المقاومة العراقية : لماذا يتراجع العرب - عناصر القوة والضعف فيهم في عالم اليوم

 
 
 

شبكة المنصور

الوليد العراقي

منذ ان خلق الله سبحانه وتعالى كونه ووضع فيه جماده ومن ثم احياءه بدأ الصراع  الدامي من اجل البقاء بين مجموعة الاحياء على تنوعها  فقد قتلت النباتات اكبر الحيوانت وهي الداينوسورات بجدبها بعد ان التهمت كل اخضر ويابس لتنقرض ثم تتوارث النباتات ثانية وتزدهر..كما خيمت النباتات على الكثير من الاحياء التي تحتاج نور الشمس كي تصنع غذاءها وتتكاثر فما كان من تلك الاحياء الدقيقة الا ان تنخر جذور النباتات لتهوي على الارض وتسطع الشمس على الكائنات الاخرى وتعيش بعد ان انتصرت في صراعها من اجل الوجود..حاول الانسان من حيث يعرف او لا يعرف ويدري او لا يدري ان يقضي على الكثير من انواع الجراثيم في بيئته حتى هجمت عليه  وانقرضت الملايين منه الى ان استسلم لها ليتعايش الاثنان في جسد واحد وبيئة واحدة وكل يعرف حقوقه ومسكنه ويعطي بقدر ما يأخذ..وهكذا هناك الملايين من الشواهد على ذلك...

 

الانسان هو الاخر بمختلف اجناسه وتكويناته العرقية الثانوية ايضا راح في معركة الصراع من اجل الوجود في داخله لتظهر ولاول مرة في تاريخه التجمعات والتشكيلات العسكرية والادارية  والاجتماعية على شكل عوائل كبيرة ومن ثم عشائر وقبائل لتلتحم ما بينها بسبب الشعور بالخطر الخارجي الداهم ومن ثم تشكيل  كياناته على شكل دول او محميات  عصية على الاخرين بالجوار ومتكافئة معها وكل له ارضه وشأنه من خلال الاعراف ومن ثم القوانين وبالتالي الشرائع التي خطها الانسان بذاته او استلمها من الخالق المبدع لكونه..راحت تتطور تلك التنظيمات البشرية في ما بينهما بعد تجارب الثقة ومد يد الامان لتتحد تلك التشكيلات المتجاورة على شكل تكتلات اكبر ومن ثم  امتلاكها على قوة اكبر لحمايتها  من جهة ومن جهة اخرى توفير التنوع في خيراتها أي بمعنى تكاملها الاقتصادي بالمنظور الحديث..ثم توحدت القبائل التي تجمعها القربى لتشكل ما يسمى اليوم بالشعب أي الامة ومن هنا ظهرت نزعة القومية التي هي اكثر تنظيما سياسيا واقتصاديا واجتماعيا  ووجود.وما زال الانسان يبحث ويحاول جمع اكثر من قومية وخاصة في الجوار ليشكل ما يسمى اليوم بالاتحادات الدولية  التي يمكن ان تصمد امام التحديات  الاكبرعلى انواعها وقد نجح الانسان الحضري اليوم بذلك..

 

عالم اليوم المعاصر يتقزم في جغرافيته وابعاده بل وحتى رؤاه ليتحول الى قرية الارض بعد التقدم الهائل المتسارع في الاتصالات عن بعد وعن قرب حتى امست فكرة الحدود والاستقلال ليست مطلقة أي نسبية فما عادت أي قوة في الارض واي دولة مهما كان وزنها الانفصال والانعزال والاستقلال عن الدول الاخرى كما كنا نتصوره ونمد اصابعنا الطرية عليه في خارطة كنا نقرأها يوما ما في كتاب الجغرافيا ومعلقاتها على الجدران..ويوما بعد اخر تتحول فكرة الحكم والاستقلال الى نوع من الاعراف والتقاليد التي نحافظ عليها من اجل تنظيم حياتنا الاسهل والحفاظ على ما تبقى من كينونتنا وشخصيتنا بعد الالتحام البشري وتحرك الوعاء الجيني الوراثي بيننا نحن البشر وبشكل مدهش لا يمكن ايقافه ومهما حاولنا  وابدينا من القدرة على الاتيان بالمعجزات..

