تساؤلات حول مفهوم ( ترك العراق بطريقة مسؤولة )!..

 
 
 

شبكة المنصور

كامل المحمود

قادت إدارة جورج دبليو. بوش السابقة  (بكل إصرار) حملة غزو وتدمير وإحتلال العراق ولحد هذه اللحظة تقوم إدارة باراك أوباما اللاحقة والتي رفعت شعار التغيير وخاصة في الموقف من الحرب على العراق بمواصلة المهمة نفسها الآن! .

 

وعلى الرغم من أن الرئيس الأمريكي الجديد قد قدم برنامجا يتناول (تغييرا تكتيكيا) لطريقة التعامل مع المشكلة العراقية من خلال ما يتم تناقله عن الإدارة الأمريكية من :

 

( أن أوباما يسير في العراق في طريق يقود إلى ترك العراق لشعبه وينهي هذه الحرب بطريقة مسؤولة)..

 

إلا أن كل المؤشرات تفيد بأن هذا الطريق بالتأكيد لا يترك العراق لشعبه ولا ينهي الحرب عليه التي دخلت عامها السابع قبل شهور!..

 

تُشير هذه الطروحات والتصريحات بأن خطة أوباما التكتيكية الجديدة للعراق تضمنت (مرونة جوهرية)!..والتي تشمل:

 

أولا- نيته الاحتفاظ بقوة أمريكية قوامها (35) إلى (50) ألف جندي بعد شهر آب عام 2010.

ثانيا- إن القوات الأمريكية سوف تستمر في القيام بمهمات تستهدف محاربة الإرهاب حتى بعد أن تنتهي مهماتها القتالية.

 

ونتسائل نحن البسطاء من العراقيين :

 

هل ان إعلان الرئيس الأمريكي الجديد عن خطته المعلنة للانسحاب من العراق ستنهي شيئا من المعاناة العراقية وتعيد حقا ما تم إستلابه وتعمِّر بلدا تم تدميره وتنصف شعبا مشتتا ومقسما جرى تمزيقه سيما أنه حمل شعار التغيير وإنتخبه الشعب الأمريكي بعد ان لمس نتائج أنقاض أخطاء الإدارة الجمهورية السابقة التي غزَت ودمرت وإحتلت العراق وقدمت هذا الكم الهائل من الخسائر الأمريكية ؟.

 

وهل هو هروب ام إعادة إنتشار؟..

وهل سيكون الهرب من العراق هو الحل السحري ؟..

أم هي خطة إعادة هيكلة وترتيب وإعادة إنتشار لبقاء القوات الأمريكية لأمد طويل؟

 

وهل توحي هذه الخطة للخبراء والمحللين السياسيين والعسكريين شيئا عن كونها خطة تعني بصفة رئيسية بإعادة تنظيم الأولويات العملياتية للبنتاغون؟.. بينما تستمر (إستحضارات وعمليات والحرب الطويلة على الإرهاب في الأرض العراقية ) والتي تم التخطيط لها بعد الحادي عشر من أيلول / سبتمبر 2001 التي تدخل عامها الثامن دون أي نهاية لها تلوح في الأفق؟..وكما قال للواشنطن بوست أندرو جيه. باسيفيتش أستاذ التاريخ والعلاقات الدولية بجامعة بوسطن ومؤلف كتاب (حدود القوة: نهاية الاستثنائية الأمريكية)؟.

 

وهل أن التغيير التكتيكي بين الإدارتين الجمهورية والديمقراطية في تغيير أولوية كل منهما في الحربين اللتين تشنهما الولايات المتحدة على العراق وأفغانستان من أجل تغيير النظام السياسي في كلا البلدين وتأمين حراسة منطقتين استراتيجيتين تضم كلتاهما أهم الاحتياطيات النفطية في العالم في الخليج العربي وآسيا الوسطى حيث كان العراق هو أولوية إدارة بوش دون أن توقف حربها على أفغانستان لكن إدارة أوباما التي خلفتها أعطت الأولوية لأفغانستان دون أن توقف مشروع احتلالها للعراق؟ .

