الهولوكوست النووي الايراني – الامريكي القادم لا يحرق العراق وحده

 
 
 

شبكة المنصور

أ.د. عبد الكاظم العبودي

الكل يتحدث عن المحرقة النووية القادمة في الشرق الاوسط. البعض يهب لنفسه وظيفة مُشعل لهذه الحرب أو الاستعداد للعمل في وحدة الإطفاء المطلوب تنشيطها أيضا عند اللزوم. ومنهم إختار وظيفة الوسيط من بين الوظائف؛ فمنذ نهاية عهدة بوش وتدشين اوباما لعهدته الرئاسية وانتظار خطابه الموجه الى العالم الاسلامي من القاهرة بدأت تسريبات إحتمال حدوث المغامرة النووية على يد نتانياهو و ايهود باراك . ثم جاء تحذير بايدن في طريق عودته من بغداد بالتوازي مع إعلان توسلات أوربا ووسيطها الامني والسياسي خافيرسولانا للإيرانيين للعودة الى طاولة المفاوضات بعد رحيل البرادعي.


وفي خضم كل هذا الحراك بقى النظام العربي الرسمي متفرجا، أوخائفا ، مانحا لنفسه دور الذيل والعمل لصالح ألأطراف كلها، وهو مابين نار الانجرار وراء تعبئة الولايات المتحدة ضد الخطر الايراني، والاستعداد غير المشروط لتنفيذ ما يلزم تنفيذه ودعمه ماليا، أو العمل خلف الكواليس مكتفيا بدور ثانوي كوحدة إطفاء لا غير تخشى ان تصلها أطراف وألسنة النار إن التهبت الحرب على ضفتي الخليج.


يبقى التصلب الاسرائيلي اللفظي لحكومة نتانياهو إزاء المشروع النووي الايراني والتهديد بضربة جوية سيد الموقف، حتى ولو دخل الدور الاسرائيلي كلاميا في الايحاء لمغامرة انفرادية تُضرب فيها المنشئات النووية الايرانية دون استشارة الولايات المتحدة . وأمام جمهور المتفرجين تبقى إسرائيل هي اللاعب الأول في المنطقة تصعيدا وتهدأة.
إسرائيل أدركت انها في مرحلة حرجة يتم فيها انتقال خيارات الادارة الامريكية لتصفية تركة بوش الثقيلة، بجوانبها العسكرية والاقتصادية والاجتماعية. ومنها لابد من ألتوجه الامريكي لوضع حل نهائي للقضية الفلسطينية، ما يتبعها من أزمات الشرق الاوسط المتداخلة في سوريا ولبنان والعراق. وتدرك إسرائيل إن أي حل أمريكي، مهما كان حجم التنازلات الاسرائيلية ، سيتقاطع حتميا مع توجهاتها الاستراتيجية في التصفية التدريجية والنهائية للقضية الفلسطينية وفق التصور الصهيوني المرسوم. فإسرائيل أمام التراجعات العربية الرسمية، وسقوط المبادرة العربية لم تقدم شيئا سوى التطرف، وجاء خطاب نتانياهو يحمل تصورها للحل: يتمثل في إدارة حكم ذاتي فلسطيني، ومناطق منزوعة السلاح تفصلها الجدران العازلة، وإدارة فلسطينية تبقى مجزأة في كانتونين "غزاوي" و"فتحاوي" وما بينهما من ولاءات شتى. وتوجهت الادارة الصهيونية نحو الاسراع في تهويد القدس وإلحاقها نهائيا كعاصمة أبدية للكيان الصهيوني. وبدأت نشاطا ملحوظا عبر الخارجية الامريكية بالشروع بفرض تطبيع شامل مع النظام الرسمي العربي، يفتح به العرب أسواقهم وموانئهم وأجوائهم أمام نفوذ وسطوة إسرائيل.