 

في تلك الاحوال الراهنة التي يعيشها الانسان تلاشت القوة أي قوة في الارض وامسى التحدث فيها والتلويح بها نوع من الانتحار بسبب توفر اسباب الحصول على مكونات القوة وخاصة العسكرية ومنها المدمرة وبمستويات الحاجة لها من ناحية ومن ناحية اخرى سرعة الحصول عليها وتوفر اسباب السرعة بتوفر الاتصالات والمعلومات التي لا احد يمكن له منعها او الحد منها ومهما كانت قدرته وطول ذراعه..اذن في هذه الاحوال التي فرضتها نظرية التقدم البشري وتطوره وباسهام جميع مكونات الانسانية  سواءا العقلية او الفكرية او المادية المتوفرة في كل ارجاء المعمورة  لمن يستطيع ويريد الحصول عليها وبالعملة الصعبة وهنا العملة الصعبة اليوم تأخذ منحيين هما  النقد والسياسة أي البراعة في الوصول واقناع الطرف الممتلك لها وبعيدا عن عناصر القوة  كونها غير مجدية من ناحية ومن ناحية اخرى زمنية أي لفترة قد لا تخدم المستخدم لها.

 

من كل ما تقدم استطاعت الكثير من التجمعات البشرية باختلاف الوانها وعناصرها الوراثية ان تتربع على ناصية التقدم من ناحية السياسة والاقتصاد وامتلاك اسباب القوة لهما كالاتحاد الاوروبي والصين  والهند التي تحاول الولوج بين امم العالم وجغرافيتها السياسية وبطريقة سلمية متأنية ومحسوبة ..صحيح ان اوربا ببعضها  اليوم تحاول استخدام القوة بدفع من هنا وهناك لكنها كثيرا ما تستخدمها  على استحياء اشبه بالمكروه  ومن ثم تنتقد نفسها وتراجعها وبسرعة عندما تستخدم القوة ضد الشعوب الاخرى ومن ثم تخسر اكثر مما تربح وقد رأينا تجربة كل من اسبانيا وبريطانيا وفرنسا في مشاركاتهم غزو العراق عام 1991 وعام 2003.بل ربما كانت فكرة الغزو بدافع اخر المراد منه توريط القوة الاعظم في اتون حرب لا طائل منها وفي زمن الحرب الخطر والذي امسى نوعا من الانتحار ما وراء البحار..اذن وهذا ما اراه وبعد تجربة اميريكا في حروبها ومن ثم تشظيها وخساراتها الباهضة والمهددة لكينونتها وبنيوتها سوف ينحو العالم منحا اخرا بعد اليوم وظمن معطيات القرية الارضية الحديثة وهو الجنوح الى الطرق الدبلوماسية المطلقة سواءا في الحصول على ما تحتاجه تلك الدول او بهدف السيطرة عليها ..ان هذا المنحى الجديد السلمي اخذ حتى طابعه العسكري في التواجد في دول العالم الاخرى من قبل الدول الاقوى وكما حصل من اقامة القاعدة الفرنسية في الامارات العربية ومهما كانت الاسباب والاهداف ومهما كانت التفاصيل لكن النتيجة ان دولة كبرى تقيم قاعدة في دولة بسيطة دون طلقة واحدة على تلك الدولة وهذا اسلوب جديد للسيطرة وفكرة الحروب الجديدة التي تتبضع من افكارها القارة الاوربية القديمة بعد ان تأكد لها بالمطلق ان الحرب المباشرة خاسرة تماما لتوفر الهجوم المقابل وردة فعله الاقوى والمدمرة عند شعوب الدول المحتلة وخير مثال الوحل الذي غاصت به اميريكا في العراق اولا وافغانستان ثانيا وكلاهما عصيان على الاستسلام وقادران على حمل السلاح وتوفيره مع توفر الصبر الجميل على ازمة الحرب ومهما طال زمنها.

