حتى متى ونحن ننتظر صولة الحسم ؟

 
 
 

شبكة المنصور

حديد العربي 
عام تغيب شمسه، يعقبه عام أخر، وأخر يعقب أخر، وصولة الحسم حلم يراود أهل العراق وأبناء الأمة، يوما إثر يوم، والكثير يشعر، بل يعتقد، وهو محق كل الحق في ذلك، أن الحسم كان يمكن أن يكون قبل سنتين أو ثلاث أو أربع أو حتى خمس سنوات، فكل شريف غيور يرى أن متطلبات معركة الحسم مكتملة وفي متناول اليد، إلا عقبة واحدة، هي كالتي أودت بعزِّ العرب ومنعتهم، وتحولوا بفعلها إلى شراذم ممزقة مستضعفة، ينتهب كرامتها وخيراتها من يشاء على حدّ السواء.


المعنيون بمعركة الحسم هم كل فصائل المقاومة الباسلة، وهم أو بعضهم مسئولون عن تأخير ساعة انطلاقتها، لأن المعركة الحاسمة التي ستجعل الغزاة غثاء كغثاء السيل تتطلب انقلاباً على الذات وأنانياتها، فالعقبة هي التفرق، والتفرق لا يأتي إلا عندما تطغى أطماع الأنفس وأهوائها على مفردات السلوك، والسبيل الوحيد الذي يمكن لكل المقاومين سلوكه جحفلا واحدا، هو التوحد خلف قيادة واحدة وربان واحد وسفينة واحدة، وعندها سيتحقق العبور إلى الضفة الأخرى بأمن وسلام، وكل ما عدى ذلك عبث ومضيعة للوقت الذي يمرُّ على رقاب الشعب كالجبال تسحق مَن تحتها بلا رحمة أو شفقة، فمرارة يوم واحدٍ من أيام الاحتلال لا تعادلها كل المرارات التي تشلّ أفواه ذائقيها مدى أعمارهم، وسياحتهم في كهوف الحياة.


صحيح أن شعب العراق صابر محتسب، لكن الجور والطغيان أخذا من جلده مأخذا، ويكاد الألم والحسرة يخنقانهم أن يجدوا أنفسهم مهانين منتهكين من قبل حفنة من الأراذل الرعاع والسفلة وأرباب السوابق الشائنة، جواسيس الغزاة، يهدرون كرامتهم كل لحظة عندما يجدوهم في مواقع لا تليق إلا بأهلها.


يساق هذه الأيام جحافل من أبناء العراق الغيارى على وطنهم وشرفهم وتربة أرضهم إلى غياهب المعتقلات الصفوية، بحملات متواصلة في أغلب مناطق العراق، وخصوصاً المناطق الريفية وأطراف المدن، مع تركيز خاص على حزام بغداد، الذي يشمل قضاء المحمودية ونواحيه وصولا إلى أطراف مدينة بغداد الجنوبية الغربية.


يحاول جواسيس الاحتلال الثلاثي بمعونة أسيادهم خلال هذه العمليات إفراغ الساحة العراقية من جميع المناهضين للاحتلال ومشاريعه الحالية والمستقبلية، تحت ذريعة تنفيذ جميع أوامر إلقاء القبض التي أصدرها وسيصدرها قضاة الرعاع والمدنسين من عبيد المحتل وخدمه، ووفقا لقوانينه القذرة، قبل بدأ القوات العسكرية الأمريكية انسحابها المتوقع من العراق في غضون الأشهر القادمة، كأحد أبرز الاحتمالات التي ستضطر إليها الإدارة الأمريكية مرغمة نتيجة الضغوط الكبيرة التي يفرضها الوضع الاقتصادي المتأزم، وكنتيجة حتمية للموت والفزع اللذان يتجرعهما علوج الغزو على أيدي المقاومة العراقية المجاهدة الباسلة، والواقع المظلم الذي تعيشه مفروضا عليها ببسالة وشجاعة وإيمان أبناء العراق الأماجد.


وللجواسيس الخونة في ذلك هدفٌ أخر غير الذي يصرحون به لأسيادهم من علوج الاحتلال الأمريكي،  في أن انجاز هذه الحملات قبل الانسحاب ضروري جدا، للاستفادة من إمكانات القوات الأمريكية، بحجة أن ما يسمى بالجيش والشرطة المنسوبين للعراق زورا وبهتانا غير قادرين على انجاز هكذا مهمة لوحدهما، لعدم امتلاكهما أسلحة ثقيلة وإسناد جوي فاعل، وإن هذه القوى التي تستهدفها حملات الاعتقال ستعبث بالعملية السياسية التي أوجدها الاحتلال، ودفع في سبيلها ثمنا باهظا من سمعته وقدرته ومصداقيته، وستعصف بها بعد حدوث الفراغ المزعوم.


