نافذة / ديمقراطية الاجتثاث أو اجتثاث الديمقراطية

﴿ الجزء الثامن عشر ﴾

 
 

شبكة المنصور

سمير الجزراوي

-ان اقامة الديمقراطية لا يعني وباي شكل من الإشكال اللعب باحوال الشعوب وبمصائرها,وتحت يافطات اطلاق الحريات العامة و لتستغل لاطلاق الفوضى والغوغاء,وتجعل المحاصصات الطائفية والمذهبية والعرقية بديلا عن المشاركات ,ونحول الانقسامات والاختلافات بديلا عن وحدة الوطن,ونستخدم مفردات الديمقراطية لتصفية الاخرين وقلعهم (اجتثاثهم)وبدلا من الترفع عن الصغائر ولمصلحة الشعب والوطن.

 

ان هذه الصور ماهي في حقيقتها الا صور مشوهة حتى للحياة البدائية في المجتمعات المشاعية والتي هي من المراحل الاولى لتطورالتاريخ الانساني.وان كل الخطابات السياسية المعاصرة حول الديمقراطية لم تشهد حقدا وضغينة وتصفية حسابات مثل الذي يحدث الان في العراق,وان كل الذي يقال عن الديمقراطية و التعددية هو زيف وكذب وافتراءمن قبل قادة سياسين واعلامين يطبلون لشئ ما يحدث في العراق هم يسمونه بالعملية السياسية!وان المحتل الامريكي هو الذي الان يسئ الى الديمقراطية في العراق من خلال مظاهر الفساد الاداري وعمليات القتل والخطف ونقص حاد في الخدمات وفشل ذريع في الاعمار والتنمية,واخفاقات في تحقيق الاصلاحات السياسية و في مقدمتها المصالحة السياسية الحقيقية.ان امريكا لم  تأتي بالديمقراطية في العراق أو في المنطقة لتسجل لنفسها المباداءة فالتاريخ العربي الاسلامي يشهد بالكثيرعن الممارسات الديمقراطية في وطننا العربي والتي سبق ان ذكرناها ,فنحن لسنا بحاجة لاحد ان يعلمنا ماهي الديمقراطية وكيف نتعامل بها أومن خلالها مع انفسنا أومع الاخرين, ويكفي ان نقول  وبكل صراحة بأن ديمقراطيتنا لا توضف الدين في الديمقراطية بل تستمد منه في بلورة مبأدئها واخلاقياتها,وهذا يشمل كل مناحي حياتنا العربية ,وكما نؤمن بأن تطبيق القانون هو أول اشارات الحياة الديمقراطية,وبعكسه ان الفوضى والغوغاء ولاي سبب هما أول الاشارات والدلالات على اللاديمقراطية ,وليكون نتاجها تفشي حالات القتل والخطف والاحتجاز العشوائي والفساد الاداري والمالي والتهجير,وماعدا ذلك يعد خدع وتزيف للديمقراطية سواء بانشاء برلمانات و حكومات على اسس طائفية عرقية ومذهبية ومجالس نقابات غير معترف بها اقليميا أو دوليا وهياكل غير فعالة رقابية كهيئات تتعلق بمراقبة النزاهة أوانتخابات أو تطبيق العدالة أو حقوق الانسان أو اعلانات مزوقة بعبارات تحكي عن الحريةولا تعرف كيف تقول كيف تمارس حقيقة  .

 

4-ان كل الذي نحتاجه  في اقامة المجتمع الديمقراطي هو ان نفهم في البدء ماذا تعني لنا الحرية؟وهل ان الديمقرطية يمكن استيرادها أو استجدائها من تجارب الاخرين ,فلا النظام الديمقراطي لامريكا ولا انظمة دينية متشددة بقادرة على حل معضلة الديمقراطية في عالمنا العربي والاسلامي.

