المقاومة العراقية : غرور السلطة افة الشعوب

 
 
 

شبكة المنصور

الوليد العراقي
كم قرأت وكم اطلعت وكم حللت وكم استخلصت من تاريخ الحكم في العالم ولم اجد اشنع وافضع من الغرور اذا ما اصاب الحاكم .ان تلك الظاهرة المرضية المريبة التي تصاب بها الكثير من الحكومات هي بالنتيجة  تؤدي الى الانحدار السريع بالحكومات تلك الى الهاوية ومعها الشعوب تحت قياداتها والمفجوعة بالغرور(overconfidence).هذا المرض الرهيب الذي طال الكثير من الحكام والسلاطين على مر الايام والسنين من تاريخ البشرية الزاخر بشواهده المدمرة.


ان الغرور له اسبابه ومنها:


اولا:
شخصية الحاكم وبناؤه النفساني والجسدي والروحي والعائلي والطريقة  التي اوصلته الى سدة الحكم واهم اسباب الغرور الشخصي الذي ينتاب الانسان هو الشعور والايمان المطلق الذي يصله هذا النوع من البشر على انه متميز في كل شئ على اقرانه سواء داخل البلاد او خارجها ودليله على ذلك قدرته الفائقة على اعتلاء السلطة واختراق كل الرجال المؤهلين لمنافسته لكنه استطاع بشكل او باخر الوصول ونجح فيه.كما ان تمرير الكثير من القرارت الخطيرة بأمر من الحاكم ونجاحه فيها وهنا اقصد بتمريرها دون الاخذ والحسبان لميزان النتائج السلبية والايجابية كفيل بأشعار الحاكم انه القادر الاوحد الذي لا يجارى في اتخاذ أي قرار ومن ثم النجاح في تطبيقه وفرضه على من سن من اجله.كل هذا يؤدي بالنتيجة الى النزعة الشخصية عند الحاكم بقدرته الفردية الهائلة والصائبة التي لا تحتاج الى اراء الاخرين من حوله ولا استشارتهم لانه بالضرورة وكما يرى اقدر منهم على دراسة القرار بمفرده ومن  ثم بقواه الخارقة  استخلاصه واصداره  ومن ثم على الناس التطبيق..


ثانيا:
ان الشخصية التي يتمتع بها الحاكم المصاب بداء الغرور بالضروة شخصية قوية  تتصف بعدم التردد باتخاذ القرار ولوحده لثقته المطلقة بقواه الغير عادية  والتي هي مجلبة غير عادية ايضا لنظر الاخرين الخرسان امام جبروته الموصوف بالقدرة الهائلة  للغة وفقه الكلام ومن ثم الرد الحازم والسريع لمن يريد ان يناقش او على الاقل يهمس بأذنه عن صواب الفكرة في قرار ما اتخذه الحاكم من هذا النمط.


ثالثا:
من البداهة لا بد ان يكون الطريق الذي بدأ الحاكم المغرور مشوار حياته غير عادي ومن الصعوبة بمكان يجعل منه بعد ان يعتلي السلطة  انسانا شاعرا بالتفوق الفكري والجسدي والروحي على الغير ومن هنا شعوره ان وصوله الخارق واختراقه كل المصدات الرهيبة التي نجح في تجاوزها هو نوع من الخوارق وعليه تركبه فكرة انه اسطورة  لا يجارى ولا يمكن المماثلة له من قبل الاخرين وهنا تبدأ نزعة التفرد بالقرارات  مع بدايات عمى الالوان التي يصاب بها عن الكثير مما جاء بقراره المعين من سلبيات لا يستطيع الاخرون مناقشته بها لتفرده وتفوقه كما يرى هو لا الاخرون.


رابعا:
ان الشعور بالثقة العالية  والمتطرفة هي مدعاة لان تخلق من المصاب بها انسانا اخر يرى نفسه ولا يرى الاخرين كما هم أي بمعنى اخر يرى الاخرين وكانه ينظر اليهم بربع عينه او اقل وهذا الثقب لن يسمح برؤية من حوله من كائنات على ابعادها ,كما  يجعل نفاذه الى رؤية محتواها نوعا من  الاجتزاء ان لم تكن من الاستحالة .هنا تحصل الطامة الكبرى لتأتي سلوكياته وقراراته لا تتناسب وحجم ومحتوى ما يراه من البشر ومكونات المحيط من حوله وبالتالي تتراكم الاخفاقات في المتحققات من القرارات ورويدا رويدا مع التناسب الطردي في نقصان البشر المتجانس مع تلك القرارات أي المؤيد لها سواءا عبر علانية وهذا شبه محال بدافع الخوف من السلطان او الرافض في داخله وهو الشكل الاخطر في منظومة الحكم قيد دراستنا هذه.


