ديمقراطية القوة

 
 
 

شبكة المنصور

د همام أحمد محمد
احسن مقياس لعقلية الإنسان ، أهمية الموضوعات التي يتجادل فيها أو يتابعها . ومن هذا المنطلق نقول :


ليس جديداً على من يتابع التأريخ معرفته أن أي قوة غازية أو معتدية أو محتلة تهيء ملفات لما قبل عدوانها ، تخدم وتبرر سلوكها ونشاطها لكي تجعلها ذريعة أمام الرأي العام للقيام بفعلها المخططة له ، رغم أنها تعرف مسبقاً ان ما خططت له من ذرائع هو باطل أو ربما لا يرقى إلى شن عدوانها ، ولكن من أجل أن تبرر أللا معقول تفتش عن ذرائع خادعة لكي تقنع البسطاء من الناس لكنها لا تقنع العارف والمطلع والواعي لمجريات الأمور ، هذا قبل العدوان ومهما كان شكل ذلك العدوان كما أسلفنا .


أما بعد تنفيذ عدوانها فهو الآخر ملف معد مسبقاً لما تنوي إليه من استراتيجية واجبة التنفيذ لكي تحقق أطماعها التي من أجلها خططت ونفذت العدوان ، وهذ الملف قابل للتطور وفق ما تمليه الأحداث وما تفرزه من نتائج على واقع الأرض . ولعل مصطلح الديمقراطية هو الوحيد من بين تلك الذرائع التي يمارسها المعتدي مصطلح ( الديمقراطية) فتراه يذكر في ملف قبل العدوان لكي يعطي صورة المنقذ للشعب المستهدف ، وتراه شاخصاً في الملف الثاني على أبواق الغازي كونه حريص على تنفيذ الديمقراطية لذلك الشعب المحتل أو المعتدى عليه .


وليس غريباً أن تتمشدق الولايات المتحدة الأمريكية بمنطق الديمقراطية وحق الشعوب في تقرير المصير لكنها الدولة الوحيدة وبإمتياز قتلت الديمقراطية الحقيقية التي تحسب نفسها انها الرائدة لها زوراً وبهتاناً وذلك من خلال قراءة مسيرتها التاريخية وما فعلته بالكثير من دول العالم حين غزتها أو سببت لها مشاكل أو معاناة ، حيث تكيل الأمور بمكيالين في الكثير من الأحداث السياسية التي لا تنسجم مع رغباتها وأطماعها .


ولكي نقترب في الحديث ونركز على ما هو مطلوب من وراء هذا المقال وهدفه نقول : لنأخذ الوضع العراقي قبل وبعد الغزو وهو امر أصبح واضح للقاصي والداني من تصرفات الولايات المتحدة الأمريكية وما قامت به من أفعال يندى لها جبين الإنسانية من قتل وتدمير للشعب العراقي وبناه التحتية ، تحت ظل ديمقراطية القوة المفرطة التي هي بعيدة عن ادنى حقوق البشر ، وكذلك مخالفة للشرائع السماوية والقوانين الوضعية ، فإذا كانت الأفعال محرمة ومخالفة ... فما هو هذا الشعار الديمقراطي المزيف ؟


لقد مارس الأمريكان في ملف قبل العدوان أمور عديدة من أجل إضعاف حكومة العراق الوطنية ومن ثم الأنقضاض عليها ونست ( أن ثوب الرياء يشفّ عما تحته فإذا التحفت به فإنك عاري )ومن بعض تلك الممارسات ما يلي:


أولاً : الحصار الأقتصادي الجائر والذي دمر الفرد العراقي لمدة ثلاثة عشرسنة ، خلف قتل ما يزيد عن مليون طفل عراقي ، ناهيك عن تحريم إستيراد كل ماله علاقة في شؤون الحياة والذي تسبب في نتائج مأساوية لا يرضى بها إلا اصحاب ديمقراطية القوة ومعهم بعض حكام الدول وليس شعوبها إرضاءً للسيد الأمريكي .


ثانياً : ذريعة أسلحة الدمار الشامل المزعومة والتي بموجبها أصدر مجلس الأمن أللا دولي عشرات القرارات ضد العراق وذلك لإضعافه من ممارست دوره الوطني . حتى شملت هذه القرارات تشكيل لجان تفتيش عن الأسلحة العراقية المزعومة ، وجابت هذه الفرق جميع انحاء  العراق بما فيها دوائر الدولة ووصل الأمر إلى دار سكن الرئيس الراحل صدام حسين رحمه الله ولم تعثر على شيء , لا بل شككت الإدارة الأمريكية بجدية عمل لجان التفتيش ، وخير دليل كذبة وزير خارجيتها كولن باول في عرضه المفبرك في مقر الأمم المتحدة قبل الغزو والذي عرض فيه فلماً ملفقاً عن اسلحة دمار شامل متنقلة يمتلكها العراق ، ثم أعترف بعد تنحيه من منصبه أنه غرر به نتيجة معلومات غير دقيقة زود به.

