كيف كانوا يفكرون !..
مَن الذي آن له أن يستوعب الحقيقة اليوم
؟..
بغداد أم واشنطن
؟..

 
 
 

شبكة المنصور

الدكتور محمود عزام

عندما يتناسى العالم لا نملك إلا أن نستمر في تذكيره..

 

ما نعيشه اليوم في العراق من ويلات ماهو إلا نتاج واحدة من أكبر جرائم التأريخ ..

جريمة قادتها أكبر دولة في العالم وجمعت من حولها مَن خاف من عقاب ..ومَن لهث وراء فتات..

جريمة تم التهيئة لها إعلاميا وسياسيا وديبلوماسيا وعسكريا بشكل غير مسبوق..وتركزت الحملة في كل مراحلها على (التهديد الذي يمثله العراق على السلام والأمن الدوليين وعلاقته بالإرهاب وهو يمتلك بعض أسلحة الدمار الشامل ويسعى لإمتلاك أنواعها الأخرى)!..

 

ولعبت الولايات المتحدة وبريطانيا دور (المنقذ للعالم وحامل رسالة الله في الأرض!) وهي تحشد القوة والدول والحقد ضد العراق..

 

ولعب الكثير من القادة السياسيين الأمريكيين دورا أساسيا في نشر هذه الحملة وتضليل العالم بمفرداتها مغامرين  بكل تأريخهم السياسي والمهني ..

 

ومن هؤلاء المغامرين الجنرال كولن باول..

عندما كان وزيرا للخارجية الأمريكية ..أو عندما كان يقود الحملة السياسية والديبلوماسية ضد شعب العراق وقيادته متهما العراق بحيازة وتطوير أسلحة الدمار الشامل وتقوية علاقته مع تنظيمات الإرهاب في العالم مستندا في معلوماته على مصادر وكالة المخابرات المركزية والأمن القومي والبنتاغون وإملاءات تشيني وبوش..والتي تبرأت منها لاحقا كل هذه الأجهزة!..

 

وكولن باول إمتشق حسامه الخشبي في أكثر من مرة مهددا العراق ..

 

ولكل مرة تهديد وترويج أعلن باول أسفه وحسرته عليها..

الى ان قال مرة :

(لقد كلفني ذلك كل حياتي السياسية وما بنيته طيلة خدمتي في الجيش والخارجية)!..

 

بتأريخ 16 أيلول 2002 كتب كولن باول مقالا في الواشنطن بوست تحت عنوان:

 

( آن لبغداد ان تستوعب الحقيقة ) ..

 

ونشرت هذه المقالة في وقت كانت الإستعدادات لإصدار الأمر لقرع طبول الحرب الأمريكية العدوانية على العراق قد قاربت على نهاياتها بعد أن وقف بوش الصغير متحديا الأمم المتحدة ومجلس الأمن في 12 أيلول 2002 (ليحمله مسؤولياته في التصدي للخطر العراقي الذي يهدد السلام والأمن الدوليين ) حيث أصدر مجلس الأمن قراره المرقم 1441 ..

 

قال كولن باول واصفا القرار المذكور في هذه المقالة بأنه:

 

(خطوة تاريخية للأمم المتحدة باتجاه تجريد العراق من اسلحة الدمار الشامل بوسائل سلمية)!..

 

معتبرا هذا القرار بانه:

(الفرصة الواحدة الأخيرة التي منحها المجتمع الدولي لصدام حسين ونظام حكمه. وعلى بغداد الآن أن تغتنمها)!..

 

وأن هذا القرار:

(أظهر أعمق وأقوى عزيمة لدى العالم على وجوب أن ينزع العراق أسلحته نزعا تاما وأخيرا. وينبغي ان يكون من الجلي الآن لصدام حسين ان هذه المسألة لم تعد مجرد مسألة بين العراق والولايات المتحدة، بل بين العراق وعالم متحد).

 

وقوله:

(وخلال السنوات الأربع منذ أن منع مفتشو الاسلحة من دخول العراق، قام صدام حسين بكل شيء في مقدوره لحيازة وتطوير مزيد من أسلحة الدمار الشامل – سواء البيولوجية او الكيميئاية او النووية. ولا وازع لديه حيال استخدام الأسلحة التي يمتلكها او إمدادها للإرهابيين فيما لو تواءم ذلك مع مصالحه)!..

