مؤشرات و براهين على انتصار المقاومة العراقية

 
 
 

شبكة المنصور

نبيل ابراهيم

إن التشكيك بالمقاومة العراقية الباسلة وبكل تضحياتها من قبل المحتل وأعوانه هو الدليل الأكيد على فشل المحتل وفشل أعوانه من تغيير الواقع العراقي فبين الحين والآخر تخرج علينا أصوات وأقلام تشكك في قدرة المقاومة العراقية وتشكك في انتصارها ممجدة بقوة أمريكا العظمى والغير قابلة للهزيمة محاولة أن تبث روح الهزيمة و مبدأ الخضوع والخذلان بين عقول البسطاء من أبناء الشعب العراقي والعربي

 

فكلما لاحت في الأفق هزيمة أمريكا في العراق نرى ارتفاع عويل وصيحات هؤلاء تارة بشيطنة البعث ورجاله ومقاومته وتارة أخرى باتهام المقاومة بأعمال قتل المدنيين و لأثبات كذب هؤلاء وكذب افتراءاتهم بحق المقاومة العراقية سوف أتحدث وبالوقائع والحقائق والأرقام والتي صدرت من مراكز بحوث ودراسات أمريكية سواء الحكومية  الرسمية منها أو المدنية أو التي صدرت من مراكز استطلاع أمريكية التي تفضح حقيقة حجم الخسائر الأمريكية بفعل ضربات المقاومة العراقية .

 

لا يخفى على أحد أن الخسائر المادية والبشرية التي منيت بها قوات الاحتلال الأمريكي في عراقنا الأبي كانت السبب الرئيس في انهيار الاقتصاد الأمريكي الذي يشكل عصب القوة في الولايات المتحدة الأمريكية وأساس مكانتها على قمة الهرم الاقتصادي والسياسي الدولي .

 

فبالرغم من أن الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة الديمقراطيين ومتمثلة برئيسها الجديد اوباما قد حسمت أمرها وحسمت خيارها في الانسحاب من العراق بناءا على الخسائر والهزائم والضربات الموجعة التي تتلقاها يوميا من فصائل المقاومة العراقية, إلا انه ما زال هناك تناقضا كبيرا بين حجم الخسائر(أعداد القتلى والجرحى والخسائر بالآليات والمعدات) المعلنة من قبل البنتاغون مقارنة مع الحجم الحقيقي لتلك الخسائر والتي تشير إليها الكثير من المصادر الأمريكية المحايدة والمستقلة والتي أدركت منذ وقت مبكر حجم هذه الخسائر, بالرغم من أن الأعلام الحربي الأمريكي كان يلجأ وكتقليد منذ هزيمة فيتنام على التقليل من حجم الخسائر الحقيقية المعلنة لاعتبارات تخص رأي الشارع الأمريكي ودرجة تأثير ذلك على عملية صنع القرار السياسي وبالتالي التأثير على خطط تمويل الحروب التي عادة ما يتحملها دافع الضرائب الأمريكي بالإضافة إلى عامل التأثير السلبي على معنويات الجندي الأمريكي المتواجد في الميدان, ففي منتصف الستينيات كان حجم الخسائر المعلنة من قبل الجيش الأمريكي لا يتجاوز البضعة آلاف قتلى من جنوده في فيتنام وما لبث أن تسربت الأرقام الحقيقية التي وصلت إلى أكثر من ثلاثين ألف قتيل وسرعان ما أطاحت هذه الخسائر بالرئيس الأميركي آنذاك جونسون  وفي العراق وحالما انبثقت المقاومة العراقية وتصاعدت عملياتها، حاولت إدارة الاحتلال منذ البداية التقليل من شأن هذه المقاومة والتعتيم على حجم خسائرها بحجة عدم إعطاء العدو "المقاومة" انطباعا بأنها تحقق انتصارات.

