل المدينة، أعدم العديد من الشيوخ، ومنهم الحاج عباس العلي وولديه علي ومحسن، ومحمد نجيب أبو شويليه رئيس البلدية، وناموس شيخ جصان، وعبد من عبيد الحاج عباس العلي، وعباس ظاهر الجميعي.... والعشرات غيرهم. وتم التنكيل وأسر العديد ممن تعاونوا مع البريطانيين. لقد دُمرت الكوت في كثير من معالمها ومساجدها، وعانت أسواقها من الكساد والخراب، وهُدمت بناية السراي بكاملها. وترك الجنرال"طاوزند" في مقبرة خاصة للبريطانيين من القتلى في فترة الحصار أكثر من 300 قبرا شاهدة على هزيمته المُنكرة.


ولم يكن بوسع الجنرال "مود"، ان يستعيد قوته العسكرية، ويتوجه الى بغداد الا في نهاية عام 1916، بعد ان وصلته الامدادات العسكرية واللوجستية، حيث تمكن من دفع الاتراك ومن يناصرهم من السكان الى التراجع في 24/2/1917 ليتمكن من التقدم واحتلال بغداد في 21 من آذار/مارس 1917.


ان بغداد التي عاشت أخبار تقدم البريطانيين نحو أبوابها من الجنوب، عاشت ما يقارب السنتين من القلق والانتظار الصعب لحسم مصير المعركة. وعندما دخلت قوات الاحتلال البريطانية بغداد أُعيد تنفيذ نفس السيناريو في البصرة. ومثل كل الحالات السابقة فان عمليات النهب والتخريب والسطو طالت العديد من الاسواق ومؤسسات الدولة "التركية".


كما طال التخريب الكثير من المعالم المعمارية والثقافية والاثار البغدادية، ومنها تم نسف واحدة من أهم بوابات التأريخية لبغداد تدعى "باب الطلسم"؛ حيث سبق أن أُتخذ ذلك الموقع، مخزنا للمواد المتفجرة، واضطر الاتراك الى تفجيرها قبل انسحابهم فشمل المكان خرابا مهولا، وانتشرت أحجار البناء في كل جانب، فجمعه السكان، وبنوا فيه بيوتهم وأبنيتهم الخاصة على حساب فقدان ذلك المعلم الحضاري العتيد.


وكعادة الغزاة هنا أيضا، اصدر الجنرال مود بيانه الشهير، مُذكرا السكان، بانه (لم يأت فاتحا ؛ بل محررا)، وذكر بالعلاقات الطويلة التي مدها البريطانيون بالتجارة مع أهل العراق، والسنوات الطويلة التي انتظرها البريطانيون لكي يصلوا أخيرا الى بغداد. وكعادة كل الغزاة في محاولاتهم تطمين السكان بوعد الجنرال الغازي "مود" أهل البلاد بالاماني والاعمار ورفع الظلم، وعدد لهم، مذكرا مظالم من سبقه في حكم البلاد من الاتراك، وتحدث بإطراء عن حليف بريطانيا الشريف حسين، "الثائر في الحجاز عليهم"، وتحدث أيضا عن حرية أُمراء نجد، والكويت، وعسير، ووصفهم بـ "المتحررين من نير الحكم التركي".


 كما وعد الجنرال الغازي لبغداد، العراقيين، من أهل البلاد، بنوايا بريطانيا العظمى الطيبة، في استتباب الامن، وإقامة الادارة الذاتية لتحكم البلاد من قبل أبنائها، وبالطبع يقصد حكمها من قبل عملائه، بالتعاون والتنسيق مع ممثلي بريطانيا السياسيين المرافقين لجيوش الاحتلال البريطاني. انها نفس الدورة التأريخية التي دار بها غارينغ وبريمر وخليل زاده ونيغروبونتي وكروكر... الخ من الامريكيين المنصبين اليوم كمندوبين ساميين لحكم العراق من خلف وامام الطغم التي قبلت حكم البلاد تحت التسيير الاستعماري وهم لها كواجهة مخزية.