 

اذن هناك عالم متقدم تتطور اساليبه بتنوع ضروف المحيط  بظمنه البشر وعالم اخر ما زال يزحف على ركبتيه لاهثا وراء عجلة التقدم وغير قادر على الامساك بها  ومنه الوطن العربي بشعبه وقواه السياسية والرسمية .لكن لا يكفي ان نستخلص ما مستخلص ولكن لا بد من التعريج الى عناصر القوة في الوطن العربي واسباب التهرب منها وبالمقابل ما هي مكامن الضعف في الوجود العربي اليوم وما هو سر التشبث بها حتى لا نتقدم ومن ثم ما هو دور الانسان العربي وحالته الصحية اليوم؟

 

الباب الاول : عناصر القوة الرئيسة في الوطن العربي :

 

اول : العناصر الدينية العالمية التي نحسد عليها وهي :

 

اولا-1 : مكة المكرمة : لقد وهب الله سبحانه وتعالى العرب  البيت الحرام وجعلهم اوصياء وخدما عليه ليأتي كل ظامر من كل فج عميق اليه ..لا توجد أي مدينة في العالم ومهما تمتلك من قدسية ان تحظى بالذي تحضاه مكة المكرمة وبالقلب العربي وبقلب العالم ولا توجد بالعالم مدينة تستقبل سنويا في موسم الحج ملايين البشر ومن كل العالم يأتون طائعين الينا استجابة لفريضة الحج وهو اكبر تجمع بشري يحصل هنا في وطننا العربي لكن ما الذي استطاع العرب الاستفادة منه لصالح طرح قضايانا العربية ومن خلال مليار ونصف مسلم يتنوعون على كل القرية الارضية اليوم وبشكل سنوي واجباري لمن يريد الاستفادة منه سياسيا واقتصاديا وتأثيرا على قلوب المجتمع الدولي ومن ثم على قراره.

 

اولا-2 : المدينة المنورة : وهي الملتقى الثاني لتلك الملايين من البشر التي تاتي لزيارة المسجد النبوي الشريف واداء مناسك الحج الاخرى بالوقوف عند قبر خير البرية محمد صلى الله عليه وسلم.جموع مليونية تاتي وتروح ودورنا نحن العرب منع الاحتكاك بهم خوف التدخل في سياستنا  وتخريب مجتمعنا الخانع  بعد ان نسينا انهم اخوتنا في الاسلام ومن واجبهم الشرعي الانتباه الى مشاكلنا وسمع مشاكلهم ومن ثم الاستفادة من تلك الفرصة الذهبية السنوية  لصالحنا خاصة وسبق ان كنا قادة العالم الاسلامي والفاتحين باسمه والمسلمون مقدرون ذلك لكننا تنصلنا عن واجبنا وعن خلافتنا أي قيادتنا للعالم الاسلامي حتى رحنا اليوم نستجدي القوة من خارج المسلمين ونتوسل عليهم هيا ارحمونا ناسين الملايين الحاجة التي توافدت علينا وهي اكبر جيش في عالم اليوم يتجدد كل عام.

 

اولا-3 : القدس : هنا افترض ان القدس لم تكن محتلة والتي احتلت من قبل الصهاينة ايضا بسبب غفلتنا نحن العرب..كان المفترض ان تكون عربية وتبقى عربية انشاءالله الى يوم الدين .كلامي هنا كون القدس تحوز على مكانة عالمية كبرى لكل الاديان ومن قديم الزمان فهي ثالث الحرمين واولى القبلتين وقد خص الله سبحانه وتعالى العرب بها  لتكون قبلة الملايين من المسلمين والمسيحيين كل عام وعلى مداره وهنا يبقى على العرب استغلال تلك الارض المقدسة في طرح مشاكلهم ومشاكل العالم الاسلامي والمسيحي  واليهودي غير المتصهين ومن ثم ارسال الرسائل التي تخدم عالمنا العربي كوننا اهل الارض وسادتها وكما حصل ايام زمان؟

 

ثاني : المياه :

من النادر ان جغرافيا في العالم تكتنز كل مصادر المياه المتوفرة في الوطن العربي والتي على الاقل لو استثمرت الانهر في المناطق التي تحت امتداداتها والوصول اليها لاصبح الوطن العربي من اكبر مخازن المياه في العالم ولوجدناه اليوم وفي اكثر بقاعه معشوشبا مخظرا ولكن اهمال الجانب الاروائي والهدر الكافر بتلك المياه حول بلادنا الى ارض صحراوية مجدبة وتحولنا الى شعب عربي جائع بمجمله طالما انه ما زال يستورد غلاته من الخارج.فأين نهر النيل واين نهري دجلة والفرات وبردى ووو من حاجة المواطن العربي سواء للماء او السقي.فضلا عن العواصف الرملية التي ما زالت تنخر بصدورنا والمياه تودعنا كل يوم وكل لحظة باتجاه البحار والمحيطات غير اسفة علينا لاننا لا نستضيفها بعناية نحن العرب.انظر الى اوربا الخضراء طيلة العام حتى مياه الامطار وضعت حلولا لها لتخزنها ولا تفرط فيها وظمن حاجتها اليها مع الاحتياط.

