زيادة رواتب الموظفين والجريمة الاقتصادية

 
 
 

شبكة المنصور

أبو محمد العبيدي
من الجرائم الممنهجة والتي نفذتها قوى العمالة المتصهينة الساكنة في المنطقة الخضراء والتي من الصعوبة الانتباه إليها وتحديد آثارها السلبية بل التدميرية على العراق وشعبه ومستقبله ,من هذه الجرائم الخطيرة هو قانون زيادة رواتب الموظفين والتي رفض حتى من حارس الرأسمالية, أي البنك الدولي لأنه قرار يناقض حتى الفكر الرأسمالي الذي يدعون الالتزام به كمنهج .سنحاول توضيح بعض الآثار التدميرية للاقتصاد  العراقي من خلال طرح تصوراتنا بشان أفضل منجز جاءت به العقلية السياسية للأحزاب المشتركة بالعملية السياسية والتي حاولت من خلاله التقرب إلى الشعب باعتباره مكسب جماهيري ,في حين انه اكبر جريمة اقتصادية حدثت في العراق؟!!!


كان المفروض أن اكتب هذا المقال قبل أكثر من سنة ولكن طرحه في ذلك الوقت ربما كان سيؤدي إلى نتائج عكسية ,لان أي قرار في صالح الشعب ظاهريا لا يمكن أن يفسر موقف معارضيه مهما كانت حجتهم, بالوطنية بل ربما العكس ,ولكن بعد أن استنفذ قانون زيادة الرواتب مداه وبدأت آثاره الحقيقية بالظهور وبدأ المواطن البسيط يشعر بشيء ولو بسيط من التخريب الكبير والمنظم الذي طال الاقتصاد العراقي بسبب هذه الزيادة والتي لم يجني ثمارها إلا لأشهر معدودة والتي أدت إلى تحطيم الاقتصاد العراقي بطريقة ليس من السهل مستقبلا على أي سلطة مهما كانت درجة الوطنية التي تتمتع بها من معالجة آثار هذه الجريمة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي ,كل هذه التهم تحتاج إلى إثبات وسنعطي بعض الأمثلة عن ما جرى .


1_زادت رواتب موظفي الدولة خلال السنوات الأخيرة بطريقة جنونية وكان آخرها إصدار قانون الخدمة الجديد وقوانين أخرى تخص الجامعيين وغيرهم ,مما انعكس ايجابيا على مستويات الدخل للموظفين عموما ,وقد استبشر المواطنين خيرا وكانت الغاية الأساسية لهذه الزيادات هي إرضاء المواطن بالطريقة السهلة والتي تنم على مستوى عال جدا من الغباء الاقتصادي أو القيام بجريمة اقتصادية كبرى تشمل حاضر ومستقبل اقتصاد العراق.

 

ولقد تحملت خزينة الدولة أكثر من عشرة أضعاف ميزانيتها التشغيلية بسبب هذا القرار أي إن نصف أو أكثر من الإيرادات النفطية ستذهب إلى جيوب الموظفين ونحن لسنا ضد المواطن ولكن الأسلوب أو الطريقة الاقتصادية الصحيحة هي رفع مستوى المعيشة للمواطن دون زيادة الرواتب بهذه الطريقة الهمجية مما سيؤدي إلى زيادة رفاهية المواطن بنفس الأجور والرواتب وفي نفس الوقت دون تأثيرات جانبية على الاقتصاد من جانب, ودون تغيير السلوك الانفاقي والاستهلاكي للمواطن بحيث يمكن استثمار بقية الإيرادات في التنمية ,ومما زاد  في الطين بله هو الإجراءات الصحيحة التي يتخذها البنك المركزي العراقي بتثبيت سعر الصرف والذي بدا عمله مشوها مع التخبط في السياسات الاقتصادية للحكومة.


2_كان الأجدر بالحكومة الإبقاء على أسعار المحروقات والطاقة دون زيادة والتي أكلت ثلث الزيادة في الرواتب التي يتقاضاها الموظفين,حيث إن رفع أسعار البنزين قد أدى إلى ارتفاع أسعار النقل وهذا ما أدى إلى زيادة أسعار عموم السلع والبضائع والذي أدى إلى مضاعفة أسعار هذه البضائع على المستهلك مما أدى إلى فقدانه جزء كبير من هذه الزيادة , ومما زاد في ذلك هو الانقطاع المستمر للكهرباء والذي أدى إلى الاعتماد على المولدات الكهربائية والتي تحتاج إلى المحروقات لتشغيلها ,والتي أصبحت تمثل حجم في مصروفات العائلة العراقية بصورة مباشرة وغير مباشرة .   


