صدام حسين مناضلا ومفكرا وانسانا
د. امير اسكندر

﴿ تكملة القسم الثاني ..٣

 
 

شبكة المنصور

الفنان العراقي سيروان انور

6 – العوامل الاساسية للتنمية الاقتصادية :

 

يجب ان نشير في البداية الى ان عدد سكان العراق لايزيد الا قليلا عن ثلاثة عشر مليون نسمة وفي الحسابات التقليدية يبدو هذا العدد قليلا بالقياس الى مجتمعات اخرى بعضها يبدأ عند حدوده الشرقية مثل ايران وبعضها الاخر يبدأ عند حدوده الشمالية القربية مثل تركيا والنسبة المثوية لمستوى التراكم السكاني كل عام في 3و2% فقط .

 

غير ان صدام حسين ينظر الى المسألة بشكل اخر نظرة تتصل بامكانيات التطوير ( الكيفي ) او ( النوعي ) للبشر بحيث يستطيع القليل المتطور كيفيا ان يعادل الكثير الذي قد لا يكون احيانا سوى ( كم ) غير متطور ويزيد عليه ونظرته في ذلك تصدر عن منطلقين : احدهما اقتصادي والاخر عسكري انه يقول :

 

( قد يرى البعض ان النسبة في زيادة عدد السكان والبالغة 3و2% يجب ان لا تزيد بل ربما يجب ان تنخفض فيما نرى نحن وجوب المحافظة على هذه النسبة واذا كانت هناك امكانية لزيادتها فيجب ان تزيد ..فالقطر العراقي ذو امكانيات اقتصادية كبيرة وهو يقع في الطرف الشرقي من الوطن العربي وتحده دولتان اكثر منه سكانا مما يقتضي ان يكون الثقل السكاني فيه كافيا للدفاع الذاتي عن النفس وعن مصالح الامة العربية من هذا المكان وفي هذا المكان فالبلد الذي يتحمل مسؤليات كهذه وطنية وقومية يجب ان يتطور فيه الانسان بحيث تصبح ملايينه هذه تعادل ثقلا اكبر بكثير من ثقل الشعوب المجاورة للعدد المماثل ..).

 

لابد من القول هنا الى ان الكم وحده ليس هو العنصر الحاسم – وربما لا يكون العنصر الاساس – في عمليات النمو الاقتصادي داخل المجتمعات ولنضرب مثالا واحدا ففي معظم الاقطار العربية ومصر في مقدمتها يعمل نحو ثلثي القوة العاملة في الزراعة بينما نجد ان النسبة في هولندا تتراوح بين 9% -10% من القوة العاملة وفي السويد لاتزيد على 6%من القوة العاملة اما في الولايات المتحدة فهي تتراوح بين 3% و 4% من مجموع السكان الكلي اي ان نحو سبعة ملايين نسمة يقدمون الحاصلات الزراعية التي تكفي لاطعام نحو مئتي مليون نسمة ويبقى بعد ذلك ( فائض الحاصلات الزراعية الامريكية) الذي  يستخدم عادة كاداة في المساومات السياسية مع الدول الكبرى او في الضغوك السياسية والاقتصادية على الدول المستقلة حديثا في العالم النامي او المتخلف .

 

واذا كان ذلك ينطبق على الزراعة فهو من باب اولى ينطبق على ميدان الصناعة وخصوصا في ظل التطورات النوعية في التكنولوجيا الحديثة بل ربما كانت احدى المشاكل المترتبة على استخدام اشكال متطورة من التكنولوجيا لا تتطلب اعدادا وفيرة من العاملين ليست هي نقص او ندرة القوى العاملة وانما على العكس البطالة السافرة او المقنعة كما حدث في بعض اقطار الوطن العربي نفسه كالجزائر التي لايزيد عدد سكانها عن عدد سكان العراق سوى ستة ملايين فقط مما يثير مشكلات اساسية فيما يتعلق بأساليب التطور الصناعي ومدى تناسبها مع حجم ونوع القوى العاملة وفي كل مجتمع لا حسب ظروفه وامكاناته الاقتصادية والبشرية فحسب وانما ايضا حسب فلسفته السياسية والاجتماعية التي تحدد طبيعة النمو الاقتصادي بداخله ومغزى الاهداف التي يسعى اليها من خلال عملية النمو ونوعية الطبقات او الفئات او الشرائح الاجتماعية المستفيدة منه باختصار التي تحدد مضمون ايديولوجيته .

 

ان تاميم الثروات النفطية في العراق قد حقق من الموارد المالية الكبيرة المتزايدة عاما بعد عام مايشكل في الواقع العمود الفقري في ( التراكم الرأسمالي ) الذي يخصصه العراق لعملية التنمية الاقتصادية بعد قيام ثورته وتنضاف اليه بطبيعة الحال هنا الموارد الاخرى التي توفرها الموارد التقليدية الناجمة عن الزراعة والتجارة والاستغلال الوطني لبعض الثروات المعدنية الاخرى .

 

فالثورة التي تسلمت ( خزائن خاوية ) في بداية عهدها ولم يصل دخلها الوطني الى اكثر من 896 مليون دينار في عام 1969 ازداد في عام 1972 الى 1218 مليون دينار قد بلغ في عام 79/1980 اكثر من 15 الف مليون دينار وينبغي ان يكتسب تاميم النفط لصالح الشعب العراقي طبقا لهذا المنظور .بعدا اخر وراء بعدية الاخرين وهما : الخروج من دائرة النفوذ الاجنبي الاستعماري وتحقيق استقلال الارادة السياسية الوطنية وكسر التبعية البنيوية للاقتصاد العراقي للبنية الامبريالية العالمية .

 

هذا البعد الثالث هو تجنيب العراق الدخول في ساقية القروض الاجنبية المشروطة او الضاغطة على كل حال مهما كان مصدرها .على الارادة الوطنية في عملياته التنموية وهو الامر الذي من المتعذر – ان لم يكن من المستحيل – تجنبه بالنسبة للغالبية الساحقة من الدول المتخلفة او النامية وهو مايشكل في النهاية اقتصاديا وسياسيا حائطا مسدودا امام نموها وسقفا محدودا امام افاق تطورها وتقدمها وما اكثر ما فشلت تجارب تنموية عديدة في العالم الثالث نتيجة اغرائها بالقروض السهلة في البداية ثم اغراقها في الديون بعد ذلك وهي السياسة التي تستخدمها الامبريالية كواحدة من اساليبها العديدة لوقف تطور البلدان النامية وشل تقدمها وابقائها في وهدة التخلف مربوطة بسلاسل لا فكاك منها مع البنية الامبريالية العالية .

 

بطبيعة الحال لا يمثل تراكم رأس المال من خلال عائدات النفط في حد ذاته خروجا تلقائيا من الدائرة الجهنمية للقروض الامبريالية والشركات متعددة الجنسية فمن المعروف ان كثيرا من الدول المصدرة للنفط وعلى راسها ( ايران ) في منطقة الشرق الاوسط تعاني ازمة تراكم الديون الخارجية على اقتصادها وعجزا في ميزان مدفوعاتنها ذلك لان تراكم راس المال وحده قد يدفع بعض الدول التي تمتاز به الى الاندفاع نحو مزيد من القروض الخارجية وهو الامر الذي حدث بالنسبة لعديد من الدول النفطية العربية نفسها بعد الارتفاع المفاجئ في اسعار النفط عام 1973 ان المسألة في النهاية تتعلق – مرة اخرى – بالفلسفة السياسية للسلطة ومدى تمثيلها للطبقات والفئات والشرائح الاجتماعية الفقيرة والكادحة في مجتمعها التي ينبغي ان توجه لصالحها العملية التنموية في المجتمع .

 

ان العراق نفسه مثال معبر عن هذا المعنى فمنذ تسلمت سلطته ثورة تموز في 1968 وحتى الان لم تكتشف بداخله مصادر جديدة للثروة ومع ذلك فان التطورات الضخمة التي حدثت في السنوات العشر الماضية تكشف عن المغزى الحقيقي لقيادة ترتبط بشعبها والدلالة الواقعية العملية لاحساس شعب من الشعوب بانه يعمل لنفسه لا لقلة من الفئات الرجعية المستغلة وانه يصنع الرخاء المادي لحاضر ابنائه واجياله المقبلة .

 

في عام 1979 كان صدام حسين جالسا في مكتبه وامامه وزير الاعلام الموريتاني ( ولد ديدي ) وكان مبعوثا يومها من الجانب الرئيس الموريتاني ينصت اليه ..وهو يتحدث عن التجربة الثورية في العراق وانجازاتها في الميادين المختلفة.وبدأ على الوزير الموريتاني الاقتناع المشوب بالاعجاب الذي عبر عنه بقوله : ( انكم في الحكم منذ حوالي عشرة سنوات لم تكتشفوا منابع جديدة لتنمية اقتصادكم فالبترول والغاز والتمر كلها كانت موجودة ولكنكم استطعتم ان تنهضوا بالبلاد من خلال حسن استغلالكم لها وغيرها من مصادر الثروة ).

 

وهنا نظر صدام حسين بعيدا وكانه يسترجع ذكريات النضال الشاق في  مسيرة الثورة على مدى الاعوام العشرة الماضية وقال له .

 

( في صيف عام 1969 ذهب وفد كبير الى امارات الخليج ليقترض منها خمسة ملايين دولار ...( وفي عام 1970 كنت ازور الاتحاد السوفيتي وكان مطلوبا منا في تلك السنة ان نسدد مبلغ 17 مليون دينار .دين للاتحاد السوفيتي بذمتنا عن اقيام سلاح .رجوتهم ان يدور المبلغ على السنة التالية ولكنهم رفضوا عندها قلت لهم (( انني بعد ان اعود سأعمل على تسديد الدين حتى لو اضطريت لبيع ( جاكيتتي )) وفعلا سددنا المبلغ ..

