يهود الخليج ( اللغم المستمر ) ... ونهب العراق بذريعة الفصل السابع

﴿ الجزء الأول

 
 

شبكة المنصور

نبيل إبراهيم

غايتنا الأساسية من كتابة هذا المقال هو لتوضيح ما يقوم به حكام الكويت من تجاوزات على عراقنا الحبيب بعد أن أصبح يرزح تحت نير الاحتلال الأمريكي الصهيوصفوي الذي تسانده مجموعة من العملاء والخونة من الذين قدموا خلف دبابة الاحتلال . هؤلاء الوافدون الذين آخر ما يفكرون به حماية هذا الوطن أو الدفاع عنه ضد ما يقوم به حكام الكويت وإيران من انتهاكات مفضوحة، فهؤلاء  الخونة الذين أصبحوا (قادة العراق الجديد!!)ممكن تشبيههم بأصنام الجاهلية – مع الفارق لأن الأصنام هذه لم تكن تؤذي أحدا- الذين لا يستطيعون الدفاع، ليس عن الوطن، وهو ليس وطنهم طبعا، ولكن حتى عن أنفسهم من الأمريكان والصهاينة لأنهم مجرد أصنام أو بيادق بيد أسيادهم .

 

بتأريخ 23تموز 1999 أطلق محمد حسني مبارك رئيس مصر مقولة ـ يهود الخليج على شيوخ الكويت ـ  ، وذلك بعد مقابلة له مع طارق عزيز حول ما تقوم به الكويت من تخفيض أسعار النفط بإغراقها السوق العالمي، والخسارة التي تطال مصر من جراء هذا العمل، والتي بلغت خلال أشهر أكثر من نصف مليار دولار. حينها قال حسني: وبالحرف الواحد "دول ولاد........ هم عندنا بيسموهم يهود الخليج". علما بأن مبارك كرر هذا الكلام عند آخر زيارة له للعراق أمام جميع أعضاء الوفدين المصري والعراقي .

 

ما دفعني للتذكير بهذه المقولة هو أفعال و ممارسات يهود الخليج تجاه العراق على وجه الخصوص وتجاه الأمة العربية على وجه العموم, فأعمالهم و أعمالهم تجاه العراق قبل و بعد الاحتلال الأمريكي الصهيوصفوي للعراق لم تعد خافية على أحد وبات القاصي والداني يعرف الدور الإجرامي الذي قام به يهود الخليج. لكنني أود قبل الخوض في تفاصيل الأعمال الإجرامية لهم أن نغوص معا قليلا في التاريخ القريب ونقرأ تاريخ واصل هؤلاء وكيف انشاؤوا إمارتهم وكيف سلخت من ارض العراق.

 

إن اسم الكويت تصغيرا لكلمة الكوت وهي تعني الحصن أو نقطة المراقبة للدفاع الذي قام أحد زعماء بني خالد و يدعى (محمد بن عريعر) بتأسيس ذلك الحصن في منتصف القرن السابع عشر . لا يعرف بالضبط  تأريخ تأسيس إمارة الكويت ، وإنما المعروف أن تاريخ الكويت المدون يبدأ بوصول قبيلة العتوب إلى سواحل الخليج . كانت قبيلة عنزة تنتمي إلى هذه القبيلة وكانت واحدة من أقوى قبائل نجد في شبه الجزيرة العربية، كان فرع  العتوب من قبيلة عنزة واحدا من الفروع ، وزعموا أن آل الصباح انتسبوا إليه ، على أن هذا الفرع (العتوب) لم ينشأ في الكويت أبدا وانما في  نجد وكان نشاطه مثل نشاط غيره يتمثل في  الإغارة على طرق القوافل أو حمايتها مقابل إتاوة ، حسب الظروف وما يستجد ، أما إتاوة أو مقابلها من بضائع و مواشي .

