المضمون الاجتماعي للحركة الوطنية العراقية

 
 
 

شبكة المنصور

عبد الاله البياتي

ان الولايات المتحدة بالغائها الدولة العراقية وتدمير موجوداتها وطمس ذاكرتها وضعت نفسها وجها لوجه امام المجتمع العراقي.والمجتمع ليس حركة سياسية يمكن القضاء عليها وليس افرادا يمكن سجنهم او رشوتهم او قتلهم فالمجتمع هو كل الناس والمجتمع العراقي كاي مجتمع حي هو مجتمع يملك مخزونا وطاقات هائلة وتراثا متقدما وحضارة عميقة وحركة وطنية عالية الخبرة.


لا يخفي على اي مراقب ان ما يجري في العراق يلعب دورا كبيرا على مستقبل الحركات والصراعات الاجتماعية في المنطقة فهو من جهة يوضح طبيعة القوى المتصارعة ويلقي ضوءا على استراتيجياتها وهو من جهة اخرى يحدد وجهة هذه الصراعات .


فلقد غامرت الولايات المتحدة انطلاقا من مشروعها الامبراطوري في غزو العراق رغم ان كل المعطيات كانت تؤشر الى ان هذا الغزو هو مشروع فاشل سيكون كارثة للعراق وللولايات المتحدة وان مخططيه ومقرريه يركضون وراء سراب واهداف غير قابلة التحقق.اذ بات واضحا منذ اجبار المقاومة اللبنانية اسرائيل على الانسحاب ومنذ اثبات الانتفاضة قدرتها على الاستمرار سنوات امام الة عسكرية هائلة بات واضحا ان قدرة الجيوش المتفوقة على تحقيق الانتصار العسكري على بلد ما لا تعني قدرتها على اخضاعه للاحتلال.ومنذ انطلاق الحركة الجماهيرية الواسعة المعادية للحرب على العراق في كل ارجاء العالم بات واضحا ان الولايات المتحدة وان كانت تسيطر على اجهزة الاعلام والدعاية فانها لن تكون قادرة على السيطرة على الراي العام العالمي بما في ذلك الراي العام في الولايات المتحدة والذي اثبت لمرات عديدة انه يساند القصايا العادلة ويمقت الحروب. وكذلك بات واضحا من حقيقة ان الولايات المتحدة بحاجة الى تدفق الرساميل اليها دون انقظاع انطلاقا من الثقة بقدرات هذا الاقتصاد ان الاقتصاد الامريكي سيواجه مشاكل كبيرة في هذا المجال ان تدخل الولايات المتحدة حربا ظويلة الامد بالغة النفقات لا تتمتع بالتاييد العالمي.


ومع ذلك فان الادارة الامريكية مزهوة بجبروتها العسكري رغم انها جوبهت بمعارضة الحركات الاجتماعية في العالم انخرطت في مغامرة الحرب على العراق.


لقد ظن الاستراتيجيون الاميريكيون بعد سنوات الحصار الطويل التي انهكت القدرات الاقتصادية والسياسية والعسكرية العراقية ان الفرصة قد اصبحت سانحة لغزو العراق والغاء دولته وتدمير موجوداتها وبنيتها التحتية و طمس ذاكرتها ومن ثم بناء دولة جديدة تخدم مصالح الولايات المتحدة والتي على رأسها الاستحواذ على النفط العراقي وتوفير الشروط لان تسيطر وكيلتها اسرائيل على المنطقة عسكريا وسياسيا واقتصاديا. ولم تخفي الولايات المتحدة يوما اهداف ووسائل تحقيق مشروعها في العراق اذ ان الاستراتيجيين الامريكيين يعلنون منذ حرب 1991 ان هدفهم في العراق هو تحطيم القدرات الاقتصادية والسياسية والعسكرية التي يعتبرونها خطرا على مصالح الولايات المتحدة وذلك سياسيا بتفتيت العراق الى دويلات ضعيفة متصارعة ، واقتصاديا باخضاع اقتصاده بما في ذلك النفط للشركات الاجنبية وتكبيله بالقيود والديون والقروض ليكون مضطرا للاعتماد على الرساميل والاستثمارات والخبرات الاجنبية، بالاضافة الى تحطيم قدراته العسكرية ومنعه من امتلاك قوة عسكرية قد تهدد مشاريع الولايات المتحدة واسرائيل . ورغم ان الولايات المتحدة قد قطعت شوطا كبيرا في تدمير العراق من خلال الحصار والعقوبات ومناطق الحظر الجوي ومن ثم الغزو والعمليات العسكرية فاننا نعتقد ان مشروع الولايات المتحدة لا تتوفر له شروط النجاح وهو ليس الا مقامرة خاسرة وعدوانا فاشلا.