أما على الطرف الثاني فإن إيران لها مصلحة في تعليق كل شئ في الشرق الاوسط والعراق وأفغانستان. عملت على ترك الازمات الامريكية من دون حل، حتى يُفرِج الغرب رسميا عن مشروعها وطموحها النووي؛ ولكي يظهر المشروع الى العلن من دون مضايقات أمريكية أو أوربية وإسرائيلية. طالبت إيران ضمنيا بالاعتراف بها كدولة نووية، من دون المغامرة والإقدام على تفجيرات نووية تُظهرها للعالم كثامن دولة نووية. وإيران قادرة على تأكيد ذلك في أي وقت لتؤكد من خلالها التحكم بالتفجيرات النووية وتوقيتها ونقلها برا وجوا وبحرا، وعلى سطح الارض أو تحتها ، ولكنها تُراهن على عامل الوقت فقط .


وإيران تهدف في نهاية المطاف الى حالة من التعايش النووي مع خصومها، لتكون دولة إقليمية كبيرة ذات مطامح قومية واضحة. فليست إسرائيل هدفا لضربة إيرانية، وليست إيران هدفا لضربة إسرائيلية كما يطرح البعض. وبإعلان إيران دولة نووية مُعترف بها ستسكت كل هذه الجعجعة الاسرائيلية بالعودة الى سياسة التعايش السلمي النووي مع من يعادلها.


لهذا فالقضية الفلسطينية لدى المتشددين القوميين الايرانيين ليست هدفا للتحرير وعودة الفلسطينيين الى أرضهم؛ كما هو الحال في أن قضية تصفية المشروع النووي الايراني، في نظر اليمين الاسرائيلي المتطرف، ليست هدفا للتدمير الشامل أيضا. وفي كلتا القضيتين المتقابلتين للمساومة باتت ديمومة المشكلتين الفلسطينية والنووية الايرانية تؤرق مصالح الولايات المتحدة وأوربا قبل غيرهم نظرا لقناعة الامريكيين والاوربيين وجود التطرف في قيادة كلا البلدين.
وكسبا للوقت فإن سياسة تصعيد تصوير الخطر الايراني وأثره على العرب والمنطقة والعالم ستظل ورقة أمريكية وإسرائيلية رابحة؛ يمكن الانشغال بها حتى ينحسم الموقف بشكل جلي في كل من العراق وأفغانستان. والخطر الإيراني على الدولة الصهيونية وهما تُدركه إسرائيل من خلال واقع التحالفات التي تمت على أرض العراق، حيث يتعايش حلفاء إسرائيل وإيران في تقاسم المصالح والامتيازات والحكم على أرض العراق.


وما عبرت عنه تصريحات صهر نجادي ونائبه الاول المُطالب بالاستقالة من ان ايران ستظل صديقة لشعب إسرائيل. وهي حقيقة باتت حقيقة مجسدة على أرض تقاسم المصالح في العراق. كما أن التصريحات الاسرائيلية العلنية حول نيتها ضرب المفاعلات الايرانية تبقى لصالح وفائدة النظام الإيراني وليست ضده. وقد تبدو تلك التصريحات مرعبة للنظام الرسمي العربي ، وخاصة دول الخليج العربي، أكثر منها عند النظام الايراني نفسه. وسيبقى هذا السيسبانس والضغط الاعلامي والسياسي والدبلوماسي لفترة حتى يتكشف الموقف الايراني النهائي، ويتجسد بتعاونه المعلن والصريح وبشكل واضح وفق تقاسم وظيفي واستثمار مشترك لقضية الطاقة والنفط في المنطقة والسيطرة المتفاهم عليها على الممرات المائية لنقل الطاقة عبر الخليج ووسط آسيا.


وتحتاج الولايات المتحدة مثل هذا الدور الايراني في العراق لحفظ سلامة قواتها في القواعد العسكرية الدائمة وبقائها من دون انسحاب نهائي. كما إن معركة الولايات المتحدة النهائية مع حركة طالبان في افغانستان وباكستان وانهائها في غضون ثلاث سنوات سلما أم حربا قد تقدمت في أولويات الادارة الامريكية الجديدة، وتتداخل في كثير من مفاصلها الادوار الايرانية المطلوبة، وخاصة التحالفات الاقليمية المرتقبة؛ وخاصة ضمن الدور التركي الباكستاني الافغاني العراقي الايراني لاعادة بعث حلف المعاهدة المركزية القادم. وفي هذا الحلف لا يهم أن تكون إيران دولة نووية، معلنة بسلاح نووي، أو ذات إمكانيات وقدرات نووية عالية التقنية، من دون تفجيرلسلاح نووي.


