ليس من المفروض أن تمر تصريحات الكذّاب بريمر بدون تعليق !..

﴿ الحلقة الخامسة

بريمر : لم تكن لإيران أنشطة كبيرة في العراق !..

 

شبكة المنصور

الدكتور محمود عزام

عندما أجرى محرر صحيفة الشرق الأوسط يوم 10 مايس 2009 حوارا مع الحاكم المدني الأميركي وكبير الكذّابين ومن بين أكثر المستفيدين من تدمير وإحتلال العراق الدجال بول بريمر .. كان القاريء يتصور إن بريمر وبعد مرور أكثر من ست سنوات على إدارته الفاشلة وقراراته الخائبة ونتائجها الكارثية وما أفرزت من تداعيات مدمرة للعراق قد يعود لرشده ويعترف ولو بشكل غير مباشر عن مسؤوليته عن بعض الجرائم التي أُرتُكبت بحق العراقيين خلال وبعد تركه مسؤوليته !..

 

لكن الذي حدث إن هذه السنوات الست لم تزد بريمر إلا صلفا وإصرارا ومكابرة على الخطأ ودجلا وكذبا وسذاجة وسطحية في الفهم والتحليل ..فبقي يردد كلمات الراحل بوش ومقولات تشيني الخائب وعبارات رامسفيلد وكونداليزا رايس الطائشة وبذلك أعطى مبررا إضافيا للحكم على كل هذه المغامرة بالطيش والسير بالولايات المتحدة نحو التهلكة ..وسيكون هذا الحوار مبررا إضافيا لكل الذين سكتوا طويلا على إدعاءاته وتخرصاته وقراراته وسلوكياته خوفا أو تحفظا أو مجاملة للبدء بإنصاف الحق وقول ما يمليه عليهم الضمير والواجب تجاه شعب العراق والشعب الأمريكي والإنسانية ..

 

بول بريمر الذي حَكَمَ العراق بشكل مطلق  كان وفي كل فترة حكمه قد أباح لنفسه أن يكون فرعون الديمقراطية الأمريكية الكاذبة وسلطان وادي الرافدين بلا منازع ! ..في وقت كانت ترتكب في العراق أفضع وأوسع الجرائم تحت رايات وشعارات نشر الديمقراطية والرفاهية والإزدهار للعراق (الجديد)..

 

ومثل أي قاتل وسارق غبي من الذين تصوروا لفترة من الزمن بعد يوم الإحتلال من أن الزمن توقف في العراق وسوف لن يأتي يوم يحاسبه أحد أو يقتص منه صاحب حق فقد أوعز لحاشيته وللمقربين منه ولمن جاء معه بالقتل والإعتقال والتهميش والنهب ..حيث كان زبانيته يقدمون له نتائج جرائمهم يوميا في وقت كان كل شيء فيه مباح أمامه وأمام الأفاعي والذئاب التي يرعاها ويدعمها ..

 

الكذّاب بريمر هو واحدة من أسوأ الشخصيات التي حكمت العراق وتصرفت بمقدراته وسرقت ثروته وإنتهكت منظومة قيمه.. وهو أول من أرسى دعائم خطة تقسيم العراق الى فيدراليات وأقاليم وطوائف وقوميات وزرع الفتنة بين مكونات شعب العراق ..

 

وهو الذي حل الجيش العراقي الأصيل وأصدر قانون إجتثاث الوطنية العراقية ..وأجبر اللاهثين وراء المال والسلطة على إعتماد المحاصصة الطائفية والعرقية ..

 

بول بريمر يتحمل كل العواقب والتبعات لكل تداعيات الحالة العراقية وما لحق بها من نتائج ..وهو الذي عليه أن يدفع ثمن جرائم القتل والإغتيال وتشريد وتغييب وإقصاء وتهميش أهم مكونات شعب العراق ..

 

لم تكن لإيران أنشطة كبيرة في العراق! ..

 

عن إيران قال بريمر في الحوار المذكور : ( خلال فترتي لم يتعاون الإيرانيون معنا لكنهم في المقابل لم تكن لديهم أنشطة كبيرة في العراق..بين الحين والآخر كنا نجد عناصر من الحرس الثوري يعملون داخل العراق .وكنا نجد بعض عناصر وزارة الداخلية والمخابرات الإيرانية يعملون في العراق .لكن إتصالاتهم كانت تتم مع شخصيات من مستوى متواضع في تلك الأيام مقارنة بما سيحدث بعد ذلك).

 

لننتبه الى النص:

( خلال فترتي لم يتعاون الإيرانيون معنا )!..

 

والتفسير يمكن أن يشمل الإحتمالات التالية:

 

- أنهم لم يتعاونوا معنا كجار للعراق لتحقيق أهدافنا مع إننا قدمنا لهم خدمة لايمكن أن يحققوها حتى ولا في الأحلام !.

- أو أنهم كانوا يتعاونون معنا في السابق (للإطاحة بالنظام) ولكنهم خلال فترة عملي لم يستمروا بذلك!..

- أو إن المخطط له وبحسب معلومات المخابرات والأمن القومي وخلال سير العمليات كان يفترض أن تتعاون معنا إيران ولكنها لم تفعل خلال فترة عملي!..

