كلمة الرفيق / شمس الدين أحمد صالح عضو قيادة قطر السودان مسؤول تنظيمات دارفور ،

التي ألقاها أمام لجنة الحكماء الأفارقة في الإجتماع الذي نظمته إستشارية الحوار الدارفوري – الدارفوري بمقر اليوناميد بنيالا يوم ٢١ / ٠٦ / ٢٠٠٩م

 
 
 

شبكة المنصور

 
السادة حكماء الأفارقة والسادة الحضور من قادة منظمات المجتمع المدني والإدارة الأهلية والنازحين .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


أولاً : نحب أن نقول إن مشكلة دارفور أومشكلة السودان في دارفور هي مشكلة مركبة وهي لا تتجزأ عن الأزمة الوطنية الشاملة التي تمر بها بلادنا ، والتي تعود جذورها إلى مرحلة ما بعد إستقلال السودان من بريطانيا 1956م . وهي لا تختلف عن مشاكل السودان في المناطق الأخرى إلا إنها عبرت عن نفسها في دارفور بالمشهد الذي نشاهده الآن ، لأسباب بعضها تاريخي وبعضها متعلق بالجغرافيا السياسية للمنطقة التي تجاور حوالي أربعة دول هي : مصر ، ليبيا ، تشاد ، وأفريقيا الوسطى . ومعظم هذه الدول من وقت لآخر تصدر أزماتها إلى إقليم دارفور ، أما بسبب الصراعات بين هذه الدول وخاصة ليبيا وتشاد ، وبصفة أخص من الخصوصية الصراع التشادي التشادي والتداخل القبلي بين تشاد والسودان ، والحدود المفتوحة بينهما . وإزداد الوضع سوءً بتناقص الموارد الطبيعية نتيجة للجفاف والتصحر الذي ضرب المنطقة في الفترة من 1975م – 1985م ، وكما أن زيادة الحيوانات والنمو السكاني المتسارع بنسبة 3.84% في العام كل ذلك أثر بشكل متفاقم لقلة وشح الموارد مما سبب التنافس الشديد بين السكان حولها والتي تتمثل في الأراضي الزراعية والأراضي الرعوية والمصادر المائية ، كل هذه العوامل قد ساعدت من حدة الصراع ما بين الراعي والراعي والمزارع والمزارع وبين الراعي والمزارع ، في ظل غياب خطط تنموية وقلة عدد المرشدين المؤهلين لمتابعة البرامج التنموية ، وغياب الديموقراطية كوسيلة من وسائل التداول السلمي للسلطة ، فإن غياب الديموقراطية أدى إلى تفشي أمراض القبلية والعشائرية والجهوية وظلت هذه الأمراض تستخدم بين بعض النخب الدارفورية كوسيلة للتنافس حول السلطة سوى كان على مستوى الإقليم أو على مستوى المركز (الخرطوم) وتراجع دور الأحزاب السياسية التي تتنافس عبر الأفكار والمبادئ والبرامج السياسية الهادفة والتي تمثل الأوعية الحضارية التي تجمع شمل أبناء الوطن الواحد .

 

إضافةً إلى العوامل سالفة الذكر ، هناك عامل آخر وهو أكثر تعميقاً للمشكل الدارفوري وهو التدخل الإقليمي والدولي المبكر في شأن دارفور ، والذي تكمن وراءه مصالح دولية حول المنطقة ، وتلك المصالح بالطبع تتنافى وتتعارض مع أمن السودان وإستقراره في دارفور . وقد وقع كل من الإتحاد الأفريقي وما يسمى بالمجتمع الدولي على خطأ في تشخيص المشكلة عندما نشب الصراع بين السلطة القائمة بالسودان وبعض أبناء دارفور من حملة السلاح 2003م . وكان هنالك غرض في إظهار المشكلة والصراع بهذه الكيفية حيث شخص الطرفان المشكلة بأنها صراع بين حاملي السلاح من أبناء دارفور بأنهم من أصول أفريقية ضد الحكومة المركزية وموضوعه هو قسمة ( السلطة والثروة) ، وأن هذا الصراع بدأ في العام 2003م .

