إنه أقل من خاتم في اصبع الرئيس مبارك !
 أما آن للشيخ طنطاوي أن يهتم بأزهره  ؟

 
 

شبكة المنصور

نبيل أبو جعفر

هل إنعدم وجود الساسة ورجال التسويات ودعاة التطبيع مع الكيان الصهيوني، حتى يُصرّ شيخ الأزهر محمد سيّد طنطاوي على الهرولة إلى هذا الحدّ المزري، سعياً وراء الإلتقاء بقادة إسرائيل في الدعوات، والجلوس إلى جانبهم على طاولات الإستعراض الحواري أمام دول العالم وشعوبه ؟

 

للمرة الثانية خلال ثمانية شهور يُصّر طنطاوي – الذي لم يسمع بحصار غزة حسبما قال بلسانه ! – على الإلتقاء بشمعون بيريز على طاولة واحدة في مؤتمر الأديان الذي عُقد مطلع هذا الشهر في كازاخستان. وكلّنا يذكر تلك الصورة التي أظهرته وهو يصافحه بحرارة بالغة في المؤتمر المماثل الذي عقد على هامش قمة الأمم المتحدة بنيويورك في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، والضجّة التي أثارتها في سائر أرجاء العالمين العربي والإسلامي. ومع ذلك، خرج علينا طنطاوي يومها بأعذار أقبح من الذنب نفسه، محاولاً تبرير ما فعله ، وذهب به الحال إلى إنكار معرفته ببيريز، وإلى أنه هو الذي باغَتَهُ ومدّ يده للسلام عليه ، مع أن يدي الشيخ هما اللتان كانتا تطوّقان يده، وإلى أن هذه المصافحة لم تستغرق إلاّ ثوانٍ معدودات .. إلى آخر التبريرات التي زادت فعلته شناعة، وأوصلته بعد إفتضاحها أمام الجميع إلى النرفزة وركوب موجة التعالي في الكلام الإستهزائي بمن إنتقدوه، حسبما ورد في ردّه الإنفعالي وغير اللائق ولا العقلاني على أسئلة وجهها له مذيع الفضائية المصرية طالباً توضيح "فضيلته" لما حدث، فكان الحوار التالي ننقله – دون أي تدخّل – بنصّه وركاكته التي تكشف أي عقلية فظّة يتميّز بها شيخ الأزهر ، ومدى عناده وإصراره على صوابية خطئه الجسيم.

 

 

غرابة المنطق وفداحة الإدعاءات

سأله المذيع بداية عن الظروف التي جمعته ببيريز في مكان واحد، دون أن يدخل في تفاصيل ما حدث حتى لا ينرفزه ، فردّ عليه طنطاوي بوصف المكان والشخصيات المتواجدة حسب ترتيب جلوسها على المقاعد، مما يؤكّد أنه واعٍ لكل شيء، ويعرف جيداً ما فعل، ويُميّز بين هذا وذاك من الحاضرين، وأنه يعرف القديم منهم والجديد، كالرئيس اللبناني ميشيل سليمان الذي لم يمض على إنتخابه إلا بضعة شهور، وهو ما يفضح عدم مصداقية إدعائه بعدم معرفته لبيريز "الذي باغته" كما قال، مع أنه معروف للدنيا كلها منذ أكثر من خمسين عاماً، إن لم نقل منذ إنشاء الكيان الصهيوني قبل ستين عاماً من التقاء طنطاوي به!

 

قال شيخ الأزهر: "التربيزة اللي أنا مدعو عليها قاعد فيها خادم الحرمين وجَنْبي على يميني وزير الخارجية السعودي، وعلى شمالي رئيس وزراء قطر، وبعد مِنُّه اللَّي هُوَّ رئيس لبنان، وجَنْبُه أو جَنْب خادم الحرمين أمير الكويت... عادي جداً.."!

