الإسلام السياسي ... وعلاقته بالدين الإسلامي

 
 
 

شبكة المنصور

أبو محمد العبيدي
شهدت القرون الأخيرة توجهات فكرية مهمة لصالح تسييس الدين أو الغوص أكثر من قبل المفكرين الإسلاميين وبالأخص العلماء ألشيعه الاثنى عشرية ,في الأمور الدنيوية المتعلقة بالدولة وبالسلطة خلافا للنظرية الأمامية (نظرية الانتظار والتقية) والتي كانت الأساس النظري لفكر أهل البيت للمرحلة السابقة ,وبالرغم من وجود محاولات عديدة لعلماء أبناء السنة في نفس الاتجاه إلا إنها لم تأخذ نفس المنحى الذي حدث لدى المفكرين الشيعة الذي كان واضحا, بل ربما جذريا في بعض المفاهيم وبالذات المتعلقة بالأمور السياسية ,علما بان أهل السنة قد سبقوهم في ذلك وكلا بطريقته وضمن مفاهيمه ,وقد ازدادت هذه المفاهيم والأطروحات حدة في القرن الماضي بل وصاحبها تطبيقات عملية لهذه الأفكار من خلال استلام السلطة في بعض الأقطار الإسلامية أو التزام الكثير من الحركات والتنظيمات والأحزاب بهذه الأفكار مما جعلها تشكل حجما كبيرا في الساحة السياسية الإسلامية وخصوصا بعد فشل الحركات اليسارية وبالذات الشيوعية في الاحتفاظ بمواقعها بين الجماهير والذي احتفظت به لعقود طويلة دون منافس وأيضا كرد فعل على اتساع رقعة مؤيدي الاتجاهات القومية والفكر القومي ,وعمليا فان الأحزاب الإسلامية قد ولجت الساحة السياسية وخصوصا في المنطقة العربية متزامنة مع ظهور الأحزاب القومية وربما تكون كرد فعل لها ,ولكنها لم تستطع الأخذ بزمام المبادرة والظهور كقوة مؤثرة في الساحة السياسية إلا في منتصف السبعينيات من القرن الماضي رغم إنها تستند إلى أهم ما يحلم به حزب وهو نظرية جاهزة يؤمن بها اغلب أبناء الشعب ,ألا وهي النظرية الإسلامية وضمن مجتمعات اقل ما توصف به هو إنها متدينة ,أي إنها لا تحتاج إلى وسائل وأساليب وتنظير وأفعال وحجج لكي تقنع الجماهير بصحة توجهاتها,ورغم ذلك فلم تستطع منافسة الفكر القومي ,وبما إن هذا ليس موضوعنا فسنتطرق إليه أثناء تحليلنا وضمن السياقات العامة,والغريب في هذه الأحزاب أن بعضها كان ثوريا إلى الحد الذي اعتمد على الكفاح المسلح أي الجهاد كطريق ,في حين هناك من اخذ الطريق الديمقراطي الغربي كنهج له في عمله السياسي ,أي إنها منتشرة على المساحة السياسية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار والكل تطرح أفكارها على إنها تمثل الإسلام كدين أو كمنهج إسلامي وحيد يمثل حقيقة الدين الإسلامي وليس كحزب سياسي ,وبدلا من العمل على توحيد المسلمين زادت في انقسامهم وعمقت الخلافات فيما بينهم وهذه إحدى النتائج لهذا التوجه ,والعجيب إن جميع هؤلاء يتحدثون باسم الدين وليس باسم أحزابهم بل وصل البعض منهم إلى حد تكفير الآخرين ممن لا يؤيدون منهجهم أو أفكارهم و ادعوا تمثيل الله على الأرض عمليا بطريقة مشابهة للأباطرة والملوك الذين ادعوا تمثيلهم لله عز وجل ولكن بصيغ أخرى تستند إلى الموروث الديني كما في تجربة الخميني,ومما زاد في غربة هذه الحركات والأحزاب هو إصرارها على تمثيل كافة المسلمين في الوقت الذي يشير واقعها فكرا وسلوكا إضافة إلى تركيبة تنظيماتها إلى طائفية واضحة مما أدى إلى تعميق الخلافات الموجودة أصلا بين الفرق والطوائف الإسلامية ,والتي أدت إلى تقسيم المجتمعات الإسلامية ,في الوقت الذي تدعي هذه الأحزاب إن من أوائل أهدافها وحدة المسلمين ,فجزأتهم بدلا من أن توحدهم .