 

( وفي عام 1978 طلب الاتحاد السوفيتي منا نفطا بقيمة 150 مليون دولار على ان لايدفع المبلغ في نفس السنة وانما في السنة التالية فقلنا لهم فورا نعم ..)

 

ثم تعود نظرته من بعيد وتتركز على وجه محدثه ويتابع قائلا :

( هذا يؤكد قولك انه لم تكن هنالك منبع جديدة ولكن اذا كانت هناك قيادة مقتدرة وشعب يعمل فبالامكان قطع اشواط كبيرة نحو الامام ...)

 

 ان عامل راس المال اصبح يبعا لذلك يحتل مرتبة ثانوية وتقدمت عليه بالنسبة لظروف العراق عوامل اخرى فما هي هذه العوامل ؟ ام صدام حسين نفسه يلخصها فيما يلي :

 

العامل الاساس هو قدرة استيعاب اجهزة التطبيق الاشتراكي للخطوة في المكان والزمان اذ يجب ان يتوازن التوسع الافقي في ميادين الصناعة والزراعة والخدمات مع قدرة الشعب والاجهزة المختصة على الاستيعاب لنأدية المهام بشكل جيد ومتطور.

 

العامل الثاني هو طبيعة المرحلة الراهنة وهي تدخل في قضيتين اساسيتين :

 

1- الخصوصية الوطنية أي المجتمع الذي تسلمته ثورة تموز – يوليو وطبيعة  العلاقات السائدة فيه وانتشارها على نطاق واسع بين افراد الشعب ( فنحن لم نتسلم مجتمعا تملك فيه القلة الضئيلة بينما القسم الاكبر ممنه معدوم الملكية كما هو الحال في مجتمع الاتحاد السوفيتي مثلا عندما قامت ثورة اكتوبر – تشرين الاول 1917 وانما تسلمنا مجتمعا تقوده الرجعية ومواقعها المؤثرة في الملكية وتتداخل فيه الملكية بين مراكز الملكية والتاثير الراسماليين الكبيرة وبين قطاعات واسعة من الشعب القسم الاكبر منهم وطنيون وقسم منهم ثوريون ).

 

2- تاثير السياسة الدولية وطبيعة حركتها الاقتصادية في عموم العالم وفي منطقة الشرق الاوسط التي تشكل جزءا منها وازدياد تاثيراتها الدعائية وتجاوزها الحدودبسبب تقدم التقنية ووسائل الدعاية المضادة ( ولهذا يتوجب علينا ان نكيف صيغ التوسع الافقي في تطبيق الاشتراكية بضوء هذه الاعتبارات ).

 

ومن هنا لم يعد العامل المركزي في التوسع الافقي لميادين الصناعة والزراعة والخدمات هو ( انتظار تحقق التراكم الراسمالي المطلوب ) على حد تعبير صدام حسين نفسه ولكن تبقى المشكلة الجوهرية بعد ذلك كله وهي مشكلة ( المعرفة ) مشكلة الاسس العلمية والاساليب التكنولوجية التي ينهض عليها البناء الانتاجي داخل المجتمع الحديث فما هو تصور صدام حسين لابعاد هذه المشكلة بشكل عام وفي العراق بشكل خاص؟ وماهي الحلول التي يقترحها لاستيعابها وتخطيها في النهاية؟

 

كان (( هومي بابا )) مؤسس مشروعات الطاقة الذرية الهندية يقول : ماتاريخ الانسانية سوى اضافات الى حضارات مصر واشور والهند والصين ...وهي اليوم بلاد فقراء ...ذلك ان الغرب اضاف واستضاف ونقل استخدام النار وترويض الحيوان والزراعة والري والنسيج والفخار والسبك والكتابة والحساب والبارود والعديد من اوجه التكنولوجيا عن البلاد التي نسميها اليوم متخلفة )

 

وما من شك في ان العالم الذري الهندي كان على حق تماما في ذلك القول ويكفي ان نذكر ان ثلاثة مخترعات اساسية من تلك التي كانت علامات على عصر النهضه الاوربية الحديثة عرفها العالم القديم قبل اوربا بقرون عديدة فالصين كانت قد اكتشفت ( البارود ) قبل اوربا ولكنها استخدمته في الالعاب النارية وليس في صنع المدافع وكذلك الشأن بالنسبة ( للمطبعة ) التي كان يستغلها اهل الصين القديمة في طباعة اوراق اللعب اما ( البوصلة ) فلقد عرفها العرب قبل ان يعرفها الاوربيين بزمان طويل .

 

ومع ذلك فان اوربا استطاعت ان تقوم باول ثورة تكنولوجية ضخمة في التاريخ الحديث وهي الثورة الصناعية في النصف الثاني من القرن الثامن عشر .والتي كان جوهرها احلال الآلة محل الجهد الانساني العضلي على مجموعة من الاختراعات البسيطة في حد ذاتها او التي كان اكثرها معروفا من قبل في مجتمعات اخرى .اما الذي مكنها من ذلك فهو طبيعة بنياتها الاقتصادية والاجتماعية والحضارية في ذلك الوقت حيث كانت الراسمالية التجارية المهيمنة على امبراطورية استعمارية واسعة في غرب اوربا وانجلترا بالتحديد تملك الدافع على زيادة الانتاج ,وراس المال اللازم لتمويل التوسع فيه ومن هنا وجدت افكار المخترعين سبيلها الى التطبيق الصناعي ومع كل خطوة كانت تتحقق وقفت تلك البنيات الاجتماعية من ورائها ودفعتها من خلال البحوث وتشجيع العلم وتاسيس الجامعات واحتضان العلماء خطوات اخرى الى الامام ومع كل مرحلة جديدة في تطور تلك البنيات كانت التكنولوجيا تتطور ايضا وتتحول الى سلاح من اخطر الاسلحة في وقتنا الراهن تستحوذ عليه وتستغله دائما الراسماليات العالمية الاحتكارية بل لقد تحول هذا السلاح في يدها بعد ثورات الشعوب الجديدة بعد الحرب العالمية الثانية وسقوط الامبراطوريات الاستعمارية التقليدية القديمة الى ( حصان طروادة ) من نوع اخر يتسلل من خلاله الى قلب الشعوب المتحررة المستقلة حديثا ( الاستعمار الجديد ) .

 

ولقد مر تقسيم العمل الدولي حتى الان في ثلاث مراحل كانت العلاقة بين الراسمالية العالمية الاستعمارية ( الكواونيالية ) في المرحلة الاولى وبين البلدان المستعمرة تخضع لتقسيم للعمل يجعل من البلدان المستعمرة بلدانا زراعية فقط بينما تستأثر البلدان الاستعمارية بالصناعة وحدها في المرحلة الثانية حين تحولت النظم الاستعمارية الى امبريالية مهيمنة جرى تعديل في قسمة العمل حيث اصبحت الدول الامبريالية تصدر رأس المال اساسا – مع احتفاظها بالطبع بتصدير بعض المنتوجات الصناعية – وبات من الممكن للراسماليات التابعة في البلدان المستعمرة او شبه المستعمرة ان تمارس توظيف بعض اموالها في صناعات هي استهلاكية بالضرورة ولا تتعلق بتصنيع وسائل الانتاج .

 

اما في المرحلة الثالثة فلقد جرى تعديل اخر وان يكن جزئيا مع تطور الامبريالية نفسها الى راسمالية الدولة الاحتكارية ومع مايسمى بالثورة العلمية الثالثة – ثورة العقول الالكترونية والسيبرنطيقا والاوتوميشن – بحيث تنفرد هذه البلدان الامبريالية بصناعات تصل فيها انتاجية العمل الى مستوى عال جدا وتستند الى ذلك التطور الهائل في العلم والتكنيك وسيسمح هذا التطور الجديد بان تدخل الصناعة في بعض الدول ذات الراسماليات التابعة نفسها – مرحلة التصنيع الثقيل – اي انتاج وسائل الانتاج – جزئيا بالتاكيد وفي اطار محكوم كما وكيفما بالتبعية للبنية الامبريالية العالمية وفي نفس الوقت .

 

ولكن ماعسى ان يكون موقفها من الدول والاقطار التي كسرت سلاسل التبعية وتريد ان تبني حياتها الجديدة على الاسس الضرورية وهي العلم والتكنولوجيا ؟ يقول صدام حسين :

 

( ان الدول الصناعية ومنها الصناعية الكبرى باتت الان مقتنعة حسبما اتصور بان اقامة سورصيني بين مالديها من امكانات وخبرات علمية وتقنية وبين دول العالم الثالث او الدول متوسطة الحجم حتى وان كان بعضها يخرج عن ( خانة ) بلدان العالم الثالث ,مسألة غير ممكنة وعلى ذلك فانها حسب تصوري سوف تلجأ في جملة ماتلجأ اليه من الامور الى مايلي :

 

اولا – الهاء بلدان العالم الثالث ببعض جوانب المسألة الصناعية كي تبقى الفاصلة بينها وبين هذه البلدان بنفس حجمها وصيغتها الحاليين او تعوق التقدم لردم هذه الفاصلة بينها وبين بلدان العالم الثالث وتبقى الحركة بهذا الاتجاه بطيئة ويتم هذا الالهاء بطرق شتى... منها تأخير الوصول في الزمن المحدد عن طريق تعطيل فعل العمل في الانجاز او عن طريق الخوض في مفاصل او ميادين صناعية ليست لها اسبقية في المنظور الصحيح لما يجب ان يكون عليه العمل ومنها الدخول في استثمارات فاشلة لتعطيل رأس المال ومنعه من ان يستثمر بالشكل الصحيح وضمن اسبقياته الصحيحة ومنها استخدام الفنيين والهاؤهم في الحركة والمكان اي استخدامهم في ميدان فاشل او ميدان ليس له هنا اسبقية اولى او اشغال حجم او عدد كبير من الفنيين في اكثر مما يستحق النشاط المعين الى غير ذلك من الامور .