أما الهدف الذي يسعون لتحقيقه خلف أستار هذه الادعاءات، فهو ذو شقين مترابطين:

 

أولهما: إقناع الإدارة الأمريكية بضرورة تسليح جيش وشرطة العملاء بأسلحة ومعدات تمكنها من فرض سطوة كسطوة المحتل ذاته بعد الانسحاب، ليتسنى من خلالها مواجهة الشعب العراقي الذي ذاق الأمرّين وضاق بهم وبمن معهم ذرعا، بالحديد والنار ومزيد من جرائم القتل والتشريد، ضنا منهم أن ذلك سيضمن لهم البقاء أطول وقت ممكن لمواصلة عمليات التخريب والنهب والسلب والمسخ المبرمج وصولا إلى تمكين الفرس الصفويين من السيطرة وإشغال الفراغ المزعوم.


وثانيهما: تمهيد الطريق أمام الفرس، الشريك الأساسي في كل جرائم احتلال العراق، تعزيزا لمواقعهم على أرضه والعمل على تحويله إلى منطلق لغزو كل قلاع الأمة الواهنة، بعد أن نجحوا إثر الغزو بوضع أقدامهم داخل أسوار أعتى قلاع العرب وأكثرها منعة، والتي كانت عصية عليهم، وصخرة كأداء تحطمت عليها كل مشاريعهم الفارسية ودسائسهم المجوسية الصفوية الشعوبية حتى نيسان 2003م، الزمن الذي استعاد به الفرس حلفهم القديم المتجدد مع اليهود، منذ أن غدر اليهود ومكروا ببابل فوضعوا أقدام الفرس داخل أسوارها عام 539ق.م.


إن حملات الاعتقال المبرمجة والمدروسة بعناية تستهدف بعضا من شباب العراق بالتغييب داخل معتقلاتهم الصفوية المشينة وفق تهم جاهزة ومعدة سلفا تنطبق على كل عراقي شريف رافض للاحتلال ومشاريعه، جاعلين من هذه الحملات التي طالت وستطال أغلب مناطق العراق وسيلة تخويف وإرهاب للبعض الأخر كي يغادر العراق ويترك ساحته لأسيادهم الفرس، يعبثون فيه كيفما شاءوا.


ومما ساعد العملاء في حملاتهم الأخيرة غياب التنسيق بين بعض فصائل الجهاد الباسلة، وتقوقع بعضها نتيجة ما أفرزته الأخطاء المرافقة لعملهم الجهادي، وإن كانت حالة طبيعية جدا مع عمل وتحدٍ بهذا الكم والكيف، والأدوار المشبوهة التي تلعبها ما تسمى بمجالس الصحوات والإسناد والتجمعات والكيانات النفعية المنافقة وعصابات الإجرام الصفوي في ملاحقة واستهداف فصائل الجهاد.


وذلك ما جعل من نطاق حركة من باعوا شرفهم وأعراضهم ودينهم ووطنهم وغيرتهم وحميتهم، ممن يُطلق عليهم جيش أو شرطة العراق - والعراق وأشرافه براء منهم ومن أفعالهم الشائنة الخسيسة - أكبر وأوسع وأكثر أذى، فالمناطق التي كانوا يخرون على ركبهم من الخوف والرعب لمجرد سماعهم بأسمائها باتوا اليوم يتجولون فيها ولا يُرى أثر التبول على سراويلهم أو نقاب المرأة على وجوههم الكالحة المكفهرة.


فمن بيده التصدي لمشروعٍ خطيرٍ كهذا وإفشاله غير الجهاد والمجاهدين وحداتهم الأبرار، الذين أقسموا فأبروا قسمهم إلا من واحدة، تنغص عيش العراقيين والعرب، وصارت تراودهم حلما كحلمهم بوحدة أمتهم، كلما اقتربوا من تحقيقه رُفِسوا رفسة أيقظتهم على واقعهم المرير، وقد صارت الوحدة أبعد منالاً من ذي قبل.