 

وهل يتمثل هذا التغيير التكتيكي في تغيير مهمة القوات التي ستبقى في العراق بعد إعادة انتشارها خارج المدن العراقية تغييرا إسميا من (قوات مقاتلة) إلى (قوات تدريب ودعم وإسناد)  بينما تظل هذه القوات أيا كان الإسم الذي يعطيه البنتاغون لها هي القوة الفعلية المسيطرة في العراق طالما أنها تحتكر لنفسها الأسلحة الجوية والدبابات والمدفعية الثقيلة وتحرم ( قوى الأمن) العراقية ومنها (الجيش العراقي الجديد) من هذه الأسلحة وهو المكلف أمريكيا فقط بمهمة هي أصلا من مهام الشرطة.. لتظل المهمة الأساسية للقوات الأمريكية مهما كان وصف البنتاغون لها وسواء كان تعدادها خمسين ألفا أم أكثر أو أقل هي نفسها مهمتها عندما غزت ودمّرت وإحتلت العراق قبل ست سنوات؟..

 

وهل إن إبقاء حوالي ثلث قوات الإحتلال الأمريكي الموجودة حاليا في العراق (خمسين ألف جندي) التي يزيد عديدها على (142) ألف جندي إلى أمد غير منظور تحت ذريعة تدريب قوى (الأمن) العراقية ومحاربة الإرهاب وحماية المصالح الأمريكية ما هو إلا تخفيض في عديدها عن طريق (عرقنة) مهمة الأمن في المدن العراقية و(شرعنة) الوجود الأمريكي (الساند)؟..

 

وهل إن هذا التغيير التكتيكي يستهدف فقط تحرير القوات الأمريكية التي تقوم بهذه المهمة منذ الغزو عام 2003 من أجل تعزيز هذه القوات في أفغانستان وإعادة انتشار قواتها بين البلدين بما يمكن أن تنعكس في أية لحظة يتطلبها الحفاظ على أمن النظام السياسي الحالي في العراق؟ .

 

وهل يمكن وصف ما تضمنه الخطاب الذي ألقاه الرئيس أوباما في ألفين من قوات المارينز وأعلن فيه خطته (للانسحاب) من العراق قد أضفى في الواقع شرعية إدارته على غزو سلفه بوش بوصفه وسيلة لـ(تحرير) العراق والذي وفّرَ (فرصة ثمينة لشعب العراق لبناء نموذج فريد من نوعه في المنطقة)؟..

 

ولماذا إلتزم أوباما بتعهدات سلفه وحتى بالجدول الزمني الذي أعلنه بوش لإنهاء إعادة نشر قوات الاحتلال بنهاية عام 2011 حانثا بوعوده لناخبيه وهو يقول لهم خلال حملته الانتخابية إن الحرب على العراق (ما كان ينبغي شنها أبدا)؟..

 

وماذا يعني أن تخرج علينا الوول ستريت جورنال بافتتاحية عنوانها (أوباما يثبت صحة موقف بوش) قالت فيها إن:

(السيد أوباما قد نبذ ضمنا مواقفه نفسها عندما كان مرشحا ليتبنى خطة الفريق العسكري لسلفه بوش بل وليبقي هذا الفريق نفسه لتنفيذ خطته فوزير دفاعه روبرت غيتس وهيئة الأركان المشتركة والقيادة الميدانية في العراق لم تتغير بتغيٌر الإدارة من بوش إلى أوباما الذي يطلب من الكونغرس الآن مليارات من الدولارات لتمويل استمرار بقاء قوات الاحتلال)؟..

 

وهل من حقنا أن نستغرب لماذا لم يلمٌح أوباما في خطابه الذي تطرٌق إلى إستراتيجيته السياسية وإستراتيجيته العسكرية في العراق من قريب أو بعيد لا في ذاك الخطاب ولا قبله ولا بعده حتى الآن إلى أي استراتيجية حول الهدف الذي تسعى واشنطن إلى الفوز به من غزوها فاحتلالها للعراق؟..

 

ولو إقتصاديا؟..

خاصة وإن وزير دفاعه غيتس قد قال لشبكة ان. بي. سي. ردا على سؤال عما إذا كانت الولايات المتحدة ستكون قد حققت (النصر) عندما (تنسحب) من العراق:

(بصراحة، أعتقد، إن استخدام عبارات مثل 'ربح' أو 'خسر' أو 'النصر' أو 'الهزيمة'، هي أمور يجب في رأيي أن تترك للمؤرخين ليحكموا عليها)؟..

