تداعيات أزمة الانتخابات الإيرانية وتأثيرها على مستقبل إيران ومستقبل نظرية ولاية الفقيه المطلقة ومستقبل المنطقة

 
 
 

شبكة المنصور

أبو محمد العبيدي

قد يتصور البعض بان الأزمة الانتخابية في إيران كانت وليدة صراع بين الإصلاحيين والمحافظين للسيطرة على السلطة التنفيذية في إيران من خلال الصراع على منصب رئيس الجمهورية ,وهذا هو الظاهر من الأمور ,والحقيقة اكبر وأعمق وأقدم من ذلك بكثير ,إن المشكلة الحقيقية قد ولدت مع ولادة نظرية ولاية الفقيه المطلقة والتي طورها الإمام الخميني اعتمادا على نظرية ولاية الفقهاء والتي أخذت شكلها العملي من خلال الدستور الإيراني الذي اقر عام 1907 والمقدم من قبل الفقهاء والذي لم يرى نور التطبيق لانقلاب الشاه عليه في وقتها ,والذي تم الاتفاق عليه مرة ثانية كدستور لإيران بعد الإطاحة بالشاه عام 1979 .


هذا الدستور قد كان بمثابة قنبلة موقوتة في طريق نظرية ولاية الفقيه المطلقة التي طورها خميني وتبناها خامنئي من بعده والتي تركز على إن الإمام يستمد صلاحيته من الرسول الأعظم والأئمة ’أي انه يمثل إرادة الله وهذا المنطق قد انسحب إلى إن السلطات تستمد شرعيتها من الله وليس من الشعب وبما إن الإمام يمثل الله, إذن فان الإمام هو الذي يمثل الشرعية التي تستند إليها السلطة وليس الشعب وكان هذا جوهر الخلاف والذي كان الجميع يحاول تجاوزه بالهروب منه ولكن ما حصل في الانتخابات الأخيرة هو الذي فرض المواجهة التي كانت مؤجلة ,والتي وصلت إلى حد التصريح العلني لرافسنجاني والذي يعتبر من قادة المحافظين على إن الشعب هو مصدر السلطات ,وهذا يعني رفضه للنظرية الخمينية أي نظرية ولاية الفقيه المطلقة في أهم أركانها ,ومن المؤكد إن ذلك هو الاتجاه العام لأغلب التيارات السياسية داخل النظام وخارجه ,ومما زاد في تعقيد الأمور هو تلكأ الرئيس نجاد في تنفيذ أمر المرشد الأعلى المتضمن إقالة نائب الرئيس ,أي رفضه أو عدم قناعته بالأمر الصادر عن المرشد الأعلى ؟ ولكنه نفذ الأمر مجبرا مما أعطى انطباعا بان التناقض الذي كان موجودا منذ البداية ما بين الدستور ونظرية ولاية الفقيه المطلقة والتي حاول الجميع تأجيل مواجهتها قد فرضت نفسها الآن بحيث لا يمكن تأجيلها بل يجب مواجهتها ,ولكن ما هو هذا التناقض ما بين الدستور والنظرية وكيف حدث ومتى بدأ ؟


إن الثورة الإيرانية على الشاه قد قامت واشتركت بها كافة الأحزاب والتيارات السياسية في حينها وبالرغم من الدور الكبير لرجال الدين وعلى رأسهم الخميني إلا إن ذلك لا يلغي دور بقية القوى السياسية , وعليه فقد اقر الدستور الحالي الذي هو نسخة من دستور 1907 ,أي إن الإمام الخميني لم يستطع أن يضع الدستور الذي يطبق نظرية ولاية الفقيه المطلقة كما يريدها وذلك لوجود شركاء في الثورة لا يمكنه إلغائهم ولذلك اجل إطلاق أهم مبدأ في نظريته إلى أن يتم تصفية هذه التيارات والأحزاب ,ورغم إن بهشتي رئيس لجنة كتابة الدستور قد أضاف صلاحيات المرشد الأعلى إلى الدستور الذي خطه الخميني بيديه, وكأن الخميني ليس له علاقة بالموضوع ورغم ذلك إلا إن ما جاء في الدستور لا يمثل كل طموح الخميني ,وبعد ذلك كان له ما أراد حيث أنهى بني صدر وبزركان وغيرهم من خصومه السياسيين ولكنه مات قبل أن يضع الدستور الذي يمثل كل تصورات نظرية ولاية الفقيه المطلقة ,حيث إن عام 1988 قد اظهر حقيقة أفكاره التي وضحها في رسالته التي رد بها على رئيس الجمهورية والمعترضين على موافقته بل وإجازته  لقانون العمل الذي قدمه وزير العمل مباشرة إليه رغم عدم موافقة البرلمان ولأكثر من سبعة مرات والتي برر فيها ذلك بأنه يتمتع بصلاحيات الرسول والأئمة والتي منحهم إياه الله سبحانه وتعالى وبالتالي فانه يمثل الله على الأرض, أي انه فعل ما لم يستطع فعله من خلال تضمين ذلك في الدستور عند سنه مما خلق فجوة ما بين الدستور والنظرية بشان صلاحيات الإمام ,