 

وكل هذا التصوير والسيناريو للمشكلة تفاقم بسبب آلة الإعلام الغربي وأجهزة المخابرات الغربية ، والتي تصدر الكتب والمقالات من كتابها الغربيين في الصحف و الشبكات الإلكترونية .


تبعاً لذلك نجد أن المنهجية والإستراتيجية المتبعة لإنهاء الأزمة ، بحسب تصور الوسطاء تتمثل في جمع الفرقاء وحكومة السودان وحملة السلاح ضدها ، ليتحاوروا فيما بينهما ويصلوا بذلك إلى مسببات القتال والإقتتال الدائر بدارفور . ومن هنا بدأت أبوجا ناقصة وأنتهت بإتفاقية زائفة لا تلبي طموحات وآمال أهل دارفور والسودان بصورة عامة إتفاقية لا تلامسها الحقيقة وإتفاقية والموضوعية لحل أزمة حقيقية . وبعد هذا العرض يمكن أن نخلص أن مشكلة دارفور هي مشكلة مركبة وتتمثل في ثلاثة أنماط :


* النمط الأول : الصراع الذي يسبب في حرمان الإقليم من التنمية الشاملة والمتوازنة ، وإشاعة الحريات العامة .
لتجاوز هذا النوع من الصراع يكمن في تبني خطط تنموية تعطي هذا الإقليم حقه المسلوب نصيباً عادلاً من الثروة حسب الكثافة السكانية مع التمييز الإيجابي في مجالات البنية التحتية .


كما أن السلطة لا يتم تقسيمها وتحقيقها إلا بطريقة علمية وفاعلة ونزيهة إلا عبر الإنتخابات الحرة و النزيهة والتي تتوفر فيها الفرص المتساوية والمتكافئة بين جميع الأحزاب السياسية والتي تشرف عليها سلطة محايدة .


* النمط الثاني : الصراع حول الموارد الطبيعية ويترتب على هذا النوع من أنواع الصراعات صراعات جانبية هي نتائج لا أسباب الصراع المهني بين المزارع والراعي والمزارع والمزارع حول الأرض وبين الراعي والراعي حول العلف والماء وتتحول هذه الصراعات إلى صراعات قبلية وأطراف هذا الصراع لا يعنيهم بصورة مباشرة شكل الجدل حول كيفية قسمة وتوزيع السلطة والثروة القومية والتي لا تنبني على أسس علمية ومدروسة في السودان . بل فقط يعنيهم الإستفادة من الأرض ومواردها الطبيعية ، ويمكن التصدي لهذا النوع من الصراعات في الحل المرحلي ، ثم الحل الإستراتيجي .


- الحل المرحلي : يمكن أن يستند إلى تراث الأقليم في المصالحات البينية (الجودية) وإيقاف الإقتتال حتى يتحول هذا الحل إلى حل إستراتيجي والذي ينقل الإقليم من مرحلة الإقتصاد المعيشي التقليدي الإقتتالي إلى مرحلة الإقتصاد الحديث المتطور والذي يلبي طموحات وحاجات الجميع . فيه سبل كسب العيش دون الحاجة إلى الإقتتال والإحتراب بين أبناء الشعب الواحد حيث يحرم قتل السوداني لأخيه السوداني.


* النمط الثالث : من الصراع والذي لا يقل أهمية عن النمطين السابقين هو صراع أبناء الإقليم حول كراسي السلطة ، وهي جوهر العمل السياسي في كل أنحاء العالم ، وبعض بل كثير من المجتمعات تجاوزت الإحتراب حول كراسي السلطة وذلك بالإحتكام إلى التفويض الشعبي لأنه صاحب المصلحة الحقيقية في ذلك أي إتخاذ الديموقراطية منهجاً للحكم وتداول السلطة . ولا يتم ذلك إلا بقبول مبدأ التداول السلمي للسلطة وأن كل ذلك لا يتم إلا عن طريق الإجراءات والمعالجات بواسطة سواعد أبناء السودان عامة بعيداً عن الوصاية الدولية . وأن يكون دور العامل الخارجي عامل مساعد فقط وليس عاملاً هداماً يخفي تحته مصالح وأجندة . بل يجب أن يكون السودانيين أنفسهم فعلاً محتاجين لمثل هذه المساعدة وبقناعة تامة في إطار التعاون الدولي الشريف والعلاقات الإنسانية الحميمة والصميمة .


