شرعنة ( الخيانة ) الوطنية عربيا

 
 
 

شبكة المنصور

جاسم الرصيف

اذا كانت خشية المناضل غسان كنفاني ، رحمه الله ، أن تكون الخيانة مجرد ( وجهة نظر ) فقد جاءت بأتعس من هذا بكثير في عالمنا العربي ( الجديد ) : معتدلا ومتطرفا ومعوجّا .

 

*  *  *

لاملامة على عرب صادرت أنظمتهم الرسمية حرياتهم ، وأحكمت سيطرتها حتى حدود أحلام يقظتهم بحد أدنى من الكرامة وحد أدنى من الحرية الحقيقية ، وواحد من مليون من ميزان ( من ساواك بنفسه ماظلمك ) ، على معيار أن الحكومة وحدها ( وليّة الأمر والنهي ) حتى على اللباس ، وربما ماتحت اللباس حتى ، فرحلت بداهة  تهمة الخيانة الى من تولّى الأمر مسؤولا عن كل خطيئة بحق الشعوب ، على دلالة أن حكوماتنا إنفكّت وماإنفكت تثخن بعضها بالجراح بعد يأسها من وجود محل تجرحه في أمر شعوبها .

 

منذ عقود والعرب يجترون نكباتهم وهزائمهم في فلسطين دون منفذ للخلاص ولو من نكبة واحدة في الأقل ، فلم يهنأ الفلسطينيون بيوم حرية واحد قد يحسب على منجزات أولياء الأمر العرب عن ( قضية الأمّة ) ، الذين إكتشفوا مربحة في تلك المأساة حولوا رصيدها الدولي الى أطنان من هراء حبر على ورق في سجلات تبييض وجوه عربية رسمية على منابر واشنطن تزداد إسودادا ثانية بعد ثانية عند العرب .

 

ومنذ سنوات ، قبل وبعد 2003، يتواطأ رسميو العرب على إحتلال العراق بقوات أمريكية عن سابق عمد وتصور أحمق على الظن أنهم سيتخلصون ، وقد ( تخلصوا !؟ ) ، من نظام ( معاد ) لهم دون ان يعيروا مصير عربهم ، ( 25 ) مليونا من ( 30 ) ، في العراق إهتماما يذكر حتى بعد مرور أكثر من ست سنوات من مآسي الإحتلالات المركبة التي طالت مقابرا لأكثر من مليون شهيد وخيام ستة ملايين بين مهاجر خارج العراق ومهجّر في داخله .

 

وحوصر ثم أغتيل رئيس ، اسمه : ياسر عرفات ، ياعربنا ، وقبله أسر رئيس عربي ، اسمه : صدام حسين ، ثم أعدمته قوات الإحتلال بالتواطئ مع أعدائه ، من غير العرب ، ولم يقدم رسميو العرب أمرا ولم يؤخروا ، ولاربطوا رجل دجاجة ولاحلّوها ، من أهم عواصم العرب الى أقلها أهمية ، بل مرّت أيام شعر فيها العرب البسطاء أن رسمييهم يرتعدون من مصير مماثل اذا لم يلمّعوا بساطيل الجنود الذين غزوا العراق.. عبر دول عربية فتحت كل منافذها ومخارجها لمجرمي الحروب وتجارهم .

 

*  *  *

 

تحولت ( الخيانة ) في عالمنا العربي من ( وجهة نظر ) : يتبناها عميل ، متعدد الولاءات ،علنا ، كما وثقت أيام ( العراق الجديد ) الى : ترحابات ( عربية !؟ ) تملأ السمع والبصر ، على ( إخوة ) مهجنّة في معامل واشنطن وتل أبيب  !! وبتنا نتعلم ، بأمر من ( كونداليزا رايز ) ، أو ( كوندي ) ، تودّدا : ثقافة التطبيع وتعلّم الخيانة الوطنية ، بشقيها الديني الشرعي على جناح ملالي يسمّون الإحتلال ( تحريرا ) ، وجناح رسميين يسمّون ذل ّ الإحتلال ( دبلوماسية  ) !! .

 

شرعنة الخيانة الوطنية ، رسميا ، اذا جاءت ( محسوبة ) ، اوغير محسوبة ، أتت بأكلها دون شك عند كل نقاط حدود ( سايكس ــ بيكو ) القديمة والجديدة ، اذ بات العميل العلني لقوات الإحتلال يمر عاجلا ( محترما !؟ ) على بساط أحمر ومستقبلين باشّين هاشّين من عربنا ، وبات الرافض للإحتلالات المؤمن بحق العرب في الدفاع عن أنفسهم ( مشتبها به )، ومشروع ( إرهابي ) ، عند كل شرطي عربي .. وكأن عالمنا قد إنقلب عاليه سافله لأن رسميينا :

 

شرعنوا ( الخيانة ) الوطنية .

 

*  *  *

 

بعد الآن لن تأخذ العربي منا حيرة اذا ماظهر عملاء مستنسخين عن عملاء ( العراق الجديد ) وإستولوا على مكّة أو القاهرة أو دمشق أو تونس أو الرباط مثلا ، لأن للأمر سابقة عربية مضحكة مبكية لم تحصل في كل قوميات الأرض : أثبتت أن العميل ، أو الذي يخون وطنه ــ لمزيد من الايضاح للرسميين العرب ــ هو ( المحترم الرابح ) في عالمنا ، ومن يرفع راية الوطنية لابد أن يكون ( إرهابيا ) ، أو ( مشتبها به ) في الأقل .

 

والى حين تسقط عاصمة عربية ثالثة ، ويعدم رئيسها ، سيبقى عالمنا العربي عاجزا عن تسمية ( الخيانة ) بإسمها واسماء من إرتكبوها .. فلننتظر !! .

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاحد  / ٠٤ شعبــان ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢٦ / تمــوز / ٢٠٠٩ م