 

فرع  آل الصباح دخل في عراك مع غيره من فروع العتوب و عنزة ، وكان أن جرى  طرده من نجد وملاحقته خارجها ، فرحل بخيامه ومواشيه إلى الشمال إلى منطقة أم قصر في  العراق، وعاد من هناك يواصل الغارة على القوافل مما دعا الحاكم في ذلك الوقت باسم الوالي في  بغداد الممثل للخليفة العثماني في استنبول إلى طرد آل الصباح من أم قصر بسبب شكاوي الفلاحين وكان الرحيل من أم قصر أمرا حتميا لا بد منه ، ولكن هؤلاء الذين رحلوا لم يستطيعوا العودة إلى نجد بسبب الثأر القديم هناك ، فما كان منهم إلا أن توقفوا في منتصف الطريق بين البصرة ونجد . وفي عام 1895 ، اقترح الإنكليز على شيخ الكويت محمد الصباح إقامة علاقات تحالف معهم على غرار الإمارات الخليجية الأخرى ، فرفض الشيخ محمد مطامع بريطانيا .

 

في مايو 1896 ، اغتال الشيخ مبارك آل صباح أخويه الجراح ومحمد واغتصب العرش من الأخير . أثار وصول مبارك إلى الحكم نزاعاً مع يوسف  إبراهيم ، الذي لجأ إلى والي البصرة حمدي باشا فأيده في حق أبناء الشيخ محمد الصباح في أن يرثوا المشيخة . كانت المناوشات تتكرر بين أسرة الصباح وآل الرشيد من آن لآخر . وتطلع هؤلاء إلى احتلال الكويت كمنفذ على البحر يساعدهم على استيراد حاجاتهم وخاصة الأسلحة من الخارج دون رقيب . وتوقع الشيخ مبارك أنه في حالة حدوث نزاع بين آل رشيد والكويت ، فمن الأرجح أن يساند العثمانيون حلفاءهم من آل رشيد ولذلك ، طلب الشيخ مبارك حماية بريطانيا . ولكي يحمي نفسه من أولادهم وأتباعهم, الذين لجأوا للبصرة, وقَّع مع بريطانيا اتفاقية للحماية, في عام 1899

 

لكن أولاد أخيه, بمساندة من أنصارهم ومن السلطات العراقية في البصرة, قاموا بمحاولتين لاستعادة الكويت, في عامي 1901 و 1902. وعلى الرغم من فشل هاتين المحاولتين, إلاّ أن الحكومات العراقية المتعاقبة لم تقبل بالترتيبات البريطانية, خاصة اتفاقية الحماية التي أدت إلى انفصال الكويت عن العراق. وظهر التوتر في العلاقات بين العراق والكويت للمرة الثالثة في الثلاثينات من القرن العشرين, وبلغ قمته في عام 1938, عندما قاد الملك غازي حملة إعلامية ضد شيخ الكويت, أحمد الجابر. كذلك فإنه قد انتقد السياسات الاستعمارية البريطانية التي أدت إلى تقطيع أوصال الأمة العربية ومنعت وحدتها. أما الأزمة الرابعة, فحدثت على إثر انتهاء اتفاقية الحماية في 19 يونيو/حزيران 1961. فبعد ذلك بأربعة أيام, أعلن العراق نيته ضم الكويت. وخلال تلك الأزمات الأربعة, كانت بريطانيا موجودة لتكرِّس انفصال الكويت عن العراق .

 

كانت بريطانيا قد تعهدت (للشريف حسين) بان تكون الكويت جزء من البصرة وترفع حمايتها عنها بعد انتهاء الحرب كما ونصت على ذلك اتفاقية (سايكس بيكو) التي اعتبرت الكويت جزء من ولاية البصرة ولكن بريطانيا تنصلت من هذه الاتفاقيات جميعاً وحسب ما يتفق مع مصالحها. ولقد قامت محاولات من قبل أهل البصرة مثل محاولة (رجب النقيب) و(يوسف إبراهيم) بطرد عائلة الصباح بسبب محاولاتهم الانفصالية والإضرار بأهل البصرة ولكن القوات البريطانية منعتهم ودارت حروب بعد استنجاد عائلة الصباح بالحامية البريطانية في بوشهر. ولقد كان سور يحيط بالكويت يبلغ طوله 750 متراً فقط بحيث كانت عائلة الصباح مسؤولة فقط عما يحدث بداخله وكل ما يقع خارجه فهو من مسؤولية الحكومة الإدارية في البصرة!.