 

أن الأسلوب الذي تمارسه الإدارة الأميركية للتحكم في الرأي العام يتمثل في السيطرة والتوجيه لأسطول الإعلام العالمي الذي تتحكم فيه، فضلا عن ممارسة الضغوط ترهيبا وترغيبا على بقية وسائل الإعلام الداخلية والخارجية, غير أن امتداد فترة الصراع وتراكم نعوش الجنود وأعداد الجرحى والمنتحرين، وتجاوز كلفة الحرب الحدود القصوى دفع بالكثير من الباحثين واللجان المستقلة الأميركية إلى السعي لكشف الحقائق العميقة للخسائر الأميركية بعيدا عن سياسة التعتيم والتضليل التي ينتهجها البنتاغون. و رغم إصرار الإدارة الأمريكية على ترويج الأرقام الرسمية التي تعلنها والتي تجاوزت لحد الآن الأربعة آلاف  قتيل ( حسب الرقم الرسمي المعلن) , ورغم معرفة الجميع أن هذا الرقم لا يمثل ولا يشمل الشركات الأمنية الخاصة ولا المرتزقة التي تم التعاقد معهم ولا يشمل من تعاقد مع الجيش الأمريكي لغرض الحصول على الإقامة الدائمة أو لغرض الحصول على الجنسية الأمريكية وكذلك لا يشمل عشرات الشركات الآسيوية والهندية وأيضا لا يشمل السجناء والمحكومين من دول أمريكا اللاتينية والتي تعاقد الجيش الأمريكي مع حكومات تلك الدول لاستغلال هؤلاء المحكومين وأيضا لا تشمل جيش من المقاولين والمرتزقة من شتى بقاع العالم .

 

الخسائر في الأرواح

 

طبقا لعدد الجرحى المسجلين لأغراض الرعاية والتعويض في وزارة المحاربين القدامى وهي ارقام رسمية لا يمكن الشك في صحتها فأن عدد الجرحى يبلغ 224 ألف جريح  للفترة من عام 2003 والى نهاية عام 2008 , وهذا الرقم يمثل الجرحى من منتسبي الجيش الأمريكي ولا يشمل المتعاقدين مع الجيش الأمريكي من باقي الجنسيات بغرض الحصول على الجنسية أو الدراسة ولا يشمل الآسيويون ولا غيرهم .

 

ولو أخذنا المعدل والنسبة المعمول بها وفق معايير وزارة المحاربين القدامى والتي تم التوصل إليها وهي قتيل واحد مقابل كل سبعة جرحى، وطبقا لعدد الجرحى المسجلين لأغراض الرعاية والتعويض في وزارة المحاربين القدامى البالغ عددهم 224 ألف جريح، فبقسمة هذا الرقم على نسبة الجرحى إلى القتلى يمكن التعرف على عدد القتلى الحقيقي وهو 32000 (32 ألف جندي قتيل).  وعند إضافة 300 جندي أميركي قتيل خلال فترة الاجتياح لغاية نيسان 2003 وكذلك قتلى مرتزقة الشركات الأمنية البالغ عددهم 1315، سيكون الرقم الإجمالي لقتلى الجيش الأميركي في العراق33615 قتيل حتى 2008، في حين لا تتوفر مصادر دقيقة لإحصاء عدد القتلى الذين قضوا "في حوادث غير قتالية" والمنتحرين أو عدد الجرحى الذين ماتوا في المستشفيات الألمانية أو في الطريق إليها والذين عادة لا يحسبون ضمن أعداد القتلى الرسمية. هذا يعني ان معدل أعداد القتلى الأمريكان من غير المرتزقة ومن غير المتعاقدين يبلغ 19 جندي أمريكي يوميا بينما يبلغ أعداد المعدل اليومي للجرحى وحسب الأرقام المعلنة بحدود 130 جريح أمريكي  في اليوم الواحد .

 

كذلك تم التوصل إلى هذه الحقائق من خلال جملة من الإحصائيات الأميركية ذات الصلة الصادرة والمنشورة من قبل لجان ومراجع أميركية مستقلة ومعتمدة.ولعل في مقدمة هذه المصادر تقرير لجنة بيكر هاملتون وهو أول تقرير أميركي تضعه لجنة مستقلة من الكونغرس استعانت بـ183 خبيرا عسكريا ومدنيا، وتعترف لأول مرة بأن معدل الهجمات في أكتوبر/ تشرين الأول 2006 قد بلغ 180 هجوما يوميا وبواقع 102 قتيل في نفس الشهر.