نقول انها مقامرة خاسرة وعدوان فاشل لانها استندت وتستند في اول ما تستند اليه الى ضروره القضاء على الهوية العربية الاسلامية للعراق وعلى محو انتمائه العربي الاسلامي. هل سمعتم ان هوية الشعوب يمكن ان تلغى بقرار او بقانون ؟ الصين لا زالت الصين والهند لا زالت الهند والمسلمين لا زالوا مسلمين والجزائر ظلت عربية اسلامية بعد 130سنة من الاحتلال الفرنسي والعراق لا زال عربيا اسلاميا بعد خصوعه لحكم حكام اجانب لمرات عديدة.


ان هوية الشعوب هي صيرورة تاريخية لتفاعلات وعوامل لا تستطيع اية قوة في العالم مهما بلغ جبروتها التحكم بها.ورغم اعتقادنا ان تغيير هوية العراق العربية الاسلامية هي امر مستحيل ، فاننا نعتقد ان كان ذلك ممكنا فانه يحتاج الى قرون من الاحتلال لمنعه من التمسك بهويته.ورغم هذه الحقيقة البسيطة التي يثبتها كل تاريخ الشعوب انخرطت الولايات المتحدة واستراتيجييها ومراكز البحث والدعاية فيها في تشجيع النعرات العرقية والطائفية للوصول الى تنفيد مشروع العراق غير العربي الذي يقوم على تقسيمه الى شيعة وسنة واكراد للوصول الى تحقيق هدف مزدوج يتلخص في تقسيمه حسب منابع النفط من جهة وعزله عن محيطه العربي من الجهة الاخرى وبذلك تسهيل الهيمنة عليه.


لقد غاب عن مخططي الاستراتيجية الامريكية ان ذلك هو مجرد قصر من ورق سيتهاوي أمام أول هزة. فالعراق هو وحدة اقتصادية اجتماعية منذ الاف السنين وان كل العراقيين هم ورثة كل الحضارات التي تعاقبت على العراق والتي كانت اخرها هي الحضارة العربية الاسلامية التي تشكل اللحمة التي تشد النسيج الاجتماعي معا وان في ظل هذه الحضارة قد تولد تداخل اجتماعي يجعل امر التقسيم الاثني والطائفي العمودي امرا مستحيلا وهو ان اجري بالقوة فلن يكون من الممكن المحافظة على ديمومته الا بالقوة وذلك امرا لا مصلحة لا للشيعة ولا للاكراد ولا للسنة فيه.