 

ثانيا – اعتماد صيغة التخصص الاحتكاري او احتكار المتخصص اذ لم يعد بامكانهم احتكار العلم والتقنية في كل الميادين بسبب طبيعة السياسة الدولية الان لذا فانهم لابد ان يلجأوا الى مايسمى الاحتكار المتخصص او التخصص الاحتكاري اي التخصص في الامور المعقدة والتي لايجوز – من وجهة نظرهم – لدول العالم الثالث ان تتعامل معها ...والتخلي – بالمقابل – عن الصناعات البسيطة او صناعات محددة تحديدا دقيقا لايتناقض تسربها مع غايات الاحتكار المتخصص وذلك لاعتبارين :

 

الاول : هو تلوث البيئة في البلدان الصناعية وادراكهم انه لابد من نقل بعض الصناعات التي باتت تسبب لهم مساوئ خطيرة الى ميادين اخرى وبتخطيط مرسوم وهم في الميدان لا يستبعدون امكانية تحولهم الى مستوردين وفق اتفاقيات خاصة او وفق السياق الذي يرسمونه ويؤثرون به في اتجاهات الحركة الاقتصادية لتلك البلدان وتحديد مساراتها .

 

الثاني : ان التخصص الاحتكاري واستمرار التميز انما يتطلب التخلص من بعض الصناعات التي تستلزم حجما كبيرا من استخدام الايدي العاملة والتي بات الغرب بشكل خاص يحس بالضيق تجاه امكانية توفيرها او ان تلك الدول صارت تدرك انه من غير الممكن ان تحتكر كل ميادين وفروع الصناعة والتكنيك مما يتطلب التخصص ومن خلال تطبيق اسلوب احتكار التخصص في ميادين محددة تعتمد هذه الدول صيغا من التفاهم فيما بينها تجعل تسرب حلقات التطور الرئيسية في هذه الميادين امرا غير ممكن مما يحرم دولا كثيرة في العالم ومنها بلدان العالم الثالث من قدرة استقراء مستقبل مثل هذه الصناعات على نحو صحيح وتجعل نقل العلم والتكنولوجيا اليها عملية غير ممكنة او عملية باهظة الثمن ).

 

اذن كيف يكون التعامل مع العلم والتكنولوجيا وفي ميدان مهم منها مهو الصناعة على ضوء هذه الاعتبارات كلها في نظر صدام حسين ؟

 

في البداية يحذر من اتباع طريق ( التعقيب ) اي تعقب حركة الدول الصناعية الكبرى واقتفاء اثار خطواتها وتبني مناهجها واساليبها واتجاهاتها ذلك ان محاولة تعقب اثار تلك الخطى او مايسميه هو ( الاستنساخ التقليدي للحركة ) لن يقودنا الى تخطي تخلفنا بل ( سيجعل فاصلة التخلف قائمة اذا لم يزدها اتساعا بيننا وبين الدول المتقدمة ).

 

ينبغي ان نلتفت هنا الى ان صدام حسين يخالف في رؤيته تلك كثيرا من رؤى معظم الذين يقودون مايسمى بعمليات ( التحديث ) في العالم النامي ومن بينه بعض اقطارنا العربية نفسها فالمنطق الذي يحكمهم هو اعتبار ( التحديث ) مرادفا ( للتقدم ) واعتبار التقدم مرادفا ( للغرب ) اذن فلا بد من الوصول الى المستوى الذي بلغه الغرب حيث يتحقق ( النموذج الامثل ) ولكن كيف ؟ باحتذاء الطريق الذي سلكه الغرب نفسه ولابد ان نستنتج هنا ان ثمة فرضا ضمنيا يقوم عليه هذا المنطق وهو امكانية ( تكرار ) تجربة التراكم الراسمالي التي وصل من خلالها الغرب الى ماوصل اليه من تقدم سواء تم هذا التكرار عن طريق الراسمالية الليبرالية او عن طريق راسمالية الدولة ومعنى ذلك ان المجتمعات النامية متخلفة اليوم لنفس السبب الذي كانت من اجله المجتمعات المتقدمة متخلفة منذ قرنين او ثلاثة قرون ماضية ويكتسب مفهوم التخلف بهذا المعنى مضمونه كما تتصوره قيادات تلك الدول والاقطار والبنى الاجتماعية التي تمثلها : انه مجرد تخلف في الزمن يمكن تخطيه عن طريق استيراد احدث ما وصل اليه الغرب نفسه الان من منجزات التكنولوجيا .

 

ان واحدا من ابرز المفكرين والاقتصاديين العرب يقول لنا : ( ان منجزات التكنولوجيا في الغرب ثمرة عملية تطور حضاري طويلة نسبيا كما ان استيراد بعض تلك المنجزات لايمكن ان يولد في المجتمع عملية التطور ذاتها فاستيراد محطة ارضية للاتصال بقمر صناعي لايدخل البلد المستورد ( عصر الفضاء ) .وبناء محطات نووية لتوليد الكهرباء لن يفضي في افضل الاحوال الا الى تدريب بعض الافراد على معدات تم تصنيعها بالكامل في الخارج ولابد في تشغيلها وصيانتها من الاعتماد على الخبرة الاجنبية والارجح ان يلحق احسن اولئك الافراد بجيش الادمغة النازحة وتبقى المحطة بعد ذلك جسما غريبا في المجتمع كله يمكن ان تتوقف لو تلف فيها مسمار حتى يتم استيراده وهي بعدما تكاد يبدأ العمل حتى يكتشف من دفعوا فيها باهظ الثمن انها اصبحت متخلفة تكنولوجيا )

 

صدام حسين يقدم رؤية مختلفة ومتميزة واصيلة تعتمد هذه الرؤية على ثلاثة عناصر اساسية :

 

الاول هو :-( ان نعد انفسنا لان نتعامل مع التقنية والعلم ونستوعبها بشكل جيد ولذلك لابد ان نهتم بمراكز البحوث ولابد من الاهتمام باعداد الكادر ولا بد من الاهتمام باخر مبتكرات العلم والتنلوجيا اطلاعا ودراسة ..فلكي نصبح دولة متطورة صناعيا بالموقع والصيغ التي تنسجم مع اهدافنا علينا ان نتقن التعامل مع العلم والتنولوجيا كما ابتدعها الاخرون في المرحلة الاولى من عملنا ) .

 

وفي هذا المضمار يجب ان نتذكر ان البحوث العلمية في عصرنا الراهن اصبحت استثمارا من ارفع واجدى ضروب الاستثمار من ارفع واجدى ضروب الاستثمار فأي تنمية حقيقية تبدأ مراحلها العلمية من نقطة اساسية هي البحث العلمي ثم البحث التطبيقي ثم تنتهي الى مرحلة الانتاج الاقتصادي ومن ثم فأن عملية البحث هي في حد ذاتها جزء لا يتجزأ من عملية التنمية ذاتها ولقد ازداد الارتباط العضوي في هذا العصر بين عملية البحث العلمي وعمليات الانتاج الاقتصادي ولعل اشتداد هذه الرابطة وما احدثته من عمق التفاعل بين البحث النظري والتطبيق العملي .

 

قد اسهم بالنصيب الاوفر في التقدم الذي يتخذ شكل طفرات او انفجرات في البحوث النظرية وتطبيقاتها الاقتصادية على السواء بل ان الانفاق على البحوث العلمية يمثل في هذا العصر واحدا من المعايير الاساسية في قياس درجة تقدم اي مجتمع وربما في قياس مدى جديته في تخطي تخلفه ولئن كان الاتجاه السائد في كثير من الدول النامية هو استيراد المصانع والمبتكرات التكنولوجية من الدول المتقدمة والقناعة بان هذا الاستيراد هو التطبيق الامثل لفكرة اللحاق بالعصر فان التجارب قد اثبتت ان هذا المنهج لايؤدي الى تقدم حقيقي ولايلحق اصحابه بموكب العصر كأعضاء اساسيين او منتسبين طالما انه لاتوجد لديهم القاعدة الثابتة والمتطورة من العلميين الذين يمثلون العنصر الديناميكي في عملية التطور والتنمية .العلم اذن هو المعيار بل هو الاساس والحضارة الجديدة هي علم في الاساس وبدون العلم لا مكان لامة – مهما كان ماضيها عظيما ومثيرا – في خريطة المستقبل .وبقدر اسهامها في نمو المعرفة العلمية والحضارة العلمية سوف تكون المساحة التي تشغلها في حضارة العصر الجديد ..فالقوة التي تحكم عالم اليوم هي في صميمها قوة حضارية اي قوة علمية وعلى حد قول ( سرفان شريبير ) فان فيالق الجيوش والمواد الاولية ورؤوس الاموال لم تعد دلائل على القوة ولا هي ادواتها وحتى المصانع لم تعد سوى علامة خارجية على هذه القوة ان القوة العصرية هي المقدرة على الاختراع اي على البحث والقدرة على تحويل الاختراعات الى منتجات اي التكنولوجيا والمناجم التي يجب الاستخراج منها لم تعد في الارض ولا في عدد السكان ولا في الالات انها في الفكر وبتحديد أدق في استعداد البشر للتفكير والخلق ) .

 

الثاني : تكييف التكنولوجيا وطنيا وتكييف اتجاهات استخدام العلم فلايجب ان ناخذ كل مبتكرات العلم والتكنولوجيا ونضعها في الاستخدام كما هي انما نكيفها او نكيف البعض منها بضوء اهدافنا وظروفنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية).