 

كما إن الناطقة الإعلامية باسم المستشفى العسكري التابع للاحتلال في ألمانيا عقبت على استقبال عدد الجرحى في تلك المعارك التي جرت في الفلوجة بالقول إن "المستشفى كان يستقبل يومياً ما بين أكثر من سبعين إلى مئة إصابة يومياً في تلك الفترة بينما كان يستقبل في السابق ما معدله 35 إصابة في اليوم" .

 

يأتي تقرير أميركي آخر لا يقل خطورة ليشير إلى الحجم الحقيقي للخسائر، وهو تقرير مكتب المحاسبة الأميركي الصادر بتأريخ 23 يوليو/ تموز 2008 لتقييم الحرب على العراق، ليكشف رسميا ولأول مرة عن إجمالي عدد الهجمات التي نفذتها المقاومة العراقية بـ164 ألف عملية قتالية مسجلة تحت وصف (مهمة وعنيفة) مع إشارة في نفس التقرير إلى أن هذه الأرقام لم تشمل الهجمات شرق وجنوب البلاد.

 

الخسائر المادية

 

الخسائر المادية التي منيت بها أمريكا جراء احتلالها للعراق و جراء ضربات المقاومة العراقية فحدث ولا حرج حيث من المعلوم أن الخسائر المادية لا تقل خطورة في حسابات الكلفة أن لم تكن اكثر أهمية خصوصا في بلد مثل أمريكا حيث تعتمد سياسة تمويل الحروب فيها على حسابات الربح والخسارة وتشير الأرقام الرسمية أن كلفة الحرب عام 2003 بلغت بحدود أربعة ونصف مليار دولار أمريكي شهريا ارتفعت بشكل مضطرد لتصل إلى 12 مليار دولار شهريا عام 2008 وبلغت القيمة الإجمالية لاحتلال العراق طبقا للمصادر الأميركية وفي مقدمتها تقرير اللجنة الاقتصادية المشتركة التابعة للكونغرس الأميركي، وكذلك الدراسة التي نشرها كل من البروفيسور جوزيف ستيغليتز عالم الاقتصاد الحائز على جائزة نوبل، والدكتورة ليندا بيلميز الأستاذة في جامعة كولومبيا، واعتمدا فيها على عشرات الوثائق الرسمية وبمعاونة جمعية المحاربين القدامى التي يسرت لهم هذه الوثائق، حيث توصلا إلى أن كلفة احتلال العراق بلغت 1.8 تريليون دولار، حيث تتضمن الكلفة المخصصة رسميا لتغطية العمليات ومنها أجور العنصر البشري بفئتيهم الجنود والمرتزقة إضافة إلى كلف العتاد الحربي والمعدات العسكرية (الدبابات ومركبات القتال المصفحة والشاحنات والطوافات وطائرات القتال) التي أصبح 50% منها خارج الخدمة والبقية بحاجة إلى إعادة تأهيل أو صيانة لمدة خمس سنين، كما يشير إلى ذلك تقرير بيكر هاملتون في توصيته رقم 48, و تتضمن هذه الكلفة نفقات الرعاية الصحية للجنود المصابين، وكذلك فوائد الديون التي استدانتها الإدارة الأميركية لتمويل الحرب خارج الميزانية المقررة.

 

إن هذه الأرقام بالتأكيد هي ليست مطلقة ونهائية كما إنها بالتأكيد ليست من استنتاجات الكاتب ، ولكنها أرقام أولية تم التوصل إليها من خلال الاعتماد بصورة تامة على المصادر الأميركية حصرا، وتمثل هذه النتائج الحد الأدنى, كما انه لم يتم التطرق إلى الخسائر غير المنظورة المتعلقة بانهيار معنويات الجيش الأميركي وارتفاع معدل الكراهية للولايات المتحدة في العالم وتهاوي مصداقيتها حول الديمقراطية وتدهور هيبتها ومكانتها على المستوى الدولي، إضافة إلى ارتفاع معدلات البطالة والعجز والمديونية، وكما كان متوقعا فقد أعلنت الإدارة الجديدة سحب جنودها من المدن، في محاولة لتقليل حجم الخسائر الحقيقية البشرية والمادية التي تكبدتها القوات الغازية في العراق.