وكذلك فان الجغرافيا العراقية التي تتمثل في كون العراق حوضا تجري فيه نهري دجلة والفرات محاط بالجبال من بعض الجهات وبالصحارى من الجهات الاخرى جعلت من النهرين والمناطق المحيطة بهما مركز جذب وتفاعل وتبادل اجتماعي وثقافي واقتصادي ومن المستحيل عزلها واحدة عن الاخرى حسب نظام المحاصصة العرقية والطائفية الصهيو امريكية . وتتجلى هذه الحقيقة على الاخص في المدن الكبرى بغداد والموصل والبصرة وكركوك المتعددة الاثنيات والاديان والطوائف.وحتى المنطقة الوسطى التي يراد عزلها لانها تدافع بشكل اوضح عن وحدة العراق وهويته العربية الاسلامية والتي يسمونها المنطقة السنية "الفقيرة الموارد" فان لا طرف له مصلحة في تحقيق القطيعة معها . فهي اولا منطقة متعددة الطوائف والاثنيات بحيث ان كل العراق حاضر فيها ، وهي تسيطر على كل خطوط المواصلات ومرور الأنهار وأنابيب النفط بالإضافة الى امتلاكها لثروات أساسية لا غنى للمناطق الاخرى عنها فهي ،لأسباب تاريخية وجيوبوليتيكية ،بصفتها تضم العاصمة ،تضم أكثر الكادر العلمي والفني والإداري والعسكري والتقني كما انها تطفو على احتياطات نفطية هائلة قد تزيد على احتياطات المنطقة الشمالية والجنونية مجتمعة.


ان احداث العراق منذ الاحتلال وحتى الان تثبت ان العراق غير منقسم عموديا الى شيعة وسنة واكراد ، وانما منقسم افقيا الى مستفيدين من الاحتلال ، والى الذين يعانون منه. فمن من جهة تقف البورجوازيات المتحالفةالمتصارعة الكردية والشيعية والسنية ومن جهة اخرى تقف الطبقات المتوسطة والفقراء .كما اثبتت ان شعب العراق يشجب ويقاوم عملية تقسيمه الى طوائف واثنيات فتطوره المدني قد تجاوز هذه التقسيمات التي هي الى حد بعيد مصطنعة وليس عجيبا ان يكون شعار اول مظاهرة خرجت ضد الاحتلال هو 'لا سنة ولا شيعة هذا الوطن منبيعة 'والذي اصبح فيما بعد شعار كل الحركة الوطنية المعادية للاحتلال.


وانقسام العراق افقيا هو سبب ثاني لان نقول ان المشروع الامريكي في العراق هو مقامرة خاسرة وعدوانا فاشلا فهو يستند بالاضافة الى تقسيم العراق الى تغيير تركيب الاقتصاد والمجتمع العراقي وذلك بتحويله من اقتصاد تلعب فيه الدولة والقطاع العام دورا اساسيا الى اقتصاد يلعب فيه الراسمال الخاص الاجنبي والمحلي دورا اساسيا.


فلقد اتاحت موارد النفط ووفرة المياه وتسخير امكانيات العراق للتنمية وللتقدم لان يمتلك العراق جهاز دولة عسكري وفني واداري وتكنيكي وعلمي واسع يقوم بتقديم خدمات واسعة للمواطنين وللتنمية في كل المجالات والى بناء بنية تحتية اقتصادية وانتاجية متقدمة .


ويكفي ان نعرف ان ان 70 بالمائة من سكان العراق الان هم من سكان المدن وان التعليم كان شاملا لكل الاطفال بناتا وبنين وان العراق كان يملك اكثر النظم والخدمات الصحية تقدما في المنطقة وانه كان قادرا على توفير الضرورات اللوجستية لجيش من مليون شخص بكل ما يعني ذلك من قدرات متقدمة وان المراة قد دخلت جميع مناحي الحياة العامة وان الكهربة قد شملت كل المحافظات وان العراق يملك جيشا من الكوادر العلمية والفنية والادارية والعسكرية .كل ذلك يثبت ان الطبقة المتوسطة المتعلمة هي طبقة واسعة تملك العلم والحداثة. فهل ستقف الطبقة المتوسطة موقف المتفرج امام عمليات الخصصخة التي تدمر الدولة والاقتصاد العراقي ؟ وهل سيقبل فقراء العراق باسم اقتصاد السوق طويلا فقدانهم للخدمات التي كانت تقدمها الدولة؟ وهل سيظل العاطلون عن العمل في العراق الذين قد بلغوا  70بالمئة من اليد العاملة مكتوفي الايدي امام نهب المال العام من اجل خلق طبقة غنية تخدم المحتل؟