 

رواية مهمة توضح حدود الكويت: ذكرها مؤرخ كويتي وهو أبو حاكمة في كتابة المنشور في الكويت بعنوان ( من هنا بدأت الكويت ) ويعتبر هذا الكتاب من أهم المصادر التي ذكرت الوقائع والأحداث التاريخية التي حصلت في الكويت عبر سنوات تكوينها.

 

يذكر هذا الكاتب حادثة قتل لشخص بريطاني الجنسية، جرت عملية قتله خارج سور الكويت. واتهم في حينها بعملية القتل أحد أفراد أل الصباح. ولكن أل الصباح رفضوا الاعتراف بالجريمة مؤكدين بأن البريطاني قتل خارج سور الكويت، ولذا فعلى هذا الأساس تكون الجريمة وقعت فوق أرض عراقية وإن المسؤولية تبعا لذلك يتحملها الجانب العراقي. لأن مسؤولية آل الصباح تنحصر في الوقائع التي تحصل داخل سور الكويت فقط. ولهذا طلبوا من الحكومة العراقية دفع التعويض للحكومة البريطانية. علما بأن سور الكويت المذكور في تلك الواقعة كان طوله 750 متر فقط. أي يحدد المنطقة التي سكنوها في أواخر القرن الثامن عشر. بأنها تمت بعد تشكيل الحكومة العراقية أي بعد عام 1921أو بالأصح بعد عام 1924. كما نورد ما ذكره نفس الكاتب حول صرخة أهل الكويت الموجه إلى الملك غازي بن فيصل حيث ذكر أنه في أواسط عام 1929 ازدادت الاستغاثات بالملك غازي من فبل النواب الكويتيين الذين ذكروا في ندائهم "لا يمثل الكويتيون تمثيلا شرعيا غير نوابهم، نحن عراقيون لحما ودما، نحيا ونموت للراية الهاشمية. أيها الملك المقدس أيها الجيش الباسل صرخة من أعماق القلب فهل من قائل لبيك" كما خاطبته الجماهير الكويتية "تاريخنا يؤيد ضم الكويت للعراق فليسقط الاستبداد أيها الملك المحترم، أيها الجيش الشجاع صرخة من صميم القلب ألا يوجد من يقول أنا هنا ؟ أين العزيمة والشهامة والتعاطف يا غازي ساعد إخوتك في الكويت، ما هذا التهاون إن ظروفنا لا تقبلها حتى القرود".

 

في العام 1924 رئيس الوزراء العراقي آنذاك ياسين الهاشمي أكد على عائديه الكويت للعرق قائلا : " أن الأراضي العراقية التي كانت تحت ظل السيادة العثمانية يجب أن توحد الآن، لأن هذه المنطقة، وأعني بها ؛ منطقة شط العرب والخليج العربي ورأس الخليج، يجب أن تكون دولة واحدة، ويجب أن لا تكون هناك أية فواصل بين العراق وبين هذه المناطق."

 

جدير بالذكر أنه تم منح شيخ الكويت لقب قائم مقام  يعود إلى إطلاق لقب – القائم مقامية –على الكويت إلى عهد الشيخ عبد الله الثاني بن الشيخ صباح الثاني، الذي كان شيخ الكويت في الفترة 1866- 1892، كان الشيخ المذكور يدرك جيدا حقوق أهل البصرة في أرض الكويت، ويخشى غضبهم وغضب تركيا عليه إذا ما فرط بتلك الحقوق، وذلك عندما جهزت الدولة العثمانية جيشا عراقيا لاستعادة السيطرة على مدينة – الأحساء – العراقية والتي كان سعود بن فيصل يعمل على فصلها عن النجف وذلك عام 1865، ولذا بادر الشيخ المذكور بالاتصال بوالي بغداد آنذاك – مدحت باشا- الذي حكم العراق في الفترة من 1869- 1870 ليعرض عليه وضع الكويت تحت تصرف السلطات القائمة في العراق، وأن تكون الكويت قاعدة عسكرية تركية مقابل الحفاظ على المشيخة، وعلى هذا الأساس منح الشيخ لقب قائم مقام.