 

تدهور معنويات الجنود الأمريكان وزيادة حالات الانتحار

 

في أحدث تقرير أميركي حول موضوع انتحار الجنود صدر يوم 4/2/2008 قالت مصادر عسكرية مطلعة إن الدراسات الحالية تشير إلى وجود رقم قياسي غير مسبوق على صعيد انتحار الجنود في الخدمة الفعلية، إذ يعتقد أن العدد في العام الحالي 2008 يقارب 121 حالة، 89 منهم ثبت انتحارهم، بينما لا يزال التحقيق جاريا لمعرفة مصير 32 حالة أخرى.وذكرت الأرقام الرسمية أن العام 2007 وحده شهد قرابة 2100 حادث قام خلاله الجنود بالانتحار أو محاولة الانتحار، ما يعني ارتفاعا مخيفا بنسبة 20% مقارنة بالعام 2006، وأكثر بست مرات مما كان عليه الحال قبيل غزو العراق، حين سجل العام 2002 نحو 350 حالة فقط , عدد من حاولوا الانتحار في 2006 بلغ قرابة 2000 جندي، في حين أن عدد من تأكد انتحارهم بلغ 102، أي ضعف عدد من انتحروا في العام 2001 سنة شروع الولايات المتحدة في حملتها العالمية على ما يسمى الإرهاب. لقد وصل معدل نسبة الانتحار بين الجنود مع نهاية 2006 إلى 17.5% لكل 100 ألف جندي، أي الارتفاع بنسبة 12.8% مقارنة مع 2005 الذي سجل انتحار 87 جنديا، أي بمعدل 1.30 لكل 10 آلاف.

 

 في عام  2004بلغ عدد الجنود المنتحرين 67 جنديا (1.10% لكل 10 آلاف جندي)، بينما شهد العام 2003انتحار 79 جنديا، وهو في المعدل ما يساوي 12.4% لكل 100 ألف. و من وجهة نظر العاملين في المؤسسة العسكرية الأميركية فإن معدلات الانتحار خلال السنوات الماضية وصلت مستويات لم يشهدها الجيش الأميركي منذ أكثر من ربع قرن. وقد عبرت الأخصائية النفسانية في الجيش الأميركي العقيدة إليزابيث كامرون ريتشي عن ذلك بقولها "إن محاولات الانتحار زادت كثيرا في غضون السنوات الخمس الماضية.. وإن ظاهرة الانتحار ومحاولة الانتحار تتزايد رغم الأشياء الكثيرة التي يعمل عليها لتقليل معدلات الانتحار". وفي دراسة لها حول الانتحار في صفوف الجيش، كشفت عن حقيقة مفادها أن برامج مكافحة الانتحار لم تكن مصممة لمجابهة مثل تلك الأوضاع التي يواجهها الجنود الأميركيون الذين يخوضون حروبا حقيقية خارج البلاد لأشهر طويلة. وقالتها بصراحة إن "الانتحار مؤشر على حجم ومستوى الإرهاق الذي أصاب القوات الأميركية.. وإن عائلات الجنود أضحت متعبة". وكشفت كذلك عن حقيقة مفادها أن معظم من انتحروا من الجنود هم من الشبان الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاما، مع الإقرار بارتفاع ظاهرة الانتحار لدى من هم أكبر سنا، وبين المجندات إذ انتحرت 11 منهن فقط عام 2006، وهو ما اعتبرته ريتشي "العدد الأكبر في وسط المجندات المنتحرات على الإطلاق". وهذا ما دفع السيناتور جيم ويب إلى التقدم بمشروع قرار إلى الكونغرس بهدف تعزيز برنامج الوقاية من الانتحار في صفوف الجيش، وقال في بيان مكتوب "إن قواتنا وأسرهم تمر بفترة غير مسبوقة من التوتر بسبب نسق عمليات الانتشار في غضون السنوات الخمس السابقة". وهذا ما دفع السيناتور باتي موري كذلك إلى المطالبة بزيادة حجم المساعدة المالية للعسكريين العائدين من جبهات القتال، لتعزيز قدراتهم وما يضمن لهم من توفير العلاج اللازم لصحتهم النفسية

