مفهوم الديمقراطية لدى كرزاي المنطقة الخصراء

 
 
 

شبكة المنصور

د. مثنى عبد الله / باحث سياسي عراقي

عجبا كيف تتحول الديمقراطية من مفهوم شريف شفاف يقلل المسافة بين الحاكم والمحكومين ويضع السلطة بين يدي الشعب , ويساوي بين الراعي والرعية , حتى يكاد الراعي يخاف ان يسأل غدا عن شاة عثرت في الارض التي يحكمها , الى مفهوم مسخ يتشدق البعض به ويزايدون على الاخرين بانهم حملة لوائه , وانهم بناة المدينة الفاضلة التي عجز افلاطون عن بنائها في ارض الواقع , فحققوا حلم ذالك الفيلسوف عندما بنوها هم في ارض العراق , وبذلك فان من واجب الانسانية اليوم ان تقف اجلالا واحتراما لمن أنزل النظرية من عليائها وجعلها حقيقة ملموسة على ارض الواقع , حتى جعل الفيلسوف اليوناني يرقد في قبره مرتاح النفس والضمير بعد عذابات دامت الاف السنين . واذا كانت الفلسفة الغربية أعتبرت انها ماهي الا حواشي لافلاطون , وان فلسفته هي الاصل ودونها غير ذلك , اذن افلا يحق لكرزاي المنطقة الخضراء أن يعتبر نفسه الابن الشرعي له وهو يحقق ماعجز عنه الاول , وهو يصوغ المدينة الفاضلة على ضفاف دجلة والفرات ؟!!!!


أن من سمع كلام مايسمى (رئيس وزراء) في ديار مرجعهم الاكبر البيت الابيض , سيصاب بالدهشة والعجب , وهو يؤكد بمل فمه بان ( الديمقراطية عندنا فريدة في المنطقة وتواجه تحديات من المحيط الاقليمي الذي لايحسن التعامل مع هذه الديمقراطية ) , حيث ان اي مراقب محايد سوف لايجد أي تفسير لهذا المنطق الاعوج الا انه نوع من التأثر بشعار ( التغيير ) الذي طرحه الرئيس اوباما في برنامجه الانتخابي والذي مازال يسير عليه , وان رئيس سلطة الاحتلال الرابعة لشدة اعجابه بمنهج التغيير الذي يسير عليه اوباما والذي اوصله الى السلطة , ولطموحه المستميت لتولي السلطة مرة ثانية وثالثة , فانه أنتهج طريقا يوصله الى السلطة لعشرات المرات وذلك بتغيير حتى المفاهيم المنطقية التي توافق عليها البشر واصبحت في حكم البديهيات في الفكر السياسي , بل انه تمادى في الكذب امام العالم اجمع , عندما حاول نقل مفهوم الديمقراطية من خانة التمدن و التحضر والتطور الانساني المادي والمعنوي التي ترفل بها شعوب كثيرة اليوم وتتطلع اليها شعوب اخرى , الى خانة الشذوذ الغريب والغير مسبوق في العلاقات السياسية و الاجتماعية والاقتصادية والتربوية , والخراب الممنهج الذي يطبق اليوم في العراق تحت مايسمى ( العملية السياسية) , والذي هو ابعد مايكون عن مفهوم الديمقراطية ولايمت لها باية صلة , بل هو في تصريحاته هذه يبدو اكثر تطابقا اليوم مع التصريحات الصهيونية التي تدعي ليل نهار بانهم يتعرضون الى الظلم والجور من قبل جيرانهم العرب , لانهم اقاموا الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة, والتي عرف القاصي والداني جرائمهم بحق الشعب العربي الفلسطيني , ويبدو ان كرزاي المنطقة الخضراء ينتهج نفس الاسلوب , حينما يتهم الاخرين بانهم يعرقلون تطبيقه الديمقراطي في العراق , متناسيا بان دول الجوار لاهم لها اليوم سوى الحفاظ على اقطارها من هذا الوباء الكارثي الفتاك , الذي حل بالمنطقة من التجربة (الديمقراطية العراقية!!!) , ومن هذا التلوث الاشعاعي الذي احرق الاخضر واليابس في العراق , والذي ادى الى مقتل اكثر من مليون ونصف انسان بريء , وتشريد الملايين من الشعب العراقي الى دول الجوار في اكبر هجرة عرفها التاريخ الحديث بعد الهجرة الفلسطينية , حسب بيانات المفوضية العليا لشؤون الاجئيين في الامم المتحدة , وترك مليونين ونصف المليون من الاطفال اليتم بدون مأوى تعجز المؤسسات ( الديمقراطية!!) العراقية عن القيام بواجبات الرعاية لهم حسب تصريح الناطق باسم الحكومة , وكذلك أمهاتهم اللواتي يعانين من فقدان المعيل لهن , أضافة الى التدمير الكامل لكل البنى التحتية المادية والمعنوية للمؤسسات العراقية وللانسان العراقي كذلك , فهل بعد كل هذه الماسي والخراب والدمار الذي حل بارض العراق في ظل ديمقراطية المحتل واعوانه يبقى هنالك من عاقل يتصور بان هذه التجربة السقيمة باتت تهدد نظامه السياسي ؟؟؟بل أن الديمقراطية كهدف رنت لها ملايين الافئدة والعيون , وسفكت من اجلها الدماء , وضاعت في سبيلها في سجون الطغاة سنون طويلة من أعمار المناضلين , باتت اليوم هدفا باهت البريق ولايكاد يغري حتى من يعيشون تحت اعتى النظم الدكتاتورية في عالم اليوم , بعد المجازر التي أرتكبت بأسمها والقتل والدمار الذي ساد الدول التي جرى التطبيق الديمقراطي المستورد فيها , ويقينا بان الذي جرى في العراق وأفغانستان أبعد مايكون عن الديمقراطية .


