كبار آيات النظام الإيراني .. ليسوا كباراً

 
 
 

شبكة المنصور

د.عمر الكبيسي

لغاية ثلاثين عاما ًمرَّت كان آيات الله في إيران يظهرون أنفسهم وكأنهم ملائكة مُسخّرون لتحقيق عدالة السماء في الأرض، أما غيرهم ممن يخالفهم الرأي أو يناصبهم العداء فهو شيطان أو شيطان اكبر وفقا لحجمه وقوته؛ وفقاً لبدعة (ولاية الفقيه) آيات الله في إيران تقاسموا الأدوار ليحسبوا كباراً ابتداء من سلطة المرشد المطلقة (صلاحيات الإمام المنتظر المعصوم) للولي الفقيه (المرشد) مرورا بالمراجع، ومجلس (تشخيص) النظام، ورئيس الدولة وخطيب الجمعة ومجلس الشورى والخبراء، وغيرهم، ممن أحيطوا بهالة الحكمة والمرجعية والخبرة واعتبرهم عامة الناس كباراً واعتبر هؤلاء بدورهم غيرهم من الرعية والشعب (صغاراً)!.


ثم جاء خطاب (الرئيس المُتصهين) جورج بوش من خلال تضخيمه أطروحة (محور الشر) الوقحة، وبعدها جريمة عملية غزو العراق، وإسقاط نظامه الوطني، مما نفخ أبدان وعقول (الآيات)، فازدادوا غطرسة، في حين كانت منافخ النار تحت الطاولة تزيد المعارضين للنظام بكل تفاصيلهم في الداخل والخارج غلياناً واتقاداً وصموداً. وإذا كان بوش قد أسهم بسياسته الوقحة في إظهار الكبرياء المفتعلة لكبار الآيات، فان خطاب خلفه أوباما الأكثر عقلانية بلغة الحوار والديمقراطية زاد من غليان الشارع وشجعَّ من مبادرة الآيات لإظهار نظام ولاية الفقيه بلباس الديمقراطية؛ وهكذا أبلى كلا الخطابين بلائهما في إسقاط نظام كبار الآيات على النقيض من النتائج الوخيمة لإسقاط النظام في العراق بالقوة العسكرية .


المراهنة على الديمقراطية تحت مظلة ولاية الفقيه في إيران مجازفة واهمة ليس فقط بسبب حقيقة حجم ووهم آيات الله بل إنها تكاد تكون غير ممكنة في ظل ازدواجية السلطة التي هي خليط من تناقضات المرجعية وإرادة المرشد وازدواجية الجيش والحرس الثوري والشرطة والباسيج.


وهكذا انعكست المصالح الشخصية لكبار الآيات المزعومين بالانزلاق في الوحل السياسي وتبادل الاتهام بالفساد والاستئثار، لم يسلم منه ولي ولا مرشد ولا مرجع، فجاء الرد جماهيرياً وشعبياً إصلاحياً ومحافظاً وتبادل المرشحون ومن يدعمهم من المراجع والآيات معاول الهدم والتقويض لمهزلة نظام اثبت بجدارة فشله وعدم مصداقيته بالنوايا والأهداف نظريةً وتطبيقاً.


قد تتوقف المظاهرات والاعتصامات والاحتجاجات وبالتأكيد سيتمسك المرشد بشرعية النتائج مع ما أظهره من تناقضات بالحلول والمقترحات، كشفت زيف عصمة الولي، وسيبقى أحمدي نجاد الرئيس المرجعي. ولكن ما حدث في إيران يشكل أزمة لا تنتهي وسقوط أزلي لمن جعل من الفقيه ولي.