 

ولابد من القول هنا ان مسألة تكييف التكنولوجيا وطنيا هي من اهم المسائل التي شغلت وتشغل بال المفكرين الاقتصاديين التقدميين في البلدان النامية بل وحتى في البلدان الغربية نفسها ان المفهوم الصحيح للتكنولوجيا نفسها في نظر هؤلاء المفكرين هو : ( تطبيق مجتمع محدد للعلوم بحثا عن حلول لمشكلات محددة يواجهها معتمدا على الامكانات المتاحة له مستلهما القيم الحضارية التي يؤمن بها ) ذلك لان اي اختراع يهتدي اليه الانسان كما جرى في الماضي يمكن ان يظل مجرد موضوع للتامل ولا يؤثر في الانتاج مطلقا ان لم يكن يقدم حلا لمشكلة واقعية يواجهها المجتمع بالفعل ويدرك اهميتها ويطمح الى السيطرة عليها ان كل انجاز من انجازات التكنولوجيا هو ظاهرة اجتماعية ويتسم بسمات المجتمع الذي انجزه او على حد تعبير البعض ( يحمل رمزه الوراثي ) ولذلك فان فاعليته تقترن بتوافر البيئة التي نشأ فيها وتتدهور اذا غابت معالم هذه البيئة والعكس صحيح ايضا فان التكنولوجيا المستوردة كثيرا ماتسبه عملية زرع الاعضاء في جسم غريب اذا لم تتوفر لها نفس بيئتها وليس من المستغرب اذن ان تواجه بعض المجتمعات هذه التكنولوجيا المستوردة – غير المتكيفة وطنيا وبيئيا – كما يواجه الجسم الاعضاء الغريبة اي بالرفض .ان التنمية لايمكن ان تفيد معنى التقليد او الاستنساخ لحضارة الغرب ونفي الشخصية الحضارية لكل شعب فليس اهم مايميز الانسان هو القدرة على التقليد والمحاكاة ان اهم مايميزه هو القدرة على الابداع والخلق ومن ثم فان ( التحديث ) الذي فهمه معظم قادة الدول النامية واكدت ذلك الفهم تجاربهم التي فشلت – وربما كان محتما عليها ان تفشل – على انه القدرة على استخدام ما ينتجه الاخرون يفهمه صدام حسين بمعنى مغاير بل لنقل مناقض وهو قدرة المجتمع ككل على التجدد وبناء التجديد في حياته دون اي انقطاع حضاري في شخصيته او قطع مع تاريخه .

 

الثالث : هو التصنيع اي ان نصنع نحن بطريقنا الخاص وبما يتلائم واهدافنا الوطنية وطموحنا القومي فلا نمتنع عن تصنيع كل ما يمكننا شراؤه ولا نصنع كل ما يمكننا تصنيعه في الحسابات الفنية والاقتصادية المباشره والمعزولة عن التصور الاستراتيجي الاشمل ومن الخطأ ان نقع بمثل هذا التصور وان نتصور ان كل ما بامكاننا شراؤه يجب ان لا ندخله في خططنا التصنيعية او نتصور ان كل شئ نحتاج الى استخدامه يجب ان ندخله في ميدان التصنيع هذا خطأ كما ان هنالك خطأ اخر مهلكا ايضا وهو ان يتصور البعض بأن مجرد حساب امكانياتنا المالية وحساب حجم ونوع البشر المتوفر لدينا يهيئ لنا مستلزمات القرار الصحيح لاختيار ميدان ونوع الصناعة المطلوب دخولها .ان مثل هذه الحسابات قاصرة وذات فهم اقتصادي وفني قاصر ومبستر للمسألة فيجب ان لاندخل ميدان التصنيع بحسابات كهذه لان دخول ميدان التصنيع بمثل هذا الفهم الخاطئ يجعلنا نقع في شباك النقطة المركزية الاولى وهي الهاؤها في ميادين محددة دون الذهاب الى المفاصل المركزية الحيوية التي من شأنها ان تغير مجتمعنا وتجعل اهدافنا ضمن امكانية التحقق لحساباتنا السياسية الوطنية والقومية التي نطمح اليها .

 

صدام حسين يطرح هنا كامل قضية اساسية في العملية التنموية هي استراتيجية التنمية وعلاقتها بالاستراتيجية العامة للمجتمع ككل ..ان رفضه الاول لمفهوم التعقيب او مايسميه بالاستنساخ لتجربة العالم الغربي لم يكن مجرد ادراك لاستحالته او لانه يمكن ان يؤدي الى نتيجة مناقصة تماما لما يتصوره الاخذون به اي الى مزيد من التخلف وانما كان رفضه – الى جانب ذلك – لانه يتصور استراتيجية ( مغايرة) لمجتمعه ولوطنه الكبير وهو من اجل الوصول الى تلك الاهداف الاستراتيجية يطالب بتقبل حتى فكرة ( النفقات الضائعة ) او ( مايسمى في الحسابات المباشرة والحسابات التجارية او الاقتصادية المبتسرة المعزولة عن اصل التصور المركزي لان تقبل فكرة هذه النفقات الضائعة والى وقت مفيد ( لاكتساب الخبرة اللازمة في الميادين التي نطرقها من اجل ان تصبح النفقات المستخدمة فيما بعد غير ضائعة )

ام كل خطوة على طريق التصنيع يجب ان ترتبط عنده بالهدف او الاهداف – او بتعبير ادق – بالرؤية الاستراتيجية المتكاملة لافق تطور المجتمع العراقي في ارتباطه بافاق تطور الوطن العربي ككل .اننا نضرب هنا مثلين لهما دلالتهما البالغة على طريقة تفكيره ..

 

الاول : يتعلق بقضية بناء قاعدة للتصنيع الثقيل داخل العراق (( فالفنيون عندما يبحثون هذا الموضوع ينظرون الى حاجة العراق الى التصنيع الثقيل وحسب والى امكانات العراق وياخذون المؤشرات المرتبطة بهذه النظرة فيضعون الخطة لهذا العمل ويرسمون الخطوة المركزية الاولى على اساس هذا التقدير فيقعون في الخطأ ايضأ ) اذن كيف يفكر هو في الامر ؟

 

يقول : ( اما العقل السياسي فلابد عند بحثه لبناء قاعدة للتصنيع الثقيل في هذا القطر ان يضع في الحساب حاجة الامة بضوء مستقبلها وتطور السياسة الدولية وبضوء تطور وصلة المكان والزمان والحركة الاجتماعية بين هذا القطر وبين اقطار الوطن العربي فعندما نبحث مسألة التصنيع يجب ان ندرس بعمق التطور المحتمل في الاقطار العربية اجتماعيا واقتصاديا وعسكريا اي ان ندرس التطور المحتمل واتجاهاته ومنعكسات ذلك على الدور الذي يمكن ان يلعبه العراق في بناء مثل هذه القاعدة ضمن التفكير القومي ).

 

المثل الثاني : يتعلق بقضية تصنيع السلاح والتجهيزات العسكرية هل في امكان العراق ان يذهب في تصنيع السلاح الى حد تغطية كل ما يمكن ان يحتاج اليه ؟ يقول صدام حسين : ( للاجابة الصحيحة على مثل هذا التساؤل يجب ان ندخل في حسابنا نقطة مركزية اساسية : هي ان الدول العدوة او الخصم الان وفي المستقبل والى وقت طويل سوف تكون حليفة او صديقة للولايات المتحدة الامريكية اذن فان الحلقات المركزية في تسليحنا يجب ان تكون متوازية مع الحلقات المركزية المتصورة لتطور العلم والتكنولوجيا العسكرييين في الولايات المتحدة الامريكية ومن هنا فنحن غير قادرين في مدى تلك المدة ان نصنع كل مايتطلبه جيشنا ونستغني عن الارتباط في حلقات معينة مع الدول التي تعتبر هي مصدر التسليح المركزي لجيشنا لان الدول التي ستظل تحاربنا كواقع قائم الان او كاحتمال للمستقبل المنظور هي دول صديقة او حليفة تقاتل بالنيابة عن الامريكان في هذه المنطقة ).

 

ولكن هل يعني هذا الكف عن التفكير في التصنيع العسكري او الدخول فيه حتى بصيغة ( النفقات الضائعة ) او غير الضائعة ؟صدام حسين يجيب هنا بحسم :

 

( لا ) لأن هذا يعني اننا سوف نقبل النمط الحالي من صيغ وحجم ونوع التعامل الى مالانهاية رغم ان الدول التي تزودنا بالسلاح هي دول صديقة لان هذه الدول لايفترض انها تتفق معنا في كل الاهداف التي نريدها ..فلان حدود افكارنا واهدافنا ليست محصورة ضمن العراق وانما تتعداه الى الوطن العربي فاننا يجب ان نعد انفسنا في تصنيع السلاح بما يتناسب وهذا التصور ومستلزماته والذي قد يتعارض او لا يلتقي في كل او في بعض جوانبه مع استراتيجية دول مصدر السلاح في زمان ومكان ما ).

 

تلك هي المفاهيم الاساسية العامة التي تطرحها ايديولوجيته في تطبيقها على ميدان محدد هنا هو عمليت التنمية الاقتصادية في المجتمع العراقي وذلك هو – فيما نعتمد – منهج النظر الذي يتبناه لمعالجتها واسلوب التفكير الذي يستخدمه في التعامل معها .

 

لم يكن غريبا اذن ان نبدأ استعراض هذا الجانب من جوانب فكرة بتلك العبارات التي تحدث فيها ( شريبير ) عن انه ( لا نمو بالنسبة للمجتمعات وبالنسبة للبشر بغير تحد ) ذلك لان سمة اساسية من سمات تفكير صدام حسين في هذا الميدان – وربما في كل الميادين الاخرى – هي الاقتحام وليس مجرد التحدي .

