اليمن مازال نمرا'' .. أيها الناعقون على أطلال الخيبة

 
 
 

شبكة المنصور

أ.د. كاظم عبد الحسين عباس / أكاديمي عراقي

ما بالُ هذا الإعلام الفارغ والمرتزق؟ ما باله فاقد القدرة على النطق السليم .. وفاقد القدرة على الحياة الطبيعية .. حيث يتفاعل مع فاقدي القدرة على النطق من سنوات ومع مَن فقدوا سمات الحياة مذ أهدوا اجسادهم الى الاغتراب واللجوء الاختياري ... يتعامل مع كلمات متيبسة وبعض عبارات مسحوقة بمطرقة اليأس والاحباط وسندان الوحشة لغياب الروح. إعلام مفلس يغوّل تصريح واحد وينفخ فيه ليحوله الى اعصار ليس على الأرض ولا في خلجات الواقع، بل في رحم الاعلام المستباح بعهر السياسة ودناءتها، هذا الإعلام الموسوم جلّهُ بسوق الطماطم وبالونات الأولاد الصغار، أبعد ما يكون عن حقيقة اليمن ووحدتها المقدسة.

 

التظاهرات في اليمن والاعتصامات والصحافة وكلام الناس تحصل يوميا وعلى مدار العام لأن في اليمن نظام ديمقراطي ليس له نظير في اقطار امتنا العربية كلها، وليس لأن فلان بن علان صرح أو زيد أو عمر أراد .. انها ارادة شعب اليمن ونظامه السياسي برمته سواءا"  بجزءه الذي في السلطة او جزءه المعارض .. والى ذلك فليلتفت أصحاب الهبات الغوغائية في الاعلام المأجور او المغلوب او الساذج .. ألا سحقا للاقلام والابواق المأجورة والمعروضة سلعا في سوق النخاسة. 

 

نعم يا سادة .. في اليمن ديمقراطية لا مثيل لها في كل اقطار الأمة فرجال اليمن ونساءه أسود ولبوات لا يخشون في الله لومة لائم، ولا يترددون في المطالبة بحق اليمنيين ... في اليمن ديمقراطية حقيقية لا يصدقها ولا يتعرف عليها إلا مَن يقترب من هذا الشعب العظيم، الشجاع الحكيم، ويعيش بعض الوقت بين جنباته .. وليس بوسع أحد أن يتخيلها إلا أن مَن يقترب من إرادة الدولة وحقائق اذرعها وأطرافها المتصلة بالشعب.

 

في اليمن .. شعب ودولة ونظام ديمقراطي بدليل ان كل الرجال يحملون الجنبيات في أحزمتهم، ولكن لا أحد يستخدمها لطعن الآخرين لخلاف في الرأي وما أكثره، أو لخلاف في الرؤى السياسية وما أكثرها، أو لخلاف في أمور حياتية أخرى وما أكثرها. ونحن متيقنون ان الألمان لو حملوا هذه الجنبيات كرمز تراثي وعنوانا من عناوين الرجولة وبهاء الفحولة لسالت دماءهم انهارا في ليالي السكر والعهر والعربدة. ولو حملها البانكيز الانجليز لمزقوا نهود نساءهم بها تحت وطأة العجز الجنسي او البرود. في اليمن, ايها السادة, يتحدث الناس بالنقائض وضد بعضهم البعض وضد الحكومة بطريقة لو حصلت في اي مكان في العالم العربي وفي اية عاصمة عربية لغيّب ثلاثة ارباع الشعب او بما يزيد في غياهب المعتقلات والسجون ولعلقت المشانق في الحدائق والساحات العامة. في اليمن, ايها المتصيدون ضد العرب وبلادهم, انتخابات حقيقية وحراك سياسي ديمقراطي حقيقي ومعارضة سياسية حقيقية ليس ثمة مثلها في كل اقطار الامة. ونحن نتمنى ونرجوا ان تحذو الأمة وأقطارها كلها حذو اليمن وتطور ايمانها بالانسان لتصل الى مستوى اليمن.

 

في اليمن وحدة .. حصلت بعد ان أرويت شجرتها بالعرق وبالدم ونزف الأرواح ... ويتوهم المتوهمون المسكونون بالشذوذ والامراض النفسية المزمنة انها ستهتز وتسقط وتتوارى من الوجود بانفصال يمنّون به ارواحهم المصابة برهاب الوحدة اسما وفكرا وعقيدة وتصرف لمجرد سماع تصريح هنا او اعتصام بضعة اشخاص او تظاهره هناك .... هؤلاء المرضى اما جاحدون مكابرون او مفلسون يبحثون عن مصدر رزق حرام لأن وحدة اليمن تترسخ بمظاهر الديمقراطية ومنها التظاهر والاعتصام .. ووحدة اليمن متجذرة في الكينونة اليمنية ولا تهزها تصريحات رهاب الوحدة المصابة باهتزاز العواطف ووهن الذات.

 

اليمن العظيم واحد غلب عوامل التشطير بارادة شعب عريق مؤمن بالله وبالوطن وليست محض ارادة سياسية او اتجاه حزب او فئة. والشعب اليمني أعيد توحيده قبل 19 عام، بعد ان ارتقى الى مستوى الدور الرسالي والحضاري للامة وبأدوات شعبية خلاقة في عدن وحضرموت ومثلها في تعز وصنعاء وإب ... وصار الانفصال محض جنين معاق في رحم عانس ولن يرى الولادة من فرج ميت ... صار التشطير بالانفصال مثل مرض شلل الاطفال تديم اجتثاثه عصبة من نساء اليمن الماجدات في كل محافظات اليمن بقطرات عقار تركيبه من مطر اليمن الموسمي ليس الا.