3_إن زيادة رواتب الموظفين وارتفاع أسعار المحروقات قد أدى إلى زيادة في أجور عمال القطاع الخاص بنسب مقاربة للزيادات وهذا مع ارتفاع أجور النقل والطاقة الذي أدى إلى ارتفاع أجور الخدمات عموما بنسب أعلى من نسب زيادة رواتب الموظفين ,ومن الطبيعي أن ينعكس ذلك سلبيا على الموظفين ليزيد من تآكل رواتبهم او الزيادة .


والاهم إن سقف رواتب جديد قد ثبت لأجور العمالة ,فقد ارتفعت أجور عمال البناء بطريقة جنونية مما اثر على تكاليف البناء والأعمار (المزعوم) ومن الطبيعي أن تشمل هذه الزيادة كل أنواع العمالة في القطر أي الصناعية والخدمية والزراعية .وسنرى تأثيراتها على الاقتصاد .


4_إن ارتفاع أجور العمالة الزراعية وقلتها بعد أن هجرها اغلب الشباب إلى الانخراط في الجيش والشرطة بسبب الرواتب العالية , قد أدى إلى ارتفاع أجور الزراعة ,وارتفاع تكاليف الزراعة إلى الدرجة التي لا يمكن معها التنافس مع المنتجات الزراعية المستوردة هذا عدا الجودة وحسن التغليف والنظافة والترتيب الذي تمتاز به المنتجات المستوردة ,ومما زاد في مشكل الزراعة عدم توفر الأسمدة الكيماوية إلا بأسعار عالية وفي السوق السوداء وعدم توفر المبيدات والمستلزمات الزراعية إلا بأسعار عالية مما جعل الكلف التي تتطلبها العملية الزراعية اكبر من تكاليف الزراعة في الدول المجاورة إضافة إلى ارتفاع أجور نقل المحاصيل,مما سبب زيادة في الإقبال على المنتجات الزراعية المستوردة لانخفاض أسعارها وبالتالي كان على الفلاح أن يختار, أما الخسارة أو ترك الزراعة.


فيكفي أن نبين بان أجور العامل الزراعي بالدولار في العراق هو ضعف أجور العامل في الدول المجاورة ليتضح تأثير ذلك على أسعار المحاصيل وذلك وحده كفيل بتخريب الزراعة وكل ذلك بفضل الزيادة في رواتب الموظفين وانعكاساتها على مستوى الأجور عموما ؟!!


5_أما على المستوى الصناعي والذي أدت السياسة العشوائية لحكومات الاحتلال وكذلك تنظيرهم باقتصاديات السوق والانفتاح الاقتصادي ووقوف شاحنات الاستثمار تنتظر على الحدود محملة بمليارات الدولارات وغيرها من التفاهات التي يتكلم بها تافهون لم يحلموا بالفرجة على تلفاز يوما وإذا بهم يتحدثون من خلال هذا التلفاز .


فقد دمرت الحكومات ما بقي من معامل من خلال تطبيق نظام التمويل الذاتي في الوقت الذي كانت هذه المعامل أحوج ما تكون إعادة تأهيل بعد سرقة ونهب اغلب موجوداتها ,وهذا ما أدى إلى انتهاء اغلب الصناعات ولم يبقى من مهندسيها وفنييها من القائمين عليها إلا أعداد قليلة بعد تركهم هذه المعامل بسبب السياسة الاقتصادية الجديدة والتي كانت تتقصد إنهاء وغلق هذه المصانع بحجة وجوب الاعتماد على إمكانياتها الذاتية وهذا صحيح ولكن كان يجب أن يطبق بعد إعادة تأهيلها ,أما صناعة القطاع الخاص وبعد أن دمرت من خلال النهب المنظم فقد كانت الأوضاع الأمنية عامل غير مشجع لإعادة تأهيلها ولتأتي مسالة الارتفاع في الأجور لتنهي آخر أمل لإعادة تشغيلها بل ولتنهي أي تفكير في بناء صناعة جديدة لعدم أمكانية هذه الصناعة على منافسة السلع المستوردة من ناحية الأسعار نظرا لارتفاع أجور العمال العراقيين قياسا إلى مستوى الأجور المنخفضة في الدول المجاورة وجنوب شرق آسيا والتي يستورد العراق اغلب سلعه منها,بحيث إن إنتاج أي سلعة سيكلف أكثر من أسعار نفس المنتج وهو مطروح في السوق المحلي (مع فارق النوعية )وهذا سيؤدي إلى عدم التفكير نهائيا بأي استثمار في العراق ,وهذا عامل آخر يوضح تأثير زيادة الرواتب ,حيث إن زيادة رواتب الموظفين لا بد أن يصاحبه زيادة في أجور الخدمات نتيجة زيادة الطلب عليها من قبل الموظفين .