 

غير ان الاقتحام هنا لايعني بحال من الاحوال معنى المغامرة وانما يعني اولا وقبل اي معنى اخر التتويج الاستراتيجي للتحليل العقلي المتوازن الذي يمارسه قائد سياسي يدرك بشمول وينهج بتكامل .

 

فهو ايضا علمته تجربة حياته ونضاله ان التقدم معركة كما ان الحياة معركة ومتى كان تاريخ المجتمعات البشرية مختلفا حقا عن التاريخ العسكري ؟.

 

7- دور الحزب فوق دور التكنوقراط

 

عندما نصل الى هذه النقطة في رحلتنا مع افكار صدام حسين لابد ان نطرح مجموعة من الاسئلة التي تنطوي على غير قليل من الاهمية سواء من الناحية النظرية الخالصة او من الناحية العملية التطبيقية وهي :

 

هل يمكن ان تؤدي هذه التنمية الاقتصادية بالمنهج وبالصيغة وبالاسلوب الذي تحدث به عنها الى بناء الاشتراكية ؟ وماهي ضمانات عدم تحولها الى مجرد راسمالية دولة مثلما حدث في كثير من تجارب العالم النامي الاخرى والتي كانت ترفع ايضا شعارات الاشتراكية ؟ واذا كنا قد استعرضنا – فيما سبق من صفحات – افكار ( القائد ) حول تصوراته وصياغته للعملية التنموية واتجاهات تطبيقها في العراق فما هو في رايه دور الجماهير العراقية نفسها ؟ وفيم يتمثل هذا الدور ؟ وماهي ضمانات استمراره لا من جانب الجماهير فحسب وانما من جانب القيادات نفسها التي قد يغريها النجاح في ( موقعه ) او في ( معركة ) فتتصور انها كسبت ( الحرب ) كلها وتيتخف بالتالي بدور الجماهير او قد تيتغني عنها نهائيا ؟

 

سيقول لنا صدام حسين في البداية : كل تنمية خطوة على طريق بناء الاشتراكية او خطوة الاشتراكية في اي بلد او في اي نظام .فالتنمية وجدت في اوربا وفي الولايات المتحدة الامريكية واليابان وفي بلدان اخرى ولم تصنع الاشتراكية والنشاطات التي تولتها الدولة هناك ماهي الا نمط من انماط راسمالية الدولة لانها جزء من البناء الاجتماعي الراسمالي الاجمالي .والدولة وسلطاتها في مثل هذه النشاطات انما تتولى وظائف المحافظة على النظام الراسمالي فيها ) ..ولكن من جانب اخر ((..لايمكن تصور بناء نظام اشتراكي مزدهر قادر على ان يكون نموذجا في هذه المنطقة التي نحن جزء منها وقادر على تحقيق الرفاه المتزايد للشعب وتوفير مستلزمات الدفاع عن نفسه ومبادئه بدون تنمية كما ان التنمية في بلدنا لايمكن الا ان ترتبط ارتباطا وثيقا بالمنطلقات الاشتراكية للنظام وبرامجه المركزية بهذا الاتجاه وتهعبر عنها تعبيرا دقيقا وصميميا لذلك فان النظرة لها تاخذ لون ونوع النظرة الى المنطلقات المبدئية لحزبنا في  الميدان الاجتماعي والاقتصادي ).

 

اذن ففي رايه انه ليست كل تنمية خطوة على طريق الاشتراكية فقد تنتهي التنمية الى راسمالية الدولة ان لم تنته الى الراسمالية الصريحة اما في العراق فالتنمية مرتبطة بالمنطلقات المبدئيه للحزب والمنطلقات الاشتراكية للنظام وهنا يدخل عنصر جديد في الموقف هو :

 

دور الحزب والمقصود به الحزب الثوري الذي يحمل ايديولوجية اشتراكية يعتبرها من صميم مبادئه كما يدخل عنصر جديد اخر – وان كان يمثل وجها اخر للعنصر السابق – وهو : دور السلطة المتمثلة في النظام...وهو نظام يعبر عن ممارسة ايديولوجية الحزب في واقع محدد هو العراق ,الحزب , السلطة بايديولوجيتهما الواحدة يحولان دون تحول الاشتراكية الى راسمالية الدولة ويضمنان مواصلة المسيرة التنموية الى افاقها المرسومة نحو تحقيق الاشتراكية .

 

في اللقاء الذي جرى بين صدام حسين وفيدل كاسترو في صباح الخامس عشر من ديسمبر – كانون اول عام 1978 وحضره عدد من كبار المسؤولين في الثورة الكوبية دار حوار مهم بمكننا ان نستمع الى طرف منه فهو يفيدنا في تاكيد المعاني السابقة :

 

كاسترو : كلامكم ( حكيم جدا ) عندما تقولون نربح الوقت لان الوقت يعمل لصالح الثورة فالعراق يمكنه ان يتقدم سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وعسكريا لقد حقق الاميون اول انتصار للجيش الكوبي ونحن الان نستدعي من المستو المتوسط للجيش لذلك فنحن الان مدربون ومهيئون اكثر ,عندهم كفاءة وامكانية افضل لاستخدام الاسلحة ...في حالة العراق الوقت يعمل لصالحكم لانكم تقومون بتطوير البلد بكامله .حشد الجماهير وهذا مالم يفعلوه في مصر .

 

صدام حسين : لم يكن هناك حزب ثوري ولم يكن هناك غير عبد الناصر وقد كان ثائرا لكن عبد الناصر تختلف عن ظروفكم انتم بنيتم ثوارا قبل استلام السلطة وهو مالم يفعله ..نحن في العراق قمنا ببناء ثوار قبل استلام السلطة ..وقد اعطى الحزب تضحيات وقدم شهداء وعانى من السجن والتعذيب وكان لابد من ذلك لايجاد ثوار يعرفون كيف يحافظون على الثورة وعلى جعلها في خدمة الشعب لذلك فنحن لسنا قلقين ان قلقنا ينصب على كيفية تطوير برنامجنا بشكل اسرع كيف نختار صيغ التطبيق الاشتراكي ؟ كيف نقضي على الامية التي يعاني منها سدس الشعب في ثلاث سنوات ؟....ان لدينا الان مليون وربع انسان ملتحقون بمراكز محو الامية بحماس .

 

كاسترو : برغم الصعوبات نحن متفائلون .

 

صدام حسين :اكيد والا لن نكون ثوريين .الشعب يعمل بارادة الخير ومهما كانت حسابات الامبرياليين فانهم لن يستطيعوا حساب قدرة الشعب بشكل دقيق انهم ليسوا اختصاصيين بالشعوب ان اختصاصهم في المخابرات .في الشر في الاستغلال اما كيف يتصرف الشعب من اجل مصلحته فان التجربة علمتنا دائما انهم يخطئون الحساب ...

لقد جرى هنا ايضا وفي هذا اللقاء مع واحد من اهم قادة التجارب الاشتراكية ( ذات المنحى الماركسي ) في العالم تاكيد على دور السلطة الثورية والحزب الثوري وحشد الجماهير كما جرت فيه مقارنة سافرة بين التجربة الناصرية من جانب والتجربة الكوبية والعراقية من جانب اخر ولم يقل لا كاسترو ولا صدام حسين .ان السبب في نهايتها الفاجعة هو اغفالها لبناء الحزب الثوري وحشد الجماهير قالا فقط ان عبد الناصر الثائر لم يبن ثوارا مثله قبل ان يتسلم السلطة وانه لم  يبن حزبا ثوريا بعدما تسلم السلطة .

 

ولكن صدام حسين سوف يقول في مكان اخر عبارات تحمل نفس المعاني التي نريد قولها الان : ( ان الافكار لاغراض التطبيق والرسوخ وبناء التقاليد لابد ان تعبرعن نفسها بصيغ عملية واذا ما بقيت نجرد كتاب فان العملية المضادة ستكون سهلة جدا فأي مغامر يتسلم مقاليد الامور بامكانه ان يعيد هذا الكتاب الى المكتبة لكي ينهي او يضعف التاثيرات المضادة )

 

ومع ذلك يمكن ان يظل السؤال قائما : اليس ن الممكن بالنسبة لحزب في السلطة ان تاخذه العزة بانتصاراته او الغرور بمنجزاته فتتراخى عضلاته وتتصلب شرايينه ويتجمد الدم في عروقه ؟ تجارب كثيرة في العالم قادتها احزاب كانت تتوهج بالثورة قبل تسلمها السلطة وحتى في بداية ممارستها لها سرعان ما خمدت نيرانها وبردت ثوريتها وتحولت الى ( ارشيف ) يخرجه ( البيروقراطيون ) الجدد من ادراجهم لينظروا فيه كما ينظرون في ( البوم ) الذكريات القديمة او ليتحدثوا عنها في المناسبات الوطنية والاعياد الرسمية .

 

صدام حسين واع تماما لهذه القضية ولا يصدر وعيه بها من شبابه المتوقد فقط وانما من نضاله الشاق الذي خاضه في صفوف الحزب قبل ان يتسلم السلطة وعلى راس الحزب بعد ان تولى السلطة فهو لم يهبط على كرسي السلطة بثورة فوقية ولم يكن الحكم بالنسبة اليه هدفا في حد ذاته بل انه اكثر من مرة طلب ان يتراجع عن المواقع التنفيذية في سلطة الثورة وان يحتفظ فحسب بموقعه كمناضل في صفوف حزبنا .لم يكن طلبه ذاك بعد ان خلص الثورة من المتسللين اليها في 30 تموز 1968 لاول مرة ولا لاخر مرة فقبل قيام الثورة نفسها اثناء الاعداد لها كان يقول لرفاقه في القيادة القطرية :عندما تقوم الثورة وتتسلم سلطتها ارجوكم ان تعتبروني عضوا عاديا في الحزب .وكانوا بالطبع يرفضون رجاءه ولم يكن ثمة مجال حينذاك على كل حال لتنفيذه ولكنه بعد ان خلص الثورة من المتسللين اليها في 30 تموز 1968 واطمأن الى ان حزبه وحده هو الذي يقبض على زمام السلطة في البلاد .قال للرئيس احمد حسن البكر بعد ان اذاع بيان 30 تموز : الان اصبح من الممكن تنفيذ رجائي القديم .ولكن البكر ورفاقه في القيادة رفضوا رجاءه مرة اخرى باصرار اشد ولن يزايله هذا الرجاء بعد ذلك حتى بعد ان مرت عليه سنوات طويلة وهو يقود السفينة من موقع نائب رئيس مجلس قيادة الثورة سيظل يردده بين الحين والاخر حتى اصبح في لحظة لم يعد فيها مفر امامه من ان يكون لبمسؤول الاول امام جماهيره وامام دول العالم عن دولة الثورة .