ولوهلة ظن الاحتلال انه قادر على انجاح مشاريعه بالاعتماد عل التقاليد العشائرية والتركيب العشائري فوجد ان الكثير من رؤساء العشائر ووجهائها ومثقفيها هم من المتعلمين ومن سكان المدن المتمسكين بهويتهم العربية الاسلامية والمدافعين عن مصالح العراق الوطنية وحتى من قبل منهم التعاون مع المحتل فانه جابه نمو الروح المدنية في العراق ونهاية التركيب الاقطاعي مما يجعل من الصعب تعبئة العشائر لخدمة مصالح غير وطنية.


ان كل ابناء العراق يعرفون ان بلدهم يملك الثروة والعلم والخبرة وهو قادر ان يبني اقتصادا يوفر لهم الكرامة والرفاهية وهم لا ينظرون الى نقل المال العام الى جيوب الاغنياء الجدد الا كعملية لصوصية وسرقة. اما الدعايات عن الانفتاح وعن تدفق الاموال والاستثمارات الاجنبية مع دخول المحتل فانها لم تعد تنطلي على احد.فالاحتلال لم يجلب معه هذا الرفاه الموعود واخبار تفشي سرقة وتبذير المال العام التي بلغت المليارات من الدولارات واخبار تفشي الفساد والمحسوبية والرشوة والسرقة من قبل المحتلين او المرتبطين بهم من الذين استحوذوا على المال العام والادارة العامة من دون رقيب او رادع وبتشجيع من المحتل يعرفها الجميع.


ولن تنطلي كذلك الدعايات عن العولمة النيولبرالية التي ستخلق الجنة على الارض فالعراقيون يعرفون ان النموذج الراسمالي الذي تريد الولايات المتحذة فرضه على العراق هو نموذج مناقض لمصالحهم الوطنية وهم يعرفون ايضا ان هذا النموذج يلقى معارضة متزايدة في كل انحاء العالم فهم يسمعون اخبار اجتماعات بورتو اليكرو وبومباي ومظاهرات سياتل والدوحة وكذلك فانهم يسمعون ما حل بالارجنتين عند تبنيها لهذا لنموذج .


في واقع الحال ان الولايات المتحدة خلقت جيشا من العاطلين والمحرومين ودفعت اعداد كبيرة من ابناء الطبقة المتوسطة اما الى الهجرة عن وطنهم او الانخراط في صفوف الفقراء اصحاب الشهادات وهذا الجيش سيظل منبعا لن ينبضب للوقوف ضد مشروعها الامبيريالي في العراق.وهي لن تستطيع لا اليوم ولا غدا تحويل انظار الناس عن بشاعة هذا المشروع بالدعايات والوعود والتبريرات ونقول انها مقامرة خاسرة وعدوانا فاشلا لانها كذلك تتناقض مع تطلعات ومطامح شباب العراق.فشباب العراق الذي يطمح الى مزيد من الحرية والى مزيد من الحريات المدنية والسياسية والذي سئم الحروب والعنف والجمود وقتل روح المبادرة يجد نفسه نتيجة الاحتلال في وضع ليس فقط تنعدم فيه فرص العمل ما عدا الجيش والشرطة وتنعدم فيه الخدمات كالكهرباء والماء وانما كذلك وجد نفسه امام قيادات سياسية تريد عودة الاوضاع الاجتماعية الى الوراء تتيح للرجعية تقرير ليس مستقبل العراق فقط وانما كذلك حياة المواطنين الخاصة ومسائل الفكر والضمير.