 

- سأله المذيع: بِتْرُد إيه على الإنتقادات التي يوجهها البعض لهذا اللقاء؟

· طنطاوي: لا، لا، لا. دُوْلْ أتْفَهُ من أن أردّ عليهم. أتْفَه من أن أردّ عليهم"!"

- المذيع: طيّب، كيف تنظر إلى الحصار اللّي فارضاه إسرائيل على غزّة في هذه الأيام؟

· طنطاوي: أنا لا أعرف أن هناك حصار على غزة، لا أعرف. أَللّهْ"!" دِي شُغلتي أنا كمان؟، ما تسأل رأي وزير الخارجية"!"

بعد ذلك على الفور وجد المذيع نفسه مضطراً لإنهاء الحديث عند هذا الحد، فشكر "فضيلته" وتمنى له عيداً مباركاً (كان ذلك عشية عيد الأضحى)!

 

التملّق والعجز

وللدقّة، لا بدّ من التنويه إلى أن سقطات شيخ الأزهر لا تقتصر على هذا الموضوع، ولا تقف عند حدّ، فقائمة مواقفه وبعض فتاويه المخجلة منذ القديم تكاد لا تُعّد ولا تُحصى، وإن ازدادت فظاعة ونشازاً في المرحلة الأخيرة. لعل أبسطها تنطُحه للمزايدة على نيكولا سركوزي بتأييد كلامه يوم زار القاهرة في 4 كانون الثاني/ ديسمبر 2007، وكان وقتها وزيراً لداخلية فرنسا، من أجل تخفيف حدّة الإعتراضات على قرار بلاده منع لبس الحجاب. ومع أنه قال في توضحيه للموضوع وللتخفيف من أثره، أن منع الحجاب يقتصر على المدارس فقط، وأنه يشمل منع حمل رموز الديانات الأخرى كالصليب ونجمة داوود، إلاّ أن طنطاوي لم يردّ عليه موضحاً – على سبيل المثال – أن الهلال هو الرمز الديني المشابه لرموز الديانات الأخرى، أما الحجاب فليس رمزاً... إنه فرض . بل قام بقراءة العبارة التالية المكتوبة له مسبقاً على ورقة: "... إذا أراد المسؤولون في دولة فرنسا مثلاً أن يُقرّروا قوانين تتعارض مع مسألة الحجاب بالنسبة للمرأة المسلمة، فهذا حقهم، هذا حقهم، هذا حقهم". فضجّت القاعة بالإعتراض، ومن بينهم عدد من المشايخ ورجال الدين الحاضرين. وقيل عن طنطاوي وموقفه ما لا يسرّ عدوّاً ولا صديقاً.

 

وبالعودة لإصرار الشيخ طنطاوي على توريط نفسه ومشيخة الأزهر بما لا يُشرّف أحداً من رجال الدين. قد يخرج علينا غداً مرة أخرى يُبرّر بلسانه الرخو وعباراته الناعسة – كالمعتاد – ما حدث على هامش مؤتمر حوار الأديان بكازاخستان، هذا إذا صدرت إليه الأوامر بذلك. وربما ينرفز من جديد ويتطاول على الحريصين عليه وعلى بلده وأمته !

 

الأزهر.. أزهران

وطالما أنه لا يستطيع تكرار إسطوانته القديمة بالقول أنه لا يعرف بيريز ولا يُميّز شكله، وقد فاجأه.. إلى آخر كل هذا الكلام المضحك الذي يريد أن يُقَولب من خلاله الدّين والدنيا على هواه وهوى من يُكلّفه بهذه المهمّات الخطيرة وهو الأرجح، بدليل وجود وزير الأوقاف محمود حمدي زقزوق معه في الوفد، ودفاعه عنه. وبدليل ذهابه في تأييد سركوزي إلى حدود أبعد مما قاله الرجل نفسه من خلال قراءة نص مكتوبٍ له!