في حين أنه لم يذكر سببا لكي يحتفظ بقوات الإحتلال لأطول فترة ممكنة في العراق بل قال إن السبب في ذلك هو:

(المخاوف المرتبطة بإجراء انتخابات وطنية عراقية في نهاية العام)!

 

فما هي هذه المخاوف؟..

ومَن هي الجهة التي تتخوف الولايات المتحدة من تأثيرها على سير الإنتخابات القادمة؟..

وهل إن أصل هذه المخاوف ناجم من الرغبة في المحافظة على الحكومة الحالية ودعم مرشحيها؟..

أم تحسبا لتغيير موازين القوى السياسية التي ستشهدها هذه الإنتخابات؟..

وإذا كان فعلا هنالك مخاوف ..فأين يكون موقع تصريحات كل المسؤولين العراقيين من جاهزية القوات العراقية وإستعدادها الكامل للحفاظ على الأمن؟..

 

وأخيرا وحول موضوع النفط العراقي !..

 

وبضوء ما مثبت تأريخيا عن فيليب كارول المدير التنفيذي السابق لشركة شل أويل الأمريكية الذي تولٌى المسؤولية عن إنتاج النفط العراقي باسم الحكومة الأمريكية بعد شهر من الغزو والذي أوقف خطة البيع والخصخصة وقال للبي بي سي إنه أبلغ بول بريمر الذي وصل في الشهر الخامس من العام نفسه إلى بغداد كحاكم مدني للاحتلال، بانه:

 

(لن يكون هناك أي خصخصة لموارد ومنشآت النفط العراقي طالما أنا المسؤول)!.

 

وطبقا لقانون حرية المعلومات الأمريكي حصل برنامج 'نيوزنايت' ومجلة 'هاربر' من وزارة الخارجية الأمريكية على خطط جديدة تدعو إلى إنشاء شركة للنفط العراقي تملكها الدولة وقد إكتملت الخطة التي أشرف عليها آمي جافي من معهد (وزير الخارجية الأسبق) جيمس بيكر في تكساس ورحبت بها صناعة النفط الأمريكية عام 2004 .

 

وبالتالي فإن الأهمية الفائقة للاحتياطيات النفطية للعراق وللمنطقة الأوسع بالنسبة للولايات المتحدة ومركزها في الاقتصاد العالمي قد خلقت دائما شكوكا حول ما إذا كانت سوف تنسحب حقا من العراق على الإطلاق!..


وكما هو معروف فإنه يوجد في العراق حوالي أربعة أضعاف النفط الموجود في الولايات المتحدة بما في ذلك نفط ألاسكا وأن الولايات المتحدة التي كانت مكتفية ذاتيا بالنفط حتى نهاية عقد الستينيات من القرن الماضي تستورد الآن معظم النفط الذي تستعمله وبذلك فإنها بالرغم من أنها لا تستورد في الوقت الحاضر كميات ضخمة من النفط من منطقة الخليج حيث يوجد حوالي (62%) من احتياطي النفط العالمي فإن تفكيرها الاستراتيجي يحتم عليها الحفاظ على سيطرتها العسكرية في المنطقة لكي تظل القوة الأعظم في العالم..

 

فهل أن للعراق هنا أهمية حاسمة؟..

ومن منظور البنتاغون هل سيترك أي انسحاب كامل من العراق الولايات المتحدة مكشوفة بصورة خطيرة وبخاصة في مواجهة نمو غير مرحب به في النفوذ الإيراني ؟..

 

وهل وفي هذه الظروف سيكون الاحتفاظ بالسيطرة على العراق بما في ذلك قدرة عسكرية مباشرة يظل أمرا أساسيا؟..

 

أسئلة يطرحها العراقيون في شهر تموز وهم في وسط عاصفة ترابية هوجاء يقال أنها تحمل ملياري طن من الأتربة ..بلا كهرباء وبلا خدمات وبعد ست سنوات من (التحرير)وبناء (نموذج فريد في المنطقة والعالم في الحرية والإزدهار والرفاهية)!..

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الخميس  / ٢٣ رجــــب ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١٦ / تمــوز / ٢٠٠٩ م