تهافت حكام أمريكا : محاضر استجواب الرئيس الشهيد صدام حسين

 
 
 

شبكة المنصور

بدر الدين كاشف الغطاء

1 - نشرت الصحف الأمريكية يوم 1/7/2009 ما أسمته وثائق سرية افرج عنها الارشيف القومي الامريكي تضمنت محاضر جلسات استجواب الرئيس صدام حسين خلال فترة اسره. وللأسف الشديد تلقفت وسائل الأعلام العربية هذه المحاضر على أنها حقائق، ولم تكلف نفسها عناء التدقيق بمدى مصداقيتها ومدى إنطباقها مع الحقائق والوقائع.

 

2 - من الناحية القانونية فإن إستجواب الرئيس الشهيد وهو في الأسر ثم نشر محضر الإستجواب، وبغض النظر عن كمية التلفيق الواردة فيه، هو إنتهاك لإتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949 بشأن أسرى الحرب، لإنه تعدّ على حقوق الأسير وكرامته وتشويه لمواقفه. المادة 17 من إتفاقية جنيف الثالثة تقول (لا يلتزم أي أسير عند استجوابه إلا بالإدلاء باسمه بالكامل، ورتبته العسكرية، وتاريخ ميلاده، وموقعه العسكري) وتضيف : (لا يجوز ممارسة أي تعذيب بدني أو معنوي أو أي إكراه على أسرى الحرب لاستخلاص معلومات منهم من أي نوع، ولا يجوز تهديد أسرى الحرب الذين يرفضون الإجابة أو سبهم أو تعريضهم لأي إزعاج أو إجحاف).

 

كما أن هذا الإستجواب حصل بغياب محامي الرئيس الشهيد وبغياب ممثل الصليب الأحمر الدولي، إضافة الى أن السلطة القائمة بالإحتلال ليس من صلاحيتها أن تستجوب أسير الحرب عن أمور مثل ماضيه ومعتقداته ومواقفه الفكرية والسياسية، ناهيكم عن أن نشر محاضر الإستجواب في الإعلام قد حصل في وقت لا يستطيع الرئيس الشهيد أن يمارس حقه في الرد عليها بعد أن قام المحتل وعملاؤه بإعدامه بعد محاكمة باطلة وغير شرعية.

 

3 – من ناحية المضمون : إستعرض الإستجواب نوعين من المواقف التي نسبت للرئيس الشهيد. النوع الأول هي المواقف التي يعرفها الجميع عن صدام حسين لكنها صيغت في المحاضر بلغة ركيكة، وأحيانا مشوهه. وفي هذه لم يأت الإستجواب بجديد، فصدام حسين لم يكن رئيس دولة (غامض) لا يظهر في الإعلام ولا يعرف الناس مواقفه، بل على العكس من ذلك، كان من أكثر رؤساء العالم حديثا للناس وللإعلام عن مواقفه الفكرية والسياسية والإقتصادية والثقافية، وعن علاقات العراق الإقليمية والدولية وأمور الدولة والمجتمع، حتى أن الإعلام الأمريكي المتصهين كان ينتقد كثرة لقاءات الرئيس صدام حسين وعرضها وتكرارها في التلفزيون، ويقولون أنه بعد أن يستنفذ الحديث في السياسة يتحول الى الصحة العامة والى كيفية تربية الأبناء. ومعروف أن صدام حسين لم يكن من المولعين بإستخدام لغة (الغموض البنّاء) في عرض مواقفه، بل كان واضحا وصريحا ودقيقا لا يداهن ولا يكذب ولا يغلّف كلماته بنفاق سياسي.

 

كما أن مواقف الرئيس الشهيد بعد الإحتلال لم تكن غير معروفة سواء خلال قيادته للمقاومة أو في رسائله المكتوبة والشفوية من خلال محاميه بعد أسره أو في دفاعه المجيد عن العراق والأمة في محكمة العملاء وحتى لحظه صعوده سلّم المجد فجر عيد الأضحى المبارك.

 

أمّا لماذا إستعرض الإستجواب هذه المواقف المعروفة للرئيس الشهيد. فالجواب هو من أجل منح الإستجواب المصداقية التي تسمح بدسّ المواقف الملفقة فيه، وهذا هو بيت القصيد في نشر هذا الإستجواب. وسأعطي هنا مثالا واحدا من هذه المواقف المفتراة على الرئيس الشهيد صدام حسين :

 

يقول أحد هذه المحاضر:

(اخبر صدام المحققين من مكتب المباحث الفيدرالية الامريكية انه سمح للعالم بأن يعتقد بأنه يمتلك اسلحة الدمار الشامل لانه كان قلقا ان يظهر بمظهر الضعيف امام ايران).