ان شباب العراق اليوم يعرفون ان بامكانهم وان من حقهم ان يعيشوا بحرية وكرامة كشباب العالم في بقية بلدان العالم المتقدمة وانهم يستطيعون تحطيم كل القيود الثقافية والسياسية والاجتماعية التي تتحكم بحياتهم وهم لن يقبلوا مافعلته الولايات المتحدة باعتمادها على القوى الرجعية الدينية في المجتمع.وهذه الحقيقة جعلت المنظمات النسائية ومجاميع الشباب لان تكون اول من يكتشف ويكشف زيف شعارات الحرية والديموقراطية التي حصل غزو العراق على اساسها.ولن ينفع الولايات المتحدة القاء اللوم على العراقيين فهي التي اهلت هذه القوى وهي التي اعتمدت عليها في تنفيذ مشروع المحاصصة الطائفية وستظل مضطرة للاعتماد عليها اد بدون هذه القوى سينهار كل مشروعها السياسي
ونقول انه مغامرة فاشلة اذ لا يخفى على احد ان تاريخ العراق السياسي منذ الحرب العالمية الاولى ولحد الان هو الى حد بعيد تاريخ الصراع بين شعب العراق لتاميم نفطه واستخدامه في التنمية وبين الشركات الاجنبية التي تريد نهب النفط .وحتى الاطفال يعرفون ذلك ولذلك لن يقبل اي عراقي ما عدا المرتبطين بالولايات المتحدة الغاء التاميم الذي نجح في تحقيقه العراق في بداية السبعينات.ان النفط هو المصدر الاساسي الذي يعتمد عليه العراقيون في بناء مستقبلهم وهم لن يقبلوا ان تعود عقارب التاريخ الى الوراء تحت اية حجة وتبرير .


ويثبت تاريخ الحركة الوطنية انها منذ العشرينات من القرن الماضي وحتى الان تعتبر ان التخلص من سيطرة الشركات الاجنبية هو المعيار الاساسي للوطنية.وقد اثبتت عملية تاميم النفط وتسخير موارده لتنمية الاقتصاد والبنية التحتية ان العراق قادر على بناء الكادر الفني لادارة الصناعة النفطية وانه يملك الكادر لتسخير هذه الصناعة لمنفعة العراق وهو اذا احتاج الى الخبرة والرساميل والمساعدة الاجنبية فانه قادر على الحصول على ذلك بواسطة التعاقد والتعاون.وليس هناك مبرر ايا كان لنقل ملكية حقول النفط الى اية جهة غير الدولة.


ان قضية مستقبل نفط العراق هي قضية جوهرية بالنسبة للمستقبل فاية حكومة تقبل تسليم العراق الى الشركات الاجنبية لن تستطيع البقاء في الحكم الا بحماية الجيوش الاجنبية فالعراق يملك وعيا في هذا الخصوص ولن يقبل باقل من سيادته على ارضه وثرواته وكل القوانين الدولية السائدة تحميه في ذلك.


ان الولايات المتحدة بالغائها الدولة العراقية وتدمير موجوداتها وطمس ذاكرتها وضعت نفسها وجها لوجه امام المجتمع العراقي.والمجتمع ليس حركة سياسية يمكن القضاء عليها وليس افرادا يمكن سجنهم او رشوتهم او قتلهم فالمجتمع هو كل الناس والمجتمع العراقي كاي مجتمع حي هو مجتمع يملك مخزونا وطاقات هائلة وتراثا متقدما وحضارة عميقة وحركة وطنية عالية الخبرة.
 

