المقال الالكتروني والسرقات الادبية

 
 
 

شبكة المنصور

د. محمد رحال / السويد

السرقات الادبية ليست جديدة ابدا في الساحة الادبية العالمية , وقصصها اللامتناهية  لامجال لسرد بعضها في مقال صغير , ولكن هذه السرقات تكاد ان تكون اوسع في مجال المقال الالكتروني , وبكل سهولة يستطيع المثقف العربي ان يكتشف تلك السرقات من خلال تاريخ كتابة المقال , ومقارنته بعد ذلك بما يكتب , خاصة وان البعض من الكتاب قد ادمن التعيش على السرقة , وهو معذور في ذلك فالذي يتعيش في ظل انظمة سرقت حقوق المواطن المسكين والذي  اختلطت لقمته ورغم انفه بالحلال والحرام مع انصراف علماء الشرع عن توضيح هذه المسائل الى مسائل اكثر الحاحا لديهم كتقبيل المرأة من دبرها او فرجها وهم من كبار علماء الامة  , فلاضير على بعض الكتاب وكما يعتقدون ان يسرقوا من هنا وهناك , وقد يستفيد السارق من ارث طويل في الكتابة ليصبح هو الاصل والمسروق منه فرعا , وبهذا تستمر السرقة وتستثمر في عالم اللصوصية الادبية وعلى صفحات يحترم فيها تاريخ الاسم دون المقال مهما كان تافها.


والمقال ومنذ ان ظهر في العالم نهايات القرن التاسع عشر  وبشكل نص قصير ليغطي الحاجة الى ايصال المعلومة , وكان ذلك بسبب انتشار الصناعات والعلوم وظهور طبقة من المثقفين استطاعت اختصار المعلومة من اجل ايصالها للقاريء في نفس الوقت الذي انتشر فيه تناول الطعام السريع , ومع تطور المقال الادبي فقد تطور وبشكل مصاحب له المقال العلمي , وبشكل مفاجيء ظهر المقال السياسي والذي سبق كل الانواع الادبية , ولهذا فقد تعدد شكل المقال , وتغير شكله من مقال ادبي الى اسرة المقال لتجمع المقال الادبي مع السياسي والاقتصادي والعلمي والبحثي , ومع توسع العلوم فقد ظهر الاختصاص في هذا المقال , ولم يعد المقال العلمي عاما وشاملا , وانما خضع ايضا لنفس التخصص في مختلف العلوم .


وجديد المقال اليوم هو ظهور المقال الالكتروني وانتشاره في الساحة الاعلامية , ويكاد المقال الالكتروني ان يكون كاسحا وذلك بسبب انتشار المواقع الهائلة والتي تجاوزت رقم الخمسين مليون موقع في العالم , ولهذا فقد وجد نوع من انواع السباق للكتابة في هذا المجال , وقد طغى المقال الالكتروني على الساحة الصحفية الالكترونية بسبب سهولة الوصول الى الشبكة العنكبوتية وبالتالي خفّ استخدام الناس للصحف درجة ان هذه الصحف بدأت بالاستعانة بالمواقع الالكترونية من اجل الاستمرار في التنفس والطباعة , وتحولت هذه الصحف الى صحف ذات مشاريع خاسرة في اغلبها وبات العنوان البارز والمصطنع والزائف هو الذي يتصدر عناوين تلك الصحف لتفقد اتزانها وذلك من اجل جذب القاريء ومن اجل المحافظة على اخر رمق للحياة فيها , ومع التنافس الاعلامي الفضائي فان هذه المنافسة دخلت هذا المجال , ولم تعد محطة فضائية ما تكتسح مجال الخبر الاعلامي او غيره , وهذا يؤكد والى حد بعيد قوة المنافسة للمقال الالكتروني كل الساحات الادبية والاعلامية الاخرى حتى ان الكثير من المحطات الفضائية استخدمت المواقع الالكترونية لنفس الغرض ومن اجل الاستمرارية الاعلامية  .