 

كانت اولى محاولات ضم الكويت واسترجاعها للعراق , هي المحاولة التي دعا اليها الملك غازي حينما تولى عرش العراق في 8 أيلول 1933 و تزامنت مع بداية تصاعد الحركة القومية في العراق والمناهضة للاستعمار البريطاني , ففي منتصف 1938 وحينما اصبح للملك غازي كتلة عسكرية في الجيش تسانده تطلعاته القومية صرح أمام بعض من مرافقيه المقربين من الضباط القوميين أن أولى أمنياته هي إعادة ضم الكويت إلى العراق , ومنذ ذلك الحين تحولت إذاعة  قصر الزهور التي كان يديرها فريق من القوميين العراقيين تحت إشرافه المباشر إلى منبر لمناصرة آرائه في القضايا العربية بصفة عامة ومسالة استرجاع الكويت بصفة خاصة وكان يذيع بنفسه أحيانا البيانات الوطنية والقومية من دون ذكر اسمه , ساندته الجرائد العراقية خصوصا تلك المعروفة بمناهضتها للاستعمار البريطاني . تحولت دعوة الملك غازي من الدعاية في الإذاعة والجرائد الى مطالبة رسمية عندما  حدث اتصال رسمي عراقي مع الحكومة البريطانية حول مسألة ضم الكويت للعراق بين وزير الخارجية العراقي آنذاك توفيق السعدي من جهة وبين السفير البريطاني لدى بغداد من جهة أخرى وكان ذلك في نيسان 1938 والذي اشار خلاله الوزير العراقي إلى أن الاتفاق البريطاني ـ العثماني عام 1913 اعترف بان الكويت لم تكن في اي وقت دولة مستقلة وانه بعد أن انتقلت السيادة على ولاية البصرة من الدولة العثمانية الى المملكة العراقية الحديثة فلا بد وان تشمل هذه السيادة الكويت ايضا , باعتبار الكويت من الاقضية التابعة للبصرة كما أن العراق لم يعترف بأي تغيير في مركزها.

 

رفضت بريطانيا المطلب العراقي وابلغت انها لا تقبل بمد السيادة العراقية الى الكويت و وجهت تحذيرا الى الحكومة العراقية من مغبة عمل عسكري ضد الكويت.

 

وفي مارس 1939، أزال العراقيون لوحة الإعلان التي كانت تشير إلى الحدود بالقرب من صفوان. وفي الشهر نفسه، وضع خصوم شيخ الكويت أحمد الجابر الذين كانوا يقيمون في العراق خطة تقضي بزحف عدد من السيارات المصفحة العراقية على الجهراء والاستيلاء عليها... وفي نفس الوقت استولت السلطات العراقية على بساتين النخيل التابعة لشيخ الكويت في الفاو , وقد فشلت المحاولة العراقية بعد مقتل الملك غازي في 3 نيسان 1939 واندلاع الحرب العالمية الثانية في ايلول من نفس العام وكان للدور البريطاني سبب رئيس في ذلك . وكان من دوافع العراقيين للمطالبة بضم الكويت، السعي لبناء ميناء شحن جاف بديل للبصرة في خليج الكويت، وبناء على اقتراح بريطاني تم اختيار موقع آخر في "أم قصر" الواقعة على خور الزبير: ولذلك، طالب العراقيون بتخلي الكويت للعراق عن جزيرتي وربة وبوبيان دون مقابل لتحقيق السيطرة الكاملة على مداخل ميناء "أم قصر" المتوخى إقامته.