 

هذا إفتراء بيّن. فالعراق قرر في خريف عام 1991 طي صفحة برامج الأسلحة المحظورة والتعاون مع مفتشي الأمم المتحدة، رغم حقيقة أن قرار مجلس الأمن 687 (1991) كان سابقة إنتقامية غير مشروعة في العلاقات الدولية، وأن أغلب المفتشين كانوا جواسيس ومرتزقة. تعاون العراق مع المفتشين كان لدفع الضرر الأكبر عن شعب العراق بعد أن أصبح واضحا بعد أن بقاء ملف الأسلحة مفتوحا كان الذريعة الأساسية لإستمرارالحصار الشامل. وتعاون العراق مع المفتشين كان فعليا واجاب العراقيون على كل اسئلة المفتشين وقدموا كل المعلومات المطلوبة التي تؤكد خلو العراق من الأسلحة المحظورة وبرامجها، بل ذهبوا خطوة مؤلمة أبعد بإن سمحوا بتفتيش المواقع الرئاسية.

 

ومن جانبها أسست الأمم المتحدة نظاما للتفتيش والمراقبة يستطيع ان يكتشف اي نشاط محظور في اي جزء من العراق وقاموا بآلاف الزيارات التفتيشية في كل أنحاء العراق، حتى السجون ورياض الأطفال والكنائس تعرضت للتفتيش باجهزة ذات تقنيات متطورة تكشف أي نشاط نووي أو كيمياوي أو بايولوجي. وإستخدم المفتشون كذلك أجهزة للكشف عن المعادن المدفونة في باطن الارض، كما كانت طائرات التجسس الامريكية التي تحمل علم الأمم المتحدة تمسح العراق من اقصاه الى اقصاه ثلاث مرات في الاسبوع، ولم تستطع الامم المتحدة أن تقدم دليلا واحدا يناقض إعلانات العراق، فكيف أوحى العراق للعالم أنه يمتلك أسلحة دمار شامل؟ ثم هل كانت الأمم المتحدة تعتمد على ما يوحي به العراق أم أن الكلمة الأخيرة كانت لنظام تفتيشها ومراقبتها للعراق طيلة أثنتي عشرة سنة؟

 

أما موقف الرئيس الشهيد نفسه، ففي جميع لقاءاته ومقابلاته وخطبه ذات العلاقة كان يؤكد تنفيذ العراق لإلتزاماته وخلوه من أسلحة الدمار الشامل. وأخر شاهد على ذلك هي كلمة الرئيس الشهيد من على منبر الأمم المتحدة ألقاها بالنيابة وزير الخارجية الدكتور ناجي صبري أمام ملوك ورؤساء العالم يوم 19/9/2002 وقال فيها :

(ها أنا ذا أعلن أمامكم أن العراق خال تماما من جميع الأسلحة النووية والكيمياوية والبايولوجية).

 

4- أمّا من حيث توقيت النشر : فالساذج فقط يصدق ما قاله المسؤولون الأمريكان من أنه جاء ضمن ( قانون حرية المعلومات ) الامريكي الذي يتيح نشر الوثائق التي لا يخشى من ضررها على الأمن القومي الأمريكي. والصحيح أن نشرها الآن هو محاولة إستباقية لتفادي إستحقاقات الهزيمة الأمريكية في العراق داخليا وخارجيا.

 

لقد كانت هزيمة أمريكا في العراق هي أكبر هزيمة تمنى بها عبر التاريخ، وبعد أن رأى الشعب الأمريكي بعينه العار والكوارث التي ألحقتها به هذه الحرب، بدأ يطالب بإجراء المراجعة والتحليل لتحديد المسؤلين عن هذه الكارثة ومحاسبتهم ومنع تكرار الكارثة.

 

بريطانيا، شريكة أمريكا في الجريمة والهزيمة، بدأت فيها هذه المراجعة، ويجري التحقيق الان في دور توني بلير في توريط بريطانيا في هذه الحرب.

 

وأكبر الأسئلة التي ستواجه المسؤولين والمشرعين الأمريكان هو : كيف أن أكبر دولة قدرة في الإستخبارات وجمع المعلومات والتجسس من الفضاء تبني حربا كونية، كحرب العراق، على فرضية إمتلاك العراق اسلحة الدمار الشامل ثم يتبين أن هذه الفرضية ملفقة؟

 

إن أحد التبريرات الممكن تقديمها لتخفيف فضيحة الإدارة السابقة والكونغرس الذي وافق على الحرب هي بالقول أن الرئيس العراقي أوحى بإمتلاكه هذ الأسلحة وأنه وضع العراقيل أمام عمل المفتشين مما عززالشكوك بإمتلاكه اسلحة الدمار الشامل، وطالما أن الأمر يتعلق بالأمن القومي الأمريكي فقد كان مطلوبا أخذ الرسالة العراقية بجدية عالية.

 

5– إن مقاومة شعب العراق الباسلة للإحتلال متعددة الأوجه، قلبها هو حمل السلاح وعقلها هي المعركة السياسية، فليواصل مثقفو العراق، ومعهم كل أشراف الأمة والعالم، معركة الحق ليدحضوا ما تبقى من أباطيل المحتلين البغاة، وما النصر إلاّ من عند الله.

 
 
شبكة البصرة
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

السبت  / ١١ رجــــب ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٤ / تمــوز / ٢٠٠٩ م