 

ثالث : الثروة المعددنية :

أي عنصر في الجدول الدوري لمالديف لم يتم اكتشافه على الارض العربية ومهما كانت نسبة توفره ؟لكن بالمقابل كم من هذه المعادن تم استخلاصها واستثمارها وهي الثروة القومية الكبرى في مجال الصناعة .ترك العرب ارضهم مراعي يابسة ونسوا ما بجوفها من خيرات يمكن الاستفادة منه مباشرة او على الاقل استخلاصه ومن ثم تصديره وحسب الحاجة القومية لاشياء وحاجات الشعب العربي ودون تفريط وحسب خطة استثمارية محكمة تزيد من فوائدها للاقتصاد العربي ومن ناحية اخرى تخلق علاقات ممتازة مع الدول التي هي بحاجة لها في مجال الصناعة وهنا فائدتين اقتصادية وسياسية لصالح العرب.

 

رابع : النفط :

وما ادراك ما النفط الذي يعتبر الوطن العربي الحاوية الاولى له بين دول العالم ولا يحتاج الى مزيد من التعليق والتوضيح كونه اضحى اليوم ضحكة العالم على العالم العربي الذي وزع النفط بين  مسارين وهما اما ان يباع  بشكل اشبه بالهبات او ربما قسم كبير منه يذهب كأتاوات لضباع العالم وما تبقى ينفق على الحروب ولصناع السلاح لاننا لحد اليوم لم نستخدم النفط حتى  في صناعة السلاح الدفاعي التقليدي ولا حاجة لذلك طالما نحن عالم نفطي غني وكريم  مبسوط اليد كل البسط لمن يريد بشرط ان لا يكون فقيرا عربيا او مسلما بالعادة..بدل ان يستخدم النفط قبل نفاذه في تطوير الصناعة واكمال المشاريع الزراعية الرائدة وتصنيع البضائع والحاجات الاساسية للانسان العربي  رحنا نهدره متسارعين وكأنه عدونا..لو استغل النفط احسن استغلال وبعقول وفية لكانت البلدان العربية اكبر مصدر للصناعات بل وتنافس دول جنوب شرق اسيا ككوريا واندنوسيا وتايلند وكذلك الصين  الخ ولامسى العالم العربي ذا شأن وذا كلمة وذا احترام في قراره السياسي والاقتصادي  ومن ثم العسكري.

 

خامس : الزراعة

نظرة واحدة الى خارطة الوطن العربي والى تاريخه المجيد تقول لك ان الوطن العربي زراعي في تربته ومياهه وبالتالي فهو بلد  ذا ثروة حيوانية هائلة تنافس استراليا واميريكا ونيوزليندا وغيرها من البلدان المشهورة بالزراعة والتي استخدمت الانتاج الزراعي المقرون بالثروة الحيوانية ضد الدول الاخرى لتأثر على قرارها السياسي وكما تفعل وفعلت اميريكا مع الاتحاد السوفيتي وربما اليوم مع روسيا وهكذا يأكل العالم من قوته ويتنفسه ويخرجه على شكل قرارات  تغير الكثير على المستوى السياسي العالمي..حاولنا نحن العرب في بعض بلداننا ان نقفز قفزاتنا غير المتوازنة لنكون دولا صناعية مباشرة دون الاخذ بنظر الاعتبار الصناعة الزراعية وبالنتيجة لا ثورة زراعية ولا صناعية بل تشكيلة هزيلة عاجزة على الوقوف لوحدها في هذين المجالين.كنت اتمنى واحلم بأن تصل خيرات دجلة والفرات وروافدهما في كل من العراق وسوريا الى كل الارض العربية في الهلال الخصيب وشبه الجزيرة العربية وكنت احلم ان  تجري مياه النيل في اعماق الصحراء الكبرى من المغرب العربي وفي كلا الحلمين سوف ارى الارض العربية خضراء معشوشبة وتزول عنا اعاصير الصحراء القاتلة ..لكننا سوف نبقى نحلم عسى ان يكون الحلم حقيقة في الاجيال العربية اللاحقة.

