العراق والكويت مرة اخرى .. حقيقة ام خيال

 
 
 

شبكة المنصور

د. مثنى عبد الله / باحث سياسي عراقي
على مدى الايام القليلة المنصرمة تبارى الكتاب والمحللون السياسيون العراقيون والكويتيون عبر الصحف والقنوات الفضائية , كلا يدعي حقا مضاعا ويتهم الاخر بالجحود ونكران الجميل على خلفية سعي الكويت للابقاء على العراق تحت البند السابع من ميثاق الامم المتحدة, حتى وصل النقاش الى التباري في كيل السباب والشتائم بين بعضهم البعض على عادة العرب عندما يحمي الوطيس وتستيقظ في نفوسهم القطرية والمصالح الضيقة ويصبح الدفاع عن الحكام هدفهم الاوحد.  

 

أذن هل فكر البعض بالدوافع والاسباب التي أججت هذه الازمة في هذا الوقت بالذات ؟

وهل هي ليست ذات صلة بالتصريحات النارية التي اطلقها رئيس وزراء حكومة الاحتلال  مؤخرا باتجاه السعودية التي حاول ابراز عضلاته امامها مدعيا بانه ليس ضعيفا حتى يستمر في تقديم المبادرات اليهم؟ . وهل هي بعيدة عن حزمة الدعاية التي اطلقها مؤخرا والتي طالب فيها بتحويل نظام الحكم الى النظام الرئاسي وحاكمية الاكثرية فيه؟ أم انها  محاولة لحرف النظر عن الفساد الذي ذاع صيته والذي كان يمارسه رفيق دربه في الحزب (وزير التجارة) الذي تاجر بقوت الشعب ؟ .

 

يقينا ان اي مراقب محايد سيجد بشكل واضح بان الترابط بين كل هذه الامور انما يقع في خدمة الاهداف  الانية الانتخابية التي يسعى اليها مايسمى رئيس الوزراء فالمبدأ الميكافيلي القائم على أساس الغاية تبرر الوسيلة هو المنهج الذي يسير عليه , والذي اثبتته مرحلة الانتخابات المحلية لمجالس المحافظات عندما حاول ايهام بسطاء الناس بفعاليات مسرحية كقيادة مايسمى صولات الفرسان التي قضت على ميليشيات واسست ميليشيات مجالس الاسناد والتي اشترى اصواتهم بالمال الذي دفعه لهم كي يصوتوا له,ثم أدعائه بتخليه عن التوجهات الدينية على الرغم من تزعمه حزبا طائفيا فكرا ومنهجا ليؤسس فيما بعد قائمة دولة القانون في ظل أمن هش ومؤسسات طائفية لاتمت بصلة الى المنتظمات السياسية والمؤسسات الدستورية التي تتكون الدول على اساسها , وها هو اليوم يعيد الكرة مرة أخرى ليطرح نفسه بطلا وطنيا من خلال بعض الفعاليات الكاذبة التي يحاول من خلالها حشد الجماهير خلفه بالايعاز لبعض ابواقه في مايسمى الحكومة والبرلمان كي يعلقوا شماعة اخطائهم الكارثية على الغير ويدغدغوا مشاعر الناس. اننا هنا لسنا بصدد الدفاع عن الذين خانوا ابسط المبادئ القومية وحاولوا تدمير العراق قبل 2 اب 1990 ثم دمروه بعد ذلك , وتمادوا في غيهم طوال 13 عاما من الحصار الظالم عندما كانوا يحملون اموال قارون كي يشتروا بها هذا الطرف الدولي أو ذاك كلما طرحت مسالة رفع الحصار عن العراق للابقاء عليه, مما ساهموا مساهمة فعالة في قتل اكثر من مليون ونصف مليون طفل عراقي , ثم بلغت ذروة خيانتهم في فتح حدودهم لقوات الغزو لدخول العراق واحتلاله وتدمير أرضه وشعبه متنكرين لكل المبادئ الالهية والوضعية ولكل مبادئ الاخوة والمصير المشترك يدفعهم في ذلك حقدهم الاعمى الذي ران على عقولهم وابصارهم فافقدهم بوصلتهم .

 

نعود فنقول أذا كان كل ما أثير مؤخرا من قبل مايسمى الحكومة والبرلمان كان بدافع وطني وحرص منقطع النظير على الشعب العراقي , الم يكن من الاجدى أن يسائلوا أنفسهم أولا عن ال290 مليار دولار التي دخلت الخزينة العراقية منذ العام 2003 وحتى اليوم من أموال النفط والتي لم يبنى فيها حجرا فوق حجر في كل أنحاء العراق من اقصاه الى اقصاه , بل حتى لم يلحظ احد اين ذهبت وفيما أنفقت ؟ وهل تجرأ أي من هؤلاء المتباكين اليوم ليسالوا أسيادهم الامريكان عن أطنان الذهب الذي كان في البنك المركزي العراقي والذي تم نقله من قبل الاحتلال الى جهة مجهولة ؟ , وأين ملايين الدولارات والدنانير العراقية التي نقلها الامريكان بالطائرات أمام الصحافة والفضائيات الى واشنطن منذ اليوم الاول للاحتلال ولم نعد نسمع عنها شيئا حتى اليوم ؟ وما الذي جناه العراقيون من مليارات الدولارات التي كانت ديونا بذمة العراق والتي الغيت من قبل العديد من الدول الدائنة  ومع ذلك لازال شعب العراق يعيش ربعه تحت خط الفقر حسب التقارير الدولية, ويوجد اكثر من مليوني طفل يتيم تعلن الحكومة نفسها بانها غير قادرة على اعالتهم , ناهيك عن ملايين المهجرين والارامل , وتدهور  الوضع الصحي بشكل كارثي  بسبب انعدام العناية في المؤسسات الصحية العراقية , وان 80% من الاناث بلا مدارس , ونسبة التلوث في مياه الشرب حسب تصريح وزيرة البيئة وصلت الى نسبة 39% , وان انهيار البنى التحتية والخدمات الاساسية لازالت معضلة كبيرة يتحدث بها كل مسؤول يدعي بانه يتحمل مسؤولية رسمية في سلطة الاحتلال الرابعة .

