من لقمان الحكيم لمن كان بحمقه جاهلا أو عليم

 
 
 

شبكة المنصور

ضحى عبد الرحمن / كاتبة عراقية

من وصايا لقمان الحكيم لمن يعسر إفهامه من أصحاب الأدمغة الكونكريتية التي تأيى أن تتزحزح عن مكانها مثل مستشاري رئيس حكومة الأحتلال والناطق الرسمي بأسم الحكومة علي الدباغ ومن على شاكلته، قال لقمان(( عليك بمجالسة العلماء، والإستماع لكلام الحكماء  فإن الله تعالى يُحيي القلب الميت بنور الحكمة، كما يحيي الأرض بوابل المطر، فإن من كذب ذهب ماء وجهه ومن ساء خُلقُه كَثُر غمُّه. إن نقل الصخور من مواضعها أيسر من إفهام من لا يفهم )).

 

عندما قرأت تحذيرالناطق الرسمي بأسم الحكومة علي الدباغ لجوزيف بايدن نائب الرئيس الامريكي لم أصدق عيني أول مرة فأعدت القراءة ثانية وثالثة حتى رسخت عندي الحقيقة كاملة وتذكرت حكمة لقمان بأن عملية نقل الصخور أسهل من عملية إفهامهم. كنت أظن باديء الأمر نتيجة لصمت أتحفنا به هذا المتمنطق بالسفسطة والمتحزم بالباطل لمدة من الزمن أراح فيها عقولنا من ثرثرته وشطحاته غير المنتهية، وقلنا مع أنفسنا لعل المالكي حذر جهابذته المستشارين من الفلاسفة والعلماء والحكماء بعدم الإدلاء بالتصاريح على طريقة شخبطة الأطفال بيده قلم, أو ربما إنشغل الدباغ بمعركة ترشيح السفراء الجدد حيث سيحل في حظيرة الخارجية وجبة جديدة من السفراء بعد أن شبعت وسمنت الدواب السابقة من تبن وبرسيم العراق المغذي كامل الدسم، وتقرر إعادتها الى بلد المنشأ غانمة متعافية سالمة.

 

لكن هذا التصريح الأخير أرجعنا الى المربع الأول، فالدباغ الذي دافع عن إيران بإستماته تثير الدهشة أثبتت فارسيته الراسخة، وأنكر التدخل الإيراني في الشأن العراقي, شأنه شأن بقية العملاء من برلمانيين ووزراء ممن في حقيقتهم إيرنيو الجنسية وعراقيو المناصب، رغم ان أبسط إنسان عراقي يعيش هذا التدخل السافر يوميا سواء كان عن طريق التفجيرات بعبوات أيرانية الصنع, أو من خلال الميليشيات الأجرامية التي تتحرك بالرمونت الأيراني في دولة القانون, أوعبر الاسلحة الإيرانية التي يعثر عليها بين يوم وآخر ومنها المسدسات كاتمة الصوت المخصصة للإغتيالات, أو من خلال المخدرات التي أغرقت فيها شبابنا وكذلك الأدوية الملوثة والمعلبات الفاسدة وغيرها من بركات الجارة المسلمة للشعب العراقي المسلم.

 

ولو أرجعنا شريط الذاكرة قليلا للوراء وإستذكرنا لجنة الأشباح التي شكلها المالكي لمتابعة التدخل الأيراني في الشأن العراق وسمى رئيسها وأعضائها من مسؤولين يحملون الجنسية الأيرانية كي تكون متابعتهم دقيقة جدا ويؤدوا المسئولية الوطنية بكل أمانة وعلى أكمل وجه! ففي أول رحلة للجنة الأشباح الى بلدهم الأم إيران تم توبيخهم بشدة من قبل القيادة الأيرانية مذكرين أياهم بنعمة نظام الملالي عليهم  الذي لولاها لما سمع لهم أصوات ولبقوا نكرات ملازمين عتبة الحسينيات في طهران وقم ومشهد يشحذون ما يجود عليه الناس من رغيف الخبز والحساء، وحذروهم من مغبة فتح مثل هذه المواضيع مستقبلا وإلا فإن الفلقة بإنتظارهم. فرجعوا فزعين مرتجفين يجرون خلفهم ذيولهم الطويلة المعفرة بتراب الذل والخزي, طالبين المغفرة والسماح من أسيادهم الفرس عن تلك الهفوة التي ورطهم  فيها المالكي, معاهدينهم بأن فتح باب جهنم أسهل عليهم بكثير من فتح تلك الفايلات ثانية, وفعلا ما أن وطأت أقدامهم القذرة العراق حى أسرعوا برفع نعش اللجنة بأيديهم وشيعوها الى مثواها الأخيرولم يعد لها ذكر فقد كانت مسرحية للضحك على ذقون الشعب.

