سياق الخلاف البرلماني '' الكويتي '' '' العراقي ''

 
 
 

شبكة المنصور

الهادي حامد / تونس
البرلمان مؤسّسة تشريعية سيادية تكون سلطة الدول وبعدها الشعبي التمثيلي. ضمنها تطرح القضايا التشريعية الخالصة أو السياسية من منظور تشريعي ، سواء تعلقت بالشأن الوطني المحلي أو بالسياسة الخارجية. ومن رمزية نشاط هذه المؤسسة أنها تعبر عن نبض الشعب وتطلعاته وتوجهاته ، أو تعبر عن مصالحه الحقيقية كما تقدرها هياكل الدولة والجيهات المختصة. لكني ألاحظ أن الخلاف الذي ظهر، أو طفى على السطح مؤخرا ، بين برلمانيي العراق والكويت لا يعبر بالضرورة ، في رهاناته وآفاقه ، على مايمكن أن تتخذه " الدولتين " من خيارات وسياسات. باعتبارهما سجيني رؤى الراعي الأكبر لهما وحاميهما ومعلمهما : أمريكا. وقد تكون أصابع هذا الراعي منغمسة في عمق الخلاف من باب جس النبض وتحسس مخارج لقضايا محددة لا يفيد فرضها بالأسلوب الفج والمباشر.