 

سادس : القوى البشرية

يحتوي الوطن اليوم على كتلة من البشر تناهز الثلاثمائة مليون نسمة والذين معظهم من العرب المسلمين فضلا عن الاطياف الاخرى من المذاهب والقوميات.اي تنوع رائع وجميل هذا الذي احتوته ارضنا واي ثروة بشرية هائلة لكنها معطلة وتجوب البلدان الاجنبية اليوم بحثا عن عمل وبحثا عن امل وبحثا عن امن..كل ذلك بسبب الانقسامات في الرؤى العربية  طبقا لانظمتها وكل هذا بسبب التخلف السياسي ومن ثم توقف الاستثمار البشري المنتج اذا ما احسنا صنعه.انظروا الى الصين لا يوجد انسان عاطل عن العمل او ينام في الساحات العامة في دول العالم  بحثا عن مصدر للعيش رغم تعدادها الذي قارب من المليار والربع من البشر ولكن كلهم مستثمرين(بفتح الميم)لما يعيلهم وما يخدم الاقتصاد الصيني الهائل ويصون كرامة الانسان وكرامة القرار السياسي للدولة هناك.الانسان العربي اليوم مشتت الافكار مسلوب الهوية ومجتزأ الاحترام وعلى مستوى العالم وبسبب ماذا لا لانه غير قادر على الابداع ولكن بسبب الحيف الذي وقع عليه من واقعه السياسي ونظام الحكم المتخلف والاناني الذي يرعاه..الانسان العربي يقف اليوم مرتجفا عند بوابات الدول العربية ومهانا حتى يدخل الحدود بل خجلا من جنسيته العربية عندما يرى غير العربي يدخل قبله بساعات وبكل احترام وتبجيل من قبل شرطة الحدود بدل ان يكون هو الاول وبدل ان يكون مرحبا به في وطنه..

 

الباب الثاني : عناصر الضعف الرئيسة في الوطن العربي وهي :

 

اول : غياب الوحدة  ونمط الحكم :

لا يمكن بأي حال من الاحوال للعرب ان يكونوا قوة يحسب لها حساب على المستوى الاقتصادي والسياسي ومن ثم العسكري بدون التكامل بينها ومن هنا لا يمكن ان يحصل هذا التكامل بدون الوحدة او على الاقل الاتحاد العربي كمرحلة اولى صوب الوحدة لاحقا..لم يكن المستعمر غبيا عندما جزأ الوطن العربي الى دويلات بائسة لانه على معرفة بالانسان العربي وقدراته الهائلة من خلال الامكانات المتوفرة لديه في باطن الارض وعلى سطحها فضلا عن تاريخه الشهير وعليه لا بد من تطبيق نظرية فرق تسد وطبقها وما زال ناجحا فيها .لكن بالمقابل ماذا سيفعل الاستعمار اليوم بكل قواه لو اننا ثرنا حكاما وشعب من اجل وحدتنا  وهل سيقتل 300 مليون عربي يبغون وحدتهم وبقنابله الذرية والنووية خوفا من وحدتهم ..الجواب بالطبع لا لان هذا شأن داخلي يخصنا وشأن ارادة لمن يمتلكها  وعلى قدر كاف من مسؤوليتها.اذن ان نبقى نصرخ من كل فشلنا لنقول هو بسبب الاستعمار هو نوع من التهرب والتملص من فكرة الواجب  واحترام الذات .القومية العربية ستكون بوحدتها حالها حال القوميات الاخرى مثل الانكليزية والفرنسية والالمانية والصينية والروسية واليابانية الى غير ذلك..ان تقسيم الوطن العربي ومن ثم اقامة حكومات بنيتها التجزئة لا يمكن ان تشكل قوة صناعية وزراعية ذات بعد سوقي قوي وعميق وذا تأثير  ستراتيجي على المستوى العالمي مع حضور الجانب الانساني الذي يهب برياحه العذبة على البشرية كلها دون عنصرية ولا طموحات سيطرة سوى اقامة دولة عربية موحدة ذات معنى للوجود.