 

فنحن نحتاج لديمقراطية توفر لنا الخبز والامان وليس ديمقراطية مظهرية فيها رموزا للديمقراطية ووفق المفاهيم الغربية ولكنها تفتقد لروحية وحقيقة الديمقراطية,فالوطن العربي غني بالموارد عموما ودولنا العربية تحتاج لاعادة تنظيم حياة الفرد والمجتمع على ضوء قيمنا الموجودة في شرائعنا السماوية,وحقوق الانسان والعدالة والحرية عامة مترابطة متفاعلة مع بعضها وتحترم من قبل الانسان العربي يقدر قربها من الدين وتعاليمه,واما في الغرب الذي خلق لنفسه قيم ومعايرخاصة بالفرد ومن ثم بالمجتمع,فلا يمكن ان يوفر لنا تكوينات حياتية مثل الديمقراطية ,فعلى سبيل ان الديمقراطية الامريكية لم تجلب حاة الرخاء للانسان أو المجمتع الامريكي فكيف الحال في واقعنا العربي,فالدراسات والاحصائيات تقر بوجود حقيقة لابد من ذكرها

 

وهي زيادة في اثراء الاثرياء : ففي عام  1947 كان20% من الامريكين لهم حصة تقدر ب 43% من المداخيل السنوية..في حين في عام 2006اصبحت نفس هذه النسبة من الامريكين يتقاسمون50,5%.ولو توقفنا عند هذه الحقبة الزمنية والمحصورة بين عامي 1947 و2006 وحللناها على ضوء هذه المؤشرات الاقتصادية ,مقابل التوسع السياسي والحقوق المدنية وتوسيع وارتفاع درجة ممارسة الحريات الأساسية لم يؤد إلا لتنويع النخبة فقط. وأن كل الانتصارات الديمقراطية التي تحققت في الولايات المتحدة قرابة 60 سنة,لم تفعل سوى فتح باب هذه النخبة للسود وبعض الاقليات في الولاياة المتحدة الامريكية الاهذه التوسعات في الحريةو مقابل زيادة في غنى النخبة الغنية نفسها.واما الفقراء الامريكيون فلم ينلوا أي تغير في وضعهم الاقتصادي.وهذا ينطبق على بريطانيا وايظاالهند,وكل هذه النماذج الفريدة من الدول الديمقراطية  والتي يتغنى الكثيرمن السذج بنزاهة الانتخابات فيها والتمثيل الشعبي الواسع في برلماناتها,والتوسع في الحريات حتى للمستهجنات دينيا واخلاقيا كاعطاء الحريات لزواج المثلي الجنس الواحد, وغيرها من محرمات اية شريعة سماوية تحت فقرة الحريات الشخصية,ولكن كل هذا التمدد في الحريات يقابله استقطابا اكثرلطبقة الرأسمال وزيادة لرفاهيتها لا يعنينا بشئ في واقعنا ولا يخدمه ابدا. واذا ما تفحصنا المجتمع الروسي في ظل ديمقراطية الاشتراكية العلمية وفي ظل الانفتاح الاقتصادي أو ما يسمونه بالاقتصاد الحر ,لوجدنا ان الفرد الروسي يستطيع الان ان يعيش ديمقراطية كان محروما منها ولكن الجوع ضرب بطون الاكثرية من الروس والتحلل الخلقي زاد بنسبة كبيرة جدا وان غياب معاير القيم والاخلاق لم تعد لها مكان الا في عقول و نفوس القلة من هذا الشعب العظيم,في حين كان المجتمع الروسي لايشكوا من بطالة أو جوع اونسب عالية من التفسخ الاجتماعي..

 