 
ثالثاً : إدعاء الإدارة الأمريكية بان نظام صدام حسين له علاقة بتنظيم القاعدة / مستغلة تفجيرات ١١/ أيلول ٢٠٠١ التي حصلت في نيويورك لإستقطاب رأي الشارع الأمريكي والدولي وتأليبهم ضد النظام العراقي .


ولعل قول جورج تنت مدير المخبارات الأمريكة يوم ذاك خير دليل حيث يقول ( لم تجد السي آي إيه أي ارتباط على الإطلاق بين صدام و 11/9 وتوحي كل البيانات التي لدينا ، في أحسن الأحوال ، بوجود سيناريو معقول يكون فيه " عدو عدوي صديقي " مذكرات جورج تنت في قلب العاصفة :ص 354

 

ملف بعد الإحتلال :

كان هذا الملف جاهز قبل الغزو وعناصر تنفيذه معروفة ويتقاسمها :


1-جيش الإحتلال ومن يعاونه وابرزهم بريطانيا .
2- الحكومات المنصبة .
3- العملاء من الجواسيس وبعض الدوائر المخابراتية .

4- بعض الدول المجاورة والمعروفة والتي اسهمت وسهلت دخول المحتل لأرض العراق .


مارست هذه الجهات دوراً متميز وفاضح لما هو مطلوب منها حتى فاقت تصورات وتمنيات الإدارة البوشية من قتل وتهجير وتدمير وإعتقال همجي بلغ حد المليون ونصف عراقي من الذين استشهدوا وبقدرهم من المعتقلين ، وحوالي أربع ملايين يتيم وأربعة ملايين مهاجر خارج العراق ومليونين مهجر داخل العراق ، ناهيك عن الفساد الذي أزكم الأنوف .والرئيس بوش هو كما ذلك الأحمق الذي إذا احتل مكاناً رفيعاً ، يصير كانه في جبل ، وهو يرى الأشياء صغيرة ، ولكن الاخرون يرونه أصغر.


والآن وبعد ستة سنوات ونيف من الإحتلال وبعد كل هذه الفضائح وكل هذه المجازر نتسائل ؟!!!!!!!
هل أصبح مصطلح الديمقراطية الأمريكية الكاذب له مسوغ للترويج او الحديث فيه ؟

 
للإجابة على هذا التسائل ينبغي أن نضع النقاط على الحروف لكي لا يخدع البعض كما جرت العادة حين تتغير إدارة امريكية وتاتي اخرى جديدة ، وهنا أذكر الأخوة العراقيون لأقول :

 

حين جاء كلنتن بعد بوش الأب للرئاسة الأمريكية  توقع البعض من البسطاء من ان كلنتن سيكون أفضل من بوش الأب حتى فوجؤا بصوارخ كلنتن تدك بغداد ومناطق مختلفة من أرض الرافدين لتخلف مئات القتلى والجرحى .واستمر الحصار في عهده.


إذاً علينا ان لا نعلق آمالاً على الرئيس الجديد أوباما والذي يدعي بالشفافية وانه سيفعل ما هو مغاير للمنهج الأمريكي السابق ، سواء بسحب القوات وما إلى ذلك ، وهناك من الواهمين يعتقدون أن أمريكا في عصر أوباما ستصبح في حال ثاني وإنها ستترك العنجهية واستعباد الشعوب وكما يردد البعض دعنا نجرب هذا الرجل وكأننا حقلاً لتجارب الآخرين ، الذين هم معروفين ومنذ عصور أنهم طامعون بنا .

 

إن من يفكر بهذه الطريقة الساذجة بعيد عن الماضي والحاضر والمستقبل ، ولولا الفعل المقاوم والبطولي للمجاهدين من فصائل المقاومة لكان وضع عدد غير قليل من الدول الأقليمية في خبر كان .


إن الإدارات الأمريكية وإن تغيرت رموزها فهي تنفذ أجندة مرسومة لها وفي مقدمتها ما تطمع به من اهداف تحقق مصالحها . سواء كان رئيس الولايات المتحدة الأمريكية كان ريكان أو كارتر أو بوش أو كلنتن أو أوباما وهكذا .