 

ثاني : الفردية العربية بحكم الوراثة البدوية

الانسان العربي ومنذ نشأته الاولى صارع اعتى الضروف واخطرها واقساها وهي العيش في الصحراء على ما تحتويه من اسرار وفراغات مساحات  خالية من معظم الكائنات الحية المؤنسة وعليه وجد الانسان العربي نفسه يجوب الصحارى بمفرده  التي وفرت له الجبال المتحركة من الرمال التي حتى تموه عليه حتى طريقه ليعتمد النجوم في ترحاله ليل نهار فضلا عن الوحوش الكاسرة التي تجوب تلك الجغرافيا من العالم .مضافا الى ذلك ما عشعش في عقله من اساطير الجن الى غير ذلك مما قد يصادفه ويتصادم معه في العراء البعيد.كل ذلك خلق من الانسان العربي وهو يجوب الصحراء ويشق عبابها بطلا بنفسه وقائدا لنفسه في اخطر مشوار وهو يتنقل مقاتلا جسورا  مفاجات بيئته.هذه النشأة جعلت منه انسانا يمتاز بالفردية أي القدرة الفائقة والقناعة على انه يستطيع ان يعيش لذاته  ولا يقبل ان يساق بقوة الاخرين وتحت رايتهم تخويفا وترهيبا له .ربما تلك الحال وبفعل تأثير المحيط أي البيئة على العوامل الوراثية تحول ذلك لتكون صفة بائنة له ومسيطرة على الكثير من سلوكه وهنا تبدأ فكرة التدجين  ومحاولة تكييف الانسان العربي على العيش وسط المجموع ومن ثم اقناعه بضرورة ذلك وعدم اقصاءهم من باطن مخه .هذا الحال لاقاه النبي الكريم محمد عليه الصلاة والسلام وعانا منه ما عانا الى ان افتهم العرب فكرة الاسلام الجامعة وترك ما قبلها من زعامات منفردة لا قيمة لها امام الوجود العالمي وامام المصير المشترك.كان الكثير من قادة العرب القبليين يعرفون ان النبي على حق ولكن عزة انفسهم المتطرفة وقناعتهم بأن الانصياع  له هو نوع من التنازل عن قيمهم وشخصيتهم  وجبروتهم  وكلمتهم حتى وان كانت خطأ كعبادة الاصنام؟الانسان العربي بحاجة دوما للتأهيل من اجل القبول بالاخرين والاتحاد معهم في مسير واحد ومصير واحد..ان هذا الموروث  العجيب الغريب هو الذي ما زال الحاكم العربي يعاني منه ويتصارع معه ليل نهار..انظر كيف يتعامل الحكام العرب مع بعظهم وكيف الواحد لا يقبل بقيادة اخيه حتى وان كان مقتنعا انه اجدر منه بالقيادة؟كما يجب الملاحظة انه ما من وحدة او اتحاد عربي الا انتحرا بسبب التصادم على القيادة  والتنافس الفردي عليها .لهذا ضاعت افكار عربية عملاقة وانهارت مشاريع حكم رائدة على يد السلاطين العرب وفي العصر الحديث.اذا لا بد من الفكر العربي القومي المشحون بروح الاسلام وبعث فكرة الوجود العربي من خلال مغادرة مفاهيم الماضي المرتدة الى جاهليتها الاولى وسلطتها القبلية اليوم .