 
ماذا يطلب برلمانيو الكويت..؟؟..وماهو الهمّ الأكبر لعصابة المضبعة الصفراء و"لبرلمانها" الوطني جدا ..؟؟..خلاصة موقف الكويتيين انه لا مجال لترك العراق في حاله وخارج الوصاية الأمريكية المباشرة والرسمية المدونة في مجلس الأمن من دون أن تستكمل المبالغ المالية التي في عهدته لصالح الكويت اثر دخول الجيش العراقي لها سنة 1991. وهي الخطايا التي اجبر العراق على دفعها لما يفوق العشر سنوات من غذاء أبنائه ومستوى عيشهم وحاجاتهم اليومية الملحة ، بأسلوب غير مشروع وظالم وبشكل يأخذ طابع النكاية أو التشفي. رغم أن دخول الكويت كان رد فعل مباشر على اهانة النظام الكويتي لماجدات العراق خلال التفاوض بمناسبة الحرب الاقتصادية القاسية التي أوعز لهذا النظام شنها على شعب العراق اثر خروجه منتصرا على الفرس. ورغم الحقيقة التاريخية المغيبة قصدا وعمدا والتي تشير إلى أن الكويت مقام تابع لقضاء البصرة قبل أن يقتطعه الانجليز...لن نخوض في هذا الأمر لأننا غير مهيؤون له أولا ، وثانيا لأنه ليس موضوعنا هنا ، وثالثا لان هذا الموضوع لا يطرح في تقديري إلا في ظل اشتراطات إقليمية وعالمية معينة... " دولة " الكويت تطالب بحق خلاص ماتعتبره حقا أو دينا...بدل أن تعطي من عندها لهذا الشعب الجريح والمظلوم والمحتل والمشرّد ، بدل أن تثيرها النخوة العربية وتدفع بأساطيلها إلى المحافظات العراقية محملة بالغذاء والدواء والأغطية والبنزين للمساكين من شعبنا الذين ضاقت بهم السبل ووجدوا أنفسهم معلقون مابين الأرض والسماء ، " دولة " الكويت بدل أن تفعل هذا الواجب تجاه الشعب الذي شكل بأجساده ستارا بشريا أمام جحافل الفرس  وقدم في هذا الواجب القومي ألوفا من خيرة شبابه ورجاله ، تدفع بأساطيلها عونا و دعما للمحتلين ورفاهية لهم.وتسعى عبر مخابراتها إلى اقتطاع البصرة التي كانت في الماضي مقاما تابعا لها ، نحو إحداث دويلة ينعم بخيراتها آل الحكيم والصفويين الجدد  المجوس البارعين في التجارة ، كفن في السياسة وفي تحطيم الأوطان.الكويت تساعد المحتل والعملاء ، بغير حساب ، وخارج كل حساب ، نكاية في الشعب العراقي حتى لا يتعافى ولا يعود إلى مستوى العظمة الذي كان عليه. ونعلم أيضا ، كمايعلم الكويتيون أنفسهم ، وولي أمرهم ،وأعضاء نادي أصدقاء الصهاينة والمتصهينين في أمريكا ، وكل الذين يشبهونهم في الفعل المشين ، أنهم صرحوا قبل الاحتلال برفضهم التعاون مع الغازين ، وبأنهم يشجعون " الشعب العراقي " على الثورة ضد نظامه ، والانتقال بجهده الذاتي إلى " الديمقراطية "..ولكن..سرعان مابدأت جحافل الغزاة تحط في ارض الكويت و تكدس فولاذها استعدادا للجرم المشهود  !فتحول البلد إلى معسكر ، خيامه النزل الفخمة ورفاهيته من كل نوع وصنف ،وأجّر بالمجّان ولأجل غير محدد ، سعيا لإيذاء الشعب العراقي العظيم. في نص لي يحمل عنوان " الصراع العربي الصهيوني...بغداد أولا!" ذكرت في آخر إحدى الفقرات أن الكويت لا مستقبل لها ، دون توضيح، وكنت اعني أن حجم التآمر الذي إرتكبته ، يسلبها أي إمكانية للبقاء، ولو بعد ألف سنة!!، لان ذلك لن تنساه الأجيال العراقية ولن تحذفه من ذاكرتها أو تتسامح معه ، أيا كانت الظروف والتغيرات.كما أنها ، من خلال التشبث برقبة العراق إلى اليوم تكون قد قطعت من جهتها أي أمل في إصلاح ذات البين. أو التراجع عن سياسة إلحاق الأذى. إنها تعرف ، بل قررت بان لا تكون صديقة للعراق ابد الدهر ، أو تتعامل معه كشقيق ، رغم أن صدام رحل، والحقد فقد أساسه!.إن الدعوة الكويتية البرلمانية هي في الأصل رغبة أسرة آل الصباح ، ولكنها تريد من خلال البرلمان أن تعطيها بعدا شعبيا ومشروعية برلمانية.كيف لا وهي واحة الديمقراطية في" الشرق الأوسط " ؟؟!!، حيث يشتغل البرلمان على تصريح هذا المثقف أو ذاك ، أو على قضية الحجاب أو على استضافة وزير، أو الاحتجاج على استضافة المقاومة لأحد المواطنين ، أو على ضرورة اعتذار عرفات  حتى وهو ميتا ؟؟!!...بينما لا يتطرق هذا "الصرح الديمقراطي" لوجود المحتل على أرضه أو سلوك المحتلين كمالكين للبلد ، أو إلى الاتفاقيات السرية المبرمة معه ، إن كان ثمة اتفاقيات أصلا!! أو إلى موقف آل الصباح من العربدة الصهيونية و المحرقة التي تعرضت لها مدن العراق،أو إلى أسعار النفط ومصيره في ظل وجود الجيوش الأمريكية وأساطيلها. لم يسأل البرلمانيون الكويتيون الأشاوس على انتفاع الأمريكان بالنفط، وعلى تزيدهم جيوشهم في العراق به ، فيما اذاكان مجانيا أم بثمن..؟؟!!.. وليطرح البرلمان " الوطني " حتى الرمق الأخير مطلب التداول على السلطة في الكويت ، وإلغاء النظام الأميري ، باعتباره نظام سلطوي عرفي متخلف يتعارض مع حق الشعب في اختيار من يحكمه أم أن الكويتيون يهيمون بالأميرية ، في عصر مابعد غزو الفضاء!!..." وفي الهيجاء ماجربت نفسي ، ولكن في التنكيل بالعراقيين كالغزال!".