أحداث إيران الأخيرة هي بداية تساقط الملالي وفشل الآيات على التوالي؛ وبالتالي فان الآيات الكبار اثبتوا أنهم دائما صغار! وإن المراجع العظام رجال عنف واتهام وتبادل ادوار بلا ثوابت وأفكار، يوما يؤكد فيه رئيس نظامهم بان الفرج بظهور الإمام المغيب وشيك ويوم يقول فيه رفسنجاني رئيس مجلس خبرائهم بان قضية الإمام المغيب، وظهوره خرافة، وتارة يأمر فيه مرشدهم الولي المعصوم والمطلق بالصلاحيات بلا نقاش قبوله بنتائج الانتخابات ليعلن تارة أخرى تريثه لحين إعادة فرز الأصوات!!!... آيات الله الذين خُطط لهم أن يكونوا أدوات إسقاط الشاه وان ينطلقوا بإرساء نظام ولاية الفقيه الملزم رأيه المطلق والمقدس لكل السلطات بضمنها ديمقراطية النظام التي ثبت أنها تتعارض وتتناقض مع إرادة سيد السلطات والحوزات والذي اظهر نفسه أمام سامعيه بأنه الضعيف والمريض فيما ترجمت شرعنته لنتائج الانتخابات إلى اكبر عملية اضطهاد وعنف وقمع من سلطات الشرطة والباسيج والحرس ضد المتظاهرين والمحتجين.
الآيات الكبار بان حجمهم الحقيقي اليوم بعد ثلاثين عاما من الادعاءات الجوفاء والتبجح بنجاح نظام ولاية الفقيه المطعمة بمجالس الخبراء والاستشاريين والشورى والمرجعية الحوزويه وقائمة لا تنتهي من الآيات والمجتهدين وحجج الله، فإذا بالبطالة المتفشية، والفقر المدقع، وسوء أحوال السكن، والرشوة، والتصفيات، والإعدامات، وقمع المعارضين، وتصفية المكونات، وهيمنة الفرس، والصبغة الصفوية التصفوية في الداخل، وإذا بإثارة العواصف والأزمات وتصدير الثورة والطائفية وتغليف المواقف وصرف الأموال والسلاح لاحتواء هذا وإثارة ذاك هي السمة التي ميزت نظام الملالي عن غيرهم في الدول المحيطة والبعيدة.


ما يحدث اليوم في إيران هو تعبير حي وصادق عن حقيقة هؤلاء الآيات على طبيعتهم في تبادل الاتهام وقذف الكلام ومهما كبرت الألقاب وضخمت المهام فإنهم جميعا يسقطون في اشد وأقسى أنواع الوحل السياسي وهم أوهام وأقزام وأصنام لا يستحقون التقديس والتقليد والاحترام... وان نظرية (ولاية الفقيه) لا تعني سوى (التخبط والتيه)، وعندما يصبح الاحتلال تحريراً، والجهاد تكفيراً، وتختل المعايير وتستغل الألفاظ والتعابير ويجير الدين لأغراض السياسة بحجج التكفير والتبرير ويتجلى الفارق بين إرادة الأمة والشعب والنخب وبين دجل المتفقهين والآيات واللُعَب ؛ عندما تزحف الشعوب وتنكشف العيوب فلا مناص ولا خلاص إلا بالوحدة والتراص لإزاحة أسوأ عصابة دجل حكمت بين الناس بالسلاح والرصاص، وبثت بذور الصراع الطائفي وإثارة الأزمات بين الناس من كراجي إلى مكناس، وبين حزب الله وفتح وحماس وجندت بدر والصدريين وجيش القدس والحرس الثوري وإطلاعات في العراق لإيغال الفأس بالرأس لمزيد من الاقتتال والتشرذم والالتباس.


هكذا شوَّه آيات الله في إيران الحديثة صورة الإسلام السياسي من خلال تبني نظام ولاية الفقيه وتصدير الثورة المزعومة فيما كان ممكننا أن تكون إيران وبمواردها النفطية وطاقاتها البشرية والعلمية بعد حكم الشاه من ابرز دول المنطقة انتعاشا واستقرارً ورفاهاً؛ لا لتكون في ظل الآيات أكثرها فقراً وتوغلاً وتشبثاً في الهيمنة والتوغل والأتساع وتفنناً في رفع الشعارات الحادة كتحرير القدس وحرق اليهود ومجابهة الشيطان الأكبر وإقامة المفاعل النووي وهي التي تبنت وساهمت إسهاما فاعلا في احتلال وغزو أميركا لأفغانستان والعراق، وإثارة العنف والاقتتال الطائفي في باكستان ولبنان، وعلى نقيض من المبادئ والثوابت الإسلامية طمعاً في توطيد نفوذ واحتلال فارسيٍ فيها بمزيد من القتل والعنف والدمار.


آيات الله في إيران بكل ما أثاروه في المنطقة من نهج وسلوك وأزمات وسياسات داخلية وخارجية هم صغار وسيبقون صغارا مهما إدعوا بأنهم آيات مجتهدون كبار؛ نعم (كبار) في الخبث والشر والدمار، فلننتظر أي مصير يحيق بهؤلاء الآيات (الصغار).

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاربعاء  / ٠٨ رجــــب ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠١ / تمــوز / ٢٠٠٩ م