6_أما قطاع الخدمات فقد ارتفعت الأجور فيه ربما بنسبة اكبر من نسب الزيادة التي حصلت في رواتب الموظفين حيث إن الضغوط وزيادة الطلب على هذا القطاع والذي لا يمكن أن ينافسه استيراد ,جعله يحدد أجوره كيف ما يشاء,وقد زاد الطلب بسبب الزيادة في الرواتب والأجور مما انعكس ايجابيا على الزيادة في أجور هذا القطاع عموما وهذا أدى إلى زيادة الأجور بالنسبة للعاملين فيه وخاصة عمال البناء والنقل والتحميل وتصليح السيارات وغيرها.


7_وبعد أن تطرقنا إلى بعض انعكاسات زيادة الرواتب على القطاعات الاقتصادية لا بد أن نتطرق إلى انعكاساته على مستوى الاقتصاد عموما حيث إن اكبر تأثير كان على سلوك المستهلك العراقي حيث إن الزيادة قد جعلت عموم الموظفين والذين يتراوح أعدادهم أكثر من ستة ملايين يتجهون إلى شراء كل ما يتاح لهم بسبب الحرمان الذي عانت منه بعد الحصار وعدم توفر الأموال ولا توفر البضائع ,مما أدى إلى نشوء سلوكية استهلاكية لدى الفرد العراقي ,ستكون عاملا سلبيا على حياته الاقتصادية مستقبلا ,إن زيادة الرواتب قد كلف الخزينة العراقية بحدود 75% منها بعد أن كانت لا تتجاوز 10% سابقا محسوبة بالعملة الأجنبية ,ومن الطبيعي أن تكون هذه الزيادة على حساب التنمية كمبدأ ,وبالرغم من قول المواطنين إن هذه الأموال كانت ستذهب إلى جيوب السراق في كل الأحوال وعليه فليستفاد منها الشعب بدلا من هؤلاء ففي كل الأحوال لن تكون هنالك تنمية وهذا مقبول لو إننا آمنا بان هذه السلطة ستبقى إلى ما لا نهاية ,ولو ان الموضوع هو مسالة صرف أموال فقط دون تأثيرات جانبية على الاقتصاد العراقي والمجتمع العراقي لأصبح هينا,لقد أصبح العراق عبارة عن مقبرة للسلع والمنتجات الرديئة التي غزت أسواقه وأخذت مقابلها مليارات الدولارات في اكبر تخريب تعاون فيه التجار مع الحكومة من خلال السماح للبضائع الرديئة بالدخول دون أي نوع من السيطرة النوعية,بل وصل الحد إلى استيراد أدوية مسرطنة وغيرها من سموم .


إن المشكلة مستقبليا ذات بعدين الأول هو عدم قدرة الحكومة على تغطية هذا الحجم الكبير من الرواتب في ظل ارتفاع وانخفاض أسعار النفط , والبعد الثاني هو كيف يمكن القيام بأي نوع من أنواع التنمية في ظل هذا المستوى من الأجور الذي لا يمكن أن يتحمله أي مشروع صناعي أو زراعي أو خدمي حديث مما سيؤدي إلى عزوف تام من قبل القطاع الخاص على الاستثمار,ومن الطبيعي إن الحديث عن استثمار أجنبي ما هو إلا ضحك على من يريد أن يصدق هذه الأكذوبة .


وبما إن النظام الحالي يؤمن بالاقتصاد الحر من جانب وعدم توفر الأموال اللازمة للقيام بأي نوع من أنواع التنمية,وذلك لصرفها كرواتب إضافة إلى الفساد المالي والإداري الذي سيلتهم ما تبقى من أموال إن بقيت ؟


وكل ذلك يوضح إن مستقبل العراق في ظل هذه الزمرة العميلة المخربة سيكون مظلم وهذا عامل إضافي يدفع الشعب إلى الثورة والى رفض الاحتلال والأكثر رفض هؤلاء العملاء الذين لم يتركوا ركن في الوطن دون تخريبه كان الله في عوننا ,بانتظار يوم التحرير إن شاء الله .

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الخميس  / ٠٩ جمادي الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٤ / حزيران / ٢٠٠٩ م