 

أن سياسة تصدير المشكلات الى الخارج والقاء الفشل الذريع على الاخرين -بالرغم من ان الشعب يعرف جيدا عمق الاذى الذي سببه له أولائك - لايجدي نفعا ولن يعفي من يتصدرون السلطة الان في بغداد المحتلة من السؤولية التاريخية أمام الله والتاريخ في التقصير الواضح والثراء الفاحش القائم على سرقة قوت الشعب والمتاجرة بحياته حتى تحول الكثير ممن يتصدرون الموقع الاول والثاني والعاشر في سلطة الاحتلال وعوائلهم واقربائهم الى رجال أعمال واصحاب شركات وحسابات كبرى في البنوك العالمية بينما كانوا يعتاشون على المساعدات التي تقدمها الدول الاوربية التي كانوا لاجئيين فيها حتى قبل وقت قصير , بل لقد تناسى هؤلاء المتباكين اليوم والمدعين بضرورة قيام (ال رغال) الذين يحكمون الكويت بامر مرجعهم الاعلى البيت الابيض , بدفع بلايين الدولارات الى العراق لقيامهم بتسهيل دخول القوات الامريكية الى العراق عن طريق اراضيهم , بانهم هم من طلب  ذلك من حكام الكويت عندما كانوا يقتاتون على فتات موائدهم , ويتسلمون الاموال منهم كي يقتلوا بها اطفال العراق ونسائه وشيوخه أثناء الحصار الجائر , فهل نسى العبيد أسيادهم الان ؟ أم ان مايدخل الان من اموال السلطة الى جيوبهم اكبر بكثير مما كان يدفع اليهم مما جعلهم ينسون ماضيهم ؟ لقد احجم هؤلاء الذين يدعون الوطنية اليوم عن مطالبة اسيادهم الامريكان بالتعويضات عن الدمار الذي خلفه الغزو على حاضر العراق ومستقبل اجياله , ولم ينبسوا ببنت شفة بذلك وهم يوقعون على الاتفاقية الامنية الامريكية , مصادرين حقوق الملايين من العراقيين الذين استشهدوا وهجروا وتقطعت بهم سبل الحياة في دول الجوار العربي وفي الدول الاوروبية والذين تضررت ممتلكاتهم وفقدوا وسائل العيش الكريم , لانهم وببساطة تامة لايستطيعوا ان يطالبوا بذلك لان سيدهم الامريكي هو الذي جمعهم من أماكن القمامة , ونصبهم على رقاب شعبنا , وانشأ لهم هذه المؤسسات الزائفة التي يشغلون مقاعدها الان, فهل يعقل ان يدينوا الغزو وهم ابنائه وخدمه وديدانه الطفيلية الضارة وسمساسرته ؟ يقينا سيكون الجواب كلا انهم لايستطيعون القيام بذلك لكنهم قادرون على ادانةالدور الذي قام به (ال رغال) في الكويت لانهم مثلهم من نفس الصنف لهم اب واحد هو السيد الامريكي وقد يختلف الابناء بعضهم مع بعض لكنهم لن يشتموا ولي نعمتهم .

 

أن الاسلوب الخبيث الذي يمارسه الدعي رئيس سلطة الاحتلال الرابعة وفصيلته الاخرى من الاحزاب الطائفية والعنصرية في أستغلال القضايا الوطنية والقومية المصيرية للشعب العراقي  وعويله على مايسمى الدستور والاكثرية النيابية والرئاسة بعبارات تبدو وطنية يراد بها باطل وتسخيرها لاهداف أنتخابية قذرة , تتطلب من جميع المثقفين والمفكرين والمتعاملين بالشان السياسي العراقي فضح وسائلها وتعرية أهدافها النفعية والمصلحية وتوضيح الحقائق امام الراي العام وازالة الغبار الذي أثاره في الساحة السياسية كي يغطي على مفاسده ومفاسد حزبه وجوقة اللصوص سراق المال العام أمراء الطوائف وزعماء فرق الموت ومليشيات التهجير والتثقيب , وان الايام القادمة ستشهد متاجرة بقضايا كركوك ومايسمى حدود الموصل مع الاكراد واقضية ديالى وصلاح الدين المسماة بالمناطق المتنارع عليها كي يضفي على سحنته الصفراء المزيد من مكياج الوطنية الزائفة , ويحاول تحشيد الراي العام من حوله كونه يعلم جيدا بان الشعب العراقي لن يتساهل ابدا في القضايا التي تستهدف وحدته وسلامة اراضيه لكنه نسي بان شعب العراق لن ينسى من تأمر عليه وقدم مع دبابات العدو وانتهك حرماته وان لناظره لقريب.

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاثنين  / ١٣ جمادي الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٨ / حزيران / ٢٠٠٩ م