ليس من المفروض أن تمر تصريحات الكذّاب بريمر بدون تعليق !..

( بريمر : سوريا أخطر من إيران ! .. )

﴿ الحلقة السادسة ﴾

 
 

شبكة المنصور

الدكتور محمود عزام

لقد كان الحوار الذي أجراه محرر صحيفة الشرق الأوسط يوم 10 مايس 2009 مع الحاكم المدني الأميركي في العراق وكبير الدجالين بول بريمر نموذجا صريحا للعقلية التي قررت لوحدها قيادة حملة عسكرية ضخمة ومدمرة لغزو وإحتلال بلد مستقل وعضو مؤسس لعصبة الأمم وحركة عدم الإنحياز والجامعة العربية !..

 

ومع أن هذا الحوار لم يتضمن شيئا جديدا ولا حتى تلميح للإعتراف بالخطأ والتخطيط للتلفيق في صياغة مبررات هذه الحملة التي أطاحت بمصداقية أقوى دولة في العالم !..

 

ومع إن بريمر تطرق الى العديد من القضايا المهمة في حياة العراقيين خلال حقبة وجوده في العراق وبعد هروبه منه وخلال مراحل الحملة الظالمة التي إستهدفت الشعب العراقي ومنجزاته وتأريخه ووجوده وهويته وسيادته ..إلا ان المُلاحَظ في حديث بريمر إصراره على مواصلة ذات التعابير والتحليلات والإستنتاجات التي ورطت الإدارة الأمريكية في سياسة إستخدام القوة المفرطة كحل وحيد لكل معضلة تواجهها في سعيها لبسط سيطرتها على سيادة وأمن وموارد العراق ..

 

هذه السياسة التي أثبت الزمن عقمها وإعترف بذلك الرئيس الجديد أوباما حيث قال إن المشكلة العراقية لايمكن حلها إلا بطرق سياسية وإنه قد آن الآوان لسحب القوات الأمريكية من العراق !..

 

لقد كان بول بريمر واحد من المسؤولين الأمريكان الذين خوّلهم بوش بصلاحيات إستثنائية خطيرة وقد أساء إستخدامها بشكل إستثنائي خاصة تلك المتعلقة بصلاحيته في حل الأجهزة الحكومية وإستثناء ما يراه مناسبا منها وتعيين من يقرر عليه وفصل وإبعاد وملاحقة وإعتقال وحتى السماح بإغتيال من يقرر كونه يمثل عائقا أمام منهجه!..

هذا المنهج الذي أفرز ملايين الشهداء والمفقودين واليتامي والأرامل والمعوقين والمعتقلين والمنكوبين..وعراقا محطما ومشتتا ومقسما وفاقدا للهوية والسيادة والإرادة!..

 

سوريا أخطر من إيران!

 

عن إيران قال بريمر في الحوار المذكور : ( خلال فترتي لم يتعاون الإيرانيون معنا لكنهم في المقابل لم تكن لديهم أنشطة كبيرة في العراق..بين الحين والآخر كنا نجد عناصر من الحرس الثوري يعملون داخل العراق .وكنا نجد بعض عناصر وزارة الداخلية والمخابرات الإيرانية يعملون في العراق .لكن إتصالاتهم كانت تتم مع شخصيات من مستوى متواضع في تلك الأيام مقارنة بما سيحدث بعد ذلك).

 

وقوله في المقارنة بين تأثير إيران وسوريا: ( بالنسبة لسوريا الأمر مختلف كانت سوريا تعتبر مشكلة كبيرة.كنت متضايقا جدا من الدور الذي تلعبه سوريا أما الدور الإيراني فقد كان محدودا في تلك الأيام)!..

 

قد تكون هنالك رؤية أمريكية في موقفها من نظام الحكم في سوريا ..

ولكن لماذا كان بريمر يعتبر سوريا مشكلة كبيرة له؟..

هل يقصد إنها كانت تمثل مشكلة كبيرة للإدارة الأمريكية المدنية والعسكرية وأجهزة مخابراتها ؟..

 

هل يمكن أن نقول إنها تمثل خطرا على الجيش الأمريكي المدجج بأحدث الأسلحة والمعدات ومنظومات الإستطلاع والتحسس والتجسس ؟..

 

هل لأن في سوريا ( حزب للبعث ) يرفع نفس الشعارات والأهداف ؟..

 

قد يقول قائل ..إن بريمر يقصد كونها تمثل مصدر دخول (القاعدة والتكفيريين والإرهابيين والمقاتلين)..

وإن سوريا هي (عمق المقاومة العراقية والبعثيين الذي إضطرتهم الظروف للإنتقال الى سوريا وإعتمادها كقاعدة تدريب وحشد إمكاناتهم وإنطلاق لمقاومة الأمريكان(إن صح ذلك!)وحسب الإدعاء الأمريكي وحكومة الإحتلال! )..

 

ولماذا كانت سوريا مصدر قلق وضيق لبريمر بقوله (كنت متضايقا جدا من الدور الذي تلعبه سوريا ) ؟..