 

ثالث : البرجوازية المفتعلة برأس المال العربي المصدر

ان مراجعة للواقع العربي الفوضوي اليوم ومنه مراقبة حركة رأس المال تبين لنا ان هناك هوة هائلة بين مجموع الشعب العربي بحاله الاقتصادي المتدهور بل وحد الكفاف  او دون خط الفقر وفي نفس الوقت ظهور طبقة جشعة على مد الوطن العربي راحت لتنهب النقد الصعب العام وتحوله خارج الحدود من اجل الاستثمار.ان هذا المنحى الجديد لرأس المال الخاص واستغلاله فوضى الحكم  واستسلام الجماهير غير المألوف نتيجة الخيبات التي اصيبت بها ومنذ حرب العرب عام 1973 مع الكيان الصهيوني التي انتهت بالاعتراف بدولة اليهود على الارض العربية دون اعطاء الفلسطينيين الادنى من حقهم وهي حدود عام 1948 كل ذلك ادى الى خلق رأس مال عربي ضخم ومنهوب خارج الوطن العربي بدل ان يستثمر على الاقل داخل بلادنا العربية على افتراض السماح لملاكه بالاقتناء ولكن على الاقل تشغيله داخل البلاد كي يستفاد عبادنا منه ومن خيراته ويبقى رصيدا صعبا في بنوكنا العربية.

 

رابع : الجامعة العربية

ان اسوأ مؤسسة انشأت في الوطن العربي هي الجامعة العربية والتي يبدو ان الفكرة البعيدة وراء تأسيسها هو ان تكون بديلا عن الوحدة العربية ..الجامعة العربية هذا  الكيان الهزيل الذي راح ليكون غطاءا  بديلا عن الوحدة او على الاقل الاتحاد العربي مع فقدانها للقرار الخادم للشعب العربي اصبح عقبة بوجه التوجه الوحدوي العربي والمظهر الاجماعي العربي الذي تمررمن خلاله ادهى وامر القرارات  التي تصب في صالح الدول الاستعمارية من جهة وتنال من عذرية  القرار العربي المنتهكة اصلا بمثل هذا الكيان الهزيل المسمى الجامعة العربية.فضلا عن الكثير من السيئات التي لبستها الجامعة وبأمر من الشارع الرسمي العربي المخترق اصلا من القوى الخارجية المسيطرة عليه بغياب الجمهور النشط المستعد للرفض.

 

خامس : ذبول وانكماش الجمهور العربي

لم تعش الساحة العربية ذبولا جماهيريا وعدم التحسس لقوة التحريض القومي مثل الذي نراه اليوم على مد الوطن العربي وفي نفس الوقت اصبح الجمهور العربي اكثر استقبالا  للخطاب الرسمي حتى وان كان لا يخدمه وربما ذلك راجع الى حالة الاحباط  الذي تعاني منه الجماهير العربية نتيجة الانتكاسات العربية المتوالية ولمختلف الافكار  والنظريات القومية  والرسمية التي قد تكون صحيحة في بعض الاحيان.لا بد من دراسة تلك الانتكاسة في الذات العربية وهذا الانهيار الثوري العربي..تؤخذ فلسطين ومن ثم العراق وتقتل غزة ويذبح لبنان ويشطر اليمن ويعدم رئيس العراق على ايدي اجنبية ويحكم رئيس السودان بالالقاء القبض عليه بامر من خارج الحدود للسودان  وتشظى الصومال ووو كل ذلك لا يستفز الجمهور العربي على القيام بظاهرة واحدة واعتصام واحد على مد الارض العربية؟على مفكرينا وسياسيينا ورسميينا اعادة التفكير مليا بما هم فيه وكيف وصل الجمهور العربي الى الذي هو فيه ايضا.انظر في ايران ماذا فعل الجمهور عندما انشق ورفض الانتخابات الاخيرة ؟لقد ثار بكل قواه حد الموت وقال كلمته أي بمعنى اخر ما زال الجمهور هناك حيا ينتظر الاشارة وما زال قادرا على ارسال رسالته لمن يريد ومهما كانت قوته؟الشعب العربي ما زال في اجازة على المفكرين ان يقطعوها ليعود الجمهور الى وظيفته والا فالعالم العربي ليس بخير طالما بقي كفاحه قطريا ونضاله ومقاومته ومنها ما يجري في العراق من استبسال على يد اهله بغياب الجمهور العربي مع الاستثناءات طبعا.