وصرح وزير خارجية العراق في نوفمبر 1939 بأنه ما دامت الجزيرتان عديمتي الفائدة فإن الأمر لا يستلزم تقديم تعويض مقابل التخلي عنهما. وأن العراق في وضع يمكنه من المطالبة بالسيادة عليهما بل على كل الكويت بأكملها .

 

اشترطت بريطانيا على الدولة العراقية ضرورة تثبيت الحدود بين العراق والكويت قبيل استقلال العراق وقبوله عضوا في عصبة الامم في 3 تشرين اول   1932 واشترطت الموافقة مسبقا على تأكيد الحدود بينه وبين الكويت طبقا لاتفاقية 1913 فأبلغت بريطانيا شيخ الكويت بأن بريطانيا تعترف باعتبارها المنتدبة على العراق بالحدود التي يراها هو صحيحة بينه  وبين العراق واستقر راي الحكومة البريطانية في 18 نيسان 1932 على أن تكون التسوية على صورة تبادل مذكرات وتجنبا للاتصالات المباشرة بين الحكومة العراقية و شيخ الكويت الذي لا ترغب الحكومة البريطانية في أن يتصرف بشكل مستقل في المسائل الخارجية . في اواخر الثلاثينيات ازداد تشكيك العراق في شأن الرسائل المتبادلة بين شيوخ الكويت وبريطانيا من عام 1923 الى عام 1932 وحجة العراق في ذلك أن هذه الرسائل قد صدرت عن المسؤولين قبل حصول العراق على الاستقلال وقبل انضمامه الى عصبة الامم وعلى اساس أن الكويت كانت جزءا من الامبراطورية العثمانية فردت بريطانيا أن معاهدة سيفر الموقعة في 10 ايلول 1920 و معاهدة لوزان الموقعة في 24 تموز 1923 قد نصتا على تنازل تركيا عن الاراضي العربية كافة التي كانت تابعة لها ومن ضمنها الكويت .

 

خلال فترة الاربعينيات والخمسينيات حاولت بريطانيا بذل مساع للتوصل الى اتفاق الطرفين الكويتي والعراقي على اساس الرسائل المتبادلة في عام 1932 الا انها فشلت في محاولتها بسبب عدم وضوح التضاريس التي تشكل معالم الحدود فمثلا تدخلت بريطانيا ذات مرة لتقرر أن خط الحدود الذي يشكله وادي الباطن يتبع اعمق انخفاض في داخل هذا الوادي  وفسر كل طرف الفقرة الواردة في تعريف برسي كوكس الذي ادلي به عام 1923 والتي نصت على أن الحدود تمتد الى جنوب صفوان مباشرة تفسيرا يخالف تفسير الطرف الاخر وكانت بريطانيا تقول دائما بان خط الحدود يمتد على بعد ميل واحد الى الجنوب من اقصى نخلة جنوب صفوان , الا أن المشكلة هي أن عدد النخيل قد ازداد و ضاعت معالم تعليم الحدود السابقة التي وضعت في السنين الماضية .

 

في 14 شباط 1958 نشأ الاتحاد العربي الهاشمي بين العراق والاردن وكان نوري السعيد رئيس وزراء العراق آنذاك متحمسا لضم الكويت الى ذلك الاتحاد ومضى نوري السعيد في محاولة اقناع كل من الحكومةة البريطانية والولايات المتحدة الامريكية بان انضمام الكويت الى الاتحاد من شأنه مقاومة التسرب الشيوعي في المنطقة العربية وبادر الى تقديم اقتراح الى بريطانيا يقضي بأعلانها استقلال الكويت حتى تكون الامارة مؤهلة بوضعها المستقل للانضمام الى الاتحاد في الوقت نفسه عرض على بريطانيا أن تعقد مع الكويت معاهدة تمنحها بموجبها جميع الميزات التي كانت تتمتع بها في الكويت قبل اعلانها استقلالها حفاظا على مصالحها الاقتصادية , حاول نوري السعيد لتحقيق الهدف استغلال الخلافات بين الجمهورية العربية المتحدة وبين السعودية لكي يحصل على تأييد كل من امريكا والسعودية لمشروعه بعد أن اتسم الموقف البريطاني بالتحفظ والكثير من التردد.