 
وتعال معي اخي القارئ للناقش الأمور بتروي ونستنتج منها ما ينبغي أن يكون إن
كانت هناك ديمقراطية حقيقية أو حق مشروع :


1-عقد مجلس المن جلسته في ٢٩/٠٦/٢٠٠٧ وأقر انه ثبت للمجلس أن حكومة العراق قبل الإحتلال كانت تقاريها صحيحة بخلو العراق من أسلحة الدمار الشامل .


من سيعوض العراق خسائره التي لم تألفها البشرية نتيجة الغزو الذي من أسبابه الكاذبة وجود أسلحة دمار شامل ؟!!!!!!


ومن سيقاضي المعتدي ؟ ومن سيعوض الدمار ؟ ومن سيعوض اليتامى والأرامل، ومن ومن ومن ؟ !!!!!


2- إعتراف جورج تنت مدير المخابرات الأمريكية بعدم وجود أي علاقة لنظام صدام بتنظيم القاعدة . وكذلك إعتراف دك شيني نائب الرئيس بوش قبل أشهر .


ما هو الموقف بعد أن اتضح الكذب وهل يكفي الإعتراف ؟!!!!!!


3- أصدرت الولايات المتحدة الأمريكية مذكرات قبض غير قانونية بحق  55 مسؤولاً عراقياً بما فيهم الرئيس الراحل صدام حسين ، وأعتقل أغلبهم إلا من بقى من المجاهدين الذين لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة .

 
إذا كانت الإدارة الأمريكية الجديدة جادة في منهج جديد وديمقراطي كما تدعي لماذا لا تطلق سراح المعتقلين من هؤلاء وغيرهم بعد أن أكتشفت الحقائق التي كانت سبباً في الغزو ... اليس هؤلاء المعتقلين يستحقون التعويض لو كانوا يحاكمون وفق القانون الدولي بعد أن رزخوا ولا يزالون تحت سوط الجلاد في السجون ، والآخرين منهم ملاحقين .... هل هذه الديمقراطية التي يتحدث عنها أوباما ونائبه الذي يحث على تصالح العراقيين ، وهل بقاء محاسبة ومتابعة هذه الشخصيات الوطنية من قبل الأمريكان يوحي أن العراق الحالي ذات سيادة ؟!!!!!!!!


4- لقد برهنت السنين الستة الماضية فشل المشروع الأمريكي في غزو العراق من خلال الكثير من الأفعال والنتائج التي ترتبت على هذا الغزو سواء كان على مستوى القتل والتدمير وتدني الخدمات والهجرة والتهجير ، والصراع الطائفي الذي لم يكن له وجود في العهد السابق ، وكذلك الإرهاب الذي شاع في البلاد ، ناهيك عن نتائجه الأخرى من أرقام فلكية أصابة الولايات المتحدة الأمريكية من أعداد بشرية من القتلى والجرحى وتحطيم المعدات العسكرية نتيجة فعل المقاومة العراقية البطلة، بالإضافة إلى الدور الذي أصبحت به إيران تلعب دوراً معلوم في الساحة العراقية والإقليمية .

 
إذا كانت إدارة أوباما جادة في معالجة الأمور فإن الأمر واضح وهو أن تعي وتدرك انها مهما فعلت من ترقيع للجروح الذي سببه الغزو لأبناء العراق والدمار الذي لحق بهم لا يعالج من خلال عملائها وبعض المنتفعين أصحاب الأغراض المعروفة والتي بانت على السطح أفعالهم الدنيئة .وكيف أوصلوا العراق إلى نتائج مؤلمة.


إنما ينبغي عليها الحوار الجاد مع القوى العراقية الوطنية المناهضة للإحتلال وفي مقدمتهم الفصائل الجهادية المقاومة ، وعندها يستقر العراق بعد أن يمسك بيد أبنائه العراقيين وليس من أصحاب الجناسي الأجنبية الذين تعرفوا على شوارع بغداد حديثاً والقابعين في المنطقة الخضراء .، واللذين يحسبون أنهم يبيضون صحائفهم ، بتسويد صحائف الآخرين من الشرفاء .


وللرئيس أوباما نقول : ليست الشجاعة أن تقول كل ما تعتقد ، بل الشجاعة أن تعتقد كل ماتقوله .

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الخميس  / ٢٣ رجــــب ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١٦ / تمــوز / ٢٠٠٩ م