 

لقد وضعت عدة برامج مهنية لتحديد الجنود الذين لديهم نزعة إلى الانتحار، وإحالتهم إلى خبراء الصحة النفسية لمساعدتهم على تجاوز الضغوط التي تخلفها الخدمة العسكرية في العراق , وقد قام فريق من الأطباء النفسيين والأخصائيين الإكلينيكيين بدراسة ظاهرة الانتحار وتقييم الموقف  للقوات الأميركية للسيطرة على هذه الظاهرة الخطرة. وكخطوة تنفيذية تمت مقابلة 700 جندي من العاملين في العراق ودراسة حالاتهم، ثم تبع ذلك تسريح 478 جنديا في أول خمسة أشهر من بداية العمل الطبي النفسي مع الجنود، وذلك لأسباب واعتبارات طبية ونفسية. وفي مواقف أخرى تمت إعادة 1919 جنديا إلى الخدمة العسكرية في العراق من أصل 2000 ممن خضعوا للعلاج، وتم ترحيل الباقي إلى أميركا لأن حالتهم حرجة لما يعانونه من أمراض نفسية حادة ومزمنة.

 

وأقرت إحدى الدراسات التي قام بها خبراء نفسيون عاملون في صفوف الجيش الأميركي في العراق ، أجريت على عينة حجمها 6100 من الجنود ومشاة البحرية، أن ما بين 15 و20% من هذه القوات يعاني أفرادها من أعراض نفسية قد تدفع في أي لحظة ضعف إلى الانتحار. وكشفت الدراسة نفسها عن حقيقة مفادها أن الجنود يخفون أعراضهم النفسية بنسبة50% خوفاً من الإضرار بمستقبلهم في الجيش، وأن 65% منهم لا يريدون الظهور بمظهر الضعيف، و63% همهم الإبقاء على معاملة قادتهم الحسنة لهم، ولو على حساب الإقرار باضطرابهم النفسي.

 

نجاح المقاومة العراقية في عدم اختراقها

أن القوات الأميركية والعراقية الموالية لها وقعتا ضحية خداع وتضليل فصائل المقاومة العراقية عن طريق تسريب معلومات مضللة إلى الاستخبارات العسكرية كميزة من ميزات حرب العصابات، حيث تتوفر لها مصادر أوسع للمعلومات عن قوة الخصم. ويعني هذا أن هدف "فصائل المقاومة العراقية" يتحقق باستنزاف مجهود القوات الأمريكية والتأثير على استعدادها النفسي لخوض القتال وزعزعة ثقة الجنود بقيادتهم وخططها التي تستند إلى معلومات غير مؤكدة كهدف أول، وصرف الأنظار عن اتجاه الضربة الحقيقية كهدف آخر مثال على ذلك العملية التي تعتبر نوعية في أسلوبها وسرعتها ونتائجها من خلال الهجوم المباغت على مركز الشرطة والمحكمة في قضاء المقدادية بمحافظة ديالى التي تمخض عنها قتل عدد من رجال الشرطة وإطلاق سراح أكثر من 30 سجينا. وهذا يعني أن "المقاومة العراقية" قد نجحت في تحقيق أهدافها الحالية على الأقل جدير بالذكر ان ماوتسي تونغ واضع أسس حرب العصابات،كان قد شبه رجال حرب العصابات بالسمك، ويشبه الشعب بالبحر الذي يسبح فيه السمك. أن عدم وجود معلومات كافية لدى قوات الاحتلال عن وجود وأنشطة وحجم المقاومة العراقية يدفعها لاستخدام تكتيك الاستطلاع القتالي، كأحد الأساليب لمعرفة القوة الحقيقية "للمقاومة" واختبار ردود فعلها على الهجوم المفاجئ بالقوات المنقولة جوا "المجوقلة" ولإخراج القوات النظامية من حالة الترقب والانتظار المنهكة للحالتين النفسية والجسمية ويبدو من الناحية العملية أن الاستطلاع القتالي الأمريكي قد أخفق في تحقيق هدفه إذ لم تجر مواجهات ذات شأن حتى الآن في مسرح العمليات المعلن عنه باستثناء اعتقال المدنيين الأبرياء وزجهم بالسجون التي أوجدها الاحتلال الأمريكي .