خامسا:
ان حاشية السلطان السيئة التي يمكن التعبير عنها(بالحزام الناسف)للحاكم والمحكوم تلعب الدور القاتل في توريط الحاكم الواثق بنفسه حد التطرف بأن يتحول الى رسول رباني وربما الى شبه اله من تغذيتها له بأغرب النعوت الدالة على القدرا ت غير الاعتيادية التي يمتلكها من ناحية ومن ناحية اخرى تعويده على طأطأة الرؤوس امامه انحناءا مشوبا بالنفاق المزدوج الذي يرافق تلك البطانة السيئة للحاكم وخاصة المغرور  ومن ثم تصديقه لما يرى بالاقحام المستمر من قبل بطانته وبالتالي تجده لا يقبل الابعد من بطانته ان يتصرفوا ويدلوا بدلوهم  بغير ما عودته عليه حاشيته السيئة  عليه وعلى ناسه أي مجموع ما بحكمه من البشر.ان هذا السلوك وتحت وطأة هذا الواقع غير المعلن لسانيا في اكثر الاحيان يخلق فيالقا من المعادين المتحينين لفرصة الانقضاض عليه ومن ثم التخلص منه.وكثيرا ما تنأى حاشيته بنفسها عنه في تراجع قدرته على القيادة أي في ازمة الحكم والسيطرة على الواقع السلبي المتراكم في مؤسسات الحكم المختلفة والتي نتيجتها زوال الحاكم الكارثي هو وشعبه وما بنى وما طمح له لانه بالظرورة يكون انسانا وطنيا لكنه من النوع المتشدد المحكوم بثقته بنفسه اللامتناهية الخادعة في كثير من الاحيان.


سادسا:
ان الثراء الذي يمتلكه الحاكم أي الامكانات الهائلة لبلاده  البشرية والمادية كفيلة بزيادة الطين بلة عليه حيث يجد ان كل طموحاته متاحة وممكنة التحقيق بما يمتلك من قدرات كما اشرنا وبالتالي تصبح القرارات في بداياتها من السهولة اتخاذها ومن البساطة تحقيقها على الارض.هنا يصاب الحاكم من هذا النوع بأشبه بالانفلات النفسي الداخلي في ما يخص القرارات حتى تتسارع في صدورها وما يحمل ذلك من احتمالات الوقوع في الخاطئ  وغير المحسوب منها لا ماديا ولا بشريا ولا زمنيا  ومن هنا تبدأ صفحة الفشل في نجاحات القرارات ومن ثم المضي في التدحرج على سفح الحكم وصولا الى قاعه وهو ضياعه  لا ريب.


سابعا:
ان الرأي العام الداخلي والخارجي قد يكون كارثيا على الحاكم المغرور في فعله الذي يسارع في هلاك الحاكم ورعيته من خلال استقبال هذا السلطان بقرارته بهالة من التضخيم والدعاية  والشهرة  وتسويغ ذلك الى الحاكم وهو يقرأ وهو يرى حتى يظن انه هو وليس معقول كل ما يقال ويكتب وينقل ويتداول من مديح وتكبير وتضخيم له نوع من الكذب والنفاق عليه .تستمر هذه الصورة امامه حتى يصدقها وبالتالي يفعل كل تقول عنه وما تريد منه وما تقترح وما تشتهي مع غياب ذاكرته  ولو وقتيا بفعل تخدير الرأي العام عن ان الذي يراه هو مزيج من البرئ والسئ وعليه التفريق بينهما ولا لمخدر القوة على ذلك وبالنتيجة يحصل الطوفان وهذا ما لم تكن تقصده الاصوات البريئة وهذا ما ارادته وخططت له الابواق السيئة من ناحية اخرى.

 
ان الشواهد التاريخية لرجال الحكم الذين اصيبوا بالغرور لزاخر بالاعداد من هؤلاء فخذ مثلا فرعون وصل به الحال الى ان قال انا ربكم الاعلى فاعبدون نتيجة سطوة الحكم ونتيجة القدرة الهائلة البشرية والمادية التي كان يمتلكها الى ان غضب الخالق عليه بعد ان لم يرى ويعترف به بل نافسه على السلطة في الكون لكن ما النتيجة غير ان البحر ابتلعه فر رمشة عين وهو يعيش اوهام الطغيان وجبروته ناسيا قدرات الطبيعة المكتنزة وناسيا القدرة الالهية الجبارة التي هي فوق كل شئ واقوى من كل شئ.