هل يقصد دورها في (عدم حماية حدودها مع العراق)؟..

وماذا عن حماية الولايات المتحدة (لحدود العراق مع سوريا)؟..

 

وهل قامت إيران بحماية حدودها مع العراق؟..

ألم يسأل بريمر نفسه سؤالا بديهيا:

كم دخل من الغرباء الى العراق من الحدود السورية وكم دخل من الغرباء الى العراق من الحدود الإيرانية؟..

هل يخاف ان يذكر أن من دخل من الحدود السورية الى العراق كان مقاتلا لهم بينما كان الذي يدخل من إيران صديقا لهم؟..

ومَن يجامل بسكوته هذا؟..

 

وقول بريمر إن (الدور الإيراني كان محدودا في تلك الأيام)! دلالة واضحة على:

 

خيبة وبؤس وسذاجة تحليل وإستنتاج المخابرات ونظم المعلومات الأمريكية في مرحلة ماقبل وخلال وبعد غزو العراق..

 

وعلى سوء إدارة المسؤولين الأمريكيين المدنيين والعسكرين في العراق لهذا الملف الخطير بحيث وصل الأمر الى هذه التطورات الغير محسوبة والتي جعلت إيران تهدد الولايات المتحدة وتتوعد بأخذ الجنود الأمريكان في العراق كأسرى!..

 

وعلى ضعف وسوء قراءة الواقع العراقي والعربي والإقليمي.. 

وعلى ضعف الحجة وخطأ الخطوات وعقم الإجراءات وفقدان حس الإستقراء ..

وعلى فداحة النتائج التي لايريد أحد ان يعترف بمسؤوليتها ..

 

وعلى سطحية وهشاشة وسذاجة عقول من يستخدم (القوة المفرطة) التي راهنت على القضاء على (البعث والنظام السابق بكل مؤسساته ورموزه ) للوصول الى (عراق آمن مستقر ومزدهر)!..

 

لقد نسي بريمر قول سيده بوش من إن إيران هي إحدى دول محور الشر (مع العراق وكوريا الشمالية)!..

وسوريا لم تكن ضمن هذا التوصيف !..

ونسي بريمر وضوح كذب ودجل من أغرى الولايات المتحدة بهذه المغامرة من أجل مصالحه الشخصية ..

هؤلاء الخونة والمنتفعين الذين صاحبوا دبابات المحتل وهي تدنس أرض العراق من أصحاب (نصائح غزو العراق) و( مروجي كذبة إمتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل  وعلاقته مع القاعدة) و( الذين أقنعوا الأمريكان بقضية الورود التي سيستقبل بها العراقيون القوات الأمريكية)!..و(كذبة وفرية مظلومية الشيعة وديكتاتورية السنة!) ..و(كذبة المقابر الجماعية والإبادة والعنف!)..

 

نسي بوش وبريمر والقادة العسكريين كل ذلك ليستمعوا مرة أخرى الى نفس الأطراف التي ورطتهم بهذه الكارثة لتوهمهم بأن الخطر السوري أهم من (التدخل الإيراني البسيط)!..

 

والذين أقنعوهم بإهمال الخطر الإيراني وتركيز (القلق والضيق والغضب من إسم البعث السوري ) على سوريا ..

 

ولكن ..بتزايد مقاومة الشعب العراقي وتطورها وزيادة فعالياتها ( وبما لم يكن في حساب مخططي ومحللي ومستنتجي السياسة والمخابرات والعمليات العسكرية الأمريكية )!..

 

ومن جراء تزايد خسائر القوات الأمريكية وغطسها عميقا في المستنقع العراقي ..

وبسبب وجود مسؤولين مثل رامسفيلد وبريمر ورايس وتشيني ورئيسهم بوش ..

 

وفي الوقت الذي لازال بريمر يتغنى بقراراته !..

وتحليلاته !..

وإستنتاجاته!..

وطيش إدارته !..

وبينما تتجه عيون وعقول (العباقرة الأمريكان) الذين عقّبوا رؤى وتحليل بوش وبريمر الى الغرب العراقي !..

 أجرت كوريا الشمالية تجربتها النووية في أفق الشرق البعيد !..

 

ومن جهة الشرق أيضا..

ها هي إيران جارة (العراق الجديد) والمحمي بمئات الآلاف من الجنود والمارينز والمقاتلات الأمريكية ) تتقدم بخطى ثابتة نحو تجربتها النووية لتلحق بدولة محور الشر الأخرى!..

المشكلة إن الكثير من الإستراتيجيين والمفكرين والساسة والمثقفين والمحللين يقولون بأنه من غير المعقول ( إن الإدارة الأمريكية لا تتابع مايصدر من تصريحات عن مسؤوليها السابقين والحاليين) ..

 

ويستغربون ممن يقول:

 (إن الولايات المتحدة الأمريكية لا تعي ما تفعل!)..

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاثنين  / ١٣ جمادي الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٨ / حزيران / ٢٠٠٩ م