 

ان المناضل الحزبي الاصيل لاينسى او يتناسى حزبه للحظة ان الدولة بالنسبة اليه هي جهاز ادارة الثورة ومن هنا ليس من الغريب ان يلح على رفاقه دائما بأن ينقلوا ( تقاليد الحزب الى الدولة )

 

( نريكم ايها الرفاق وانتم تقودون السلطة ان تستعينوا بتقاليد الحزب كيما تكون عرفا ثابتا في عملكم اليومي وتكون هي تقاليد الدولة المتطورة حسب الحاجة العملية لاستخداماتها لا تحاولوا استعارة تقاليد الدولة لتجعلوا منها بديلا لتقاليد الحزب ..لان ثمة فرقا نوعيا كبيرا بين الدولة وبنائها السياسي والتنظيمي ..وبين الحزب وبنائه السياسي والتنظيمي رغم ان الدولة هي دولة الحزب واذا ماانعدم الفرق بين سلطة الدولة وبين الحزب فعندها سيغدو الحزب حزب السلطة بدلا من ان تبقى السلطة سلطة الحزب وستنتهي خصوصيتنا كمناضلين مؤثرين في واقع المجتمع بقصد التغيير نوعيا الى امام او تضعف الى حد كبير فيتحول الحزب الى جهاز تقليدي من اجهزة الدولة فلا تعود الدولة كيانا يحركه ويقوده ضمير وعقل الحزب دائما للتطور الى امام ).

 

بل ان المناضل الحزبي الاصيل الذي يعرف جيدا ان النقد والنقد الذاتي هما شهيق الحزب الثوري دائما وزفيره يؤكد لرفاقه في الحزب ولقاعدته في الدولة انه : ( يجب ان لا نتطير من الافكار النقدية المخلصة التي تقال في اجواء ديمقراطية ) فهل النقد لمجرد النقد واثبات ديمقراطية القيادة ؟ كلا ( في الوقت نفسه يجب ان لانترك الافكار الخاطئة او المنحرفة تمر دون ان نؤشر عليها ونعالجها بوعي وبحزم ذلك ان مواقع الردة انما تكمن في داخلنا ...اي داخل المجتمع العراقي ..وداخل اجهزة الدولة ومازالت هذه المواقع قوية لانها موجودة فكريا وسيكولوجيا في كل قطاع من قطاعات الدولة ويعبر عنها احيانا بصيغ شتى حسب الظروف والاحوال ..) .

 

احذروا الردة هذا مايقوله لهم دائما لا لانه يشك في ان جماهيره تقبض على زمام سلطتها بيد من حديد وانما لانه يعرف ان اعداء اي ثورة حقيقية وطموحة كثيرون في الخارج والداخل ومن هنا فانه يطالب رفاقه في كل لحظة بأن يتجنبوا الخدر ويتصوروا ان الباب موصد بشكل نهائي امام الردة ولذلك فان الامر يستوجب دائما في رايه تشديد الرقابة الفكرية العالية وتعميق الحصانة المبدئية ( فلا يجب ان نبتعد عن دورنا في الرقابة في الحياة الداخلية للحزب والدولة ولا نبتعد عن دورنا في تنشيط الرقابة الجماهيرية على اجهزة الدولة وحتى في الشعيرات الصغيرة التي لن تحتل فيها عناصر رجعية او يمينية مواقع معينة باتجاه مضاد وان نعمل بهمة لاتلين في تطهير اجهزة الدولة في المواقع والمفاصل الحيوية التي تحتل فيها العناصر اليمينية مواقع مؤثرة وان نسد فرص الصعود بوجه العناصر المماثلة في الحزب وان نقوي ضوابط الحصانة التنظيمية والمبدئيه في الحياة الداخلية للحزب ...)

 

غير ان للردة اقنعة عديدة ...واحدث اقنعتها استعارته من حاجة المجتمعات النامية المتخلفة الى التكنولوجيا والتحديث ان ثورات عديدة في العالم الثالث تراخت قبضتها شيئا فشيئا عن زمام السلطة الحقيقية وحلت مكانها ايدي البيروقراطيين والتكنوقراطيين ..التكنولوجيا تتحول الى اسرار خبيثة يحتفظ بها الكهنة الجدد لانفسهم ويستخدمونها عند الحاجة وتحت ستار الحسابات الفنية لتطبيقات التكنولوجيا الحديثة كان الثوار يتراجعون دائما لنقص علمهم باسرار الكهانة الزائفة ويفتحون ثغرات تتسلل منها الثورة المضادة .

 

ومع ذلك فان صدام حسين ليس غافلا عنهم ...عن حسني النية وسيئي النية على السواء ( ان الكثير من الفنيين بما في ذلك بعض البعثيين يجد مفسه في كثير من الاحيان منساقا لمعالجة القضية المطروحة عليه من زاوية فنية وينسى ان يحكم الربط بين المعالجة الفنية وبين عموم فكر الثورة ...الذي هو طريق بناء المجتمع الجديد ) ..وهو لايتردد في ان يقول بوضوح وبحسم مالو قاله قادة اخرون في زمان اخر ومكان اخر لوفروا على تجاربهم مرارات الفشل والاحباط :

 

اننا نقول هنا وبمسؤولية :عليكم ان لا تتصرفوا في المسائل الاقتصادية والفنية الرئيسية بدون ان تستشيروا الفنيين ولكن اياكم ان تتركوا للفنيين مهمة قيادة الاقتصاد الوطني ...

 

لاتتيحوا لهم المجال لاخذ الدور القيادي وانما يجب ان يكونوا دائما تحت توجيه وقيادة العقل القيادي الثوري الذي لاتتحدد قدراته  ومعرفته بالاختصاص التقني فقط...والذي يفهم الثورة ويفهم الوسائل الحاسمة لتغيير عموم المجتمع واتجاهات هذا التغيير فيضع كل حركة من حركات الاقتصاد في خدمتها وخدمة اهدافها )

 

ترى لو كان الامر قد ترك بالفعل للفنيين وحدهم الذين يحسبون بطرقهم التقليدية اثناء التحضير لمعركة تاميم النفط في العراق ..هل كان يمكن للتاميم ان يتم ؟ وهل كان بوسع العراق ان يحقق استقلاله الاقتصادي ويبدأ في تطبيق مشروعاته الطموحة على طريق التنمية ؟.

 

ان للفنيين دائما دينهم وللثوريين دينهم الاخر وفي معظم الاحيان كان الثوريون اقرب الى قلب الله لانهم كانوا ينصتون دائما لصوت الشعب ...

 

8- التنمية من اجل الانسان

 

الثورة هي علم التغير ولكنها ايضا حلم دائم بالتغيير والثوار هم اولئك الذين يناضلون على الدوام كي ينسجوا من احلامهم واقعا جديدا يقيمونه على انقاض واقع قديم والثوري الذي يفقد قدرته على الحلم يفقد في نفس الوقت قدرته على النضال فالحلم الذي يتحقق يصبح واقعا جامدا لابد من تجاوزه باحلام جديدة ونضالات جديدة فما شاطئ اخير ترسو عليه سفينة الثورة هناك دائما شاطئ جديد بعيد يتوجه اليه الملاح الثوري وتتعلق عيناه .

 

والثورات الحقيقية لها دائما منظورها الشامل في عملية التغيير فليس هناك مايسمى ثورة اقتصادية او سياسية او اجتماعية او ثقافية كل على حدة مكتفية بذاتها مقطوعة الصلة عن غيرها الثورة تكون ثورة بحق عندما تضرب بجذورها الجديدة في مختلف مجالات الحياة وتعيد تشكيل عناصر البنية الاجتماعية بمعناها الكلي تشكيلا جديدا يتلائم مع اهدافها ويتناسب مع المستوى الجديد الذي بلغه التطور الاجتماعي ويتجاوب مع الامال والمطامح التي تعلقها الطليعة الثائرة على المرحلة الثورية التي تجتازها. الثورة تكون ثورة بحق عندما تضع على راس مهماتها تغيير الانسان نفسه واطلاق قدراته وملكاته وطاقاته الكامنه وتوفير الوسائل الضرورية التي تمكنه بالفعل وفي الممارسة العملية من المشاركة الايجابية في بناء حياته وامتلاك مصيره .

 

وصحيح ان الثورة قد تتوجه في بداية انطلاقها الى التركيز على مجالات معينة مثل التنظيم السياسي للدولة او التشكيل الجديد للعلاقات الاقتصادية في المجتمع ولكن قسماتها لاتتحدد ووجودها لايتنامى الا عندما تتكامل بل ان التكامل نفسه معيار اساسي من معايير انتصارها وجديتها واستمرارها وما اكثر ما شهد العالم الثالث ووطننا العربي في تاريخه الحديث والمعاصر من لافتات ثورية واشتراكية بعضها كان زائفا صدئ الرنين وبعضها الاخر كان اصحابه حسني النيه في اسعد الاحوال لم يدركوا ان الثوره الجديرة بمفهومها ليس بوسعها ان تكون انتقائية تجتزئ مجالا وتترك غيره تقتصر على حقل من حقول الحياة وتهمل ماعداه وكانت النتيجة الكبيعية والمنطقية هي الانهيار والتداعي والسقوط مهما استطاعت التماسك او الصمود او المقاومة لجرثومة التآكل في داخلها هي نفسها لفترة تطول او تقصر من زمان .