 
نعود إلى ضباع المضبعة  الصفراء ، إن همّ حكومة الاحتلال هو التّطبيع مع الشعب العراقي خصوصا في ظل مارشح من سرقات وسهرات وصفقات في الجنوب والشمال وانفضاح أمرهم وإفلاسهم، همّهم هو اختراق الحصار الذي تفرضه عليهم المقاومة والشعب. تقديم أنفسهم كحماة له ومدافعين عنه والمؤتمنين على مصالحه.لذلك كان الموقف الكويتي العدائي الجديد " فرصة " يجب اقتناصها. من خلالها يظهرون " وطنيتهم " المفاجأة !.فيستقطبون المحترقين بالحقد الكويتي، والمجروحين بخناجر آل الصباح!.بالله عليكم أيها العراقيون الشرفاء : أين كان البرلمان الطائفي قبل هذه اللحظة..؟؟!!..هؤلاء يحتجون على دعم الصباحيين للاحتلال الأمريكي ، والحال أنهم أكثر دعما له منهم..!!!..أليس هذا استحمارا واستضباعا واستغفالا و احتقارا لكم..!!..إذا كان الأمريكان دخلوا غازين من جنوب العراق ، ومن الكويت تحديدا ، فمن أين دخلوا هم..؟؟!!..أأمطرت بهم السماء..!!..الم يدخل البرلمانيون " الوطنيون جدا جدا " و " الغيارى" على شعبهم ضد الصلف والتطاول الكويتي من حيث دخل الأمريكان..؟؟!!!..من الكويت ومن غير الكويت..!!!..من كردستان وإيران..!!..ماالفرق بينهم إذا..؟؟!!..الم يهرع الكثير منهم إلى المعتقل للشماتة في البطل صدام والسخرية منه ، والحال انه اسّر وهو في صف المقاومة ومن موقع القيادة ، لا من اجل منصب الرئاسة بل من اجل مسح عار احتلال شعبه كمواطن عراقي شريف تماما مثل أي عراقي..؟؟!!..الم ينحروه في فجر العيد ضاربين بكل تقاليد الشعوب في المقاومة وبالقيم النبيلة وبالعقيدة الإسلامية ...خدمة لمعسكر أعداء العراق العظيم والأمة..؟؟!!..أليس ذلك خدمة لآل الصباح وللأمريكان وللصهاينة وللفرس و للأسر العربية الحاكمة الحاقدة وللصهيونية العالمية..؟؟!!..الذين " يتصدون " اليوم لتصريحات البرلمانيين الكويتيين هم من يحمل غرائز تقسيم العراق ، وقد قسموه فعلا إلى طوائف ومناطق، إلى سراق ومسروقين ، إلى قتلة وضحايا ، إلى  سجانين ومعتقلين ، إلى حكام ومحكومين ، إلى موالين للشيطان الأكبر و مقاومين له ولذريته...كل رئيس حكومة تنصبه أمريكا لابد أن يزور الكونغرس ويقدم خطبة الوفاء والولاء، ويستدرّ الإعجاب والثّناء!!!.. ولا ننسى أنهم من مرّر وثيقة إخضاع العراق إلى الحماية الأمريكية والبريطانية في مايعرف ب"وثيقة الإذعان " ، كان برلمانيو العراق في غاية السعادة وهم يقرونها بدل أن يعلنوا العصيان المدني ويدخلون في اعتصام مفتوح طلبا للخروج الفوري للمحتل من بلدهم أو الإعلان عن المقاومة بأنها الممثل الشرعي والوحيد للعراق ، مشاركة في نضال شعبهم من اجل الاستقلال !!  ...أيهما  أكثر حبا لشعب العراق الأبي : الذين نصبهم الأمريكان عليه تنفيذا لأحلام غلاة الصهيونية  أم آل الصباح..؟؟!!..أم أنهم في الحقد والغدر سواء!..أيهما أكثر حقدا وغدرا : أولئك أم هؤلاء ..؟؟ !!..أم أنهم في الحقد والغدر سواء..!!..إنهم والله في الحقد والغدر سواء..!!..