إن الإسلام هو نظرية شمولية متكاملة للحياة وما السياسة إلا جانب من جوانبها ,فمن يريد قلب المفهوم لصالحه, وذلك بجعل الإسلام نظرية سياسيه ,ترتبط بها أو تتفرع عنها أمور الحياة الأخرى فهو يحاول بقصد أو بدون قصد طمس المعلم الحقيقية للإسلام من خلال التركيز على جانب واحد بل اعتبار هذا الجانب أساسا أو أصلا والباقي تفرعات بينما النظرية الإسلامية جعلت كل جانب من جوانب الحياة هو أساسا أو أصلا ,فالإسلام مجموعة من الأسس أو الأصول ذات علاقة جدلية فيما بينها لا يمكن تقديم أو تأخير أساس على آخر .


أما الجانب الثاني فهو إن الإسلام عبارة عن عبادة ومعاملة ,فالعبادة هي علاقة ما بين العابد والمعبود ولا يحق للآخرين تقييمها أو التعرض لها فالمعبود هو الذي يقيمها ,أما المعاملة فهي أمور الحياة وكل ما يتعلق بها وقد وضع القران الكريم الخطوط العامة والمنهج العام ,وهذا يشمل السياسة والتي حدد لها القيم التي تستند إليها أما ما يخص شكلها وأساليبها والطرق التي تتبعها فقد حدد لها الرجوع إلى القيم والأخلاق العامة التي يجب على المسلم الالتزام بها في كافة تعاملاته وليس فقط في الأمور السياسية ,والأكثر من ذلك لو عدنا إلى السيرة النبوية لوجدنا إن رسول الرحمة(ص) لم يكن ملك أو إمبراطور ولم يتصرف على هذا الأساس حتى في تعامله مع بقية الدول حيث كان يتصرف كنبي مرسل ولا يوجد اختلاف في أن الرسول(ص) قد بعث إلى كسرى وإمبراطور الرومان وغيرهما من الملوك يدعوهما للإسلام ولم يطالبهم بالملك ,لأنه لا يبغي الملك وهو ليس بملك أي إن الإسلام ليس نظرية تنشد تكوين الدولة الإسلامية تحت قيادته أو قيادة غيره ,بل نظرية إنسانية إلى جميع الناس إلى كل القوميات والى كل الدول والى كل الشعوب ,وهذا ما يفسر إن الله عز وجل قد أعطى الملك للكثير من الأنبياء ,فلماذا لم يعطي محمد (ص)ذلك رغم انه أقربهم اليه وأفضلهم منزلة عنده ,وكذلك فلم يتعرض القران الكريم إلى ما يخص الأمور السياسية أو أمور الحكم بصورة صريحة ومباشرة رغم انه لم يترك شاردة ولا واردة إلا وتطرق إليها ,مما يعني ببساطة إن المجتمعات هي التي تختار أساليب حكمها كلا حسب طبيعته وظروفه ,ولو عدنا أكثر إلى التاريخ الإسلامي لوجدنا إن الخلفاء الراشدين قد نصبوا كخلفاء كلا بطريقة وأسلوب يختلف عن الآخر, وهذا اكبر دليل أريد به إفهام المسلمين بان هذا الموضوع يحددوه هم وحسب ما تمليه عليهم ظروفهم وحاجاتهم والمرحلة التي يمرون بها ,وهذا لا يعني انه ترك الأمور مفتوحة ,بل حددها بقيم وبحدود وبأساليب أخلاقية عامة لا تخص السياسة والحكم فقط, بل تخص الحياة ومن ضمنها السياسة وأمور الحكم والسلطة ,لماذا, لان المجتمعات في تطور مستمر وبالتالي فان أي شكل جامد للسلطة لن ينجح دائما ولا في كل مكان وزمان ,ولذلك أسس للقواعد الأخلاقية العامة والتي تستند إليها السياسة على مستوى السلطة والحكم وكل ما يخص العلاقات بما فيها العلاقات الدولية,وترك بقية الشكليات إلى المجتمعات لتحددها,وهذا ما أغفلته الأحزاب والحركات الإسلامية حيث ادعت إن الدين