تلك هي وحدة فصائل الجهاد وجحافله، التي أخذت بعضها نوايا الأنفس وهواجسها، لا المسميات، بعيداً عن طريق الحق والصواب، فامتنعت عليهم جميعاً صولة الحسم وتأخر أوانها كثيراً، وهي التي لن يأذن الله تعالى بها حتى تتحقق شروطها ومستلزماتها، وأولها وأهمها وحدة القلوب والألسن، فكلهم يقرأ كتاب الله تعالى وفيه قوله: { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (سورة آل عمران، الآية:103)، وكلهم يحفظ سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، ويعي كل الوعي مراحل التوحيد التي قام بها، بين الأوس والخزرج، وبين الأنصار والمهاجرين، وبين الأحرار والعبيد، وبين الأغنياء والجياع، قبل أن يبدأ ببناء جيشٍ للجهاد والدعوة، فكانت صولة الحسم إثر ذلك في معركة بدر الكبرى عام 2 هـ، يصول فيها ملائك الرحمن وجنده، فكُسِرت شوكة الشرك بها إلى الأبد.


العراق قطر عربي مسلم، قاد دفة الشراع فيه وحمل رايته رجال شهد لهم التاريخ بمواقفهم ومنجزاتهم وفيض إخلاصهم وصدق إيمانهم، فتزكيتهم كاملة شامله جاءت شواهدها من نوعية أعدائهم وطبيعة توجهاتهم وأفعالهم، فهم كانوا وما زالوا ألدّ أعداء الطاغوت وحلف الشيطان ومن تابعهم في مسار هذا العداء، منذ اليوم الأول لثورة 17 تموز 1968م وقبلها وبعدها وحتى اللحظة، ولن يتغير شيء مهما طال الزمن، فالخلاف بينهم وبين أعدائهم عميق، ليس خلاف منافع وتقاطع مصالح، لكنه خلاف فكري وعقدي وخلاف وجود، فهو خلاف يرتكز على المفارقات الآتية:

  • بين من يتولى الله تعالى، وبين من يتولى الشيطان وأتباعه.
  • بين من تستحوذ عليه نفحات الإيمان وهو يحمل لواء الإسلام والعروبة وراية الجهاد، وبين الذي يستحوذ عليه مكر الشيطان وكيده فيعمل على مسخ الإسلام وتشويه صورته، يخلط الكفر والشرك بالإيمان.
  • بين من يكون جندياً في جيش الله تعالى وحزبه، وبين من يكون رِجل الشيطان وخيله وصوته.
  • بين الساجد لله جلَّ شأنه، وبين الساجد لقبرٍ أكل صاحبه الدود.
  • بين الساجد لخالق كل شيء، وبين الساجد لمخلوق جعله الله لعذاب جاحديه( النار).
  • بين الموحد لله تعالى لا يشرك به شيئا، وبين من يثنّي ويثلث آلهة على هواه.
  • بين من يرعى اليتيم ويحنو عليه ويحفظ حقوقه، وبين من ييتم ذوي الآباء والأمهات.
  • بين مُطعِم البائس الفقير، وبين مسبب البؤس والجوع.
  • بين الأمين على الثروات، وبين سارقها أومسخرها في خدمة مشاريع أعداء أمته.
  • بين الحادي بطلائع أمته نحو المعاني العالية، وبين من أركسوها في مستنقعات الذلّ والانحطاط.
  • بين المعزّ لأمة المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم بقول وفعل معا، وبين المُذِّل لها أيما إذلال.
  • بين المقتفين عدل الفاروق وشجاعة الكرار، وبين المعجبين والمنبهرين أمام طواغيت الإمبراطوريات المتجبرين.
  • بين العاشقين لرائحة تربة أرضهم والباذلين في حماها الدماء سخية، وبين مدنسي ثراها بأقدام الأعداء الكافرين.
  • بين العاشقين لوطنهم وأمتهم والمولهين بحبهما، وبين المتيمين بحب أعدائهما حدّ الجنون.
  • بين الشجاع المقدام مقتحم الصعاب وقاهرها، وبين الخانع الذليل المخذول.
  • بين أكلي الحلال الطيب من رزق الله، وبين من امتلأت بطونهم بالسحت الحرام.