 
ثم من العصر الحديث مثالا اخر وهو ادولف هتلر الزعيم الالماني الذي وصلت به حالة الغرور بعدم الاكتفاء حتى بأوربا موحدة بل اندفع نحو شرقها ونحو جنوبها للسيطرة على اسيا وكذلك افريقيا ونتيجة ماذا ؟اليس قدراته البشرية والمادية وشخصيته القوية الممزوجة بالحنكة السياسية  والجرأة الهائلة على اتخاذ القرار .لكن هل كانت كل قراراته صائبة وهل كانت بمجملها ممكنة التنفيذ ام الغرور اصابه بنوع من التهور حتى دفعه خارج ما يجب ان يتوقف عنده من حروب ومن نجاحات اخذا بنظر الاعتبار ليس فقط امكانية تحقيق تلك الاهداف بل كيفية المحافظة عليها.من هنا لبس رداءا اكبر منه فتعثر به ومن ثم سقط في الهاوية والى الابد.لكن بالمقابل اليس هتلر كان زعيما المانيا وطنيا من الطراز الاول والفريد؟لكنه راح ضحية غرور القوة وغرور السلطة وغرور الامكانات الهائلة التي لم يحافظ عليها بالتوقف عند الممكن من النجاح والممكنة المحافظة عليه لينتهي هتلر وتنتهي المانيا الكبرى الى دولة مقزمة ومقسمة بين اعدائها التقليديين وما زالت تحت الانتداب..

 
مثال اخر على مقتل الغرور لاهله هو الرئيس الاميريكي دبليو بوش الابن الذي  ونتيجة اصابته بالغرور القاتل راح ليندفع بقواته بكل اتجاهات المعمورة مأخوذا بتطرفه وبنبؤته على انه رسول العالم اليوم وهو المنتخب من قبل الهه الى العالم كل العالم  بكل ما يمتلك من قدرات هائلة بشرية ومادية تكتنزها اميريكا  حتى اولج دولته وجيشه وشعبه في اتون حرب متعددة المحاور والقارات والجبهات ليتشظى بالنتيجة  اقتصاده على داخل الولايات وعلى جبهات الحرب والنتيجة هي الكارثة التي حلت به وبدولته اميريكا الاعظم فما عاد يسعفها لقبها ولا قدراتها على ما توحلت به وخاصة بعد دخول العراق الذي فات عليه وعلى مستشاريه ان ما من قائد دخل العراق ومهما كانت قوته حتى خرج من هذا البلد مدحورا مذلولا ولو بعد حين.

 
نقولها وللتاريخ الذي سيكون الشاهد القريب زمنيا ان بوش المغرور وقع واوقع اميريكا في الهدف الخاطئ وهو العراق وشاهدنا هو سيل الاخفاقات التي منيت بها اميريكا باحتلالها هذا البلد الامين من تساقط الكثير من المستشارين والوزراء الصقور والقادة العسكريين الاميريكيين ومن الحالة الهستيرية التي يعيشها جنودهم ومن الاف القتلى بين صفوفهم التي بلغت اضعاف ما اعلنوا عنها في بياناتهم  فضلا عن الاف المتسرحين بسبب العوق النفسي والجسدي ومن ثم انهيار الاقتصاد الاميريكي وبالتالي الاقتصاد العالمي التابع له في الكثير من دول العالم  وكذلك تململ الشعب الاميريكي من الحرب ومناداته بأيقافها وسحب الجنود من العراق.ثم الرفض العالمي لهذه الحرب الظالمة التي ادت الى سقوط بوش وحكومة الجمهوريين ومن ثم جاء اوباما الرئيس الجديد بحزبه الديمقراطي لترميم ما يمكن ترميمه من مخلفات بوش المغرور ومن ثم حل الكثير من الازمات التي تعيشها الولايات الاميريكية وخاصة في مجال الاقتصاد والصحة وخلخلة المؤسسة العسكرية ومن ثم شحذ الجنود ليتطوعوا من مختلف انحاء العالم ليقاتلونا هنا في بلدنا الى غير ذلك من الاخفاقات التي شوهت ودمرت صورة اميريكا..