 

والتي لم تظهر أثناء وجود الخميني لتغطيته عليها بشخصيته ومكانته وسيطرته ,والتي ظهرت بعد مماته حيث إن الإمام أو المرشد الأعلى خامنئي قد أحرج عدة مرات من قبل خصومه لأنه نظريا يمثل الولي الفقيه أو وكيل الإمام والذي يحكم بأمر الله عز وجل ,ولكن دستوريا أي عمليا فانه مقيد وان بإمكان لجنة الخبراء أن تقيله من منصبه وهذه الفجوة تضاف إلى فجوة عدم الاعتراف بالشعب كمصدر للسلطات مما يفرض, أما حلها من خلال إعادة النظر بالدستور بما يتمشى مع النظرية أو تعديل النظرية لصالح الدستور ,وفي كلتا الحالتين وبغض النظر عن إمكانية القيام بهما, فان الخاسر هو النظرية الخمينية في كل الأحوال,لأنها غير واقعية وتعتمد على الغيبيات من جانب إضافة إلى تناقضها مع الفكر الأمامي رغم محاولة عدم التطرق لهذا الموضوع حيث إنها قد تجاوزت أهم مبدأين في الفكر الأمامي وهما عصمة الأئمة والنسب الحسيني للأئمة,وذلك لكي تستطيع تقديم الولي الفقيه بالصورة التي يمكن تقبلها رغم كونه غير عربي ,حيث إن النسب الحسيني يعني بالضرورة أن يكون الإمام عربيا,ومن المؤكد إن الادعاء بعصمته غير مستساغ في هذا الزمن حتى من قبل اخلص الأتباع وعليه كان يجب تجاوز هذين المبدأين الأساسيين للنظرية الأساسية والأولى في الفكر الشيعي ,

 

إضافة إلى إن الولي الفقيه الحالي قد زالت هيبته كوكيل للإمام نتيجة انتخابه من قبل الفقهاء من جانب أي انه معين من قبل مجموعة وبالإمكان محاسبته وإقالته وبالتالي فلا يمكن أن يكون مثل هذا الشخص ممثلا للرسول والأئمة ولا يمكن أن يستمد سلطاته من الله ,إن كل هذه التناقضات الفكرية قد هيأت الأرضية لجميع المعادين لهذه النظرية وبغض النظر عن الأسباب, أن يكسروا حاجز الصمت وما الأزمة الانتخابية إلا واحدة من أوجه كثيرة لهذا الرفض الذي تأخر كثيرا ,وهذه البداية فقط والأيام القادمة وبغض النظر عن نتائج هذه الأزمة ,ستكون حاسمة بالنسبة لنظرية ولاية الفقيه ومستقبلها,بعد أن أثقلت الاقتصاد الإيراني نتيجة تحمله أعباء تدخلاته في المنطقة الإسلامية وما تحتاجه من أموال ,إضافة إلى سباق التسلح وبناء المفاعل النووي ,والعزلة الدولية لإيران وخاصة بعد انكشاف دورها وأهدافه في المنطقة العربية وخصوصا في العراق .


إن الأعباء التي يتحملها الاقتصاد الإيراني إضافة إلى العزلة الدولية قد فرضت على الكثير من أبناء ومؤيدي النظام إعادة التفكير في الإستراتيجية الإيرانية التي هي تنفيذ للفكر الخميني أي لنظرية ولاية الفقيه
اضافة إلى تهميش الكثير من الفقهاء ورجال الدين والذين لم يؤيدوا هذه النظرية أساسا مع ازدياد العداء للدور الذي يلعبه نجاد وبدعم من المرشد الأعلى مما خلق الكثير من الأعداء لهؤلاء ولنظريتهم والتي لم تجلب لإيران سوى مزيدا من تبديد أموال الشعب دون تحقيق آي نتيجة سوى مزيدا من الأعداء وخاصة بين المسلمين والعرب خصوصا .


إذن فنحن على أبواب مرحلة جديدة سماتها العامة هي رفض نظرية ولاية الفقيه بالمفهوم الخميني ومحاولة إصلاح مسار الثورة الإيرانية بما يضمن إعادة رسم السياسة الخارجية بعيدة عن التدخلات في شؤون الغير والاهتمام بتنمية الاقتصاد الإيراني,مع تحديد دور الولي الفقيه بما يجعل الشعب هو مصدر كل السلطات وبما إن النظام قد بنا مؤسسات عسكرية مثل الحرس الثوري الإيراني ,تستمد ثقافتها ومفاهيمها من النظرية الخمينية وهي مهيأة لحماية النظام وتطبيق كل أوامر المرشد الأعلى بغض النظر عن مصالح إيران والشعب الإيراني ,فان كرة الثلج ستصطدم بهذه المؤسسات والتي لن تتردد في استخدام كل الوسائل لتدميرها واعتقد إن الأمور لن تكون سهلة وربما ستكون دموية في حالة عدم تنازل الإمام وإعادة صياغة إستراتيجية تضمن الخروج من قوقعة نظرية ولاية الفقيه الخمينية .

 
 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

السبت  / ١٠ شعبــان ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠١ / أب / ٢٠٠٩ م