مُنقلب الظالم

 
 
 

شبكة المنصور

عبيد حسين سعيد

أظهرت قنوات فضائية لحظة انزعاج لرئيسٍ دولة عظمى,ليهوي بباطن يده على مخلوقٍ ضعيف يبحث عن ضالة ,اخْتَرَقَ الموانع المنظورة وغير المنظورة, تَحصينات وأسلاك الكترونية , وكاميرات مراقبة تعمل على سلامة مقره, ليجد نفسه بعد لحظات قتيل ومرميٍ على أرض بلدٍ يرفعُ راية الحرية وضمان حُقُوق الإنسان وحتى للحيوان عليهم  حق مكتوب هو الآخر, وجمعيات مشرعة أبوابها, تدافع عن حقوق الكلاب والحمير والحيتان والطيور , في دولةٍ أن من دخلها أمنَ من التمييزِ, ويسكن الخائف ويقوى بين ظهرانيها المظلوم وبشفافية تصل إلى حد السماح لجمعيات تعبد الشياطين من دون الله ولكننا لم نرَ أن هناك جمعية واحدة من هذه الجمعيات تدافع عن الذباب فقد اختلف الناس في هذا المخلوق القلق ومضارَّهُ ومنافعه ,لكنهم أجمعوا على إزعاجاته وما يحمل في جناحيه من موت وحياة , لكن رغم هذا وذاك     فللحشرة قصة مع الخليفة العباسي المأمون حين دخلت قصره والى غرفة كان يجلس فيها مع خاصته لتأخذ لها مكانا على جهته ثم طارت ثم عادت مرة أخرى لتقف على انفه وبعد ان طارت قال لجلاسه وهو يعرف الجواب :هل من حكمةٍ لله بخلقهِ الذباب؟ فقال أحدهم بعد أن استأذن : يا أمير المؤمنين أن خلقه عز وجل الذباب ليطأطئ بها رؤوس الملوك , وإنَّ الله جعل حطمته في ضعاف خلقه , فقال المامون أوتظنني انزعجت من خلقٍ خلقه الله وأنشد :

 

أوكلما طن الذباب طردته        إنَّ الذباب إذاً عليَّ كريمُ

 

العرب عندما ملكوا وضعوا لكل شيء ضابطٌ يضبطه , فلا إسراف ولا تقتير, ولكن حسن تصرف وتدبير, فلذلك نرى نواديهم ومجالسهم تعجُّ بالحكمة والموعضة الحسنة ,إلاّ أننا نرى اليوم من  يلقاك بوجه ملاك وقلب ضبع ! فقد تختلف الناس بأشكالها , ولكنها تتفق في أهدافها ,لأنها تنهل من مدرسة واحدة , فيا سيد البيت الابيض , لا يهمنا إن كان قفازك حريرا أم حديداً, فكلاهما يعمل (بطريقة حضارية) أكثر من قفاز الحديد وهكذا سياساتكم إتجاهنا  استخدمتم حبل الحرير في شنق أهلنا,واستخدمتم الحديد لقتلنا ,وكلاهما أثبت مفعوله ,فطائراتكم تقتل الابرياء في أرجاء مختلفة من العالم , في الصومال وأفغانستان والباكستان والعراق , واليوم يأتي تصريح وكيل وزارة الخارجية الامريكي , ليضيف أرضا جديدة تدسون انوفكم فيها باسم السلام العالمي, ليُزَجَ آلاف الفُقَراء في محرقة الصومال وليجعل من بوروندي هذه المرة حبلاً ناعماً آخر, تحت مسمىً ديمقراطي, لينال من الابرياء  والنتيجةالقاتل والمقتول هو عربي او مسلم فلا ديمقراطية إسلامية يمكن أن تروق لكم إذا كانت تأمر بمعروف وتنهى عن منكر.

 

 إنّ الديمقراطية التي توافق تطلعاتكم هي ديمقراطية لف الحبال على رقاب المسلمين للاستغناء عن ثوابتهم وسنامها الدفاع عن النفس والمقدسات,فرغم عمليات القتل المفرط للمسلمين والعرب إلاّ أننا لم نسمع ان هناك جمعية خرجت لتدافع عنهم كبقية المخلوقات, وأعجب العجب أن نسمع بأن جمعية في اوروبا تدافع عن الذباب ,وتنتقد تصرف الرئيس عندما قتل ذبابة! وفقط هو دمنا يسيل مغزاراً دون أن يُحَرِكَ فيكم نخوةَ ولو شَبَه الخلق بيننا وأن تكلف إحدى الجمعيات حالها عناء ولو بإشارة تدين عمليات القتل المبرمج هذه ,أن هذا العالم المنافق عليه أن يستحي وهو يغض الطرف عن المهم بعدأن قطع رقابنا بذبابة سيفه ويقلب الدنيا ولا يقعدها على مقتل ذبابة ! رغم إجلالنا لحكمة الخالق في الذبابة التي تقدم وقدمت خدمات علاجية , تكاد تفوق ماقدمته امريكا والغرب للإنسانية , فلا مقارنة بين ضحايا الناس من الامراض التي تسببها الذبابة ,وما بين عدد ضحايا فضائع الديمقراطية المزيفة ومغامراتها الملعونة فأينما تحط فثمة دمار (ديمقراطي) , ففي الحربين العالمية الاولى والثانية , قدم الذباب خدمات جليلة , وأنقذ عشرات الالاف من الجنود , بسبب حكمة شفاء وضعها الله فيها , اما أمريكا فقد وضع الشيطان في أجنحتها الممتدة حول العالم كل مُبتَكَر لقتل أعداداً أكبر   من البشرية , ففي العراق قتل الأمريكان تحت مظلة قرارات مجلس الأمن  أكثر من مليون طفل  أضف إلى ذلك مليوناً أخرى تحت مسمى الغزو الهمجي للعراق ولكننا لمن نسمع من  جمعيات العهر الدولي أي استنكار أو , فحريٌ بهذه المنظمات الخالية من أي إحساس أو شعور إنساني أن تكفّ عن هرطقاتها التي لم تعد تنطلي على ملايين الضحايا في دول العالم الثالث والعالم العربي, وان تعيد النظر بتوظيف جهودها وفق آليات جديدة يكون جل اهتمامها الإنسان لا غير لأنه هو الوحيد المتضرر من بين بلايين المخلوقات الأخرى التي تعيش حياة أقلها آمنة فهل يرعوي الظلمة ويعودوا إلى آدميتهم لنزرع الحب والوئام بين عُمّار الأرض لكي لا يسود الظلم وتعود العبودية  فمحال أن يموت المظلوم ويعيش الظالم اعملوا ما شئتم فإنا صابرون وجوروا فإنا بالله مستجيرون واظلموا فإنا بالله  متظلمون.  وسيعلم اللذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

السبت  / ٢٥ رجــــب ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١٨ / تمــوز / ٢٠٠٩ م