في هذه الاجواء يجب فهم التسريبات الاعلامية الأخيرة التي وردت في صحيفة «جيروزاليم بوست» على شكل تحذيرات أميركية تكون قد وصلت إلى إسرائيل من مغبّة توجيه ضربة أحادية إلى البرنامج النووي الإيراني. وتداول الاعلام العربي أخبار مرور الغواصات النووية عبر قناة السويس من والى البحر الأحمر وغطت فضائيات عربية مناورات الجيش الاسرائيلي في ظل فرضية التعرض لحرب كيمياوية. والتصريحات الاخيرة نُقلت عن مسؤول في وزارة الدفاع الامريكية «البنتاغون" لم يذكر إسمه، قوله: "إن مبادرات الرئيس باراك أوباما في المنطقة وضعت حزب الله وحماس في وضع دفاعي". ويجري الحديث عن غزل أمريكي – سوري متبادل الود بعد انتهاء الانتخابات اللبنانية. كما تمت زيارات ومقابلات، معلنة منها وسرية، بين أطراف فلسطينية منحازة الى جبهة حماس تمت مع مسؤولين أمريكيين، رسميين وغير رسميين، .


يقول المسؤول الامريكي إنه: (... يتوجب على إسرائيل أن تأخذ في الاعتبار علاقتها مع الولايات المتحدة، إذا ما قررت تنفيذ مثل هذه الضربة). وهو كلام يتطابق مع حالة التعايش الامريكي الايراني المعلنة في تقاسم نفوذ المنطقة الخضراء ببغداد ولواحقها. وأضاف المسؤول الامريكي أن: (ضربة يقوم بها طرف ثالث للبرنامج النووي الإيراني قد يكون لها عواقب وخيمة مزعزعة للاستقرار، ولن تؤثر فقط على المستوى العام للاستقرار في المنطقة، فربما تؤثر على أمن إسرائيل وعلى مصالحنا أيضاً وعلى سلامة قواتنا في العراق وأفغانستان وأماكن أخرى). ويتابع أنها: (قضية كبرى، وبسبب علاقتنا الوثيقة مع إسرائيل أعتقد أننا نأمل أن يأخذوا بالاعتبار هذه التقديرات الاستراتيجية). لم يوضح التصريح الامريكي من هو الطرف الثالث الذي سيحرج الكل ويشعل المنطقة كلها بقصف منشئات إيران النووية؟؟؟ .


ما أود قوله إن الولايات المتحدة وإيران تتقاسمان أدوارهما بالتوافق والتراضي رغم بعض حالات الشد وعض الأيادي أحيانا على بعض الفروع، ولكن في كل الاحوال لن يصلا الى حالة الصفع الذري، مباشرة، أو بتوكيل لإسرائيل وحدها. أمريكا توفرت لديها كل المعلومات والقناعة التامة ومنذ سنوات خلت: إن إيران لا تحتاج الى ثلاث سنوات إضافية أخرى كما جاءت التصريحات الاخيرة لإنجاز مشروعها النووي العسكري، وكما يوضح المسؤول الأميركي : (أن إسرائيل والولايات المتحدة تتشاركان التقدير نفسه بالنسبة للإطار الزمني الذي تحتاجه إيران لتطوير سلاح نووي). وقال: ( قد يكون هناك اختلاف بشأن مدى السرعة التي يمكن أن يطور بها الإيرانيون أسلحة نووية، لكن الإطار الزمني لذلك هو بين سنة إلى ثلاث سنوات). وبهذا التصريح الامريكي، عبر صحيفة يهودية -صهيونية قالت الولايات المتحدة للعالم إنها مستعدة لتمهل إيران ثلاث سنوات أخرى لكي تعترف بها دولة نووية في نهاية المطاف، سواء قامت إيران بتفجير نووي أو بدونه. وهي حالة اعتراف أمريكي واقعي تتم في ظرف عجز فيه الامريكيون من إنقاذ هيبتهم أمام مقاومة شعب العراق وأفغانستان، وهم في وضع لا يحسدون عليه؛ بعدأن فشلت إسرائيل مرتين في اجتياح لبنان وقطاع غزة.