ولقد اظهر المقال الالكتروني اهمية الانسان المقاوم في ظل تسلط وتجبر الاعلام العربي المسيس والتابع للانظمة العربية الحاكمة والتي هي جزء من آلة اعلامية صهيونية هدفها الاستمرار في خدمة الامبريالية الامريكية وربيبتها اسرائيل وعلى حساب التطلعات التحررية والانسانية للمواطن العربي , ولقد كسر المقال الالكتروني ظهر الآلة الاعلامية المتغطرسة واجبر الاعلام العربي المنحاز الى الطرف المعادي لامتنا من ان يستعين في الكثير من الاحيان بهذا الاعلام الالكتروني ونجومه وذلك بسبب المصداقية التي يتحلى بها كتاب المقال الالكتروني والذين لايبحثوا عن شهرة او مال او توظيف او رضى حاكم او جهات امنية , وانما هو الالتزام بقضايا الامة , وساهم هذا الاعلام بكشف الاخطاء والاخطار والممارسات السيئة التي تقوم بها الانظمة العربية والتي لايهمها الا التسلط على المواطن ونهب موارد البلاد وتحت ذريعة ان الشعب قد اختارهم وان من ينتقدهم ليسوا الا عملاء واجراء , ولن ننس ابدا ان الاعلام الالكتروني هو من تصدر للمطالبة بحقوق الانسان العربي والمقهور والمظلوم , وهو الذي فضح الممارسات السادية التي تتبعها الانظمة القمعية وتتعامل مع ابناء وطنها سجناء الراي كوحوش مسعورة وتسومهم اشد واقسى انواع العذاب ,والصور القادمة من سجون هذه الانظمة والمنشورة في تلك المواقع الحرة لاتكذبها الاعين, وصارت هذه الصور  عارا في وجه هذه الانظمة المتوحشة تضاف الى سجلها القذر في التعامل مع ابناء شعبها والتي هي صور خلت من ادنى ذرات الانسانية , وهي نفس الانظمة التي يتبجح الاعلام العربي الساقط انها انظمة وطنية, وانصرفوا للدفاع عن شياطين الانظمة, ولهذا فقد اصبح الاعلام الالكتروني هو ضمير هذه الامة اليقظ والذي يذّكر وبكل الامكانيات المتاحة ويقرع جرس الخطر وينبه الغافلين من الامة الى ان لايكونوا شهود زور على الانهيار المريع في القيم , وتساقط القيم والاخلاق العربية والاسلامية والتي يقود عملية تدميرها انظمة حولت اخلاق الامة وقيمها الى فلكور تاريخي يحتفل به في المناسبات وحولته الى اسمال في المتاحف والمسارح  في اقل من اربعين عاما من التدمير المنظم , وبالاستعانة بفكر دخيل او مخدوع ساهم في ان يكون مسامير تقوي عجلة الهدم في قيم امتنا  , ونشرت بدلا من الفكر الاخلاقي الخلاق فكر المجون والتعري والذي شجعته الانظمة العربية والتي تدعي الوطنية والعروبة والاسلام , وكأن العروبة والاسلام هي ان يكون المسلم ديوثا وعربيدا , ويشترك في هذا الاجرام قطبي العالم العربي في طحن كل القيم من اجل تطويع الاجيال الجديدة وتخريج جيل عمله الوحيد ان يكون لوحة جدارية تمثل شعارات كورية شمالية تعيش في غياهب الظلمات والشعارات في الوقت الذي يتساقط فيه الشعب واحدا اثر اخر من الجوع وتحت زعم محاربة الامبريالية الامريكية , وليست الديكتاتورية الا صورة من صور تحويل الانسان الحر الى رقم من ارقام العبودية التي يتفاخر النظام العربي بها .