 

وليّهم الأكبر أمريكا سمح بهكذا تصريحات للأهداف المحتملة التالية :


-1-هذا التحريك قد يفضي في النهاية إلى حل المشكلة بين الطرفين ، أي حل ،في سياق استعجاله الرحيل وتصفية الملفات الخلافية،بشكل مؤقت طبعا.


-2-مساعدة عملاؤه في العراق على كسب التأييد الشعبي، وتمكينهم من اختبار مفتعل ورمزي في الوطنية.وهذا في مواجهة القوى المقاومة.


-3-الحفاظ على حالة القلق لدى أسرة آل الصباح وبرلمانها ،كي تكون الرقبة تحت السكين دائما. ويظل متحكما بأفق وجوده هناك،ومستفيدا بالمجان من الثروة النفطية الكويتية.


-4-تحمية الخلافات العربية العربية ، الحدودية وغير الحدودية ، استراتيجيا ثابتة لمعسكر الأعداء وللقوى الاستعمارية عموما.وهي الجهة المتحكمة في مداياتها.


-5-توريط القوى المقاومة في التخندق إلى إحدى الجهتين، وفقدانها للميزان.


-6-جس نبض القوى المقاومة مبكرا فيما يتعلق بالموقف من الكويت ، خاصة وهو يعلم الأصل التاريخي العميق للمشكلة ودور الانجليز في خلقها.

 
إلا أننا نؤكد بان حكومة البرتقال والعمائم ، وهي تتابع رد فعل برلمانها، ستجنح إلى التهدئة. ليس لأسباب قومية أو تقديرا لقيم الجوار العربي أو تفويت الفرصة على أعداء الأمة وإنما لكونها سبق وان تورط احد  "صقورها " ،الحكيم الرجيم ، في مطالبته بتسديد تعويضات لبلده (إيران الفارسية) لقاء هزيمتها في الحرب الثماني سنوات. ورغم أن خدمته لبلده ، سواء بالانتماء أو بالعمالة ، أمرا منطقيا إلا أن الجائزة يستحقها المنتصر في الحقيقة ، بينما يستحق المهزوم ، إذا استحضرنا الأخلاق، ليس أكثر من رفع المعنويات وقبول الهزيمة بروح رياضية!.إذا كان هذا حال حكم الحكيم الرجيم ، فماذا ستقول الحكومة فيما يتعلق بمطالب آل الصباح..؟؟..وأية مصداقية لما يمكن أن تقوله..؟؟، هذا بالاضافة إلى حرصها على الأمن الإقليمي وعلى طمأنة الجوار بدليل أن جماعة البرتقال نددوا بالتجارب النووية لكوريا الشمالية..، التنديد الذي يجعل الكائنات غير الناطقة تنطق وتقهقه وتتلوى من الضحك ، على وطنيتهم العابرة للحدود.

 
في مقال سابق يحمل عنوان : "الحلف الجديد...خدعة صهيونية جديدة " بينت أن الصراع الفارسي الإسرائيلي هو صراع نفوذ وليس صراع وجود.صراع حول الغنائم ووراثة الدور الأمريكي السائر إلى الفشل.بحيث لا تكونوا أيها العراقيون وأيها المثقفون مع هذا ضد ذاك. واليوم أنبهكم إلى أن لا تكونوا ، أيضا ، مع هذا العميل ضد ذاك العميل. صارعوا أعداءكم الصهاينة والفرس ، وهم يتصارعون حولكم وضدكم. صارعوا العملاء أيا كانوا ، في مستعمرة الكويت أو في المضبعة الصفراء.فالمعركة هي نفسها. والنصر هو نفسه.

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الخميس  / ٠٩ جمادي الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٤ / حزيران / ٢٠٠٩ م