وبتصريح وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلنتون يوم 22/78/2009 ان الولايات المتحدة تضع في الحسبان توفير مظلة حماية عسكرية لحلفاء الولايات المتحدة في الخليج والشرق الاوسط واسرائيل في حالة حصول إيران على السلاح النووي. وهذا إعتراف مُسبق لاحتمال توصل الولايات المتحدة بأن إيران قد حسمت نهائيا قضية امتلاكها للسلاح النووي. وهو تصريح أثار حفيظة الاسرائيليين بشدة.


ولأن قناعة الامريكيين إكتملت الآن من أن هناك أطنان من اليورانيوم العادي والمخصب قد هربت بـ "الفرهود" والنهب المنظم والسرقات في وضح النهار من خزانات وحدات الجيش الاحمر السوفيتي المتفككة. وقد إنتظرت هذه الأطنان من المواد الاشعاعية أكثر من 18 سنة كاملة في المخازن الايرانية من دون الكشف عنها. ولكي تمنح الولايات المتحدة إيران فرصة الظهور على المسرح الدولي كدولة نووية تركتها تجرب على الملأ وبالنقل التلفزي المباشر إطلاق منظوماتها الصاروخية وبكل السرع والمسافات. ولم يبق لإيران لها سوى ملأ الرأس النووي عند الحاجة وإطلاقه في لحظة التفجير المطلوبة.


وأعود الى السؤال المطروح في عنوان المقالة أيهما سيغامر في الضربة الأولى قبل الآخر لو أطبق الجنون والظن النووي بنوايا كل طرف؟ وعصف قرار مجنون في أحد رأسي التطرف الايراني أو الاسرائيلي. أميل الى الظن إن لإسرائيل إحتمال القيام بالمغامرة ولكن ليست لوحدها، ولا تتخذ قرارا متفردا الا بموافقة ومشاركة وتنفيذ أمريكي وأوربي إذا ما وجد الطرفان الظروف المناسبة في إيران وخاصة حدوث إضطرابات محتملة في السلم الاجتماعي الداخلي في إيران. هذه الاضطرابات المحتملة في إيران لا تستبعد أن يثيرها الطرف المحافظ الذي يقوده المرجع الأعلى علي خامنئي وخلفه أحمدي نجاد وقد تدفع الى استفزاز وضع الولايات المتحدة من داخل أو خارج إيران لكي تدفع إوباما الى المغامرة بضرب منشئآت إيران النووية المكشوفة جويا. وهي الفرصة التي ينتظرها الملالي أيضا في إيران للتحول المباشر من سياسة المهادنة والمشاركة والتعاون ووقف فتاوى التسلح النووي والمشروع السلمي للطاقة النووية ووقف التعاون مع الشيطان والطاغوت الأكبر مجسدا في الولايات المتحدة والدعوة الى ضرب مصالحها في العراق والخليج العربي وإسرائيل.


وإذا كان حاخامات إسرائيل يتمنون ويصلون مرة واحدة لحدوث يوم القيامة النووي في شرق العراق الخليج العربي بضرب إيران فإن الكثير من آيات الله والملالي سيصلون ألف مرة ويرجون ظهور المهدي النووي المنتظر ويفجر علنا ظهور القنبلة النووية الايرانية الجاثمة في مكان ما في إيران.


وليست قضية احتمال قصف المنشئات النووية الايرانية المكشوفة جويا صعبة أو إنها ستؤخر من توقيت اعلان إيران لتفجير أول وثاني وثالث قنبلة لها وفي فترات قصيرة تحت الارض، وعندها لا تحتاج إيران التفاوض مع الامريكيين من تحت الطاولة ببغداد ولا تحتاج الى جواز مرور أمريكي للدخول الايراني الى النادي النووي العالمي الذي أعلن نجاد منذ سنوات إنه العضو الثامن فيه من دون تردد.

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الخميس  / ٣٠ رجــــب ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢٣ / تمــوز / ٢٠٠٩ م