 

وقد أثبتت المواجهات السابقة واللاحقة أن القوات غير النظامية تستند إلى حرية حركة في اختيار الزمان والمكان والهدف وأسلوب المواجهة وإلى مقدرتها على التضليل والانتشار والخداع وتوريط القوات النظامية في معارك جانبية ربما تحول أنظارها عن معارك رئيسية تستنزف في الحالتين قواها ومجهوداتها وتؤثر على استعدادها النفسي والقتالي.  ولذلك فإن المواجهة غير المتكافئة بين القوات الأميركية من جهة، و فصائل المقاومة العراقية  من جهة ثانية لا يعتمد حسمها على التفوق في القوى والوسائط والتسليح بل يعتمد إلى حد بعيد على الحسم بين قوى تملك الإيمان بتحرير العراق  وقوى تملك السلاح والمقدرة على البطش. وقد أشار الجنرال الفيتنامي جياب ومن قبله ماوتسي تونغ إلى هذا الأسلوب عندما قال "إذا لجأ العدو إلى تجميع قواته ألجأ إلى نشر قواتي، وإذا لجأ إلى نشر قواته ألجأ إلى تجميع قواتي".

 

نهاية البعبع الأمريكي

في نهاية التسعينات من القرن الماضي ولحد قبل احتلال العراق كانت الولايات المتحدة تملك 25% من الناتج القومي في العالم، وتصدر إلى العالم منتجات زراعية بقيمة 50 مليار دولار، ومن الآلات التكنولوجية العالية الدقة بقيمة 150 مليار دولار، وتتحكم بحوالي 73% من الصادرات المعلوماتية، وحوالي 75% من مبيعات الصناعات الفضائية والطيران المدني والعسكري، و80% من الصور المبثوثة في العالم -تمثل الأفلام الأميركية 75% مما يعرض في دور السينما- و90% من الإنترنت، و30% من الإنفاق العسكري العالمي.

 

أما الآن وبعد مرور ست سنوات من احتلال العراق تكشف دراسات أن "الديون الخارجية للولايات المتحدة الأميركية تبلغ حوالي أربعة تريليونات دولار، ويعاني الاقتصاد الأميركي من تزايد مديونية الأفراد، وتباطؤ سرعة نمو دخل الفرد، وارتفاع البطالة، وانخفاض سرعة الإنتاجية عنها في اليابان في أوروبا، وتردي مستويات الخدمات الصحية والتعليمية، وتراجع ملحوظ أمام دول أخرى في مجال التعليم والبحث العلمي، حيث انحصرت نسبة العلميين والفنيين فيها في 55 لكل ألف من السكان الأميركيين مقابل 129 في السويد وهولندا و257 في كندا و317 في اليابان. ومن نقاط الضعف التي تهدد الولايات المتحدة الفجوة الداخلية بين الأغنياء والفقراء، فتذكر دراسات بهذا الشأن ان 60 مليون مواطن أميركي اي خمس السكان- لا يتمتعون بالتأمين الصحي، ويهيمن 10% من السكان على 70% من الاقتصاد الأميركي، ومن بين هؤلاء الأغنياء توجد أقلية أخرى تساوي 1% تسيطر على 40% من الاقتصاد،.

 

الولايات المتحدة كما ظهرت في العراق، تواجه مرحلة من الإعياء والعزلة، فكما كانت قادرة على تحدي العالم، والخوض في حرب غير مبررة، فإنها تبدو وحيدة تواجه قدرها ومستقبلها، لقد استيقظت بعد ست سنوات على مرحلة من الإعياء والفشل والإحباط .