وإن كان البعض من المغرر بهم يداخله الشكّ فيما مضى بحقيقة قيادة العراق، فإن أيام الاحتلال كانت شهود إثبات دامغة على هذه الحقيقة، لا لبس فيها، كما لا تنقصها أدلة وبراهين، فعداء الطواغيت الصليبيين للعراق وقيادته صار عنوانا بارزا لكل عداء، وأطماع الفرس المجوس في أمة العرب والمسلمين وعدائهم لها، وحملات التشويه والتحريف لشريعة دينهم صارت حقائق تقف على قدميها بكل قامتها، يراها العرب في كل مكان كما يراها ويتعامل معها أهل العراق بكل تفاصيلها، وما عاد الخميني ثائرا مسلما، بل تكشفت حقيقته الشعوبية الفارسية المجوسية الصفوية المتآخية مع اليهود الصهاينة، فقد كانت المشاهد التي رافقت احتلال العراق أفعالاً يقينية لا أقوال تقية تكشّف بها كل مستور، أما حقد اليهود وعدائهم فتاريخه حافل ولا يحتاج لأدلة وبراهين، فبراهينه وأدلته كثيرة في كتاب الله تعالى، وما قاله الله تعالى لا نبحث له عن دليل أو برهان، فهو الحقيقة الكاملة.


وحلف هؤلاء الأطراف الثلاثة وتوحدهم على الكيد بالأمة وطلائعها الحية الفاعلة افتُضِحت كل حلقاته وتكشفت كل خباياه على أرض العراق المحتل، ولم نعد بحاجة للتذكير بحقائق المجيء بالخميني وزمرته عام 1979م لأداء ما كُلِّف بأدائه من دور في تعويق مسيرة العراق وثورته، ومحاولة إبعاده عن أداء دوره القومي في تحرير فلسطين ومقدساتها، أو التذكير بصفقات الأسلحة التي ارتبط بعضها بفضيحة إيران غيت.


أما حكام الرذيلة والخيانة العرب فقد أزال الله تعالى كل البراقع والأقنعة عن وجوههم الخائبة يوم أستبيحت بغداد عاصمة المجاهد الشهيد صدام حسين رحمه الله، وافتضحت كل أدوارهم التخريبية ومؤامراتهم على الأمة التي قاسمهم الأعداء الطغاة على عروش أقطارها المفتتة لقاء عمالتهم، وبانت معادنهم الخسيسة في تفريطهم بالعراق وفلسطين، والقادم أعظم وأدهى وأمرّ.


الحكام الذين وقفوا صفاً واحداً مع الغزاة الصليبيين والصهاينة والفرس المجوس ليسهموا في نحر العراق، عنوان عزّ أمتهم وذاكرة تاريخها المجيد.


فهل يتجرأ أحد ليلوم قيادة العراق الوطنية على تصديها لكل هؤلاء الأعداء إلا أن يكون فاقداً لعروبته وعراقيته وإسلامه جملة وتفصيلا، وحاشا رجال الجهاد والكفاح أن يكون منهم من يفتقد لإحدى هذه العناوين.


كما إن عمر الثورة الطويل نسبياً كان الشاهد الصادق على نظافة يد قيادة العراق وأمانتها الفريدة في هذا الزمن الرديء على ممتلكات ومقدرات العراق والأمة، فما خرج من جيب العراق شيئاً إلا صُرِف في ما أمر الله تعالى به، ومن أهمها دعم وإسناد مقاومة شعبنا الفلسطيني في كفاحه الدامي ضد الغزاة الصهاينة، وجياع الأمة في أغلب أقطارها، أما ما بقي في العراق فشواهده بارزة وواضحة رغم كل عمليات التخريب والتدمير والنهب والسلب منذ عام 1980م وحتى يومنا هذا، وما صُرف منه على متطلبات قيادة الدولة طيلة عمرها لا يعادل سفرة واحدة يقوم بها حاكم عربي لدولة أوروبية.


هذه الحقائق زكاها التاريخ ووثقها وضمها بين جنباته وعلى صفحاته البيض ما دامت الحياة على ظهر المعمورة، رغم كل الأكاذيب والتلفيقات والتزوير، الذي برع به الأعداء، فهو ديدنهم وميزتهم، فقائد العراق رحمه الله وُلِد فقيراً وعاش بين الفقراء ولأجلهم واستشهد خالي الوفاض، إلا من رحمة ربه وحب أشراف الأرض له.