 

فعن اي عواصف وحراك ومخاطر وهزات يتحدث الاعلام الصهيوني الصفوي الفارسي وربما حتى الامبريالي مدعوما بأبواق عربية هي ذاتها التي تسمي احتلال العراق تحرير وتسمي الخونة العملاء وطنيين واللصوص والمفسدين وزراء؟

 

الحراك اليمني, ايها السادة, من اجل التغلب على المشاكل المالية والاقتصادية والاجتماعية كان وما زال يحصل كل يوم ومعه تتجذر وتترسخ الوحدة وتحل المشاكل تدريجيا وطبقا لممكنات يمنية معروفة وتتوجه الأنظار والعقول نحو الاخفاقات فتعالجها بالحكمة اليمنية وبالوطنية اليمنية وبالروح المسلمة المؤمنة المترسخة عند هذا الشعب العظيم.

 

الحراك اليمني كان وما زال يحصل يوميا في دواوين ومجالس اهل اليمن التي يتساوى فيها الجميع بلا بيروقراطية ولا تكبر ولا مظهرية وبلا فوارق طبقية فلا تكاد تتعرف على الوزير من الفلاح ولا على التاجر من الموظف ولا على الطالب من السفير او رجل الاعمال فالجميع يأكل بكفّه من نفس الماعون ويرتوون من ذات الاقداح في شراكة انسانية نادرة ...لا يمارسها الا اصحاب النفوس الكبيرة والطباع الكريمة.

 

ان الذين ينفخون في بعض ممارسات الحراك اليمني الطبيعية واليومية ويحاولون ان يحولوها الى مسارات غير مساراتها الطبيعية الهادفة الى تجاوز الهنات والمشاكل ويحاولون الباسها ذات الثوب الاخرق لصفحة الغدر والخيانة (الغوغاء) التي حصلت في العراق بأيدي اجنبية و بأيدي حفنة من المرتزقة .. هؤلاء لن يكسبوا الا الخذلان والخيبة. ونحن حين نقول هذا الكلام نقوله بتجرد وموضوعية لاننا لانفعَ لنا منه اطلاقا سوى محبتنا واعتزازنا كعرب مسلمين باليمن ووحدته الغالية ... ولأننا ندرك ان الازمة المالية التي طالت عمالقة العالم في الثروة ورأس المال وطالت طبعا بشكل اكبر البلدان الفقيرة ومنها اليمن لن تكون جسرا آمنا يعبر عليه العابرون صوب الاهداف الذاتية والحزبية والفئوية الضيقة لانها ببساطة لن تضرب في القلب اليمني النابض اصلا في ظروف ليست ترفيّة ويتحدى معضلات التنمية بوسائل انسانية خلاقة وتتعايش مع المصاعب الادارية والمالية المعروفة. وهذه الازمة تنحسر الآن تدريجيا ويتم التعاطي مع افرازاتها ونتائجها وستعبر وتمر بأقل الخسائر على المسيرة التنموية في اليمن الشقيق باذن الله.

 

ان اليمن باق والوحدة باقية لانها ليست حزبية و لا طائفية والعياذ بالله، و لا نزوة و لا نزق فردي، بل ارادة شعب وأمة ودين ... لان كل الشعب اليمني، ومعه الامة، يرفدها بالمحبة والاستعداد لتقديم الغالي والنفيس ... الوحدة اليمنية رمز كرامة وعزة اليمني، والكرامة والعزة والشخصية اليمنية عوامل حياتية تتداخل عضويا وتشكل الملمح الاساس في كيان اليمن، فأنّى لها أن تنفرط؟ الحق ... ايها السادة ... لا تظاهرة، و لا عمل تخريبي يطال هذا الدكان او تلك الصيدلية او ذاك الشارع في حارة من حارات مدن اليمن يمكن ان يهز جبل الوحدة ولن يؤثر في قناعات اليمنيين الوحدوية الا اللهم في التنبه الى اعداءهم واعداء الوحدة وهم في الغالب يشتغلون من الخارج وتدعمهم دول وقوى تماما كما حصل مع العراق.

 

ولمن سيتهمنا بالقفز فوق الواقع وحيثيات الاحداث على الارض نقول : نحن نعيش الواقع ونتعامل مع حيثياته ونعرف ان هناك مشاكل حياتية وادارية ومعها حراك سياسي ديمقراطي في اليمن ونعرف ان هناك اخطاء قد تقع هنا او هناك ... ونحن نشبّه هذا الحال بحال اي بلد آخر في امة العرب او خارجها ويجب النظر والتعامل معها على اساس انها طبيعية وقابلة للحل، والجريمة الحقيقية هي ان تُستخدم كذريعة وشماعة للتوجه والفكر الانفصالي ايّا" كان منبعه ومصدره. فهل يجوز ان نكفر بالاسلام الحنيف مثلا لوجود مسلمين لا يطبقون تعاليم الاسلام بكل حذافيرها ؟

 

الوحدة اليمنية مقدسة كما الدين مقدس.

واليمن مازال نمرا" .. أيها الناعقون على أطلال الخيبة

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاربعاء  / ١٥ جمادي الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١٠ / حزيران / ٢٠٠٩ م