 

وأخيرا تأكيده:

(وقد شدد الرئيس بوش ومجلسا الكونغرس على ان الولايات المتحدة تفضل أن ترى العراق وقد نزع أسلحته تحت رعاية الأمم المتحدة وبدون لجوء للقوة. ونحن لا نسعى للحرب مع العراق بل نسعى لنزع أسلحته سلميا. لكننا لن نتراجع عن الحرب اذا أصبحت السبيل الوحيد لتجريد العراق من أسلحة الدمار الشامل. وقد جابه مجلس الأمن صدام حسين ونظام حكمه بساعة الحقيقة. واذا جوبه بمزيد من الأكاذيب فان (العراقيين) لن يفلتوا من العواقب)!..

 

إنها إذا الحرب على العراق لتجريده من أسلحة الدمار الشامل !..

ولأنه يمثل خطر وتهديد جدي على الأمن والسلام العالمي!..

وهذه الحرب ليست للإطاحة بالنظام العراقي !..

وليس للتخلص من صدام حسين!..

أو لتخليص الشعب العراقي من الديكتاتورية!..

وليس حبا بنشر الديمقراطية بين العراقيين !..

وليس لها أي علاقة بمكافحة الإرهاب وضرب التكفيريين بعيدا عن أرض الولايات المتحدة!..

كما أن بناء نموذج عراقي فريد في الديمقراطية والإزدهار والتنمية لم يكن هدفا لهذه الحرب!..

 

وإن هذه الحرب التدميرية التي بدأت بقصف كل شيء على أرض العراق وتدميره بشكل كامل وبأسلحة موجهة بالليزر وبالأقمار الصناعية وصواريخ عابرة للقارات وصواريخ وقنابل القاذفات العملاقة التي غطت سماء العراق لتزيل من الوجود كل البنايات والشواخص الحضارية والخدمية والإجتماعية من مستشفيات ودور عبادة ومصانع ومنشآت ودوائر ووزارات ومجمعات سكنية وقرى وبساتين ومخازن للمواد الغذائية والإنشائية وجامعات وكليات ومعاهد ومدارس ورياض أطفال وملاجيء ومحطات توليد الطاقة الكهربائية ومحطات ضخ الماء والمجاري والجسور والطرق وكل الجسام المتحركة على الأرض العراقية من سيارات وأشخاص وحتى قطعان الماشية!..

 

نقول كل هذا التدمير لم يكن حقدا ولا إنتقاما ولا ثأرا ولا تدميرا بقصد الإحتلال والإستغلال!..

 

كان كل هذا التدمير وفقا لكلام بوش:

(  لأنه كان السبيل الوحيد لتجريد العراق من أسلحة الدمار الشامل )!..

 

والكلام هنا لرئيس أكبر وأقوى دولة في العالم في الإمكانات الإقتصادية والعسكرية والبشرية والإستخبارية وجمع المعلومات والمراقبة والإستطلاع!..

ورئيس هذه الدولة يتحدث عن تجريد بلد من أسلحة لايمتلكها..

وهو الذي قام بتدمير هذا البلد وتقسيمه وقتل أكثر من مليون ونصف عراقي وتشريد مايزيد عن أربعة ملايين عراقي في الخارج ومليوني عراقي في الداخل ..

وهو الذي رمّل مليون إمراة عراقية ويَتّم أكثر من ثلاثة ملايين طفل عراقي !..

وهو الذي أشاع الحزن واللوعة وسط أكثر من مليوني أب وأم !..

فَمن عليه اليوم ان يستوعب الحقيقة؟..

بغداد العصية والمقاومة ..أم واشنطن المهزومة؟..

بعد أن حصدوا ما زرعوا ..سعيا وراء هدف لم يتحقق..

وكذبة كبيرة خلقوها وهما..وجعلوها شعارا ركضوا خلفه..

وذهبوا بكل ثقلهم الى الجرف الهار الذي إنهار بهم ..

وكلما همّوا بالخروج من هذا العار إزدادوا ذُلا ومهانة ..

ووحده العار يبقى عصيا على الزمن ..

ولا يمكن للأيام ان تدواي جراحه..   

 
 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الثلاثاء  / ٠٦ شعبــان ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢٨ / تمــوز / ٢٠٠٩ م