فهل من عُذرٍ يقدمه لنا منصف صادق في دعواه، يبرر لنا عدم توحد كل فصائل الجهاد والمقاومة تحت راية الله أكبر التي يرفعها اليوم بكل أمانة وإخلاص رفيق درب الشهيد صدام حسين المجاهد المحتسب لله عزة إبراهيم؟


وهل من موجدٍ لنا من هو أفضل من صادق الوعد وصائن العهد والثابت على الحق رغم الأهوال التي عصفت بالوطن وأهله، والدنيا كانت بكل مغرياتها تحت قدميه لو أراد، أجزم عازما حازما أن لا أحد بمقدوره أن يجد بديلاً واحدا، مع تقديرنا العالي وحبنا الصادق لكل من أطلق يدا أو لسانا أو نبض فؤاده بجهاد الغزاة لأرض العراق، لكن الامتحان العسير الذي نعيش معمعته منذ عام 1980 وحتى اللحظة قد أفرز بنتيجة الأفعال لا الأقوال من نجح ومن سقط، وتلك حقيقة لا يختلف عليها كثير، لكن الحقيقة الأهم التي يجب استيعابها، هي أن ليس كل الناجحين كانوا متميزين في نسب نجاحهم، فالمسافة بين الحدين الأعلى والأدنى لنسب النجاح ليس قصيرة، فبينهما 48 محطة كلها في مرتبة النجاح.


كما لا نضنُّ أن أحداُ من المقاومين للاحتلال لا يُقرُّ بأنّ احتلال العراق عدوان سافر بكل مقاييس السماء والأرض،وإلا فعلى أي شيء يجاهد، وحينها سيكون لزاماً عليه أن يُقِرّ بأن من تلاحمت ضده كل قوى الشرّ والظلام أزكى وأحق بالقيادة لهذه المرحلة ممن لم يكن كذلك، والخبير بالأعداء بخزين تجربته نتيجة المواجهات التي استمرت عقودا عديدة أصلح ممن لا يملك من ذلك شيء، ليكون ربان السفينة المبحرة وسط أمواجٍ متلاطمة، ليأخذ بزمامها نحو الشواطئ الآمنة، والمنصف لا يتغاضى عن خبرة الخبراء ولا يجحد سنين عمرهم وإفنائها في مسارها الصحيح.


أما بعد تحرير العراق، فإن الأساس الذي اختطته القيادة منذ أيام الاحتلال الأولى أثبت مصداقيته وواقعيته، ولم نسمع ببديل يضاهيه أو يفضله حتى يومنا هذا، بل لم يستطع أحد أن يضيف عليه شيئاً يذكر، فهو استجابة لما أراد الله تعالى، ثم هو ناتج خبرة قيادة انبثقت من بين صفوف الشعب والأمة حملت على عاتقها أمال الأمة وتطلعاتها، وقدمت في مسيرتها تضحيات لا تقوى على أدناها الكثير من القوى.


بعد هذا نرى أن من يقف حائلا دون تحقيق هذا المطلب الذي لا يتحقق الانتصار النهائي على الغزاة بكل ألوانهم وأشكالهم قبل تحقيقه، نراه قد وقع ضحية الغزو الفكري، وحملات التشويه والأكاذيب  التي أطلقها عليه الأعداء الذين يجد في قتالهم جهادا يُرضي الله ورسوله، في بعضٍ من جوانب وعيه وسلوكه.


ولقد كان القعقاع بن عمرو جيشاً جرارا بمفرده، وذاكرة التاريخ مبهورة أمام بطولاته في حروب الردة وتحرير العراق وبلاد الشام، لكنه لم يسع في لحظة من لحظات حياته الحافلة بالبطولات الفريدة ليكون له موقع أو منصب أو ميزة كأستحقاق لذلك، لكنه عندما يُندب لعمل كان يستحضر له كل همة القادة والحداة، وذلك هو المجاهد الحق، الذي يعي الفارق بين حقيقة الباذل لأجل رضا الله وبين الباذل لأجل الدنيا ونعيمها، وهو فارقٌ كبير، كما بين الذاهب إلى الجنة والمقذوف إلى الجحيم.


فالباذل اليوم من أجل تحرير العراق ويرجوا عون الله ومدده لا يمكن أن يكون في ذات الوقت ساعيا لغنيمة الحكم، فهما هدفان مختلفان متنافران، لا يلتقيان أبداً على خير، وإن كان الفاصل بينهما يكاد لا يُرى، إلا من أنار الله بصيرته وطهر سريرته.


فليكن هاجس كل المجاهدين تحرير العراق، أما الإمرة بعد التحرير بعون الله، فدعها تطلبك لتتشرف هي بك، ولا تطلبها لتتشرف أنت بها، فشتان بين حالٍ وحال، ولا نتصور مجاهداً حقاً يبحث عن إمرة يتشرف بها، فحينها لن تكون شرفاً، بل تسولاً لا كرامة فيه.


والحمد لله ناصر المؤمنين ومخزي الكافرين والمنافقين.

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الثلاثاء  / ٢٨ جمادي الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢٣ / حزيران / ٢٠٠٩ م