متى سيعتذر كرزايات المنطقة الخضراء ؟

 
 
 

شبكة المنصور

د. مثنى عبد الله / باحث سياسي عراقي

تتوالى التصريحات التبريرية و الاعتذارية الواضحة أوالضمنية عن الدوافع التي قادت الى الغزو والاحتلال في 9 نيسان 2003 , وتستمر التحقيقات السرية والعلنية لقادة دول العدوان لتحديد المسؤولية السياسية في الحدث , الذي لازالت نتائجه الكارثية تلقي بظلالها الرهيبة على حاضر الانسان العراقي ومستقبله الى أمد يبدو حتى هذه اللحظة أنه غير منظور, في ظل أختلال المعادلة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية في العراق لصالح المشروع السياسي الامريكي المسمى ب(العملية السياسية) , المعلوم الاهداف والتوجهات والذي لازالت تحرسه حتى اليوم مئات الدبابات والمدرعات والطائرات والاف الجنود الامريكان .


فبالرغم من المظاهرات المليونية العالمية الرافضة للحل العسكري والتدخل في الشأن العراقي , وبعد تأكيد المئات من المختصين بان العراق خال من أسلحة الدمار الشامل , لكن أبصار وأفئدة قادة دول العدوان ران عليها الصمم , وركب الغي عقولهم , فقادوا العراق وبلدانهم بنفس الوقت الى هذا المصير الذي سقوا العراقيين به وشاءت الاقدار أن يشربوا هم منه ايضا , وهاهو نائب الرئيس الامريكي بايدن في ارض العراق يذكر جنوده بان ( 4322 جندي قتلوا , واكثر من 30 الفا أصيبوا منهم 17 الف في حالة حرجة ) على الرغم من ان الاعداد الحقيقية اكثرمن ذلك بكثير مضافا اليها أيضا الدمار الاقتصادي الذي حل بدول العدوان من جراء النفقات الاقتصادية التي تكبدوها في العراق والذي قاد الى الازمة المالية العالمية الحالية .


لقد كشفت الصحافة البريطانية الاسبوع الماضي عن محضر أجتماع جمع رئيس الوزراء البريطاني السابق بلير مع بوش قبل الغزو بشهرين , حيث تم الاتفاق في هذا الاجتماع على تحديد موعد شن الحرب , بعد أن تأكد لهم من خلال لجان التفتيش الدولية بان العراق خال من أسلحة الدمار الشامل , وبذلك فانهم سوف يكونوا أمام أمر واقع يفرض عليهم تطبيق الجزء الثاني من القرارات الدولية المتمثلة برفع الحصار الجائر عن العراق, ولان هذه القرارات جائت أصلا لاغراض غير قانونية ولاهداف بعيدة كل البعد عن الشرعية الدولية , ولتحقيق طموحات أستعمارية تخدم الدولتين بريطانيا وأمريكا , ولان رفعها ليس في خدمة تلك الغايات , فقد رسم المذكورين خطة لقطع الطريق على أي قرار قد يصدر لصالح رفع العقوبات , حيث تم طرح خيار أول يتمثل بتسيير طائرة تجسس أمريكية مموهة بشعار الامم المتحدة في الاجواء العراقية لاستفزاز العراقيين وعند أطلاقهم النار عليها سيكون ذلك مبررا لاصدار قرار دولي بشن الحرب , أما في حالة فشل هذا الخيار , فأن الخيار الثاني هو أغتيال الرئيس العراقي وقيام المجموعة المكلفة بالاغتيال بالاعلان عن أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل , لاعطاء المصداقية لكل الاجراءات العدوانية التي أتخذ تها الادارتين الامريكية والبريطانية ضد العراق .


أن تصريحات المسؤول السابق عن أسلحة الدمار الشامل العراقية هانز بلكس الذي أكد علنا بان (واشنطن هددتني والبرادعي بموضوع أسلحة العراق ) , مضافا اليها هذا المخطط الخبيث يكشف وبوضوح تام بان العراق قد تعرض الى مؤامرة دولية توفر فيها عنصر سبق الاصرار والترصد بأيدي قوى دولية تحمل شعار الحفاظ على الامن والسلم العالميين وتدعي الدفاع عن حقوق الانسان, كان الهدف منها تدمير نهضته وتغيير نظامه السياسي بغية التمكن من نهب ثرواته وجعله تابعا ضعيفا لها , وهذا هو الهدف الاول لكل ماجرى والذي أكده ديفيد كينغ المستشار العلمي السابق للحكومة البريطانية من أن (غزو العراق أول حرب دولية على المصادر الطبيعية ) .