لقد غاب عن استراتيجيي الولايات المتحدة او انهم غيبوا عن مخططاتهم ان الحركات الاجتماعية تنطلق من مخزون وتجرية معاشة ولا تخلق بقرار او بمجرد الترديد ان كل المعطيات الجيوبوليتيكية العراقية تقف ضد مشروع المحاصصة الطائفية والاثنية وضد المشروع الامبراطوري الامريكي في العراق فاذا كان هناك من مخزون اجتماعي مع الولايات المتحدة فهو تجربتهم مع الحصار الذين تعرضوا له


هذا هو الذي يفسر فشل الاحتلال في السيطرة على المجتمع بواسطة المحاصصة الطائفية او السياسات القمعية فعندما الغت الولايات المتحدة الدولة الوطنية العراقية وعبرت عن اهدافها الامبيريالية بوضوح فانها ليس فقط قد قطعت على نفسها الطريق باستخدام ما هو قائم من جهاز الدولة وانما كذلك نست ان المجتمع العراقي التي تريد السيطرة عليه قادر بحكم مخزونه الثقافي والحضاري على الدفاع عن نفسه وهو يملك من العلاقات المدنية والثقافية والسياسية ما يمكنه من التوحد ضد مشروع امبيريالي رجعي يريد اعادة العراق الى عهد الظلام متحالف مع الاقطاعيات والبورجوازيات الدينية والاثنية والطائفية.فمنذ دخول الاحتلال والغاء الدولة انطلقت الحركات والمنظمات من كل نوع كحركات الدفاع عن المراة وحركات الدفاع عن العاطلين وحركات حقوق الانسان والتنظيمات النقابية العمالية والمهنية وحركات الدفاع عن البيئة وحركات الدفاع عن المفصولين والسجناء والمضطهدين وحركات التضامن العشائري والمناطقي وحركات الاحتجاج على انعدام الخدمات وحركات الاحتجاج على سياسات السلطة واجهزتها والمنطمات الحزبية والثقافية وصولا الى المقاومة السلمية او المسلحة وهي جميعا تعمل انطلاقا من برنامج سياسي عير مكتوب يشكل لحمة المجتمع العراقي وينبع من ثوابت الانتماء العربي الاسلامي


ويخطئ من يظن ان الانتماء العربي الاسلامي هو انتماء اثني او ديني . في الواقع انه انتماء حضاري وجيوبولولتيكي والثوابت التي تنبع من هذا الانتماء هي ثوابت مغروسة في ثقافة ووعي كل انسان عراقي مهما كانت ايديولوجيته وتمثل لغة ومشروعا سياسيا مشتركا للجميع وخصوصا الحركات القومية والاسلامية واليسارية ويمكن تلخيص اهم هذه الثوابت بما يلي:
 

ان شعب العراق هو مجموع مواطنى الدولة العراقية وهو مصدر السيادة والشرعية الدستورية والسياسية والقانونية ويتمتع مواطنو الدولة, رجالا ونساء, بحقوق وواجبات متساوية


السلطة التشريعية الممثلة للشعب هى التى تمنح الثقة للحكومة أو تحجبها عنها وهى الجهة التى تقر أو ترفض جميع نشاطات الدولة وقوانينها حسب الدستورتنتخب السلطة التشريعية انتخابا دوريا حرا ونزيها دونما تدخل أو تحيز من أجهزة الدولة, ولكل عراقى الحق دون تمييز فى التصويت والترشيح


الثروات الطبيعية والثقافية والحضارية هى ملك لكل شعب العراق بأجياله المتعاقبة ولاتنقل ملكية هذه الثروات أو أى جزء منها الى أية جهة أخرى عامة أو خاصة


الخدمة العامة والصالح العام والعمل الصالح هى أساس عمل الدولة العراقية ولا يجوز استخدام أجهزة الدولة ومؤسساتها لخدمة مصالح شخصية أو فئوية التضامن بين مواطنى الدولة وبين الأجيال وبين مناطق القطر ومع المريض والمسن والطفل واليتيم والمحتاج ومع كل انسان فى حالة ضعف هو أساس السياسة الاجتماعية للدولة العراقية
 

السيادة والأمن والدفاع الوطنى والعدل والصحة والتعليم والماء والطاقة والمواصلات والخدمات الأساسية وإدارة المال العام وإدارة الثروات الطبيعية والثقافية والحضارية هى أول واجبات الدولة والتمتع بخدمات الدولة هى حق لكل مواطن بدون تمييز

الجيش الوطنى هو أداة الدولة للدفاع عن الوطن ويمنع العراق إقامة قواعد عسكرية أجنبية على أرضه كما يمنع إقامة الأحزاب والجمعيات المسلحة.