 

حقيقة الانسحاب الأميركي من مدن العراق

بغض النظر عما إذا كان الحديث عن الانسحاب الى خارج المدن خطوة تكتيكية أم حقيقة واقعة, فلا بد من وجود عدة عوامل دفعت الإدارة الأميركية لاتخاذها ، ومنها:

 

ـ دور المقاومة العراقية التاريخي في إلحاق خسائر جسيمة بالمحتل الأميركي وجيشه والتي أصبحت تبدو للاحتلال الأميركي غير قابلة للتطويق عبر الوسائل التقليدية التي يتم اللجوء إليها في الحروب, وبقاء أعداد قوات المقاومة العراقية مجهولا رغم قيام قوات التحالف الأميركي  بزج مئات الآلاف من العراقيين من الذين تشتبه أمريكا بكونهم من عناصر من المقاومة .

 

- ارتفاع التكلفة المادية والبشرية للوجود الأميركي في العراق دون ظهور أي معالم واضحة لنهاية لها، فقد ذكر تقرير بعنوان "المستنقع العراقي.. التكاليف المتزايدة للحرب ومسألة إعادة القوات إلى الوطن" يقع في 84 صفحة ونشر يوم 31/08/2005, أن تكاليف الحرب على العراق باتت قريبة من 700 مليار دولار, بينما كلفت الحرب على فيتنام دافع الضرائب الأميركي 600 مليار دولار بأسعار اليوم

 

ـ ضغط تكاليف الحرب على الاقتصاد الأميركي، ففي أغسطس/آب 2005 توقع مكتب ميزانية الكونغرس أن من شأن تكلفة الحرب المستمرة في العراق وأفغانستان بالمستويات الحالية أن تضاعف تقريبا العجز المتوقع للميزانية الاتحادية في السنوات العشر القادمة وإذا ما وزعنا هذه التكلفة على الأشخاص في الولايات المتحدة فإن الدين على الشخص الواحد يصبح بكلفة 727 دولارا على الفرد، ما يجعل حرب العراق العمل العسكري الأكثر كلفة في السنوات الـ60 الأخيرة.

 

ـ استنزاف الجيش الأميركي والاحتياط بالكامل، فمنذ العام 2001 نشر الجيش الأميركي أكثر من مليون جندي لحربي العراق وأفغانستان مع نحو 341 ألفا أو الثلث يخدمون نوبتي عمل أو أكثر. ويخدم في العراق حاليا نحو 48 ألفا من أعضاء الحرس الوطني والاحتياطي, وهم يشكلون نحو 35% من حجم القوات الأميركية الكلية في العراق, ما يعني أن العمق الأميركي بات يعاني مشاكل استنزاف أمنية عالية بالإضافة إلى أن جميع الوحدات قد أنهكت قواها ولم تعد قادرة على العمل في هذه الظروف وبحاجة إلى إعادة تهيئة وتأهيل بعد راحة طويلة .

 

مؤشرات أخرى حول هزيمة قوات الاحتلال الأمريكي

 

1 ـ التسريبات الجديدة للإدارة الأمريكية الجديدة لوسائل الإعلام من إن الأمر (أي غزو العراق وتدميره شعبا وارضا) كان بحكم هيمنة و إرادة أشخاص معينين هم بوش و دك تشيني ورامسفيلد وكونديزا رايس وكولن باول و آخرين ممن أسموهم المحافظون الجدد في محاولة لإظهار الأمر قضية ليست ذات علاقة بالمنهج الأمريكي بل المنهج الإمبريالي الصهيوني كله، ومحاولة تجميل صورة أمريكا من خلال الخطاب الأمريكي الجديد بلسان رئيسها و إدارتها الجديدة وانتقادها للسياسة الأمريكية السابقة وتلميحاتها بأنها تتحمل تبعات الوضع السياسي والاقتصادي المتردي في امريكا والعالم

 

2 ـ نتائج الانتخابات الأمريكية أعطت دليلا واضحا على فشل مشروع المحافظين الجدد في العالم