 وبعد احتلال بغداد تقدمت الجيوش البريطانية الى الشمال بقيادة "مارشال" بعد ان توفي الجنرال "مود" في بغداد وظلت القوات تتقدم من دون مقاومة تركية الى ان اعلنت الهدنة بين الحلفاء والمحور في 1918 في الوقت الذي كانت فيه القوات البريطانية على مشارف الموصل، ورغم الهدنة واصل مارشال تقدمه الى الشمال محتلا الولاية بكاملها. وباحتلال الموصل تكون القوات البريطانية قد هيمنت على العراق بكامله وبدأت تفكر جديا بمستقبل العراق وحكمه ما بين فكرة ضم العراق الى الهند، خاصة المناطق الجنوبية منه، وبين تكوين حكم محلي داخلي برئاسة المندوب السامي البريطاني يتعاون مع مجلس يتمتع باستشارة بريطانية ومن ضمن المقترحات المطروحة ايضا تكوين حكومة محلية عربية استجابة الى ماجاء في التصريح الفرنسي البريطاني المشترك لعام 1918 او استجابة لبعض الوعود البريطانية للعراقيين. استجابت بريطانيا الى مقترح وضعته لجنة بونهام كارتر بتنظيم الحكومة العراقية المؤقتة سنة 1921. واعلان الانتداب البريطاني على العراق من خلال عشرين مادة في مقدمتها انها تعترف بالعراق (دولة مستقلة يشترط عليها قبول المشورة الادارية او المساعدة من قبل منتدب الى ان تصبح قادرة على القيام بنفسها). وبهذه البنود وغيرها ضُمنت سيطرة بريطانية فعلية، اداريا عسكريا وسياسيا وماليا، ولبريطانيا الحق في الاحتفاظ بقوة عسكرية في البلاد "بقصد الدفاع عنها". كما يمكن استخدام جميع المنافذ والطرق والسكك وتحريك القوات العسكرية حسبما تقتضيه مصلحة الدولة المنتدبة.

 

كما حصرت العلاقات الخارجية ضمن صلاحيات بريطانيا. ان اعلان الانتداب البريطاني على العراق يعتبر بداية السيطرة الرسمية البريطانية المعترف بها من قبل مجلس عصبة الامم كما ان لائحة الانتداب جاءت مطابقة للمقترحات السابقة الخاصة بمقترح" بونهام كارتر".


عملت بريطانيا على اعادة "برسي كوكس" ثانية الى العراق بعد انتدابه الى طهران اثر انتهاء الحرب العالمية الاولى؛ لما له من علاقات ورصيد ومعارف مع رؤساء العشائر والمتنفذين من اهل المدن. وباشتداد ثورة العشرين عمل "برسي كوكس" على سياسة فرق تسد بتفتيت الوحدة الداخلية. وكان اول عمل قام به هو التركيز على تكوين حكومة عربية مؤقتة تحت اشرافه، واستطاع اقناع رجال الدين ونقيب اشراف بغداد عبد الرحمن الكيلاني بتولي رئاسة الحكومة التي تألفت بشكل طائفي واقليمي. وبعد تنصيب الملك فيصل واعلانه صراحة رفضه للانتداب؛ "لكون القبول به عار على كل امة تريد الحياة"، سارعت بريطانيا الى طرح مشروع اول معاهدة في 1922 كانت صورة مكبرة لمواد الانتداب. ولم تكن معاهدة للتحالف بين دولتين مستقلتين، وكان فيها من التعهدات على الجانب العراقي ما ينسف الاستقلال كلية. وبموازاتها كان الشعور الوطني المعادي لبريطانيا يتنامى مع مرور الايام وبدأت تظهر التشكيلات والاحزاب السياسية المعارضة لبريطانيا والانتداب.


توخى الانجليز من خلق الزمر الجديدة من الاقطاعيين التي اظهروها الى الوجود وامدوها بالدعم، لكي تخدمهم بأمانة واخلاص، وقد نجحوا في مساعيهم الى حد بعيد في تلك المرحلة، فقاموا بتوزيع الاراضي الحكومية والمشاعة على الموالين لهم والمرتبطين بهم من شيوخ القبائل والتجار والمرابين وكبار الموظفين في الدولة. وكان احتلالهم للعراق بعد الدولة العثمانية قد ساعدهم على اتباع هذه السياسة لأن الدولة العثمانية كانت تطبق الشريعة الاسلامية، التي لا تعترف بوجود ملكية خاصة للأراضي بشكل رسمي في العراق. والدولة كانت المالك الشرعي للارض.

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاربعاء  / ٢٢ رجــــب ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١٥ / تمــوز / ٢٠٠٩ م