 

سادس : الهاجس الامني وانفلونزا الخنازير

ظل الحاكم العربي يخشى على من هم بحكمه من الشعب العربي من الاختلاط بالشعوب الاخرى مرة خوفا عليهم من الانحراف او التوظيف المخابراتي الاجنبي ضد بلاده  بحكم عقدة الاستعمار والرعب من الاحتلال ومرة خوفا من نقل الامراض المعدية الى داخل البلاد وهي اما امراض جسدية كانفلونزا الخنازير والايدز واما اجتماعية  منعا لما يحصل في البلدان الاخرى من تخريب الاخلاق وتدمير البنية الاجتماعية.قد نجد الحاكم العربي معذورا الى حد ما في تلك القرارات ولكن في زمن الاتصالات واساليب الاختراق هل استطعنا منع كل هذه الامراض من الدخول الى العالم العربي من ناحية ومن ناحية اخرى اين هي المؤسسات الحادة والمنظمة لهذا الامتزاج المفروض مع العالم والذي ببساطة لا يمكن منعه واذا استطعنا فالى حين ثم تنهار كل الجدر امام شعبنا ورغبة مكوناته الرابظة  الى الممنوع.لاحظ الهند وتعدادها الذي تجاوز ربما المليار ولكنها رغم انفتاحها على العالم الخارجي ما زالت تحافظ على لونها الوطني عادات وتقاليد وحتى في الملبس وتعتز بكل هذا وذاك ,ثم مراجعة واحدة الى ثورة الانفتاح التي اجتاحت الصين بعد كل العزلة التي عاشتها لكنها بالاخير انتبهت الى مصالحها وفي الوقت المناسب وها هو اقتصادها يتطور كالصاروخ  وينافس اكبر واقوى اقتصاديات العالم مع الحكم المستقر فيها.لقد اوصلت الافكار الثورية الصينية المتطورة شعبها الى حالة من الحصانة والوطنية ما عادت حكومة الصين تهاب عليه من الاختلاط بالاجانب ومهما كانت جنسيتهم وكانت توجهاتهم السياسية  لان هناك واقع عالمي جديد ومن اجل ان تواكبه ما عليك الا ان تضع له الحلول السريعة  والعلاجات كي تستقبله والا الكارثة  والزوال.

 

واخيرا وليس اخرا نقول ان ما جاء في هذا المقال من استعراض للواقع الدولي ومن بينه خصينا وطننا وشعبنا بالكثير من الكلام والاجتهاد فيه لا بد من الوصول الى خلاصة وهي ان العالم العربي ما زال بعيدا عن حقيقته وبعيدا عن تلمس قدراته الخلاقة ولم يكتشفها بعد او يتهرب منها خوفا على مستقبل الانظمة فيه والتي تحكمه .من ناحية اخرى فهناك الكثير من مهاوي واسباب الضعف الرئيسة التي يصطدم بها موكب التقدم العربي ومجارات الشعوب او على الاقل اللحاق بها ما امكن .ان هذه المصدات يمكن تجاوزها وببساطة  من خلال الانقلاب على الذات من ناحية ومحاكاتها ونقدها ومن ناحية اخرى الاستفادة من تجارب الشعوب الاخرى التي  كانت بذات المراحل التي يمر بها العرب اليوم.كما انه لا يمكن ان نصنع قوة عربية ذات شأن عالمي ومحترمة القرار من دون التوحد العربي اقتصاديا وسياسيا وعسكريا وهذا حق مكفول لكل شعوب الارض ومنها  نحن العرب.ان الحكومات العربية والافكار القومية لا يمكن لها ان تعبر عن ذاتها وتحقق اهدافها الا بالجمهور  ومن هنا جاءت ضرورة تثوير واشراك الجمهور في الواجبات والقرارات والصدى العربي .كما ان الواقع العربي الحاظر وهو يعيش تدخل القوى الكبرى في شؤونه وبشكل مباشر فلا بد من الثورة والمقاومة  العسكرية والاعلامية الباسلة والى ان تتحرر كل اجزاء الوطن العربي وتغادر جيوش الاحتلال الارض العربية ومن المحيط الى الخليج ومن ثم اقامة افضل العلاقات بيننا وبين كل الشعوب ومنها شعوب الدول العظمى لكن بعد استقلالنا والاعتراف بحقوقنا المشروعة كقومية ذات كثافة سكانية هائلة وقدرة اقتصادية جبارة  ولغة عربية معترف بها ومن اوائل لغات العالم وهي لغة القران الكريم أي لغة المليار ونصف مسلم.

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الجمعة  / ٢٤ جمادي الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١٩ / حزيران / ٢٠٠٩ م