وانتصار المقاومة العراقية فبدون هذا الانتصار فأن نتائج الانتخابات كانت بلا شك ستكون لصالح الجمهوريين لو أن خطط المحافظين الجدد سارت كما خططت لها إدارة بوش، ولو أنها حققت جزءا  بسيطا من النجاح في العراق , إن صمود الشعب العراقي وإصراره على المقاومة كان له الدور الرئيسي في إسقاط الجمهوريين في الانتخابات الأمريكية، فخلال ست سنوات  من الاحتلال لم يستطع بوش وإدارته تحقيق الحد الأدنى من مشروع المحافظين الجدد في العراق ،والمتتبع للخطط والاستراتيجيات التي تبنتها إدارة بوش في العراق يرى وبشكل واضح الفشل الذي منيت به هذه الخطط والاستراتيجيات، وأخرها الإستراتيجية الرابعة  التي أطلق عليها ( الطريق الجديد - إلى أمام)، التي كان من المفروض الانتهاء منها في نهاية شهر تموز الماضي

 

لقد كان العراق حاضرا وبقوة في الدعاية الانتخابية لكلا المرشحين ،فماكين وعد ناخبيه بوجود قد يستمر مائة عام في العراق، و اوباما تكلم عن خطط للانسحاب من العراق في حال فوزه، ونتائج التصويت دلت على رغبة الشارع الأمريكي بوضع حد لمأساتهم في العراق ,أن المقاومة العراقية أدركت هذا الأمر ، وتعمل لوضع الخطط للتعامل مع مرحلة ما بعد بوش، ولنا في صمودها وبطولاتها الرائعة خلال السنوات الماضية أملا في استمرار العطاء حتى تحرير كامل التراب العراقي

 

3 ـ نشرت صحيفة الواشنطن بوست يوم 17/ 4 / 2008 إن مؤسسة راند ( Rand Corporation ) وهي من أهم مراكز البحوث والدراسات الاستراتيجية في الولايات المتحدة جاء فيها :إن 300,000 جندي أمريكي شارك في الحرب على العراق يعانون من اضطرابات نفسية وكآبة شديدة و إن 320,000 جندي أمريكي آخر يعاني من دمار شديد في المخ نتيجة الخدمة العسكرية في العراق, كما ذكرت نفس المؤسسة  إن الولايات المتحدة دخلت العراق وفي ميزانيتها وفر احتياطي بمقدار  ترليون دولار, أما الوضع اليوم فهو عجز مالي بمقدار يقارب  4 ترليون دولار  والأسوأ قادم .

4 ـ فشل مشروع الولايات المتحدة " الشرق الأوسط الجديد " فشلا ذريعاً, وكان كولن باول وزير خارجية الولايات المتحدة قد هدد جميع الدول به عام 2003 وأعلنت به كذلك كوندوليزا رايس وبكل صفاقة في حينه

 

5 ـ برغم ادعاء الإدارة الأمريكية الجديدة بالانسحاب المسؤول من العراق وتسليم عملاء المنطقة الخضراء مقاليد الأمور فإنها عززت وجودها العسكري عبر إرسال 22000 عسكري جديد الى العراق تعويضا لخسائرها الكبيرة التي لا تعلنها في العراق .

 

و أخيرا لا يسعني سوى القول أن الصولات الجهادية لأبطال ومجاهدي المقاومة العراقية لم تفرز انتصارات عسكرية ميدانية فحسب بل أفرزت حقائق ثمينة تخص كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتشمل العراق والوطن العربي وكل العالم كما تتعلق بعملية الفرز داخل صفوف الأعداء والأصدقاء , وان هزيمة أمريكا في العراق بات أمرا حتميا وبات تحرير العراق قاب قوسين أو أدنى .

 

تحية لابطال ومجاهدي المقاومة العراقية الباسلة بكل فصائلها وصنوفها و مسمياتها

الرحمة والخلود لشهداء العراق و مقاومته وفي مقدمتهم شهيد الحج الأكبر صدام حسين رحمه الله

الحرية لاسرانا في سجون الاحتلال

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاثنين  / ٠٥ شعبــان ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢٧ / تمــوز / ٢٠٠٩ م