وفي الواقع ان التمسك بالهوية العربية الاسلامية ليس فقط عقدا يحمي المجتمع العراقي من السير في والخضوع الى المشاريع الاجنبية وانما كذلك نضالا يجعل الحركة الاجتماعية في العراق جزءا من هذه الحركة الاجتماعية التقدمية المتصاعدة في العالم ضد العولمة النيوليبرالية والمشروع الامبراطوري الامريكي ،هذه الحركة التي تنادي بانه من الممكن بناء عالم اخر اكثر انسانية من هذا العالم الذي تسود فيه بربرية تمركز الرساميل والقوة التي تسحق الضعفاء والفقراء وتدمر البيئة وتخلق الحروب والفقر والبطالة وتقلص الحريات المدنية والسياسية ويعلم الجميع احد ان الاستراتيجية الامريكية في المنطقة هي مفصل من مفاصل الاستراتيجية الامبراطورية وهي تهدف الى نفس الاهداف كما في المناطق الاخرى وتستخدم نفس الحجج للحصول على الدعم والتاييد فالمشروع الامريكي الامبراطوري القائم على حرية انتقال الرساميل دون ضوابط او عوائق وحريته في تملك الثروات الطبيعية للبلدان الاخري باسم اقتصاد السوق وانتهاء دور الدولة الوطنية هو امر يلقى معارضة متزايدة في كل بلدان العالم ومن بينها البلدان المتقدمة لان نتائجه العملية هي افقار الفقراء واغناء الاغنياء وتهميش الطبقة المتوسطة حتى في الولايات المتحدة نفسها ولم يعد احد يصدق ان الراسمال لا وطن له وان حريته في التنقل والانتقال من شكل لاخر سيجلب التقدم والتنمية اينما يحل وانه سيكون مصاحبا بتوسع الحريات التي تودي الى الاستقرار والعدل فشعبنا وشعوب العالم عندما تنظرالى ما يجري في العالم تجد ان البرجوازية التي هي التجسيد الحي للراسمال هي بورجوازية لها وطن  ولها دولة وحكومة ولها جيوش ويتجسد ذلك بشكل اوضح في الولايات المتحدة الامريكية  كما ان حرية انتقال الرساميل لم تجلب لاحد التنمية الدائمية فالازمات المالية المتعاقبة تتكرر ولا يستفاد منها الا الراسماليات الاكثر تقدما .كما اكتشفت شعوبنا ان هذه البرجوازية لا تتوانى عن غزو البلدان الاخرى للاستحواذ على ثرواتها الوطنية وانها لن تتوانى عن خرق كل القوانين الدولية التى توصلت لها البشرية كاساس للتعامل بين الدول وفي مقدمتها خرق ميثاق الامم المتحدة وهي لن تتوانى عن استخدام كل الوان البطش والعنف والعقاب الجماعي لكل من يعارض سياساتها


لا احد ينكر التقدم الهائل الذي حققته الولايات المتحدة عن طريق نموذجها الديموقراطي في بلدها ولا احد يرفض التواصل مع شعوب العالم وتبادل المنافع والحوار ولكن شعب العراق وحركاته الاجتماعية ترفض المشروع الامبراطوري الامريكي لانه لم ولن يجلب سوى الخراب والتخريب لشعب العراق مما يدفع حركاته الاجتماعية لان تتوحد وتتطور وتزداد اتساعا على اساس من هذا الرفض. 

 

عبد الاله البياتي
02 / 06 / 2005

 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاثنين  / ١٣ جمادي الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٨ / حزيران / ٢٠٠٩ م