 

والحق انه مهما كان حسن النوايا او صدق الارادة في بناء الاشتراكية فانه لايمكن عن طريق الاجراءات والتحولات الاقتصادية وحدها ان يتغير المجتمع فالافكار والمفاهيم والتصورات والعادات والتقاليد والاعراف القديمة البالية لا تسقط بشكل آلي من تلقاء نفسها بمجرد اتخاذ بعض الاجراءات الاقتصادية او احداث بعض التغييرات المادية مهما كان مداها او عمقها تماما كما انه ليس بوسع اية جهود تبشيرية تنويرية ان تحقق اهدافها ان لم تكن انطلاقا من تلك التغيرات المادية واستنادا عليها ضد كل الشروط التي تكرس ايديولوجيات الاستغلال والتخلف فالانسان الجديد الذي تصنعه الثورات الحية هو من خلق ذلك التفاعل الخلاق بين الثورة المادية والثورة الروحية او الثقافية والاقتصار على احدهما – حتى لو كان ذلك ممكنا في حدود الفرض المجرد – هو انحراف عن شمول الثورة وانزلاق اما في نزعة اقتصادية لا تقدم من وجوه الثورة الا البيانات الاحصائية او في نزعة تبشيرية تخنقها في مهدها ضرورات الواقع المادي .

 

وانه ليبدو واضحا وعي صدام حسين العميق بهذه الحقيقة ام ( المبادئ ) لاتصبح خطرا حقيقيا بوجه اليمين والرجعية الا ( عندما تصيح قوانين في التطبيق وعندما تصبح منجزات مادية تغير الواقع الاجتماعي والثقافي للشعب ) بل انه يشير بوضوح الى المرض الذي نخر في عظام ( ثورات ) اخرى وعكسته علاقة التفارق بين اقوالها وممارساتها بين مبادئها وتطبيقاتها ( فالحديث بمنطلق ثوري في السياسة الخارجية والحديث بمنطلق ثوري في العلاقات السياسية مع الحركات الوطنية في الداخل لايجدي شيئا مالم يتغير الواقع الاجتماعي طبقا للمبادئ والواقع الاجتماعي لايتغير طبقا للمبادئ مالم يكن الاقتصاد في خدمة تغيير الواقع الاجتماعي طبقا للمبادئ ..والا فما قيمة ان يجري الحديث عن الاشتراكية ونبقى على الطبقات ؟ وماقيمة ان يجري الحديث عن الاشتراكية ويبقى الناس جياعا ؟ وما معنى ان نتحدث عن الاشتراكية ويبقى الناس بدون ضمان ؟ وماهي قيمة المبادئ اذا ما القي بالموظف او العامل المريض مرضا معوقا او مقعدا على قارعة الطريق بدون مصدر عيش محدد وبدون رعاية صحية من قبل الدولة ....؟ ان الهدف من الغاء الاستغلال عن طريق تدخل الدولة وسيطرتها الواسعة في ( تشريك ) وسائل الانتاج الاساسية هو اذن توجيه نشاطات المجتمع واقامة وتوفير مستلزمات اقتصادية واجتماعية تجعل الانسان العربي قادرا على ان يسهم اسهاما غير عادي في تشكيل وتكوين علاقات انسانية جديدة على صعيد العالم اجمع بالاضافة الى تفجير طاقاته الكامنة على نحو استثنائي لبناء تجربته الحضارية....

 

ولكن كيف يمكن بناء هذه العلاقات الانسانية الجديدة دون تمزيق نسيج العلاقات القديمة المتخلفة ؟ ان قيم السلوك والاعراف التي سادت ومازالت تسود لا في العراق وحده وانما على نطاق الوطن العربي كله وانما تنبع من طبيعة البنى الاجتماعية في مجتمعاتنا العربية التي تناوبت عليها قوى الاحتلال والاستعمار والامبريالية ودعمت فيها نسيج العلاقات سبه الاقتصادية واحيانا الاستبدادية بما تحمله في خيوطها من اثار العلاقات القبلية والعشائرية والطائفية وحتى عندما هيمنت عليها الراسماليات العربية الضعيفة والمتخلفة بحكم طبيعة تكوينها نفسه لم تستطع ان اروج بداخلها الا الجانب الأسوأ من قيم الحضارة الراسمالية الغربية قيم المصالح الفردية والانانية .

 

ان ازاحة مثل هذه القيم الرديئة المتخلفة عن بنياتنا الاجتماعية الجديدة والعودة الى ينبوع القيم في شخصيتنا العربية العريقة بروح عصرية وثورية تتلائم مع مرحلة بناء الاشتراكية في الربع الاخير من القرن العشرين يحتاج من المناضل الثوري الحقيقي الذي يملك المنظور الشامل المتكامل لمعنى الثورة في التطبيق الى جهد ومعاناة وصراع قد لايقل عما يبذله في المجالات الاخرى الاكثر تحديدا ووضوحا كالاقتصاد والسياسة والعلاقات الدولية بل لعلة احيانا قد يزيد .

 

ومن هنا يكتسب الجهد المضني الذي يبذله صدام حسين في هذا المضمار دلالته ومغزاه اننا لن نتحدث هنا عن جهوده الفكرية وقراراته العملية في هذا الميدان الواسع بكاملها سنكتفي هنا بمجالين اساسيين من مجالات التغيير الاجتماعي – الانساني يعبران عن افاق الثورة الثقافية التي يشق مجراها في العراق :

 

1- ان الوضع العام لقضية المرأة في المجتمع العربي ككل يعكس طبيعة بنيته المتخلفة ماديا وثقافيا وهو يختلف من قطر لقطر اختلافات كمية في جوهرها باستثناء اقطار الجزيرة العربية وامارات الخليج حيث تصل الاختلافات او الفوارق الى درجات نوعية في مستوى تخلفها عن الاقطار العربية الاخرى .

 

وربما يكفي ان نشير هنا الى وضع المرأة في قطر عربي هو مصر يعتبر تقدمه الاجتماعي التاريخي سابقا في الزمن على الاقل للاقطار العربية الاخرى ,كي يتبين لنا مدى التخلف الاجتماعي الذي تعانيه المرأة العربية عموما ,من ناحية نظرة المجتمع الفكرية لها ومن ناحية نظرة المجتمع التشريعية بأزائها ايضا ان الحق الكامل للرجل ( المسلم ) في تعدد الزوجات وفي الطلاق امر تكفله التشريعات والقوانين داخل المجتمع وتقول الاحصائيات ان نسبة المتزوجين باكثر من واحدة في جمهورية مصر العربية هي 4% فقط من الاسر الاسلامية ولكنها تضيف ان نسبة من يتزوجون خلال عام ممن كانوا متزوجين من قبل تتراوح مابين 7,2% و 8% مما يؤكد ان ظاهرة تعدد الزوجات اكبر مما تشير اليه النسبة العامة الرئيسية بل ان هذه الاحصائيات نفسها تؤكد ان تعدد الزوجات هو احد الاسباب الرئيسية في الطلاق وتعتبره مسؤولا عن 20% من حالات الطلاق غير ان هذه النسبة العامة على نطاق القطر المصري بكامله لا ينبغي ان تنسينا ان حالات الطلاق في المدن الكبرى تزيد كثيرا عنها في المدن الصغيرة والريف ففي القاهرة وصلت الى 42% من الزيجات وفي الاسكندرية بلغت 35,5% منها فقط ( احصاءات 1978).

 

وقد لايكون بغير مغزى ان نشير الى رد الفعل العنيف الذي احدثته بعض المحاولات الاصلاحية الخاصة بتقييد الزواج والطلاق خلال عام 1974 لقد خرجت ( المظاهرات ) تطالب بوقف مناقشة هذه القوانين وتتهم وزيرة الشؤون الاجتماعية – ويالها من مفارقة ان تكون في مثل هذا الوضع وزيرة للشؤون الاجتماعية – بالزندقة والالحاد والخروج على الشرع اليست هذه الحادثة تعبيرا انفعاليا حادا عن مدى التخلف في تركيبة البنية الثقافية العربية بشكل عام ؟

صدام حسين يعي هذا الوضع جيدا بكل ابعاده ولذلك سوف نسمعه يقول:

 

( القفز من فوق الظروف الموضوعية انحراف ونظرة خاطئة واتخاذ الظرف والظواهر القائمة مبررا لاعاقة العمل الى امام انحراف كذلك يجب ان يكون حديثنا عن المرأة ودور المرأة في المجتمع حديثا متوازنا وان تكون نظرتنا الى هذا الموضوع نظرة متوازنة ) ..فماذا تعني هذه النظرة المتوازنة اذن ؟ يقول صدام حسين :

 

ان المنطلقات الفكرية ونظرية العمل في حزبنا تشير الى ان التغيير الثوري لا ينجز بقوانين مجردة وانما بعمل نضالي دؤوب وتحرك جماهيري واسع ومعرفة دقيقة بقوانين تحول المجتمع واستخدامها استخداما صحيحا عن طريق قيادة كفوءة تحدد بدقة المجالات والصيغ الصائبة والسليمة لتحرر المرأة بحيث تتم عملية تحرير المرأة باقصى مايستطيعه الفعل الثوري وباقصى ماتحمله ويستوعبه المجتمع ضمن حركته الموضوعية الثورية التي تستهدف تغيير المجتمع الى امام مع مراعاة الموازنة الثورية الصحيحة لكي لا تؤدي الحركة والفعل المطلوبان الى اختلال العملية وهي تتخطى الاطر والتقاليد والعادات المتخلفة وتتجاوز المفاهيم البرجوازية الشكلية للحرية ) .