الإسلامي عبارة عن شكل سياسي للدولة يتضمن أخلاق وقيم تصلح للحياة ,مما فرض على نفسه شكل محدد للسلطة أو الحكم ,فقسما حدد الشورى كنهج وتمسك بالخلافة كنظام حكم ولم يقبل بغيرها وهو في ذلك حدد صيغة الشورى بالسياسة فقط بينما هي صيغة للحياة في شتى الإدارات والعلاقات العملية وليس فقط في السياسة وأما الخلافة فلا يتعدى التزامهم بها سوى التسمية ولم يتطرقوا إلى ما يحتاجه المجتمع وتأثير التطور ,ولذلك نراهم يهتمون بالشكليات دون الجوهر ,فالإسلام في نظر هؤلاء هو لباس قبل كل شيء, قسم يضنه ابيض والآخر يضنه اسود إضافة إلى لحية, الأول يحددها بالشكل الفلاني والآخر يطلقها ,والبعض يتصور الدين عبارة عن خاتم من الفضة يضعه في يده ,وغيرها من الأمور ,وعندما تسألهم عن منهجهم فالجواب واحد هو أن دستورنا هو القران الكريم ,فمن منا نحن المسلمين يستطيع الاعتراض؟ ولكن كيف ؟ فهؤلاء أنفسهم يجيزون الاتفاق مع المحتل الكافر فهل هذا مبرر في القران ,وهل إن تزوير الانتخابات مبرر في القران وهل إن قتل الأبرياء مبرر في القران وهل إن تقسيم المسلمين إلى طوائف وتقسيم الأعمال وكل أمور الحياة إلى حصص للطوائف ,هو ما جاء به القران وهل إن سرقة المال العام وبهذه الصورة التي لم يشهد لها التاريخ من مثيل جاء في القران ,فهل هذا هو المنهج الإسلامي الذي تدعوه, إن اغلب الأحزاب الحاكمة تدعي بان منهجها الإسلام وتسمي أحزابها بالإسلامية وكل منتسبيها من الإسلاميين وهم نفسهم الذين يستلمون كل وظائف الدولة وقياداتها ,وهم يعترفون بالفساد والسرقات فمن يسرق أليس هم الإسلاميون ومن يفسد في الأرض أليس هم الإسلاميون,حاشا الإسلام من أعمالهم ,إنهم لا يمثلون الإسلام إلا بالاسم فقط ,بل إنهم سرقوا حتى الاسم لتغطية أعمالهم القذرة ,فهل يعقل إن كل منتسبي حزب إسلامي سراق ,ولا يوجد واحد شريف من بينهم يخاف الله ,إذن إن الموضوع لا يخص الشعارات ولا يخص اسم هذه الأحزاب بل يخص الأخلاقيات والقيم التي تلتزم بها هذه الأحزاب والتي استمدت منها مبادئها .فلو كانت حقيقة هذه القيم هي قيم الإسلام لما وصلت هذه الأحزاب إلى ما وصلت إليه من ممارسات لا أخلاقية وليس لها أية علاقة بالإسلام وبجوهره وبمبادئه ,وبالنظر لفشلها فقد التصقت أكثر بالطائفية مستغلة الجهل و انحسار الحركات القومية  في الساحة العربية أو تراجعها وانتهاء الفكر اليساري (الماركسي) ,وبالرغم من ذلك تصر هذه الأحزاب على نهجها وادعائها بتمثيلها للإسلام بل ومحاسبة وانتقاد الآخرين واتهامهم بمعاداة الإسلام وكل هذا الكلام من اجل الوصول إلى السلطة,فهل يمكن أن يتحول الإسلام إلى حزب سياسي وهل هنالك حزب يمكن أي يجسد الإسلام وهل إن كل من التحى ولبس العمامة يمثل الإسلام ,وهل إن ما جاء في القران الكريم (واللذين امنوا ) تخول من يريد أن يدعي انه يمثل الله ورسوله والأئمة الأطهار وانه وكيلهم ونائبهم في حكم المسلمين ,باعتبار إن هذه الآية الكريمة تتكلم عنه وتعنيه هو وليس غيره كما فسرها الخميني ليبرر سلطته المطلقة وسلطة من جاء من بعده كولي فقيه.