 

نعم نقولها وللتاريخ ان اميريكا  في طريقها الى خسران مبين لا يمكن تعويضه ابدا ان لم تسارع بالخروج من العراق وتتركه لاهله الشرعيين من المقاومين الثوار لتجلس معهم على طاولة مفاوضات مباشرة ويعلن الاستقلال التام بعد زوال اخر جندي لهم من البلاد والا تواصلت الحرب وتوالت خسائرها المرعبة بالنسبة للامريكان.كما عليهم وعلى رئيسهم اوباما ان يقتنعوا تماما ان لا حل بالحكومات العميلة ولا جدوى ولا استقرار مطلقا لا لهم ولا للمنطقة برمتها.الحل الوحيد وعليهم ان لا يتأخروا عنه هو الخروج من العراق وتسليمه لاهله واقامة افضل العلاقات المتوازنة التي تحمي مصالح الجميع بعد نهاية الحرب بالاستقلال.

 
وخلاصة الكلام من كل هذا وذاك هو اعتدال الحاكم في رؤياه وفي قراراته  وموازنة الامور ودقة حسابها المبني على اسس استشارية بارعة صادقة ونظيفة من اكثر الناس اعتدالا ورقيا في الرؤيا  وبالشمولية لكل عقول البشر واخذها بنظر الاعتبار ومهما كانت بسيطة كون العقل الذي يدير بلد ما أي بلد هو مجموعة عقول اهله من البسطاء الى الاغنياء بالمعرفة وسدادة الرأي.كما ان العمل بمبدأ الشورى وما يسمى اليوم بالبرلمان هو صمام الامان لقرارات الحاكم ولمستقبله وخاصة بما يخص القرارات الستراتيجية التي تهم الشعب وتهم الارض أي الحدود.

 

انظروا الى صناع التاريخ الذين وضعوا اسس ما زالت واعمدة حكم ما فتئت قائمة الى اليوم بتاريخها الشاخص الشاهد لتعيش اممهم مئات السنين متوارثة  نفس العنوان فلا الدولة الاغريقية ولا الرومانية ولا العربية الاسلامية ولا الصينية ولا البوذية وغيرها قامت على افكار مغرورة بل هناك عقول ممتازة تميزت بحدة الذكاء والاعتدال والمشورة وثراء المعلومات عن داخلها وخارجها وقبل اتخاذ أي قرار مصيري.ان صناع التاريخ هم اناس مؤسساتيين وليسوا ابطال انظمة تراهم دوما ينظرون بكل مساحة اعينهم واشراقاتها الى كل المسؤولين في دولهم والى كل الشعب بمختلف الوانه على انهم راع ومسؤول عن رعيته.

 

كارثة الحكم تقع عندما يعتقد الحاكم انه الاكثر قوة والاكثر ذكاء والاكثر وطنية بين جموع شعبه لانه بالنتيجة سوف يعلو فوقهم وينعزل عنهم وبالتالي يخسر الكثير من المواقف والكثير من الرؤى المفيدة التي قد تنفع الحاكم حتى وان جاءت على لسان ابسط الناس من الشعب.ان الحاكم المغرور هو المخترق من قبل حاشيته لجهله بالمحيط  وخاصة الشعبي من حوله وبسبب تلك الحاشية  وانانيتها في حين ترى الحاكم المعتدل العقلاني البصير يخترق حاشيته هو ويكسر اسوارها ليطل على مجموعة رعيته  ويتغذى من ما تفكر فيه وتعاني منه بشكل مباشر فلا تضيع عليه شاردة ولا واردة ومن هنا يتقلص حجم الظلم وتتهمش الاخطاء ويندحر النفاق ليستوي الافق في نظر الحاكم فيرى كل ابناء شعبه دون تمييز وبخط افقي مستوي لا يعترض عليه احد .

 

الحاكم العادل البصير هو الذي يجرحه مشهد الجوع ويؤرقه بين شعبه عكس الحاكم المتسلط الذي يجد الامان على دوام سلطته هو من خلال كثرة حاجات الناس والبحث عن قرار حتى وان كان عن طريق الاستجداء.الحاكم البصير وغير المصاب برهاب  القوة هو الذي ينأى بنفسه وبشعبه عن الحروب التي لا ضرورة لها من خلال اعتماد السياسة ولعبة المصالح من اجل مواطنيه  وبالاعتماد على المشورة الوطنية اولا ومشورة الاشقاء ومن ثم الاصدقاء من خارج البلاد ثانيا وبهذا تصلح حال بلاده ويسعد  به اهله  من خلال الاستقرار والتقدم والتطور والامان .

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاحد  / ١٩ جمادي الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١٤ / حزيران / ٢٠٠٩ م