 

ولكن هل يعني ذلك عدم اللجوء الى التشريع القانوني لحماية حقوق المرأة كلا بالطبع صدام حسين يقول : ( في حساباتنا التي اجريناها وتوصلنا الى ضرورة ان نصحح موقع المرأة بقوانين ولكن دون ان نطرح هذه القوانين في زمن متقدم تجعل فيه الرأي العام ينقسم ونجعل اليمين الرجعي يحصل على غطاء يستقطب من خلاله بعض الناس الذين ليسوا منه وانما هم من الثورة ) ..وهو في هذا السبيل يرى ان يتكون عرف جديد ينسج العرف القديم داخل المجتمع يسهل مهمة التشريعات اللاحقة كيف يمكن ان يتم هذا التكون للعرف الجديد ؟

 

( تقوية الموقع الاقتصادي للمرأة بصيغة حقوق واعراف في المجتمع هي جزء من عملية تحرر المرأة تقوية وتوسيع الشروط اللازمة لمنع الرجال من الزواج باكثر من واحدة هي جزء من عملية تحرر المرأة وتقييد الطلاق بقيود اضافية وتعميق وضبط شروطه القائمة هي جزء من تحرر المرأة وكذلك شان التوسع في العملية التربوية والدراسية بفرص متساوية بين الرجل والمرأة واهم من كل ذلك هو ان تتحرر المرأة من خلال العمل الفعلي والمشاركة الجدية في بناء المجتمع ...)

 

وهنا نصل الى جوهر تفكير الاساس في هذه القضية واتجاهات منطقة:

( ان تحرر المرأة كليا وجذريا وفق النظرة التي نؤمن بها انما يتم من خلال تحرير المجتمع كله سياسيا واقتصاديا وثقافيا لان تحرير المجتمع يوفر الشرط الموضوعي لتحرير المرأة ويخلصها من قيود التخلف والتأخر ) .

 

ان تحرير المرأة من قيودها لن يتم الا بتحرير الرجل من قيوده وكلاهما لن يتحرر الا بتحرير المجتمع نفسه ومن خلاله فهل يمكن لمن ليس حرا ان يمنح الحرية للاخرين ؟

 

2- مامن شك في ان مشكلة محو الامية في اقطار الوطن العربي هي واحدة من المشكلات الاكثر الحاحا وضغطا على امكانيات تطور البنية العربية وتقدمها اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا ومنذ ان تفتحت عيوننا على الحياة من حولنا ونحن جميعا نحس بمهانة هذا العار الذي يستشري في مجتمعنا وكنا نقرأالاحصاءات التي تصدرها الهيئات الدولية او تصدرها حتى الجهات المحلية المعنية ونضع ايدينا على وجوهنا من بشاعة الارقام وكنا ننصت الى من يتحدثون عن الاشتراكية – وما اكثرهم – في بلادنا ولانملك سوى الدهشة والتعجب اذ كيف يمكن ان تؤمم المصانع او البنوك او المؤسسات مهما كانت اهميتها ولا تؤمم المعرفة الانسانية ؟ كيف يمكن الحديث عن اعادة توزيع الثروة المادية ولايسبقها او لا يواكبها او حتى لا يعقبها توزيع عادل للثروة الانسانية ؟اليس الانسان هو اثمن راسمال كما تقول كل المذاهب والمدارس والعقائد الاشتراكية ؟ بل من يبني هذه الاشتراكية ؟ ايمكن لاية اشتراكية حقيقية ان يبنيها الموظفون والبيروقراطيون والتكنوقراطيون في غيبة المشاركة الفعلية – لا المظهرية – للجماهير صاحبة المصلحة الاولى والاخيرة في اية اشتراكية ؟ وكيف يمكنها ان تشارك بالفعل ان تمارس بالفعل وهي تفتقد الالمام بالابجدية الاولى او بالعمليات الاولية في مبادئ علم الحساب ؟الم يكن ذلك كله تزويرا وتزييفا وطمسا للحقائق ولمظاهر الواقع الكئيب في مجتمعاتنا العربية ؟

 

وتأمل هذه الارقام القليلة عن نسبة الامية لتعرف بعض الحقائق المباشرة عن واقعنا العربي ( وهي مأخوذه عن تقرير صدر عن مركز التدريب على تنمية المجتمع العربي التابع لهيئة اليونسكو) : جمهورية مصر العربية 70 % الجمهورية التونسية 68,7% الجمهورية الليبية 76% الجمهورية الجزائرية 78% الجمهورية السودانية 86,5% المملكة المغربية 86% المملكة السعودية 95% المملكة الاردنية الهاشمية 67,7% الجمهورية اللبنانية 13,9% الكويت 47.1% الجمهورية السورية60,8% اما اقطار الخليج العربي واماراته فليس هنالك لحسن الحظ بيانات متوفرة.

 

تأمل هذه الارقام القليلة وحدها ولك بعد ذلك ان تتحدث – ان اردت – عن التنمية والتصنيع واللحاق بالعصر الجديد ماشاء لك الوهم ان تتحدث فلن ينصت اليك احد ولك ان تتحدث – ان اردت – عن ماضينا وتراثنا وحضارتنا الغابرةماشاء لك التمسك بالعز القديم الزاهر فاغلب الظن ان الذين لا يقرأون التاريخ لن يصدق منهم احد فعالم اليوم لم يعد يتذوق شعر المعلقات فيق الاطلال ولم يعد يفهم غير لغة القوة العلمية والاقتصادية التي تؤدي الى القوة العسكرية المستقلة ولم يعد ينجذب لغير مشاهدة الصواريخ العملاقة التي تدفع بانسان الربع الاخير من القرن العشرين الى السير فوق ارض القمر .

 

وليس بوسع المرء ان يتصور ان ثمة عربيا مهما كان موقعه السياسي او اتجاهه الفكري لم يستشعر في نفسه عزة حقيقية وهو يقرأ القانون الذي صدر في النصف الثاني من عام 1978 عن مجلس قيادة الثورة العراقية الخاص بالحملة الوطنية الشاملة لمحو الامية الالزامي الذي يتعلق بسدس سكان العراق وتحدد له سقف زمني هو ثلاث سنوات فقط .

 

من نافل القول ان نشير هنا الى القيمة الكبيرة التي ينطوي عليها هذا القانون سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وحضاريا ومن العبث ان نعيد القول في طبيعة عصرنا الذي يوصف تارة بانه عصر التكنولوجيا وتارة اخرى بانه عصر الجماهير او ان نتحدث عن علاقة ذلك كله بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والحضارية او بالديمقراطية الحقيقية في معناها الذي يتعدى مجلرد الواجهات البرلمانية الشكلية ذلك كله الان بات حديثا معادا مكررا ومن المفارقات الغربية ان كل اجهزة الاعلام في الاقطار العربية ومعظم ( دساتيرها ) و ( دساتير ) احزابها لاتمل من اعادته وتكراره .

 

ومع ذلك فالقطر العربي الوحيد الذي سوف يبادر بمحو هذا العار من فوق جبينه هو العراق ,فلن ينتهي عام 1981 حتى تكون الرؤوس العربية التي لفها الظلام قرونا طويلة وكان قمينا به ان يلف اجيالها القادمة عقودا اخرى من السنين سوف تضئ في النهاية كقناديل مشعة بالامل على طريق الثورة العربية .

 

والامر الذي لاشك فيه ان التطبيق المبدع لهذا القانون سوف يؤدي الى قفزة حضارية في المجتمع العراقي ويؤديس بالضرورة كذلك الى تغيرات عميقة الغور في المفاهيم والافكار والعادات والاعراف والتقاليد والممارسات بحيث يمكن للعراق في ظل سلطته الثورية ان يقدم مثلا ملهما للاقطار العربية الاخرى .

 

وفي كل الاقطار والدول التي عرفت جهودا من هذا الطراز لم تنجح سوى تلك الجهود التي قادتها احزاب ثورية او ثورات لم تصب بفقر الدم ولم تتصلب شرايينها في المؤسسات البيروقراطية بل ربما لعب الاشراف المباشر والالتصاق الحميم بتلك الجهود من جانب الشخصيات القيادية الاساسية التي تنطوي على معنى ( الرمز ) لتلك الاحزاب والثورات دورا بالغا في اشعال الحماس الوطني والشعبي او الاحتفاظ بمستوى حرارته الاولى مع تقدم الزمن بين الجنود الذين يخوضون معارك التنوير كل يوم هكذا كان يفعل لينين وماو وكاسترو والعم هوتشي منه ..وهكذا يفعل اليوم لاول مرة في اقطار الوطن العربي الكبير : صدام حسين .

 

انها ثورة ثقافية اذن ؟ لا بل هي نفس الثورة الشاملة تتحقق في ميدان من ميادينها المتكاملة ذلك لان ربان السفينة مازال يفرد شراعه القوي ويناضل باصرار عصف الرياح وسطوة الاعصار وعيناه تتطلعان الى هناك ...الى الافاق المضيئة ... ودائما وابدا ترن في اسماعه اصوات تناديه بالرحيل ...الى الشواطئ البعيدة الجديدة ...  

 
 

وستكون لنا معكم رحلة اخرى من سفر القائد في المواضيع القادمة من سفر نضاله الطويل في تكملة  القسم الثاني وهي  :

ج- صدام حسين وشمولية قضية الديمقراطية .

 

9- الديمقراطية نظرة شمولية للحياة .

10- الديمقراطية والتقدم للشعب الكردي.

11- الجبهة الوطنية هدف استراتيجي .

كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الثلاثاء  / ٠٧ جمادي الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٢ / حزيران / ٢٠٠٩ م