أن كل المبررات التي ساقها المعتدون في غزوهم للعراق تتساقط يوما بعد يوم وتتكشف الحقائق التي تدحض ماذهبوا اليه ,لكننا يجب أن نتسائل أيضا , هل كان تدمير الاسس الارتكازية للدولة العراقية , والبنى التحتية المادية والمعنوية لمؤسساتها وللانسان فيها هدفا صهيونيا أمريكيا بريطانيا فقط ؟ أن الاجابة اليقينية الواضحة على هذا السؤال تؤكد بانه لم يكن كذلك فحسب , بل كان هدفا رئيسيا شغل بال العديد ممن كانوا يسمون ب(المعارضة العراقية ) الذين وصفهم القائد السابق للقوات الامريكية الوسطى الجنرال زيني (أنهم مجموعة من اللصوص مكروهون من أغلبية العراقيين ولايمثلون سوى أنفسهم), الذين لم يدخروا جهدا أو فرصة تقربهم من تحقيق هذا الهدف الا وأستغلوها أبتداء من فبركة المعلومات المزيفة عن أمتلاك العراق لاسلحة تدمير شامل, وأرتباطه بتنظيم القاعدة , مرورا بالضغط على العراقيين المتواجدين في الخارج وتقديمهم على أنهم مصادر معلومات موثوقة , حيث كانوا يهرولون لدول العدوان عارضين عليهم الدلائل المزيفة كلما أنعقد مجلس الامن لمناقشة الحصار, مما تسبب في أطالة أمد المعاناة الانسانية للعراقيين, وانتهاءا بالمشاركة المادية والمعنوية في تدمير العراق وقتل أكثر من مليون ونصف أنسان بريء فيه , وجعل شعبه يعيش أسوء هجرة عرفها التاريخ بعد هجرة الفلسطينيين عام 1948 حسب تصريحات الامم المتحدة, والتسلط عليه بالمليشيات وفرق الموت التي تدربت في بعض المعسكرات الامريكية والاوربية والايرانية لتعصف بالنسيج الاجتماعي العراقي وتمزقه الى ملل ونحل , أختفى فيها الولاء للوطن وحلت محلها ولاءات طائفية وعرقية وعشائرية وحزبية ضيقة.


أن المسؤولية السياسية والاخلاقية والجنائية عن كل الجرائم التي تحملها شعب العراق طيلة الاعوام الستة المنصرمة , والتي طالت مناحي الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والامنية , أنما يتحملها المحتل بالدرجة الاولى وأعوانه ممن يتسلطون الان على رقاب شعبنا في العراق لان (الغزو انتهاك خطير جدا للقانون الدولي , ولم يكن هناك أي عمل يبرر استخدام القوة ضد العراق , ولاتوجد أية أرضية صلبة ,أو أثباتات قوية تؤكد ان هذا البلد أرتكب أي مخالفة, أو أقدم على أي عمل يستحق على أثره أعلان الحرب عليه ) على حد تعبير رئيس محكمة اللوردات الاعلى في بريطانيا , وان تطبيق هذا التفسير القانوني على الواقع العراقي يجعل من كل المتسلطين اليوم على السلطة فيه , ليسوا أكثر من مجموعة من المرتزقة سرقوا وطنا مستقلا وشردوا شعبا أمنا , وان كل مؤسساته وهياكله المقامة الان لاشرعية قانونية لها.


أن التحقيقات الجارية الان في المؤسسات الدستورية لدول العدوان للبحث في كيفية أستغفال شعوبها وتمرير قرارات الحرب على العراق بصورة غير شرعية وباتهامات زائفة , أنما تتطلب كذلك من شعب العراق وقواه الوطنية المقاومة تشديد العمل الجهادي ضد الطغمة الحاكمة اليوم في المنطقة الخضراء , وفضح اساليب التضليل والتطبيل التي تمارسها والهتاف بالشعارات الوطنية التي هي ابعد ماتكون عنها , كما أن على المنظمات الحقوقية والانسانية الاقليمية والدولية مسؤولية كبرى في توثيق جرائم المحتل وأعوانه ضد شعب العراق , فاالايام القادمة ستشهد سقوط الكثير من الرؤوس التي تسببت في الجريمة , ولابد أن يلتف القانون على رقاب دمى المنطقة الخضراء عاجلا أم أجلا فلا أعتذار لهم بعد الان وان غدا لناظره قريب .

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الثلاثاء  / ١٤ رجــــب ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٧ / تمــوز / ٢٠٠٩ م