إن المشكلة الرئيسية هي إن هذه الأحزاب وبكل اتجاهاتها وطوائفها التي تدعي تمثيلها قد قدمت نموذجا سيئا جدا لمستغلي الدين ولعلمائه المؤيدين لهذا التيار المخرب للقيم السماوية .


إن هذه الأحزاب لم تستطع الإجابة على سؤال كيفية تمثيلها للدين الإسلامي, لأنها أحزاب سياسيه استغلت الإسلام كدين واستعملته كغطاء  لتحقق أهداف دنيوية بلباس إسلامي وبمفردات إسلامية ولكن بواقع عملي ابعد ما يكون عن الإسلام وقيمه وأخلاقه ومبادئه .


وأخيرا لا بد من الإشارة إلى حزب البعث المستهدف من كل هؤلاء المنافقين هو الحزب السياسي الوحيد الذي تستند نظريته إلى قيم ومبادئ الإسلام دون أن يدعي تمثيله للإسلام بل العكس التزم بمنهج العلمانية التي فصل الدين عن الدولة والتي تعني فصل وعدم السماح لأصحاب العمائم بالتدخل في شؤون الدولة ,لان الكثير يتصورون إن هؤلاء أصحاب العمائم هم من يمثل الدين, وكأن الباري عز وجل قد أنابهم لتمثيله أو تمثيل الاستلام ,وقد قالوها.


فالإسلام في نظر البعث هو قيم وأخلاق ومبادئ وممارسة يومية لهذه القيم في شتى مجالات الحياة وليس في السياسة أو الدولة والسلطة فقط ولذلك ركز على التربية المستمرة لهذه القيم والالتزام بها حتى في العلاقات الاعتيادية مع أفراد المجتمع ,أما العبادات فلم يتطرق لها لأنها تخص الفرد فلا إكراه في الدين وان الله سبحانه وتعالى ينظر إلى القلوب ويعلم أسرارها ولا يعلم بالإيمان غير الله فالإيمان ليس طقوس محددة يمكن أدائها أمام الجمهور ليقنع بها الناس لغايات, بل هو أسمى من ذلك وهو يخص الباري عز وجل ,فلا يقيم الأنفس إلا الله ,إن الدين أسمى من أن يمثله حزب سياسي,بل لا يمكن أن يمثل الدين أي فرد أو مؤسسة أو حكومة أو حزب ,فإذا كان جوابهم بأننا لا نمثل الدين بل حزب يأخذ الإسلام كمنهج في عمله السياسي ,وهنا نقول كم منهج يفسر الإسلام في الوقت الحاضر وما هو موقفكم من هذه الاختلافات في المناهج ,ولن نقول غير إنكم بجوابكم هذا تشقون وحدة المسلمين في التزامكم لمنهج دون آخر وبالتالي فان عملكم ضد الإسلام لأنه ضد وحدة المسلمين وهذا يكفي لكي تتقوا الله في عباده ,فالإسلام لا يحتاج تنظير ومفاهيم جديدة بل يحتاج إلى التزام بقيمه ومبادئه العامة,لقد أثبتت جميع الأحزاب السياسية التي تدعي تمثيلها للإسلام بأنها ابعد ما تكون عن الإسلام وعن قيمه ومبادئه بممارساتها غير الأخلاقية وبتبديدها لوحدة المسلمين وبتفضيلها السلطة على كل قيم السماء ,ويبقى البعث هو الوحيد الذي اثبت تمثيله الحقيقي لقيم السماء .

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاربعاء  / ٠٨ جمادي الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٣ / حزيران / ٢٠٠٩ م