 

وكان قد تقرر عقد اجتماع في لندن بتاريخ 20 تموز 1958 لتبادل وجهات النظر في هذا الامر بين العراق و بريطانيا ومن اجل ذلك اعدت الحكومة  العراقية مشروع اتفاقيتين الاولى تتعلق بدعم الكويت للاتحاد الهاشمي والثانية تتعلق بانضمامها الى ذلك الاتحاد كأمارة مستقلة لكن بريطانيا لم ترحب بهما خوفا على مصالح الخزانة البريطانية فيما استمر نوري السعيد بحث بريطانيا لدعم مشروعه ولهذا اقترحت بريطانيا عقد اجتماع بين مسؤولي العراق وبريطانيا لبحث المشاكل المعلقة فأعدت الحكومة العراقية مذكرة قدمها وزير خارجية الاتحاد الهاشمي توفيق السويدي بناء على توجيهات نوري السعيد طلب فيها

 

ـ منح الكويت الاستقلال ودخولها الاتحاد العربي الهاشمي وتقديمها معونة سنوية

ـ في حالة عدم الاخذ بالاقتراح الاول يعاد النظر في حدود الكويت لتعود الى ما كانت عليه سابقا .

ـ في حالة عدم الاخذ بالاقتراح الثاني يحتفظ العراق بحرية العمل .

 

رفض السفير البريطاني استلام المذكرة لتي كان من المقرر نشرها في 11 تموز 1958 لكن السفير البريطاني طلب من الخارجية العراقية تأجيل نشر المذكرة الى حين بحث جميع التفصيلات في لندن في الاجتماع المزمع عقده في 20 تموز 1958 بين نوري السعيد وبين بين وزارة الخارجية البريطانية لكن ذلك الاجتماع لم يتحقق لقيام ثورة 14 تموز 1958 وانسحاب العراق من الاتحاد العربي الهاشمي بقرار أصدره عبد الكريم قاسم قائد ثورة 14 تموز.

 

أعلنت بريطانيا في 19 حزيران 1961 توقيعها معاهدة الاستقلال مع الكويت وبعد مرور خمسة أيام على إعلان استقلال الكويت، ومساء الأحد 25 يونيو 1961، عقد عبد الكريم قاسم مؤتمراً صحفياً في بغداد، أعلن فيه أن الكويت جزء لا يتجزأ من العراق.


وقال قاسم: "لقد قررت الجمهورية العراقية عدم الاعتراف باتفاقية 1899 لأنها وثيقة مزورة، ولا يحق لأي فرد في الكويت أو في خارج الكويت، التحكم بالشعب الكويتي وهو من الشعب العراقي. وقد قررت الجمهورية العراقية حماية الشعب العراقي في الكويت والمطالبة بالأراضي التابعة لولاية البصرة بكامل حدودها، وعدم التنازل عن شبر واحد من أراضيها، عندما نقول هذا فإن باستطاعتنا أن ننفذه".  

 

وأعلن قاسم أن العراق سيسلم بعد يوم (في 27/6) مذكرات إلى جميع دول العالم والى الدول العربية بأن الكويت جزء لا يتجزأ من العراق. وأنه سيصدر مرسوماً جمهوريا بتعيين شيخ الكويت "قائمقام" لقضاء الكويت. ليكون تابعاً للواء البصرة. ثم أعلن ضم جيش الكويت إلى حامية البصرة. وقال قاسم: ".. سنعلن قريباً عن فتح المجال بيننا وبين الكويتيين. سنفتح الحدود. لا سمات ولا جوازات. وأننا سنخطو هذه الخطوة قريبا بإذن الله. إن أول المشاريع التي ستنفذها الجمهورية العراقية هو إيصال الماء العذب إلى الكويت وفتح المدارس والمستشفيات".