وايظا يمكننا ان نلاحظ ارتفاع كبير في مدخولات دولة الصين (الاستبدادية وحسب التعابير الديمقراطية الغربية)وكذلك تحسنا كبيرا في مستوى المعيشة في الصين بالرغم من تجاوز نفوسها لاكثر من مليار وربع نسمة!!وهي دولة اشتراكية استطاعت فقط ان تخرج ايديولوجيتها من قضبان ماركسية كانت نتاج مرحلة في القرن الثامن عشر والتي كانت تؤكد على ضرورة تأريخية فرضتها تلك المرحلةبقيادية البروليتارية للمجتع الاشتراكي والصين كانت لا تزال في مجتمع تسوده الطبقة الفلاحية,وزاوجت بين ماركستها وبين معطيات واقع مجتمعها في القرن الواحد والعشرين,وبذلك بدءت نهضتها العملاقة الان. فهل نحتاج لديمقراطية مؤسساتية مظهرية ولكن مع مواطن جائع ؟أي هل نحن بحاجة لديمقراطية بنظام غير قادر على تحقيق فيه عدالة اجتماعيةوانما تكون اداة لتوسيع الفوارق الطبيقية وخلق وتنمية النخب الاقتصادية التي ستنتهي بان تتبلور لنخب سياسية واصحاب نفوذ ,ولتفرض بعد ذلك اجندتها في نوع وطبيعة النظام الذي يتوافق مع مصالحها وتصبح كل الوسائل المؤثرة والفاعالة على المشاعر والافكار والمعتقدات..

 

اذن لنتسأل وبعقلية علمية وبنزاهة هل هذه تندرج في مهمة الديمقراطية؟  ولكن الرد يكون في تفحص كل القيم التي تخدم الديمقراطية وتسعى لترسيخها,وبالتدقيق نكتشف انها تدور وتحوم حول الحريات الفردية وحرية الجماعة في المساواة امام القضاء وامام صناديق الاقتراع والتمثيل الفكري والعقائدي.واختلافنا كمجتمعات عربية واسلامية مع هذه المجتمعات الغربية يكمن في الانطلاقة الاولى ,في حين نحن نضع العدل كأول قيمة في بناء مجتمعاتنا ومن ثم تتلاحق قيم اخرى من بعدها ,والمجتمعات الغربية تضع القيم المادية ومجموعة من القيم الاخرى ملحقة بها بترتيب بتلائم مع الايديولوجيات التي صيغت بعد الثورة الفرنسية.فكلا المنطلقين يبقيان ناقصين مالم يترابط طرفي معادلة بناء المجتمعين وهما العدل والحرية ,فالغرب يحتاج الى كم من العدل يتناسب مع كم من الحرية لبناء مجتمعاته وكذلك العرب يحتاجون الى كم مناسب من الحرية لبناء المجتمع العربي .

 

ان هذا التوازن نلاحظه وبشكل واضح في فكر البعث العظيم في معالجته بتحقيق التوازن بين الطرفين الحرية والعدالة في منطلق الحزب القومي لمعالجة تعقيدات واقعنا العربي فالقائد المؤسس والمفكر القومي العظيم ميشيل عفلق يقول(أي ان نؤمن بأن العرب لا يمكن ان ينهضوا الا أذا شعروا و امنوا بأن هذه القومية ستضمن العدالة والمساواة والعيش الكريم للجميع)*وكذلك يقول في نفس المقال (..وكما استجابوا في الماضي لنداء الدين فاستطاعوا ان يحققوا الاصلاح الاجتماعي فانهم يستطعيون اليوم تحقيق العدالة و المساواة بين المواطنين وضمان الحرية بين العرب جميعا نتيجة الايمان القومي وحده)*ان هذا الحديث للقائد المؤسس في عام 1946!!وهو يعطي الحل للموازنة المطلوبة بين العدل والحرية بالايمان القومي العربي .فهل يحق لمن يتبجح بالديمقراطية ان يعمل على اجتثاث من عرف الحرية كفلسفة ومنطلق والديمقراطية كتطبيق ويعمل من اجل الرفاهية وسعادةالانسان العربي ,فهو يجتث الفكر الديمقراطي والتظيم الديمقراطي ويعمل على ادامة الاحتلالات العسكرية والفكريةوالاجتماعية واقتصادية لاجنبي غريب سواء جيء به من الشرق أو جيء به من الغرب ,ولكن ايماننا بالله الخالق وبقوة فكرنا العربي الانساني وبمناضلينا الاشداء سنربح الجولة القادمة بعون الرب...امين

 
 
* في سبيل البعث - معالم الاشتراكية العربية في عام 1947
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الجمعة  / ١٠ رجــــب ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٣ / تمــوز / ٢٠٠٩ م