وفي معرض رده على سؤال المنصة ما هي صورة الوضع الآن وآفاق الحل في المستقبل ؟
أجاب الرفيق شمس الدين أحمد صالح عضو قيادة قطر السودان لحزب البعث العربي الإشتراكي ما يلي :


لا يبدو للعيان أن كل المعنيين ببناء السلام في الإقليم ، محليين وعالميين ، توحدت رؤيتهم أو تكامل جهودهم لتحقيق بناء السلام . وفي إحدى محاضراته إشتكى أيان الياسون ممثل الأمم المتحدة في الوساطة الثنائية لحل مشكلة دارفور مر الشكوى من كل الفرقاء ذوي الصلة بشأن الأزمة ، إشتكى من حكومة السودان ، حملة السلاح دول الجوار ، مجلس الأمن ، الإتحاد الأفريقي الدول ذات الإهتمام والفاعلية .. الخ .بالمقابل فإن غالبية هؤلاء الفرقاء ما كانوا راضين عن أداء الوسيطين الياسون ممثل الأمم المتحدة وسالم أحمد سالم ممثل الإتحاد الأفريقي .

 

ولا يبدو أن للوسيط الجديد جبريل باسولي ، الذي حل محل الوسيطين السابقين ، فرصة أفضل في صنع السلام أو توحيد رؤى الفاعلين في صنع السلام المستدام في الإقليم .


إذا ما بقيت الأوضاع على ما هي عليه الآن ، فإن صورة مستقبل الإقليم تبدو الآن أكثر ظلاماً وقناعة مما كانت عليه في السابق .


وكل الإحتمالات واردة لبدائل تؤذي ولا تقيد منها :


1) أن يتحول الإقليم إلى صومال آخر يتقاسم الحكم فيه أمراء وتجار الحرب .


2) أن يتمكن بعض الأطراف المتصارعة ( حكومة أو متمردين ) من حسم المعركة عسكرياً وفرض حكم الإكراه على الجميع .


3) أن يتدخل ما يسمى بالمجتمع الدولي بذريعة حماية المتأثرين بالحرب وبفرض نوع الحكم الذي يروق له في الإقليم .


4) أن يستمر الوضع كما هو عليه الآن إلى أن تأتي الإنتخابات المزمع عقدها في فبراير من العام القادم 2010م .وتجرى جزئياً لظروف أمنية وغير شفافة في المناطق التي تجرى بها يكون حصيلتها فوز المؤتمر الوطني وينقل الأزمة إلى مرتبة أخرى أكثر تفاقماً .


5) ليس من الواضح كيف ستنجح (الدوحة) فيما أخفت فيه أبوجا؟؟؟ أعتقد إن نجاح الدوحة يكمن في الإستفادة من نقاط الضعف في إتفاقية أبوجا وذلك بمشاركة كافة أطراف القضية الوطنية من الأحزاب السياسية والزعامات المحلية ومنظمات المجتمع المدني والحكومة وكل الحركات المسلحة .

 

وأن يتم في هذا اللقاء الجامع تبني فكرة الحكومة الإنتقالية المحايدة التي سوف تتصدى لكافة أنواع الصراعات والأنماط الثلاثة التي تم ذكرها في آن واحد ، بدلاً عن الإنشغال بالصراع بين الحكومة وحملة السلاح الذي لا يقدم إلا حلاً جزئياً لهذه المشكلة المعقدة .

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الجمعة  / ١٠ رجــــب ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٣ / تمــوز / ٢٠٠٩ م