ولم يستند عبد الكريم قاسم في مطلبه بضم الكويت على دعوى الوحدة العربية، وإنما استند على دعاوى الحق التاريخي، ومحاربة الاستعمار، وتوزيع الثروة. فالمذكرة التي وزعتها الحكومة العراقية على سفراء الدول العربية والأجنبية في بغداد (26/6/1961) جاء بها "أن الكويت جزء من العراق وأن تلك الحقيقة أكدها التاريخ ولن يفلح الاستعمار في طمسها أو تشويهها. فقد كانت الكويت تتبع البصرة... حتى اندلاع الحرب العالمية الأولى..".

 

واعتبرت المذكرة أن اتفاق 19 حزيران، يرمي إلى استمرار نفوذ بريطانيا وإبقاء الكويت منفصلاً عن العراق، تحت ستار الاستقلال. وأضافت أن "حكومة الجمهورية العراقية... تؤكد عزمها على مقاومة الاستعمار وثقتها بأن تصفيته في الكويت وغيره من أجزاء الوطن العربي آتية لا محالة، وأنها متمسكة بحدة الشعب في العراق والكويت وبالمحافظة عليها".


وقال قاسم في مؤتمره الصحفي ".. إنا نريد أن ننقذ جزءاً غنيا من بلادنا يعتمد على ثروة كبيرة من النفط تذهب كلها إلى بنوك إنجلترا، بينما أهله يثنون من الحاجة... والجوع.." 


ولم يقترن طلب قاسم بأي تحرك عسكري لضم الكويت. سوى إعلان برقية رئيس أركان الجيش العراقي اللواء أحمد صالح العبدي للزعيم العراقي بأن "الجيش رهن الإشارة..."، بالإضافة إلى برقيات قادة الفرق. وتحركت الكويت، بدعوة السعودية وبريطانيا إلى مد يد المساعدة فأنزلت بريطانيا خمسة آلاف جندي من المظليين في الحال، وقدمت مشروعاً لمجلس الأمن يدعو إلى احترام سلامة أراضي الكويت وضمان المجلس لذلك، في ذات الوقت الذي تقدمت فيه مصر للمجلس بمشروع يؤكد على سحب القوات البريطانية، وإنهاء الخلاف بالاتفاق بين الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية. وكان العراق قد رفع شكوى لمجلس الأمن، على أساس أن نزول القوات البريطانية يشكل تهديداً لأمن العراق. انعقد مجلس الجامعة في 10 يوليو، حيث تقدمت المغرب بمشروع مؤداه تعهد العراق باتباع الطرق السلمية وسحب القوات البريطانية على أن تحل محلها قوات عربية. وقبول الكويت عضواً في الجامعة العربية وهيئة الأمم المتحدة.


وانعقد مجلس الجامعة مرة أخرى في 20 يوليو. وتقدمت السعودية باقتراح تمت الموافقة عليه بالإجماع باستثناء العراق الذي كان يقاطع الجامعة. ودعا الاقتراح الكويت إلى أن تتعهد بطلب سحب القوات البريطانية في أقرب وقت، على أن تقوم بعض الدول العربية بتدعيم موقف الكويت عسكريا، ويتعهد العراق باحترام استقلال الكويت. وقد اشتركت أربع دول عربية هي السعودية ومصر والسودان والأردن في تكوين قوات الدعم العسكري التي حلت بالتدريج محل القوات البريطانية. وفي عام 1962، شعر الكويت بأنه لم يعد في حاجة إلى مرابطة جميع القوات العربية في أراضيه. فأجليت القوات المصرية... أما القوات العربية فقد بقيت حتى سقوط قاسم عام 1963.

 

ـ يتبع ـ

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الثلاثاء  / ٢١ جمادي الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١٦ / حزيران / ٢٠٠٩ م