ومع بساطة المقال الالكتروني وسهولته الا انه مازال يشهد الكثير من المحاربة من بعض متغطرسي الادبيات القديمة والذين مازالوا حتى اليوم يستخدموا القلم والقرطاس في الكتابة والتصحيح والترقيم , والذين انصرف همهم الى وضع الفاصلة والنقطة والهمزة وانصرافهم للنقد الشديد لالتصاق بعض الحروف الالكترونية  والتي لايكاد ان يخل مقال الكتروني منها ومن عثراتها  , وهذا الاهتمام الشديد من هؤلاء الفحول في النقد والتصحيح ليس بدافع الحرص على اللغة , وانما بسبب جهلهم باستخدام هذا الجهاز العظيم والذي منح لمستخدمه الكتابة المباشرة وسهولة التواصل المباشر مع القاريء , ولكنه قلما منح لمستخدمه حرية الكتابة كما يريدها علماء اللغة والذين مازال الهمّ اللغوي لديهم اكبر بكثير من قيمة المقال التخصصية وهذا يوضح المدى الذي يحشر فيه بعض المدعين انفسهم في الاختصاصيات والتي ليس مكانها ابدا المقال العلمي التخصصي , وذلك ان كاتب المقال العلمي هو قطعا ليس متخصصا في الادب  , خاصة وان اكثر الكتاب من المتخصصين تمنعهم نظارات العلوم التي تحملها ارنبة انوفهم من اعادة التصحيح  او الرجوع الى الخلف من اجل دراسة قواعد الترقيم اللغوي, وليس لديهم الوقت الكافي للانشغال في هذه الترهات والتي يتقنها السذج من كتاب الادبيات ناسين ان المقال العلمي تكمن اهميته بما فيه من معلومة  , وليس غريبا ابدا اننا نجد ان العالم يتجه لاكتشاف فضاء الكون الواسع , واعماق البحار ومجاهله , في الوقت الذي يستثمر فيه بعض نقاد الكتابة الالكترونية اوقاتهم في اصمعيات وسيبويهات مضى قطارها المهتريء منذ زمن بعيد , وهذا لايعني ابدا ان يترك المقال شاردا من غير ضوابط لغوية , ولكنه يحتاج من هؤلاء الكتاب الاصمعيون ان يتقنوا الكتابة الرقمية السريعة ليدركوا ان اخطاء البعض والتي تتكرر هي اخطاء بسبب السرعة او النظر او اسباب اخرى تقنية ميكانيكية .
ومع هذا فانه للابد من الاشارة لكتابنا الافاضل والذين حملوا عبء الكتابة الادبية انه من الافضل لهم ان يطوروا معلوماتهم قليلا , فانه لمن المخجل ان يعيد الكاتب المشهور كتاباته دائما وهي تحمل نفس العبارات , ونفس الافكار , ونفس التعنت الفكري , ويتمسكون بمتارس الاسلوب الخشبي القديم , وانصحهم ان مجال المقالة الالكترونية اوسع بكثير مما يظنون , وانهم بحاجة الى توسيع وتجديد معارفهم.

 

ان تكون صحفيا قديما او كاتبا مشهورا فهذا لايعف الكاتب ابدا من ان يستمر بالقراءة وخاصة في المجال العلمي والانساني , والمستقبل القريب سيشهد تطورا اجباريا لمشهد الدراما الانسانية العربية بسبب استفحال الظلم السياسي العربي واتجاه الدول الاوروبية عامة في اروقتها الخلفية الى وضع خطة زمنية لاسقاط مشاريع الديكتاتوريات العربية , لما باتت تشكله من خطر على امنها بسبب تنامي التطرف المضاد الناتج عن همجية النظام السياسي العربي والذي لايفهم الا لغة العصا , وستكون العصا موجهة في الاعوام القادمة لهذه الانظمة كل على انفراد وعلى رؤساء تلك الانظمة وزبانيتها ان تعد ارجلها لتلك العصا , فالمستقبل الامن للاجيال القادمة في الدول الاوروبية اهم بكثير لديها من ديكتاتوريات الانظمة العربية والتي لم تعد تقرا او تفكر او تدري اي شيء عن تطورات العالم, وهي مستمرة في تقديم النموذج السيء للحاكم الجاهل الغبي والمستبد والمحاط بمجمعات من الصبية والمراهقين والطواشي وعديمي الضمير  , وهي انظمة اصابت عيونها بعمى الالوان واذانها بالصمم , وتحولت بطونها الى اسماك قرش تنهش وتبلع كل شيء , والادعاء بانها انظمة وطنية هو ادعاء كاذب فاللصوص كانوا وما زالو هم اعدى اعداء الوطن مهما رفعوا من اعلام ولبسوا من شعرات ودهنوا انفسهم بالوان الايدلوجيات الكاذبة , ولهذا فان واجب الكتابة الالكترونية لهؤلاء الكتاب يحتاج منهم الى المزيد من الوعي والقراءة والابداع , فالمستقبل ليس للصحافة وليس للقنوات الفضائية او الاذاعية وانما هو للمواقع التي تمثل نبض الشارع واحساسه , حيث ساعد نظام البحث الالكتروني في ايصال اي كاتب الى سطح الاحداث بمجرد كتابة اسمه , وبالتالي قراءة انتاجه , واصبحت قضية المطاردة الالكترونية الامنية هي نوع من انواع عبث السلطات الامنية المتخلفة والتي تمثل اهم ركائز الجهل والتخلف في بلداننا العربية , وهي في محاربتها للفكر والعلوم ولثورات التحرر كمن يحارب طواحين الهواء بسيف من ورق.

 

تحرير العراق وفلسطين واجب شرعي فساهم في هذا الشرف الرفيع , وساهم في نشر الفكر المقاوم

 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاثنين  / ٢٠ جمادي الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١٥ / حزيران / ٢٠٠٩ م