 

هذه المرة خرج الدباغ من جحره ليلدغنا بواحدة من لدغاته الحادة فما أن نشفى من واحدة حتى يعاجلنا بالثانية. فبعد زيارة نائب الرئيس الأمريكي (جوزيف بايدن) للعراق وهذا النكرة كما هو معروف من أصحاب فكرة تقسيم العراق الى ثلاث ولايات سنية وشيعية وكردية منذ أوائل تسعينيات القرن الماضي, وجاء بهدف تنشيط عملية المصالحة الوطنية كما أدعى- ولا نعرف عن أية مصالحة وطنية يتحدثون فمن الأحرى أن يسمونها مصالحة سياسية بين العملاء أنفسهم فالشعب والحمد لله متصالح مع نفسه بإستثناء الفتن الطائفية التي تثيرها إيران كلما خمدت عبر الأحزاب التابعة لها-. في سلته بايدن كذلك باقة من التحذيرات للمالكي بسبب ضعف حكومته وفشلها من تحقيق الأمن والأستقرار ومكافحة الفساد الذي ينخر بكل القطاعات في العراق المحتل, وحذر بايدن مضيفه المالكي بإن إنزلاق العراق الى العنف الطائفي من شأنه أن يدفع الولايات المتحدة الى إعادة توزيع الأوراق ثانية. بمعنى إسقاط حكومته من خلال رفع الدعم عنها. إضافة الى متابعة موضوع إنسحاب القوات الأمريكية من المدن, رغم ان المالكي أكد بأنها ستدخل ثانية في حالات الطواريء, إضافة الى معضلة كركوك المزمنة والدستور الكردي الجديد. وكان موقف المسئولين في حكومة الإحتلال التوسل ببايدن لإبقاء الدعم الأمريكي للحكومة كما أشار طارق الهاشمي((على الولايات المتحدة أن لا تترك العراقيين يواجهون قدرهم في إعادة بناء وتشكيل الدولة العراقية)).

 

كل شيء ما زال طبيعيا لحد صدور تصريح الدباغ  بمطالبته بايدن بعدم التدخل في الشأن العراقي الداخلي، والتصريح يكون منطقيا ومقبولا لو كان العراق فعلا بلد ذو سيادة وإستقلال. أما بوجود ما يقرب(100000) جندي امريكي معززين بقوات متعددة الجنسية على أرضه، ومستشارين أمريكان في كل الوزارات والمؤسسات العراقية وهم من يمسكون دفة تسييرها, واعتراف المالكي نفسه بأنه غير قادر على تحريك فوج من قواته إلا بعد إستئذان الإدارة الأمريكية, كما إن زيارات المسئولين الأجانب المستترة بما فيهم زيارة بايدن تتقاطع مع مبدا السيادة وتجعل تحذير الناطق الرسمي أشبه بنكته بايخه، وما يزيد من تفاهتها ان المالكي نفسه طلب وساطة بايدن للضغط على القيادة الكردية بشأن سحب دستورهم الجديد وحل مشكلة كركوك. وكما يبدو أن بايدن سمع بطنين الدباغ خلال(24) ساعة من صدوره فصرح متعجبا((إن المالكي طلب مني شخصيا مساعدة الولايات المتحدة في موضوع المصالحة وقضايا اخرى ولا أدري من اين جاء الدباغ بتصريحاته النافيه هذه)) ووصف تصريحات الدباغ بأنها ((للاستهلاك الداخلي من أجل الإنتخابات القادمة ومحاولة للظهور وكأنهم غير تابعين للإدارة الامريكية)).

 

ومن الطريف أن الدباغ تجاوز البروتوكول رغم انه مرشح للعمل كسفير للعراق المحتل ولربما نسي نفسه ومكانته عندما طالب بايدن بأن ينقل رسالته الى الرئيس الأمريكي ونصها((بإمكان بايدن أن يخبر الرئيس الأمريكي باراك أوباما بأن العراقيين يرغبون بحل مشاكلهم معا)).

 

ولكن صبرا فالمسرحية لم تنه بعد! يبدو ان الدباغ أدرك مكانته، أو هناك من نبهه الى حجمه الحقيقي أو ربما جاءت له إشارة من إدارة الأحتلال تحمل وعيدا. سيما ان موضوع ترشيح السفراء يمر عبر بوابة إدارة الإحتلال. فأنقلب على نفسه 100%! لنقرأ تصريحه الجديد لراديو (سوا) ونتعرف على سياسة العراق الهزيلة وأي قادة يسيرون شئونه (( إن الحكومة تنفي معارضتها تدخل بايدن في ملف المصالحة بل طلبت منه التوسط لحل مشكلة دستور اقليم كردستان)). مضيفا(( بأن الحكومة العراقية ستطلب مساعدة الجانب الأميركي في الملفات الداخلية أو الملفات الخارجية))..عجبا هل هو إنفصام في شخصية الحكومة العراقية أم إنفصام في شخصية الناطق بإسمها.. وأيه مهزلة تلك؟

إن تصريح الدباغ المتناقض مع نفسه أولا و مع رئيس وزرائه ثانيا، يعني أما إن المالكي يسير في إتجاه ومستشاريه يسيرون في إتجاه معاكس وفق نظرية الفوضى الخلاقة التي إبتدعها الأمريكان, أو إن التوجيهات الصادرة لهم من طهران كانت غير واضحة فحللها كل منهما حسب فهمه دون إستشارة الآخر.. ومهما كانت الأسباب، فهي تشكل دليل واضح على الفوضى والتخبط في إدارة شئون الدولة على أرفع مستوياتها فما بالك بالمستويات الأدنى.

 

نلفت إنتباه القراء الى حلقة جديدة من مسلسل مهازل مستشارين المالكي الذي لاينتهي متجاوزا المسلسلات التركية، سنقدمها لكم قريبا.. وكان الله في عوننا من غدر الزمان وليساعدنا الرحمن في فك رموز الطيلسان ومعرفة الأسباب التي تقف وراء احتفاظ المالكي بعفاريت الجان رغم فضائحهم التي تعقد اللسان! مع علمنا بجنسيات معظمهم إيران... بالله نستعين وهو المستعان.

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

السبت  / ١٨ رجــــب ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١١ / تمــوز / ٢٠٠٩ م