أن التبجح بان مايسمى ( الديمقراطية العراقية ) قد ترسخت , وان هنالك تحولات لبناء دولة المؤسسات والدستور , التي رددها كرزاي المنطقة الخضراء أمام أولياء نعمته في البيت الابيض , انما تدحضها الوقائع اليومية على الارض , فالوطنية كهوية جامعة للكل أصبحت في مهب الريح , وحلت محلها الهويات القومية والطائفية والاثنية , وان المؤسسات الوطنية للدولة قد جرى تدميرها بهدف فسح المجال للتنظيمات المليشياوية الحزبية للسيطرة على الامور , وقيادة المجتمع وفق التوجهات الطائفية والقومية التي تمثلها تلك الاحزاب والاجندات الدولية والاقليمية التي تقف ورائها , وان المؤسسات التي جرى أنشائها كتطبيق فعلي لدمقرطة الدولة والمجتمع , قامت على أسس تحاصصية تقسيمية مقيته ضمن فيها كل طرف حصته من الدولة والمحتمع , وان كل قرار يتم التفكير فيه من اجل المستقبل يجب ان لاياخذ من حصة هذا أو ذاك , حتى لو كان من اجل الوطن كخيمة جماعية , وان قانون العشائر الذي تخلص المجتمع العراقي من وزره منذ العام 1958 قد عاد مجددا وبقوة بعد أن أصبح من يتبوء في قمة هرم السلطة أول الداعين لجعل العشائر قوى أسناد له يشتري أصواتهم بالمال في انتخابات مزيفة , ويطلق العنان لهم للتوقيع على الصفقات التجارية مع دول الجوار , ويتحكمون برقاب العباد في المناطق التي يسيطرون عليها , حتى أصبح العرف العشائري المسمى ( الفصل) يتحكم بكل من يؤدي خدمة أجتماعية عامة للناس ,ويقف حجرة عثرة في وجه كل من يحاول جاهدا تطبيق الحق والقانون , وان الفساد المالي والاداري الذي تبوء العراق فيه المرتبة الثانية في ظل المؤسسات الديمقراطية التي يباهي بها ( كرزاي الخضراء), لازال يجري في ظل القوانين التي تحمي السراق واللصوص , وكذلك في ظله هو الذي يحمي كوادر حزبه ويقف مهددا كل من يحاول أستجوابهم , غير أبه بملايين الدولارات التي يسرقونها من أفواه الجياع الذين وصل تعدادهم الى اكثر من ربع سكان العراق , بل أن أيمانه بالديمقراطية وسعيه الدائم لتطبيقها على أرض الواقع قد فاق كل التصورات , وهو يدعو الى عدم الاعتراض على التعذيب والاضطهاد الذي يتعرض له المعتقلون العراقييون في السجون العراقية التي تدار من قبل زبانيته وأعضاء حزبه الطائفي , والتي مورس فيها حتى الاغتصاب مدعيا بان هؤلاء المعتقلون لايستحقون الدفاع عنهم , فهل توجد ديمقراطية أكثر شفافية من هذه التي يدعوا لها ؟


أن الديمقراطية ليست شعارات تقال وتكتب , وصنايق تؤشر من الفائز بثقة الشعب ومن لم ينجح , أنها اكبر من ذلك بكثير , فهي حريات أساسية , وانسان يرفل بالرفاهية الاقتصادية والتعليمية , وفكر تنويري تقدمي لاطائفي مرجعي , واحزاب سياسية عابرة للطوائف والمصالح الضيقة هدفها الانسان كقيمة عليا , وهي قبول بالاخر واعتراف بتداول سلمي للسلطة , وممارسة فعلية من دون تهديد وفتاوى مرجعية تهدد النسيج الاجتماعي .

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

السبت  / ٠٣ شعبــان ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢٥ / تمــوز / ٢٠٠٩ م