 

أما إذا لم يؤمر بالرّد والتصدّي، حتى لا يزيد الطين بلّة فيوقع نفسه بما هو أكبر مما حصل، وقد وصفه زميلنا الصحافي والنائب القومي في مجلس الشعب مصطفى بكري بأنه "فضيحة بكل معنى الكلمة"، وطالب مع زملاء له بعزله من منصبه وإحالته للتحقيق.

 

إذا لم يُؤمر بذلك وآثر الصمت المطبق، فإن من المؤكد أن حالة الإنقسام التي سادت أوساط مؤسسة الأزهر على أثر تكرار شيخها لفعلته المدانة في المرة الأولى، ستستمر وتتصاعد بين الجالسين في حضن السلطة الموغلة في التطبيع مع الصهاينة، والخارجين عليها. وقد انعكس هذا الانقسام على ألسنة مشايخ هذه المؤسسة الدينية الأهم في مصر، الذين إنبرى بعضهم يُبرّر خطوة طنطاوي ويدّعي – كما يدّعي هو – أنه لا بدّ له من الحضور كي يستمع الى ما يقوله "الآخر"، ولا ينسحب من المكان المتواجد فيه، حتى يتمكن من معرفة ما يجري ويردّ عليه. فيما إنبرى بعض آخر يتساءل في ضوء هذا التبرير غير المقنع عن السبب الذي منع الشيخ طنطاوي من الرّد على بيريز، إذا كان صحيحاً ما يُقال أنه ذهب إلى هناك كي يرّد ويواجه! ولماذا – وهو أضعف الإيمان – لم يردّ على حاخام اسرائيل الذي أتى للمؤتمر وهو يحمل صورة الجندي الأسير جلعاد شاليط، متهماً الفلسطينيين بالإرهاب، ومطالباً بالإفراج عنه؟

 

هل عمل الحاخام يدخل ضمن إطار "حوار الأديان"؟ إذا كان كذلك، لماذا لم يتفوّه شيخنا بكلمة عن مسلسل العذابات والمجازر ونار جهنم التي نزلت على أهل غزة الصامدة؟

 

قصر نظر أم فهم أم ماذا؟

يصعب علينا القول، لكنه لا بدّ من القول أن من تجري في عروقه دماء عربية، ومن لديه شعور وطني وقدر من الإحساس الإنساني كباقي بني البشر، لا يجوز أن يواصل مثل هذه البهلوانيات، ويحشر أنفه في شؤون ملوّثي السياسة، لأن ذلك لا يليق بمطلق رجلٍ ولا إمرأة، فكيف برجل دين يتبوأ شؤون مؤسسة دينية عريقة، ولو أن عراقتها بدأت تخبو مع الأيام في عهد شيخها الحالي.

 

إذا كان الشيخ محمد سيد طنطاوي وبالمناسبة، يجب لفت الإنتباه هنا إلى أن الأنبا شنودة، بابا الأقباط في مصر لم يحضر يوماً أي لقاء مشابه، ولا اجتماع فيه ذرّة من الشبهات، ولم يسمح لأحد من رجال الدين في كنيسته بفعل ذلك، وما زال يمنع رعاياه من زيارة مدينة القدس، ما دامت تحت الإحتلال الصهيوني قصير نظر، وقاصر فهم – لا سمح الله – ولم يستوعب كل ما وُجّه إليه من هجوم وانتقادات، فلا ريب أن السلطات الرسمية المصرية هي المسؤولة، بل هي التي يروق لها مشاركته بالمزايدة عليها في توجهها التسووي التطبيعي، والإذلالي أيضاً. هذا إذا لم تكن – ولنقلها بكل صراحة – هي التي تدفعه وتصدر إليه التعليمات. فشيخنا كما نعرف أقل من خاتم في الإصبع الصغير للرئيس مبارك.

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاثنين  / ٢٧ رجــــب ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢٠ / تمــوز / ٢٠٠٩ م