 

ولكل الذين يريدون أن يعرفوا حقيقة ما يقصده بريمر بالضبط نوصي بمراجعة ما نُشر من حلقات مسلسل التعاون الأمريكي العراقي الإيراني على قناة العربية في ذكرى العدوان وإحتلال العراق والتي ظهر فيها خاتمي وهو يقول :

 

( لقد قدمنا خدمات جليلة للولايات المتحدة عندما ساعدناها للإطاحة بنظام طلبان وقدمنا مقترحاتنا بصدد القضاء على نظام صدام وحتى خطة الإطاحة بالنظام في العراق كنا قد إقترحنا على الأمريكان ومن خلال وسيطنا أن تكون خطة ستة زائد ستة (وهي الدول المحيطة بالعراق ) بدل خطة ستة زائد إثنين التي نجحت في أفغانستان )!..

 

ثم قوله :

 

( وبعد أن تم إعتماد جزء من الخطة والمقترحات الإيرانية ورغم خدماتنا الكبيرة للأمريكان في العمليات لإسقاط نظام صدام إلا ان الأمريكان إستمروا بمعاداتنا !)..

 

نعتقد إن تفسير ما يقصده بريمر قد توضح الآن !..

 

ثم يقول بريمر :

(لم تكن لإيران أنشطة كبيرة في العراق)!..

ونعود مرة أخرى للنص !..

 

لقد قسّم الدجال بريمر الأنشطة المعادية للعراق وللقوات الأمريكية الى نوعين : أنشطة كبيرة وأنشطة صغيرة!..

وسؤالنا:

 

ألم يكن لبريمر خبراء ومحللين إستراتيجيين في الإرهاب والعنف والمخابرات والمقاومة الشعبية وطبيعة المجتمع العراقي وعقلية السلطة في إيران؟..

ألم يشير عليه أحد من المستشارين بانه:

 

( في مجال السياسة والمخابرات والإختراق والتغلغل لا يجوز تقسيم الأنشطة والفعاليات المعادية الى أنشطة صغيرة وأنشطة كبيرة بل توجد دائما أهداف للعدو يتم الوصول لها من خلال خطوات تبدو وكأنها هامشية ولكنها ذات أبعاد إستراتيجية )!..

 

فهل هو الفشل وعدم الكفاءة..

أم هو التغابي..

أم هي الإستهانة بالعقل العربي ؟..

 

والغريب أنه يقول حول نفس الموضوع:

( بين الحين والآخر كنا نجد عناصر من الحرس الثوري يعملون داخل العراق .وكنا نجد بعض عناصر وزارة الداخلية والمخابرات الإيرانية يعملون في العراق .لكن إتصالاتهم كانت تتم مع شخصيات من مستوى متواضع في تلك الأيام مقارنة بما سيحدث بعد ذلك )!..

 

ألم تسأل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وإستخبارات البنتاغون والأمن القومي مالذي كان يعمله هؤلاء الأعضاء في الحرس الثوري الإيراني ووزارة الداخلية والمخابرات الإيرانية على الأرض العراقية وهم يتنقلون بحرية ويتصلون بشخصيات عراقية ( من مستوى متواضع !) والقصد هنا : ( فرق الموت وفيلق بدر والجلبي والدعوة من المنفذين لعمليات القتل والخطف والإعتقال الذين يسميهم الدجال بريمر بالمستوى المتواضع !) وما هي مخططاتهم؟.. في حين كانت كل هذه الأجهزة الأمريكية والإيرانية تتعاون لملاحقة رموز البعث والسلطة والأجهزة الوطنية وشيوخ العشائر والشخصيات الوطنية والمثقفين والكفاءات العراقية ؟..

 

ثم يعود المجرم بريمر الذي سمح لهذه القوات الإيرانية بالتغلغل في كل مفاصل الدولة للقول :

( كانت إتصالاتهم تتم مع شخصيات من مستوى متواضع في تلك الأيام مقارنة بما سيحدث بعد ذلك )!..

 

إذا هو إعتراف صريح بوجود معلومات أمريكية مفصلة بأن مستوى الإتصال للمسؤولين الإيرانيين في الحرس الثوري والداخلية والمخابرات قد تطور من إتصال مع مستويات متواضعة ( القتلة والسراق والمشبوهين من فرق القتل والإغتيال التي نفذت كل الأجندة الإيرانية بتصفية رموز البعث والسلطة والعسكريين والمثقفين ) الى مستويات أكثر تقدما كما حدث لاحقا!..

 

هل يمكن لأحد أن يتصور عقلية بهذه السذاجة ؟..

الى الدرجة التي لم نسمع تفسيرا من أي من سفراء الولايات المتحدة الذين أعقبوا بريمر ليبرروا لنا لماذا إستفحل الدور الإيراني في العراق ولماذا وصل التردي الى هذا المستوى ومن هو المسؤول عن ذلك !..

 

أم إنها حالة الإستهتار والإستهانة .. وبهذه الصلافة؟..

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاربعاء  / ٠٨ جمادي الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٣ / حزيران / ٢٠٠٩ م